** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بن عبد الله
مراقب
مراقب
avatar


التوقيع : السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية Image001

عدد الرسائل : 1537

الموقع : في قلب الامة
تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية Empty
28062014
مُساهمةالسوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية

جيمس جيري : " الأنا هو الآخر "
السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية

حسن عجمي

نظن عادة أن المجاز غير مرتبط بالحرية. لكن هذا الظن كاذب لأن المجاز آلية تحرر كالعلم تماماً. نرصد في هذه المقالة نظرية المجاز كما يقدّمها الكاتب والمفكر جيمس جيري في كتابه " الأنا هو الآخر ". لا يكتفي جيري بإيضاح معنى المجاز بل يقدّم أيضاً نظرية مثيرة مفادها أن التفكير المجازي لا يختلف عن التفكير العلمي الواقعي. لكن العلم حرية ما يدعونا إلى مناقشة قضية الحرية وارتباطها بالمجاز لنشهد أخيراً المواجهة بين السوبر حرية والسوبر عبودية.

التفكير المجازي في مواجهة التفكير الواقعي

يقول المفكر جيري إن المجاز يعيد تنظيم العالم من خلال الجمع بين المجرد والمحسوس أو بين الفيزيائي والسيكولوجي أو الشبيه والمختلف في صياغة لغوية غير معهودة. المجاز أسلوب أدبي بفضله نصف الشيء من خلال شيء مختلف عنه. لكن جيري يؤكد على أن المجاز أكبر من أن يكون مجرد منهج أدبي لأنه في الحقيقة لا يُعتمَد في الأدب والفن فقط بل ينتشر بشكل واسع في كل الميادين الإنسانية كالاقتصاد و السياسة والعلوم. فمن خلال المجاز يسوّق التاجر سلعه و يروّج السياسي لبرامجه السياسية و يطرح العالِم أفكاره العلمية. يعتبر جيري أن المجاز ليس لعباً على الكلمات بل هو طريقة تفكير أساسية بفضلها نفهم ظاهرة ما من خلال ظاهرة أخرى ونتواصل و نتعلّم ونكتشف ونخترع. باختصار, التفكير المجازي يشكّل نظرتنا إلى العالم. لقد اعتقدت البشرية لقرون عدة بأن المجاز غير مفيد معرفياً وأن قيمته قائمة فقط في جماليته و إمتاعه لنا. لكن الدراسات النفسية والاجتماعية قد أظهرت أن المجاز يكوّن نمط تفكير محوري في إنتاج المعتقدات وتحديد الأفعال. هذا لأن الفكر الإنساني مجازي في الأساس. فإذا أردنا أن نصف أو نفسّر ظاهرة معينة لا بد أن نصفها أو نفسّرها على ضوء ظاهرة أخرى نفهم ما هي وكيف تتصرف ولماذا تتصرف كما تفعل بالضبط . لكن المجاز ليس سوى وصف الشيء بشيء آخر أي أنه عملية إعطاء الشيء اسماً ينتمي إلى شيء آخر كما يقول أرسطو. من هنا , أية عملية وصف أو تفسير لأية ظاهرة لا بد أن تكون مجازية في جوهرها. لذا يستنتج جيري بأن الفكر الإنساني فكر مجازي فلا يخلو سياق معرفي أو لغوي من المجاز بل يتشكّل أي خطاب من مجازات عدة؛ فمعظم ما نقول مجاز. أما الخلاف بين التفكير المجازي والتفكير الواقعي فلم يكن سوى خلاف كاذب. اعتقدنا لمئات من السنين بأن التفكير الواقعي هو المنتج لما يمثل الواقع كما هو بينما التفكير المجازي مجرد صياغة خيالية لما يمكن أن يكون أو لما يستحيل أن يوجد في الحقيقة. هذا التمييز بين الفكر الواقعي والفكر المجازي تمييز فاشل لأن كل تفكير كما رأينا هو تفكير مجازي بامتياز و رغم كونه مجازياً ينجح في تصوير الواقع بسبب أن المجاز يصف هذه الأشياء أو تلك الظواهر من خلال أشياء أو ظواهر أخرى أكثر وضوحاً بالنسبة لنا ( James Geary : I Is an Other.2011.Harper ).

