أحكمت الأنظمة العربيّة غلق القماقم العتيقة، وبمجرّد تزعزع بعضها أو تلاشيها، غير مأسوف عليها، انطلقت عفاريت الهويّة والطّائفيّة والشّريعة والعقيدة وفتحت أمامنا مسرحا قياميّا شبيها برقصة أشباح الماضي مع الأحياء.
كلّ هذا الرّعب الذي نراه يتمّ باسم الإسلام، رغم كلّ الحسابات والرّهانات الجيوستراتيجية، ورغم الدّور التّخريبيّ الذي لعبته بعض الدّول، ورغم تعدّد أطراف اللّعبة في كلّ بلد فتح فيه جحيم هذا الحفل القياميّ الطّائفيّ الأصوليّ. رؤوس مقطوعة باسم الإسلام. رؤوس تعرض أمام المتفرّجين، فتلك هي مقتضيات الإعلام والعولمة، وتلك هي التّقنية في خدمة القتل والإخبار عنه. وإلى جانب هذه الرّؤوس وجوه الفرحين بالتّخلّص من كفّار يجب أن يتناقص عددهم لتزداد حسناتهم. رؤوس معلّقة على الحبال كما يعلّق الغسيل، فنشر الرّؤوس هو الحلّ الرّاديكاليّ، النّهائيّ، لنشر كلمة الإسلام. رؤوس تقطع بالسّكّين، بعد أن يوضع صاحبها في هيئة كبش الأضحية، تجسيدا للأمر الإلهيّ بذبح الابن، وإلغاء للأمر الإلهيّ بإلغاء الذّبح. مهووسون إلهيّون ينتقلون إلى الآخرة وهم يحلمون بحور العين. مهووسون إلهيّون آخرون يريدون إيجاد حور العين في الدّنيا، فيسبون مجموعة من الطّفلات، ويحيون سنّة الرّقّ.
وحيث يستقرّ المنتصرون للإله المنتصبون لحساب الآخرة في الدّنيا نجد شكلا آخر من فظائع الرّعب الدّمويّ : أياد مقطوعة، ونساء يرجمن إلى الموت، وأحيانا يرجمن وفي بطونهنّ الأجنّة.
أين “فقهاء الإسلام” من كلّ هذه الفظائع؟ أين حسّهم الأخلاقيّ؟ هل فشل الإصلاح الدّينيّ؟ ولماذا يصدر كلّ هذا الرّعب القداسيّ عن الإسلام بالذّات؟
في كلّ المجتمعات نسبة من البشر هم من المرضى والسّاديّين وكارهي المجتمع. فكيف تستطيع هذه النّسبة من البشر في المجتمعات الإسلاميّة أن تبسط على مرضها وحقدها ظلال الإسلام؟ ولماذا نواصل إلى اليوم مواجهة الأحكام والفتاوى التي واجهها المصلحون وواجهتها المصلحات-المنسيّات- منذ قرن أو أكثر؟
فقهاء الإسلام كأنّهم في حالة توحّد تامّ. كأنّهم لا يرون كلّ ما يتمّ إنتاج من فظائع باسم الدّين الذي يقول عن نفسه إنّه أتى لـ“يتمّم مكارم الأخلاق”. فهم يصرّون على آليّات الفقه وأحكامه التي تنتج كلّ هذا : يصرّون على الجهاد الحربيّ في سبيل الله، ويصرّون على أنّ حكم الزّاني والزانية الرّجم، وحكم السارق قطع اليد. والقواعد النّظريّة والمنهجيّة العتيقة لهذا الإصرار على القتل والرّجم وقطع الأيدي هي أنّ القرآن قانون، وأحكام هذا القانون أبديّة، والإسلام أفضل الأديان، وغير المسلمين على غير هدى إلى أن يهتدوا إلى الحقّ. هذه القواعد هي نفسها السّائدة إلى اليوم في كلّ أنواع الإسلام السّلميّ والحربيّ، “المعتدل” و“المتطرّف”، السّنّي والشّيعيّ...
حاول بعض المصلحين والمفكّرين أن ينتجوا أفكارا تؤدّي إلى الفصل بين الدّين والعنف القداسيّ وبين الدّين والمرض النّفسيّ المنتج للعنف. لكنّ قلّة قليلة منهم دعت إلى إلغاء هذه القواعد. وكلّ هذه الأصوات ظلّت خافتة إلى جانب من رفعوا شعارات تطبيق الشّريعة والعودة إلى الأصول. فهل نجني اليوم بعض ثمار هذا الفشل أو هذه العطالة في القبول بالحداثة الدّينيّة؟ أم نجني نتائج العجز عن القيام بإصلاح دينيّ عميق؟ أم هل يشبه هذا الاستفحال للعنف ما عرفته المسيحيّة من هوس قداسيّ أثناء محاكم التّفتيش؟ وهل سيظلّ الإسلام كما هو بعد كلّ هذه الفظائع المعروضة أمامنا يوميّا؟ ألا يظلّ الفصل العلمانيّ بين الدّين والحياة العامّة المبدأ الأوكد الذي يجب تجسيده بعد أن ينزل السّتار على مسرح الرّعب المقدّس؟
الجمعة فبراير 13, 2015 5:16 am من طرف عزيزة