[size=35] أصحاب الكهف[/size]
تشمل "سورة الكهف" أربع قصص، هي تباعًا: أصحاب الكهف، صاحب الجنتين، قصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين. تأتي الأولى في سبع عشرة آية متسلسلة (9-25)، وتتحدث عن فتية فرّوا بدينهم من ملك كافر، وآووا إلى كهف حيث تمَّت لهم معجزة إبقائهم فيه "ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا" (25)، وأفاقوا بعد هذه المدة الطويلة وهم يظنون أنهم أمضوا "يومًا أو بعض يوم" (19)، ثم أدركوا أن البلاد أضحت كلها على التوحيد. وعثر عليهم الناس، فدُهشوا وتعجَّبوا، وعلموا "أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها" (21)، وأن الخالق قادر على إحياء الموتى.
|
|
أصحاب الكهف، تبريز، نهاية القرن الخامس عشر، توبكابي، اسطنبول. |
أصحاب الكهف، قصص الأنبياء، نهاية القرن السادس عشر، المكتبة الوطنية الفرنسية، باريس. |
تبدأ القصة بآية تقول: "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا"، ويؤكد الطبري في تفسيره أن الحديث موجَّه إلى النبي محمد. "أما الكهف، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قصَّ الله شأنهم في هذه السورة". "وأما الرقيم، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيِّ به، فقال بعضهم هو اسم قرية أو واد"، وقيل هو الجبل الذي فيه الكهف، وقيل هو الكتاب، ونُقل عن ابن عباس قوله: "ما أدري ما الرقيم، أكتاب، أم بنيان؟". الأرجح أنه "لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف، ثم وضعوه على باب الكهف". يعرض الطبري ما جمعه من آراء، ويرى أن أولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيًا به لوح، أو حجر، أو شيء كُتب فيه كتاب. وقد قال أهل الأخبار إن ذلك لوح كُتبت فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أوَوا إلى الكهف. ثم قال بعضهم رُفع ذلك اللوح في خزانة الملك. وقال بعضهم: بل جُعل على باب كهفهم. وقال بعضهم: بل كان ذلك محفوظًا عند بعض أهل بلدهم. النبأ والخبر يأتي خبر أصحاب الكهف في ثلاث آيات مختزلة: "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربَّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" (10-12). الفتية هم المؤمنون الخائفون على إيمانهم من قومهم، وقد لجأوا إلى الله فرارًا، وقالوا: "يسِّر لنا بما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك"، وأصلح من أمرنا هدايةً. لا يذكر القرآن السبب الذي دفع بهؤلاء الفتية إلى الهرب واللجوء إلى الكهف، واختلف أهل العلم في تحديد هذا الدافع، وقال بعضهم: كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى، وكان لهم ملك عابد وَثَن دعاهم إلى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم أو يقتلهم، فاستخفَوا منه في الكهف. وضرب الله آذان الفتية سنين عددا، أي ألقى عليهم النوم سنين معدودة، ثم بعثهم من رقدتهم أمام العباد بالمشاهدة ليعلم "أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"، والحزبان طائفتان "اختلفتا في قدر مبلغ مُكْث الفتية في كهفهم رقودا".
|
|
قصص الأنبياء، 1577، مكتبة نيويورك. |
قصص الأنبياء، 1581، المكتبة الوطنية الفرنسية، باريس. |
بعد هذه الآيات الثلاث، يخاطب الله نبيَّه من جديد في آيتين: "نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا" (13-14). والتفسير: "نحن يا محمد نقصُّ عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بالحقِّ"، أي "بالصدق واليقين الذي لا شكَّ فيه". "إن الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك، فتية آمنوا بربِّهم"، "وزدناهم إلى إيمانهم بربِّهم إيمانًا وبصيرة بدينهم حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه إلى خشونة المكث في كهف الجبل". "وألهمناهم الصبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش". وشهروا إيمانهم وقالوا: "ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء"، لن ندعو سواه "لأنه لا إله غيره"، وإن دعونا غيره فرضًا لكان قولاً ذا شطط، أي كذب وخطأ. تتواصل قصة أصحاب الكهف في الآيات التالية. قال الفتية بعضهم للبعض الآخر: "هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا" (15)، ومعناه: "هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها من دونه"، "هلا يأتون على عبادتهم إياها بحجة بينة". فلا أحد أظلم ممن افترى على الله وأشرك في سلطانه شريكًا يعبده دونه كذبًا. "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا" (16)، أي يهيئ لكم كل ما ترتفقون به. "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" (17). "ومعنى الكلام: وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم. وإذا غربت تتركهم بذات الشمال، فلا تصيبهم". "وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا" (18). والأيقاظ جمع يقظ، "وهم رقود"، أي نيام، والله يقلِّب "هؤلاء الفتية في رقدتهم مرَّة للجنب الأيمن، ومرَّة للجنب الأيسر"، و"لو أنهم لا يُقلَّبون لأكلتهم الأرض". وكلبهم باسط يديه بالوصيد، أي بفناء الكهف، "أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أن الباب يُوصَد". "لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربًا"، "ولملئت نفسُك من اطلاعك عليهم فَزَعًا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده". وعد الله تأتي خاتمة القصة في سبع آيات. "كذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعامًا فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدًا. إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذًا أبدًا" (19-20). فحوى الحديث: "كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مرِّ الأيام بقدرتنا، فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرِّفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبيَّنوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا". قام الفتية من رقادهم، وظن بعضهم أنهم لبثوا في نومهم "يومًا أو بعض يوم"، "ظنًا منهم أن ذلك كذلك كان"، "فقال الآخرون: ربكم أعلم بما لبثتم فسلَّموا العلم إلى الله". وبعثوا بواحد منهم إلى مدينتهم التي فرُّوا منها كي يشتري طعامًا، وسألوه أن يتوخى الحذر، مخافة أن يعرف الناس بهم، فيرجمونهم شتمًا بالقول أو يردُّونهم في دينهم، فيصيروا كفارًا بعبادة الأوثان، وعندها لن يدركوا الفلاح، "وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان".