بالإضافة إلى ذلك , يشرح جيري معادلة المجاز فيقول إنها تتمثل في أن أ= ب. فكل مجاز يتشكّل على ضوء هذه المعادلة الرياضية التي هي تعبير عن فكرة أن الأنا هو الآخر. بمجرد أن نساوي بين الأنا والآخر المختلف عن الأنا نخلق المجاز. على أساس هذه المعادلة, يطرح شكسبير مجازاته كمجاز أن جوليت هي الشمس. هنا يساوي شكسبير بين جوليت والشمس فيسمّي جوليت باسم شيء آخر مختلف عن جوليت نفسها أي الشمس, وبذلك يساوي بين شيئين مختلفين فينتج المجاز. ومن خلال هذا المجاز أوضح لنا حقيقة جوليت بسبب أن الشمس واضحة بالنسبة إلينا جميعاً بينما جوليت مازالت مجهولة بالنسبة لنا. هكذا وظيفة المجاز هي الإيضاح وتحقيق معرفة أكبر بهذا الشيء أو الشخص أو تلك الظاهرة. لكن كل عملية تفكير وظيفتها إيضاح الواقع والممكن وهدفها تحقيق مزيد من المعرفة. من هنا , يستنتج جيري بأن العقل الإنساني عقل مجازي وأن لا فرق حقيقي بين التفكير المجازي المعتمد أساساً على الخيال والتفكير العلمي الواقعي الذي غايته فهم الواقع. فالعلم أيضاً يستعين بالخيال؛ فمثلاً دعانا أينشتاين إلى تخيل أب يسافر بسرعة هائلة إلى الفضاء , ومن ثم دعانا إلى تخيل عودته إلى الأرض حيث يجد نفسه أصغر من ابنه بسبب أن الزمن نسبي كما تقول نظرية النسبية لأينشتاين. إن معادلة المجاز التي قدّمها جيري توضح بدقة تزاوج المجاز والحقيقة وانصهار التفكير المجازي والتفكير الواقعي في حقل فكري واحد لا يتجزأ. فبما أن معادلة المجاز هي أن أ= ب أي أن المجاز يتكوّن بفضل وصف هذا الشيء أو ذاك من خلال شيء آخر مختلف عن الشيء الأول , وبما أن العلم يعرّف و يحلّل هذه الظاهرة أو تلك من خلال ظاهرة أخرى من المفترض أن تكون مختلفة , إذن لا يختلف الفكر المجازي عن الفكر العلمي الواقعي. فمثلاً , يعرّف أينشتاين الجاذبية على أنها انحناء الزمكان ( جمع الزمان والمكان), وبذلك يعرّف الشيء من خلال شيء آخر معتمداً على معادلة أن أ= ب. فرغم أن معادلة أ= ب هي معادلة المجاز التي على ضوئها تتشكّل كل المجازات , هذه المعادلة ذاتها معتمدة في صياغة العلوم. مثل آخر على ذلك هو أنه عندما تقول نظرية الأوتار العلمية إن الكون أوتار وأنغامها , هي في الحقيقة تساوي بين الكون من جهة والأوتار والأنغام من جهة أخرى , وبذلك تلك النظرية العلمية تساوي بين أ و ب أي بين شيء وآخر. هكذا العلم ينتج المجاز حين يبني معارفه. و كما تنجح معادلة المجاز في صناعة العلوم والمعارف تتمكن من التعبير بدقة عن التعريف المقبول بشكل عام لمفهوم المجاز. فبما أن المجاز تسمية الشيء باسم شيء آخر كما قال أرسطو وهو استعارة اسم شيء ما لوصف شيء آخر كما يقول الجرجاني , إذن المجاز هو مساواة بين شيئين نظن عادة أنهما مختلفان أي أن المجاز ليس سوى أن أ= ب ( المرجع السابق ).

من جهة أخرى , اعتبر العديد من الفلاسفة والمفكرين أن المجاز مضر معرفياً لأنه عملية وصف شيء من خلال شيء آخر مختلف. من هؤلاء هوبز و باركلي و لوك, و لقد عبّر عن هذا الاتجاه النقدي الفيلسوف نيتشه و قال إن الحقيقة ليست سوى جيش متحرك من المجازات اللغوية. واعتمد هذا الاتجاه المفكر دريدا مؤكداً على أن أي خطاب يتشكّل في الأساس من مجازات هي متن الخطاب وجوهره , واستنتج بذلك أن أي خطاب يتكوّن من عبارات ومعتقدات غير عقلانية على أساس المسلّمة التقليدية القائلة بأن التفكير المجازي مناقض للتفكير العلمي الواقعي. لكن كما أوضح جيري لا يختلف التفكير العلمي عن التفكير المجازي , والعلم مقبول كمصدر للمعرفة بسبب نجاحاته في وصف وتفسير الظواهر الواقعية , وبذلك التفكير المجازي أيضاً مقبول كآلية ناجحة في إيصالنا إلى المعرفة. من هنا , رفض المجاز على ضوء اعتباره غير علمي بالضرورة رفض مرفوض. فالمجاز ضروري كي نصف من خلاله المفاهيم المجردة والأفكار المعقدة تماما ً كما هو ضروري في التعبير عن المشاعر. هذا لأن المجاز ناجح جداً في الكشف عن الأنماط والصفات المتشابهة بين الظواهر والحقائق المتنوعة ما يمكنا من فهم هذه الظاهرة أو تلك الحقيقة من خلال مقارنتها بظاهرة أو حقيقة أخرى شبيهة بالأولى و أكثر وضوحاً بالنسبة إلينا. و يتخذ السياق دوراً أساسياً في تحديد معنى المجاز فمع اختلاف السياق الخطابي يختلف معنى المجاز لأن المجاز يتكوّن على ضوء السياق الذي يحتويه. من هنا , يتضح معنى هذا المجاز أو ذاك بفضل السياق الخطابي الذي يستخدم المجاز ما يضمن للمجاز قدرته على إيصال المعاني والمعارف إلينا ( المرجع السابق ). هكذا يحررنا المجاز بما يملك من قدرات على إيصال المعارف والمعاني وخلقها. من هنا , نستطيع بحق أن نستنتج بأن المجاز آلية تحرر كالعلم تماماً ؛ فهو يحررنا من مظاهر الحقائق كي يساعدنا في الكشف عن حقائق الحقائق. لذا لا بد من أن نسأل: ما هي الحرية الحقيقية وكيف تختلف عن الحرية المخادعة؟