|
|
|
فالنامه، منتصف القرن السادس عشر، متحف "متروبوليتان" في نيويورك. |
فالنامه، 1570، توبكابي، اسطنبول. |
القديسون الفتية السبعة النائمون في أفسس، أيقونة من القرن السابع عشر، مجموعة دير بناجيا ميرتيوديسا في اليونان. |
تنتهي القصة القرآنية عند هذا الحدود. "وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانًا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدًا" (21). والتفسير: "وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم ساعة رقدوا، ليتساءلوا بينهم، فيزدادوا بعظيم سلطان الله بصيرة، وبحسن دفاع الله عن أوليائه معرفة، كذلك أطلعنا عليهم الفريق الآخر الذين كانوا في شكٍّ من قدرة الله على إحياء الموتى، فيعلموا أن وعد الله حق، ويُوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها". قال الذين لا يؤمنون بالقيامة: "ابنوا عليهم بنيانا، رب الفتية أعلم بالفتية وشأنهم". وقال المؤمنون: "بل نحن أحقُّ بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدًا نصلي فيه، ونعبد الله فيه". تشير الآيات الأخيرة إلى سجال حول عدد الفتية: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرًا ولا تستفت فيهم منهم أحدًا. ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا. إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدًا. ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا. قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدًا" (22-26). ينقل الطبري هنا شهادات عدة تفيد بأن الفتية كانوا سبعة، منها قول ابن عباس: "أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله تعالى، كانوا سبعةً وثامنهم كلبهم". ويختم تفسيره بالقول: "لبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم الله، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاث مئة سنين وتسع سنين". "الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم بذلك غير الله، وغير من أعلمه الله ذلك". في المقابل، يقول تفسير الجلالين إن "هذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين، وقد ذُكرت في قوله: وازدادوا تسعًا، أي تسع سنين فثلاثمائة الشمسية ثلثمائة وتسع قمرية. الرواية الجامعة نقل الطبري في تفسيره مجموعة من القصص المفصَّلة تتقاطع في خطوطها العريضة على رغم تباين أحداثها، واستعاد هذه القصص بشكل مختصر في تاريخ الرسل والملوك. تقول هذه الرواية إن الفتية "كانوا من قوم يعبدون الأوثان من الروم، فهداهم الله للإسلام، وكانت شريعتهم شريعة عيسى". "وكان لهم في ذلك الزمان ملكٌ يقال له دقينوس، يعبد الأصنام، فيما ذُكر عنه، فبلغه من الفتية خلافهم إياه في دينه، فطلبهم، فهربوا منه بدينهم"، ومضوا إلى أن بلغوا ليلاً جبلاً يحوي كهفًا، فآووا إليه مع كلبهم، وقرروا أن يبيتوا فيه الليلة قبل أن يواصلوا طريقهم في الصباح. وقيل إن "اسم جبل الكهف بناجلوس، واسم الكهف حيزم، والكلب خُمران". خرج الملك مع رجاله خلف الفتية، وبلغوا الكهف، فهابوا وفزعوا من الدخول عليهم، فأمر دقينوس بسدِّ الكهف عليهم، وقال: "دعوا هؤلاء الفتية المَرَدة الذين تركوا آلهتي، فليموتوا كما هم في الكهف عطشًا وجوعًا، وليكن كهفهم قبرًا لهم". وكان في بيت الملك رجلان يكتمان إيمانهما، فكتبا أسماء الفتية وقصة خبرهم في لوحين من رصاص، وجعلا اللوحين في تابوت من نحاس عند فم الكهف. ألقى الله على الفتية النوم وهم لا يدرون، فغبروا في كهفهم زمانًا بعد زمان، وكلبهم باسط ذراعيه أمام باب الكهف، إلى أن هلكت أمتهم الكافرة، وجاءت أمة مؤمنة يحكمها ملك مؤمن يُدعى تيذوسيس. في عهده، اختلف الناس في الروح والجسد، "فقال قائل: تبعث الروح والجسد جميعًا. وقال قائل: تبعث الروح، وأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئًا. فشقَّ على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المسوح، وجلس على الرماد، ثم دعا الله عزَّ وجل، فقال: يا ربُّ، قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث لهم ما يبين لهم". وحدث أن مرَّ راعٍ بالكهف في يوم ممطر، ففتح بابه كي يأوي مع غنمه إليه، وردَّ الله إلى الفتية أرواحهم في الصباح، فبعثوا أحدهم بورق يشتري لهم طعامًا، وطلبوا منه التخفي، فمضى حتى المدينة التي تُسمى أفسس، ففوجئ بتغير معالمها، ولم يتعرف على أحد من أهلها، ودخل على رجل، وسأله: "بعني بهذه الدراهم طعامًا". فردَّ عليه متعجبًا: "ومن أين لك هذه الدراهم، هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان فأنَّى لك بها؟". وسار الرجل بالفتى إلى الملك، فروى القصة عليه وأخبره خبر أصحابه، "فأمر الملك بجمع الناس، وقال لهم: "إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله عزَّ وجل قد بعث لكم آية". وانطلقوا جميعًا إلى الكهف حتى بلغوه، فقال الفتى: "دعوني أدخل إلى أصحابي". انتظر الناس عودة الفتى، ولما استبطأوه، دخلوا الكهف، "فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئًا غير أنها لا أرواح فيها. فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم". وجاء في رواية أخرى أنهم لم يقدروا على الدخول إليهم، "فبنوا عندهم كنيسة، واتخذوها مسجدًا يصلون فيه". تتقاطع هذه الرواية مع سيرة مسيحية شهيرة وردت في العديد من المراجع الكنسية، وهي سيرة "القديسين الفتية السبعة النائمين في أفسس". جاء في هذه السيرة أن القيصر داكيوس مرَّ بمدينة أفسس، وأمر السكان بتقديم الأضحية للأوثان، فرفض الفتية السبعة الانصياع لهذا الأمر، ولما سُئلوا عن السبب، جاهروا بإيمانهم المسيحي، مما أثار غضب القيصر، فتواروا في مغارة تقعد عند شرق المدينة حيث ركنوا إلى الصلاة، فأمر القيصر بإيصاد مدخل المغارة ليميتهم فيها، "وقيل إن اثنين من الذين نفَّذوا المهمة كانا مسيحيين في السر. هذان خطَّا خبر الفتية السبعة على لوح من رصاص مع أسمائهم ووارياه الجوار". وبعد أكثر من قرنين، في عهد الأمبراطور البيزنطي ثيوسيوس الصغير، شاع مذهب ينكر قيامة الموتى، وبتدبير إلهي، أُزيحت الحجارة عن باب المغارة على يد راع، "وعاد الفتية إلى الحياة كالناهض من النوم دون أن يكون قد نالهم أيُّ تغيير"، "واتُّخذ خبرهم برهانًا على قيامة الأجساد". روى الفتية حكايتهم للناس تأكيدًا لهذا الخبر، ثم عادوا ورقدوا من جديد، وهم في رقادهم إلى يوم القيامة العامة. السيرة المصوَّرة وجدت قصة أصحاب الكهف في عدد كبير من المنمنمات الإسلامية، ونقع على القسم الأكبر من هذه الصور في النسخ المزوَّقة من قصص الأنبياء وفالنامه. يظهر الفتية السبعة في هذه الصور نيامًا وسط كهف أسود، وفقًا لتأليف إيقونوغرافي يقارب إلى حد ما النموذج البيزنطي المثبَّت. تأخذ المنمنمة في بعض الأحيان طابعًا إنشائيًا، ويظهر الملك على جواده برفقة حرسه فوق المغارة، كما في نسخة من قصص الأنبياء تعود إلى عام 1581، وهي من محفوظات المكتبة الوطنية الفرنسية. يتكرر المشهد في منمنمة من فالنامه تعود إلى متحف "متروبوليتان" في نيويورك، وفيها يظهر إبليس وهو يرشد الملك إلى موقع المغارة، وسط حلقة الجنود الملتفة من حولها. أمر دقينوس بسدِّ المغارة على الفتية، "وهو يظنُّ أنهم أيقاظ يعلمون ما يُصنع بهم، وقد تَوفَّى الله أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، قد غَشَّاه الله ما غشاهم، يُقلَّبون ذات اليمين وذات الشمال". وبعد أكثر من ثلاثمئة سنة، أقامهم الله من وفاة النوم، وجعل من هذه المعجزة "آية للعالمين، لتكون لهم نورًا وضياء، وتصديقًا بالبعث". رجع الفتية إلى مضاجعهم بعد حين، فناموا، وتوفَّى الله أنفسهم بأمره. جاء في رواية أخرى نقلها الطبري أن الملك تيذوسيس أراد أن يجعل لكلٍّ منهم تابوتًَا من ذهب، فأتوه في المنام، وقالوا: "إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة، ولكنا خُلقنا من تراب وإلى التراب نصير، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه". أمر الملك حينئذٍ بوضعهم في تابوت من ساج، وحجبهم الله، "فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم. وأمر الملك فجعل كهفهم مسجدًا يُصَلَّى فيه، وجعل لهم عيدًا عظيمًا، وأمر أن يؤتى كل سنة. فهذا حديث أصحاب الكهف