جدل الحرية والعبودية

لا بد من التمييز بين الحرية والسوبر حرية. بينما الحرية تتضمن التحرر من الآخرين فقط , السوبر حرية تتضمن بالاضافة إلى ذلك التحرر من الذات. بالنسبة إلى التعريف التقليدي للحرية, أي إنسان حر متى تصرف على ضوء رغباته و معتقداته بدلاً من التصرف على ضوء ما يرغب أو يعتقد الآخر . لكن إذا كانت حرية الفرد كامنة فقط في فعل ما يرغب الفرد أو يعتقد, حينها سيُسجَن الفرد في رغباته ومعتقداته , وبذلك سيخسر حريته. هكذا الحرية التقليدية حرية مخادعة. بكلام آخر, حين يتصرف الإنسان على أساس هذه الرغبات أو المعتقدات التي لديه ستغدو تلك الرغبات أو المعتقدات متحكمة فيه ما يؤدي إلى فقدان الحرية التي ظنها لديه. من هنا , لا بد أن يتحرر الإنسان من معتقداته و رغباته أي من ذاته لكي يصبح في الحقيقة حراً. هكذا لا توجد الحرية فقط في تصرف الفرد على أساس ما يرغب ويعتقد وبذلك في تحرره من الآخر , بل توجد الحرية أيضاً في تحرر الفرد من نفسه ومما لديه من رغبات مسبقة ومعتقدات جاهزة. حين يتحرر الإنسان من نفسه يمسي هو الآخر, وبذلك تغدو حرية الفرد قائمة في حرية الآخر ويغدو الفرد حراً في كونه الآخر. على هذا الأساس , يتجنب الفرد أن يقع في التعصب ضد الآخرين من جراء أن حريته كامنة في التحرر من ذاته ومعتقداته ورغباته. فبما أن الحرية قائمة في أن يتحرر الفرد من ذاته و مما يرغب ويعتقد , إذن حين تتحقق هذه الحرية لن يتعصب الفرد لما يعتقد وبذلك سيقبل الآخر المختلف فيضمن بذلك أخلاقيته. هكذا الحرية الحقيقية تضمن الأخلاق الحقة. بالنسبة إلى السوبر حرية , لا تكمن الحرية الحقيقية في تصرف الإنسان على ضوء ما يعتقد ويرغب فقط , بل الحرية كامنة في تصرف الإنسان على أساس ما يمكن أن يرغب ويعتقد في المستقبل ما يضمن تحرره من قيود رغباته ومعتقداته الماضية. فقط حين يتحرر الإنسان مما يعتقد ويرغب يتحرر من ذواته الماضية ليخلق باستمرار ذوات أخرى له في المستقبل. على هذا الأساس , يغدو الإنسان خالق ذاته بدلاً من أن يكون عبداً لذاته ما يجعله حقاً حراً.

أن تكون حراً هو أن تكون حراً من ذواتك في الماضي كي تبني ذواتك الأخرى في المستقبل. فمثلاً , بدلاً من أن يحيا الفرد على ضوء معتقداته التي اكتسبها من هذا الفرد أو ذاك المجتمع أو التي أنتجها في الماضي فيمسي سجيناً لها أو سجيناً لماضيه , لا بد أن ينتج رغبات ومعتقدات جديدة لنفسه وأن يبني ذوات جديدة له ليضمن تحرره من الآليات التي صنعت رغباته ومعتقداته و صنعته في الماضي. من هنا , نستطيع بحق أن نستنتج بأن السوبر حرية تؤدي إلى إنتاج أفكار ومعتقدات جديدة وتضمن استمرارية البحث المعرفي بدلاً من إيقافه. فبما أن , بالنسبة إلى السوبر حرية , حرية أي فرد قائمة في التحرر من معتقداته ونظرياته , إذن لا تتحقق حرية الإنسان سوى من خلال تغيير نظرياته ومعتقداته واستبدالها بأخرى بشكل دائم ما يستلزم إنتاج أفكار ومعتقدات جديدة وما يدفع بدوره بالبحث المعرفي إلى الاستمرار. في هذه النتائج فضائل قصوى للسوبر حرية ما يدل على مقبوليتها. أما الحرية التقليدية فتسجن مالكها في معتقدات محددة لأنها تدعي أن الحرية توجد في تصرف الفرد على ضوء معتقداته الحالية ما يمنع الإنسان عن صياغة معتقدات جديدة مختلفة عما كان يعتقد. من جهة أخرى , لا يملك الإنسان حرية إن لم يملك معرفة لأن من خلال معرفته يتمكن من اختيار المفيد له والأفضل ما يجعله حقاً حراً في اختياره. لكن المعرفة وما تتضمن من علوم هي عملية تصحيح مستمرة للمعارف الحالية والماضية ؛ فالنظريات العلمية مثلاً تُستبدَل بأخرى عبر التاريخ. من هنا , بما أن الحرية لا توجد سوى مع وجود المعرفة والعلم , وبما أن المعارف والعلوم عمليات تصحيح مستمرة, إذن لا توجد الحرية سوى من خلال التصحيح المستمر لمعتقداتنا و أفكارنا واستبدالها بشكل دائم بأفكار ومعتقدات جديدة مختلفة تماماً كما تقول السوبر حرية. كما لا توجد حرية سوى في ظل النظام الديموقراطي لأن الديموقراطية تضمن حرية التصرف والتعبير والحقوق الإنسانية الأخرى. لكن الديموقراطية أيضاً عملية تصحيح دائمة لهذه القوانين أو تلك المشاريع أو الأهداف واستبدالها بقوانين ومشاريع وأهداف أخرى من أجل تحقيق أعلى درجة من الحرية. لذا لا توجد حرية سوى من خلال عمليات التصحيح والاستبدال المستمرة لما نهدف ونعتقد ونرغب. وهذا هو موقف السوبر حرية نفسه , وبذلك لا حرية حقيقية سوى بفضل تحررنا مما نعتقد ونرغب ومما نكون.

بالإضافة إلى ذلك , لا بد من التمييز بين العبودية والسوبر عبودية. بينما العبودية تتضمن أن يكون الفرد عبداً لفرد آخر , السوبر عبودية تتضمن أن يكون الإنسان عبداً لهذه المعتقدات أو تلك. رغم أن البشرية نجحت إلى حد كبير في التحرر من العبودية لم تتمكن بعد من التخلص من السوبر عبودية. فمازلنا مستعبدين من قبل أفكارنا ومعتقداتنا ما يمنع عنا إمكانية البحث عن معارف جديدة والاعتراف بالآخر المختلف في معتقداته عنا. السوبر عبودية تقضي على إنسانية الإنسان لأنها تقمع قدرات الإنسان على إنتاج الحضارة وما تحتوي من صناعة إبداعية و فكرية. هذا بسبب أن السوبر عبودية تقيّدنا بمعتقداتنا فبأفعال محدّدة ما يدفع العقل إلى عدم الإنتاج الفكري والإبداعي. لقد وقعنا في سجون السوبر عبودية لأننا نعتبر أن معتقداتنا يقينيات غير قابلة للشك أو المراجعة أو التصحيح. هكذا خسرنا حرية تغيير ذواتنا و معتقداتنا أي خسرنا حرية أن نكون أحراراً. السوبر عبودية تلغي حريتنا لأنها تقيّدنا بمعتقدات مسبقة وجاهزة نظن كذباً بأنها يقينية وغير قابلة للتصحيح والتغيير وأنها ملكنا رغم أننا نحن مُلكها. على هذا الأساس , لا مفر من المواجهة بين السوبر حرية والسوبر عبودية. فبما أن السوبر حرية تعني أن يتحرر الفرد من معتقداته , وبما أن السوبر عبودية تعني أن يكون الفرد عبداً لمعتقداته , إذن الصراع بين السوبر حرية والسوبر عبودية واقع لا محالة. هل ستنتصر السوبر حرية أم السوبر عبودية؟ هذا يعتمد على ما نقوم به اليوم. إذا قبلنا الآليات التي تسمح بتغيير معتقداتنا وصياغة معتقدات جديدة سوف تنتصر السوبر حرية و إلا سنبقى عبيداً لأفكارنا و سجناء السوبرعبودية. ثمة آليات عديدة قادرة على تحريرنا من مسلّماتنا ومعتقداتنا. من هذه الآليات المجاز والعلم.

تزاوج المجاز والحقيقة

المجاز يحررنا لأنه ينظر إلى العالم الواقعي من منظور العوالم الممكنة أي أنه يصوّر الوقائع والحقائق كما يمكن أن تكون ما يحررنا من الواقع الذي نراه من أجل صياغة وقائع ممكنة تساهم بدورها في فهم الواقع نفسه. فمثلاً , عبّر أينشتاين مجازياً عن نظريته في نسبية الزمن حين قال : إذا سافر الأب بسرعة هائلة إلى الفضاء ومن ثم عاد إلى الأرض فسوف يكون حينها أصغر من ابنه. أن يكون الأب أصغر من ابنه مجاز لكنه مجاز حقيقي أي يطابق الواقع المحتمل لأنه تعبير عن نظرية علمية مفادها أن الزمن نسبي يتغير مع تغير السرعة ؛ فكلما تسارع شيء ما كلما تباطأ الزمن بالنسبة إليه. هكذا لم يعد المجاز تخيلاً لا واقعياً بل أمسى علمياً ومعبّراً عن عالمنا الواقعي. في المجاز السابق يصف أينشتاين عالماً ممكناً حيث يسافر الأب بسرعة هائلة إلى الفضاء ومن ثم يعود إلى الأرض ليغدو أصغر من ابنه , وعلى ضوء وصفه لهذا العالم الممكن يصوغ مجازه السابق. لكن وصفه لهذا العالم الممكن المطابق للمجاز السابق تعبير علمي صادق عن العالم الواقعي. من هنا , المجاز يحررنا من الواقع بفضل وصفه لأكوان ممكنة تساعدنا في فهم الواقع بشكل أكبر وأفضل. هكذا يحررنا المجاز من خلال كونه مجازاً وحقيقة , أي بفضل كونه وصفاً لعالم ممكن و تعبيراً صادقاً عن حقائق عالمنا الواقعي في الوقت نفسه. وبذلك يؤدي المجاز إلى معارف حقيقية رغم أنه عملية وصف لأكوان ممكنة علماً بأنه في هذه الحالة يصف أكواناً ممكنة شبيهة بعالمنا. هكذا أصبح المجاز آلية معرفية قادرة على تصوير الواقع علمياً من خلال تصوّر هذه الأكوان الممكنة أو تلك. مثل آخر على ذلك هو قول أينشتاين بأن الله لا يلعب بالنرد. هذا المجاز لأينشتاين يعبّر عن موقفه العلمي القائل بأن الكون محكوم بقوانين حتمية كما تؤكد نظريته النسبية. كما أن هذا المجاز نفسه بمثابة نقد و رفض لنظرية ميكانيكا الكم التي تقول إن الكون غير حتمي. من هنا , تحوّل المجاز إلى آلية علمية قادرة على التعبير عن الواقع رغم أن المجاز مازال وصفاً لأكوان ممكنة.

يستخدم العديد من العلماء المجاز في بناء نظرياتهم العلمية الجديدة , وبذلك يسمح المجاز لهم بأن يتحرروا من معتقداتهم ونظرياتهم المسبقة التي آمنوا بها بفضل أساتذتهم وأن ينتجوا معتقدات ونظريات جديدة من خلال وصف العالم بما لم يُوصَف من قبل. من هنا , يحررنا المجاز مما كنا نعتقد وبذلك يشارك بقوة في تحقيق السوبر حرية المتمثلة في التحرر المستمر من ذواتنا. ثمة أمثلة عديدة على صناعة المجاز للنظريات العلمية الجديدة منها: يصوغ الفيزيائي لي سمولن مجازاً علمياً مفاده أن الكون كائن حي , وعلى أساس هذا المجاز يبني نظرية علمية جديدة ومثيرة ألا وهي أن الكون يولد و ينجب تماماً كالأحياء. بالنسبة إلى نظرية سمولن , بما أن العالم حي إذن تتحكم فيه القوانين نفسها التي تحكم عالم الأحياء كقانون الانتقاء الطبيعي الدارويني. فكما أن الانتقاء الطبيعي ينتقي الصفات الأفضل للحي لإبقائه حياً , كذلك ينتقي الانتقاء الطبيعي وجود العالم القادر على إنجاب أكوان ممكنة عديدة التي تولد على الأرجح في الثقوب السوداء (Lee Smolin : Three Roads to Quantum Gravity.2001.Basic Books ). أما عالِم الهندسة الكمية سيث لويد فيعتمد على المجاز القائل بأن الكون كومبيوتر متطور من أجل صياغة نظريته العلمية. بالنسبة إلى لويد , كل نظام فيزيائي يتكوّن من معلومات ومن عمليات حساب للمعلومات كالكومبيوتر تماماً, و أي علاقة بين الأحداث الطبيعية كالعلاقة السببية هي انتقال وتدفق للمعلومات من حدث إلى آخر أو من زمكان إلى آخر كما يحدث على شاشات الكومبيوتر ( Seth Lloyd : Programming the Universe.2007. Vintage Books ). هكذا يستعين العلماء بالمجاز من أجل أن يتحرروا من أفكارهم ونظرياتهم التقليدية و يبنوا أفكاراً ونظريات جديدة لم يعهدها العقل البشري من قبل. فكما يحرر المجاز الأديب والشاعر من خلال تأليف أدب أو شعر مختلف يخلق عوالم ممكنة جديدة بفضل المجازات المبتكرة , كذلك يفعل المجاز العلمي حين يحرر العلماء من سجون النظريات التقليدية المُعتمَدة.

يحررنا العلم كما يحررنا المجاز بالضبط بسبب تزاوج العلم والمجاز. فالعديد من علماء الرياضيات والفيزياء يدرسون الأكوان الممكنة العديدة والمختلفة مجازياً كما يؤكد الفيزيائي جون غربن فيبنون معادلات ونماذج كومبيوترية في محاولة وصف الأكوان الممكنة التي تشير العديد من النظريات العلمية المعاصرة إلى وجودها بالفعل ( John Gribbin : In Search of the Multiverse. 2009.Wiley ). من هنا , تزوّج العلم المجاز و أنجب الحرية الحقيقية. فالعلم يحررنا بطرق عدة منها أنه يحررنا اليوم من الواقع ومما يفرض علينا من أفكار ومعتقدات , و ذلك من خلال تحوّل العلم من دراسة عالمنا الواقعي إلى دراسة الأكوان الممكنة التي قد تشبه عالمنا أو تختلف عنه. على هذا الأساس , أصبح من المستحيل الفصل بين العلم والمجاز؛ فبهما نكتسب الحرية الحقيقية الكامنة في تحررنا من أنفسنا أولاً. من لا يستطيع التحرر من نفسه لا يستطيع التحرر من الآخرين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

السوبر حرية في مواجهة السوبر عبودية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  محمد خريّف في النثرية العربية : السوبر نثرية في مواجهة السوبر لغوية : صراع المُحدَّد و اللامحدَّد في النص الأدبي
» السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلف
» هل نضع ( ماركس وبسمارك ) في مواجهة ( هيغل ونابليون) أم في مواجهة (هاشم صالح وبوش)؟
»  السوبر طائفية : تفكيك الحداثة و الأصولية و الإرهاب بقلم حسن عجمي « في: 04:09 25/09/2011 » السوبر طائفية : تفكيك الحداثة و الأصولية و الإرهاب
»  فئة : أبحاث عامة حـرية الإيمان مـدخل للتــنمية البـشرية 09 فبراير 2015 بقلم يوسف هريمة قسم: الدين وقضايا المجتمع الراهنة تحميل الملف حجم الخط -18+ للنشر: مقـدمــة I-دراسة مفاهيميّة II-حرية الإيمان مدخل لثقافة السلم العالمي III-دوافع صيانة حرية الإيم

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: