** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
علاقات السّلطة في المجتمع I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 علاقات السّلطة في المجتمع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : علاقات السّلطة في المجتمع I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

علاقات السّلطة في المجتمع Empty
17112013
مُساهمةعلاقات السّلطة في المجتمع

[b]كلّ العلاقات الإجتماعيّة علاقات سلطويّة:

يقول ويليام قراهام سامنر في مقال بعنوان ״العائلة والتّحوّل الإجتماعي״ نُشر سنة 1909 ״لا شكّ أنّ مؤسّسة العائلة قد وُجدت قبل مُؤسّسة الزّواج؛ المرأة التي تحمل طفلها بين ذراعيها هو ما نُشاهده بالنّظر إلى الوراء بعيدا بالقدر الذي يسمح به بحثُنا، لقد كان يُثقل كاهلَها طفلُها ممّا ساهم في تحديد قُدرتها على خوض الصّراع من أجل البقاء״ . لقد كان طفلها يأخذُ الكثير من جهدها ووقتها ممّا جعلها غير قادرة ولو جزئيّا على إيجاد غذائها فكان لا بد لها أن تتعاون مع الرّجل من أجل توفير الغذاء والمحافظة على حياة الطّفل. وهذا ما يفسّر الهيمنة على المرأة في المجتمعات البدائيّة حسب سامنر: حاجتها لمساعدة الرّجل. فبعد ظهور الزّواج نتيجة للظّروف القاسية المُعاشة والصّراع المرير كانت توضع شروط ليست في صالح المرأة كلّما عُقد زواجٌ بين رجل وامرأة. لكن هل تمّت الهيمنة على المرأة لأنّ الرّجل أقوى منها جسمانيّا؟ يعتقدُ سامنر أنّ قوّة المرأة تعادل تماما قوّة الرّجل لكنّ الأمومة والرّضاعة جعلاها تخضعُ للرّجل. يقول سامنر: ״لم تكن العائلة نتاجا للقوّة ولكن نتاجا لعقدٍ״ . وهذا العقد تطوّر من مجموع الأخلاق والعادات والحقوق والواجبات التي أنتجتها الظروف القاسية للمجتمعات البدائيّة. وقد كان الإنسان البدائي قد وضع تلك الأخلاق والقوانين لضمان حياة أفضل للعائلة. ومع مرور الزّمن أصبح المجتمع الرّجالي ينظر إلى الرّجل على أنّه قويّ وكامل وإلى المرأة على أنّها وُجدت لتكملته وخدمته وقد قبلت المرأة بذلك (بهذه المرتبة الدّونيّة) تضحيةً ووفاءً. 

إنّ نمط وهيكل أيّ مجتمع يتحدّدان بمدى التّقدّم الحاصل في الإنتاج وكيفيّة تقسيم العمل والإنتاج. وتقسيم العمل يُؤدّي إلى التّمييز بين الصّناعة والتّجارة من ناحيه والفلاحة من ناحية أخرى، وإلى تضارب المصالح بين المدينه والرّيف وكلّ قوّة إنتاج جديده تظهر - أي لم تكن موجوده من قبل- تؤدّي إلى مزيد من التّقسيم في صلب المجتمع فتظهر شرائح وطبقات ومجموعات يُحدّدها نمط الإنتاج والملكيّة (عبيد عمّال حرفيّون تُجّار وُسطاء مُضاربون إلخ). وأدنى درجات التّطوّر نجدها في طور الملْكيّة القبليّة إذ يعيش النّاس من الصّيد وتربية الماشيه والزّراعة ويكون نمط المجتمع أبويّا أو قبليّا يعتمد على زعماء القبائل وشيوخها.

وفي بعض الأقطار العربيّة لا زالت أنماط الإنتاج الفلاحيّة هي السّائده حيث لا تُمثّل المِلْكيّة الفرديّة الرّأسماليّة الحديثة سوى قسط ضئيل من الإنتاج لكن هناك ظاهره فريدة لا يُنكر وجودها أحدٌ وهي طبقة الكمبرادور الرّأسماليّة التّابعة والمستبدّة فقد ارتبطت مصالحها بمصالح القوى الإمبرياليّة حتّى أنّها لا يُمكن أن تستمرّ في الوجود ولا يُمكن أن تكون طبقة مستقلّة بذاتها دون وجود النّفوذ الإمبريالي. ويتمثّل الكمبرادور في فئة من ذوي النّفوذ (شيوخ، سلاطين، أمراء وغيرهم...) يستحوذون على العائدات ويقتسمون الفائض بينهم ويودعون الأموال في البنوك الأجنبيّة أو يستثمرونها في الأسواق الخارجيّة. 

وخلاصة القول هي أنّ الأفراد النّشيطين في دورة الإنتاج والإستهلاك بطريقة ما - كلّ يقوم بعمل ويضطلع بدور - يدخلون في علاقات ما إجتماعيّة وسياسيّة مُعقّدة وغير مُتطابقه وغير مُتوازنة. وهذه العلاقات تعكس المنظومة الإجتماعيّة والسّياسيّة. وهذه المنظومة أو النّمط على ارتباط وثيق بالإنتاج. فالمجتمع والدّولة يتطوّران باستمرار من القوّة البشريّة المُتجدّدة وكذلك صناعة الأفكار والمفاهيم والوعي بصفة عامّة فإنّها مُرتبطة بالنّشاط الإنتاجي والعلاقات بين الأفراد والتّفاعل القائم بينهم. التّفكير والنّشاط الفكري للأفراد إنعكاسٌ لواقعهم أي لعلاقات الأدوار التي يدخلون فيها. والوعي إنّما هو الإحساس بالوجود والواقع الذي يبدأ معه التّطوّر أي التّغيير. وهذا هو التّاريخ بعينه.

اليوم يكتشف الأفراد عالميّا أنّهم كلّهم عبيد لقوّة جبّارة تُسمّى السّوق ورأس المال أو ما يُسمّى القيمة، وأمّا في بعض أقطار الوطن العربي فإنّهم عبيد للدّولة والأسر الحاكمة الذين يُمثّلون أدوات الإستعمار والإمبرياليّة والرّأسمال العالمي. واليوم أصبح الشّعور بالإغتراب لدى المواطن لا يُطاق وهذا ما سيُولّد ثراء فكريّا سوف يؤدّي إلى احتدام الصّراع شيئا فشيئا وهنا تكمن علاقة الإجتماعيّ بالسّياسيّ والنّفسيّ .

لقد خاضت البرجوازيّة في البلدان الغربيّة خلال القرون الماضيه صراعا من أجل تجميع الثّروة في شكل رأسمال. وقد اتّخذ هذا الصّراع شكل ثورات في بعض الأحيان ضدّ المَلَكيّة فتمّ قطع رؤوس الأسر الحاكمة ورجال الكنيسة، كما اتّخذ شكلا إيديولوجيّا وثقافيّا؛ فقد جعلت البرجوازيّة الصّاعدة آنذاك أي قبل قرنين أو يزيد من حقوق الإنسان والأقلّيات ذريعة لتحقيق أهدافها. ولقد عملت على تطوير العلوم والفلسفة بصفة خاصّة وقامت بترسيخ مفاهيم جديدة منها:
- العلمُ يُتلقّى من خلال المُمارسة الإجتماعيّة أي الإنتاج؛ فالعلاقات الإجتماعيّة علاقة بين القيمة ورأس المال.
- يجب أن يعيش النّاس بطريقة إنسانيّة مُتعاونين وواعين بوجود الآخر ومُتحكّمين في مصيرهم.
- يجبُ أن يعيش النّاس أحرارا غير خائفين من السّلطة في نظام تسوده العدالة، يختارُ فيه النّاسُ حُكّامهم، لكن مع تركّز الثّروة لدى البرجوازيّين سُرعان ما تفشّى الظّلم والقمعُ والفقرُ والعُنفُ.
- العلمُ ليس التّنبّؤ بما قد يحدُثُ ولكن معرفةُ ما سيحدُث بصفة قطعيّة (إستقراء - نتيجة) والعملُ على تجنّبه إذا كان أمرا غيرَ مرغوب فيه.

ومن الأمور التي تعملُ البرجوازيّة على إيجاد الحلول لها ״إغتراب الفرد״ بالمعنى الفلسفي للكلمة. فأوجدت الملاهي والدّعاية والإشهار والموضة، وسخّرت لهذا الغرض السّنما والمسرح والتلفزيون وكلّ وسائل الإعلام، وكذلك الكتّاب والمثقّفين، وصنعت مفهوم ״أسلوب الحياة״ Lifestyle. والغرضُ من كلّ ذلك هو الإبقاء على نظام إجتماعي تُسيطر فيه فئة قليلة على الإنتاج ووسائل الإنتاج بينما يعيش السّوادُ الأعظم كمستهلِك لا غير ؛ وإن كانوا يُعانون أوضاعا مُزرية كان لا بُدّ من جعلهم سُعداء في فقرهم (stoicism).

وقد تمّ استعمال السّيكولوجيا قصد بسط النّفوذ أكثر على الأفراد، وتمّ استعمال علم الإحصاء، حتّى أنّ نتائج الإنتخابات تُعرفُ مُسبقا، وأصبح بالإمكان تبيّن التّوجّهات الإجتماعيّة والآراء السّائدة وتوجيهها حسبما يَخدمُ مصالح السّلطة. كما أستُعملت الرّياضيات بصفة مكثّفة في الإقتصاد وفي كلّ الميادين مع بداية تشكّل الإحتكارات الكُبرى وهجرة رأس المال. ومع خروج رأس المال إلى بلدان أخرى عبر الإستثمار تمّ تدعيم هيمنة الرّأسماليّة مرّة أخرى.

واليوم وفي خضمّ الثّورة الرّقميّة لا زالت الولايات المُتّحدة الأمريكيّة البلد الرّأسمالي الإمبريالي المُتزعّم للرّأسماليّة العالميّة وأصبح العالم كسوق حقيقيّة مُسلّم بها، وللإبقاء على الهيمنة على هذه السّوق كان على الولايات المُتّحدة أن تُصارع العديد من الأعداء (حركات التّحرّر، البلدان المُنافسة، جماعات سيّاسيّة إلخ...). ونجدُها تلجأ إلى العنف وشنّ الحُروب ولكنّها تُعوّل بصفة رئيسيّة على الدّعاية والإيديولوجيا.

ويُتبيّنُ ممّا سبق دور الإيديولوجيا في العلاقات السّلطويّة ودور العامل الثّقافي النّفسي. فممّا لا شكّ فيه أنّ العلاقات السّلطويّة تُنتج الثّقافة والإيديولوجيا والمعرفة بصفة عامّة. والمعرفة هي عمليّة بناءِ صورة مُجرّدة عن الواقع الموضوعيّ، وهي انعكاسٌ مثالي للحواس والوعي والإحساس بهذا الواقع المادّي والإجتماعي وتحليله، ممّا يُنتجُ مفاهيم نظريّة ثابتة وأخرى مُتغيّرة تتراكم على مرّ العصور ويتوارثها النّاسُ. وهل الواقع سوى منظومات من العلاقات السّلطويّة؟ وفي المُجتمعات الرّأسمالية ترسّخت مُمارسة مقولة ״القويّ يفترسُ الضّعيف״ في ميدان الأسواق. ويتعلّمُ الأفرادُ القيمة الحقيقيّة لنشاطهم عن طريق بيع خدماتهم أو عملهم ويُساهمون بذلك في تكدّس الرّبح.

وهكذا تُعرّفُ السّلطة في نطاق العلاقات الإجتماعيّة ككُلّ، وتختلف عن العنف. هي في نظر الفرنسي ميشال فوكو القُوّة التي تُنتِج وتُلبّي الحاجيات وتبني وليست القُوّة الجائرة التي تمنعُ وتعتدي وتهدمُ. السّلطة حسب فوكو تُنتج الواقع وتنتج الأشياء والطّقوس التي هي الحقيقة. السّلطة تُنتجُ الإنظباط وقوّة التّأديب النّاتجة عن الرّقابة والعقاب وتكييف السّلوك وتشكيله وتحصُل السّلطة عن طريق التّسميات أو إطلاق النـّـعوت Labelling وتستمرّ عبر عبادة الأشخاص أو المُثل.
وأمّا بورديو، وهو فرنسي كذلك، فيقول إنّ السّلطة إنتاج لعُنف رمزيّ فالحياة الإجتماعيّة في مُجملها مُؤثّرٌ ونتيجة وقد صاغ بورديو مفهوما أسماه Habitus ... ساتعرّض بالدّرس لكلّ من نظريّات ميشال فوكو وبيار بورديو في فصول لاحقة من هذا الكتاب. ولكنـّـي أكتفي هنا بشرح معنى المؤثـّـر والنـّـتيجة وهما ديناميكيّة كلّ علاقة سلطويّة. 
مُؤثّر: سبب، عامل، توجّه إلخ 
نتيجة: حالة، ظاهرة، وضع إلخ
إنّ عملا ما يُؤثّرُ في حياة الآخرين وفكرهم وأعمالهم. وقطبا العلاقة السّلطويّة هما:
طرفٌ مُهيمنٌ: مُتحكّمٌ، حاكم، رقيب، مالك، قويّ 
طرف مُهيمنٌ عليه: خاضع، محكوم، ثائر، مُعدم، ضعيف 
وعلاقاتُ السّلطة هي تفاعُلٌ لانهائي يُنتجُ أنماطا بالإمكان التّنبّؤ بها بتحليل المُؤثّرات. ففي كلّ المُجتمعات هناك عائلات ومجموعات بشريّة تربط بينهم علاقة الدّم فإنّ تفاعُلهم مع بعضهم يكاد يكون ثابتا. الأب يُؤثّر في الطّفل. الأب يطلب أشياء من إبنه فيترتّب عن ذلك عملٌ. وهنا تتجسّدُ سلطة الأب على ابنه بالرّغم من أنّ سلوك الطّفل يُؤثّرُ قطعا في سُلوك الأب وإن كان يستجيبُ للإبقاء على سُلطة الأب ورقابته. فالعلاقات السّلطويّة تأثير مُتبادَل، وفي الإتّجاهين معا. وهذا ما نلاحظه في كلّ شرائح المجتمع وفي كلّ مجموعاته: المهيمن عليه يستجيب لرغبة الطـّـرف المهيمن ويعمل على الإبقاء على سلطته.

وما ينطبق على الأسرة نجده في المدرسة ومكان العمل حيث تكون قوانين اللعبة مفهومة والتّأثيرُ المُرتقبُ معروف. وهكذا فإنّ التّأثير ليس من شخص تُجاه شخص آخر بل من دور يضطلع به شخص على دور يضطلع به شخصٌ آخر والأسئلة التي سنخوض فيها لاحقا هي: كيف تتمّ عمليّة تعلّم علاقات الأدوار هذه؟ ما هي الميكانيزمات والوسائل النّفسيّة الإجتماعيّة التي تجعل الأفراد يتحرّكون، يُؤثّرون ويتأثّرون؟

الأمرُ المُؤكّد هو أنّ المُؤثّرات كلّما كانت قويّة كانت النّتائج بنفس القوّة. والمُؤثّرات ذات الإتّجاه الواحد (الغير متبادَله) تؤدّي إلى (تُنتِج) تغييرات هامّة قد تكون إيجابيّة أو سلبيّة مرتبِطة بحالة الوعي. الحُبّ والسّلطة مُتناقِضَيْن، والأقوى من بينهما هو الغيرُ مُهمّ، وبغضّ النّظر عن قوّتهما فإنّهما يُنتجان تعطّلا وظيفيّا في العلاقات الإجتماعيّة وحالات باثولوجيّة على المُستوى الفردي. فإنّ الحُبّ الذي يتحوّل إلى سُلطة أو امتلاك يهدمُ نفسهُ وينعدمُ والقوّة التي تزعمُ أنّها حبّ (تتنكّر في شكل حُبّ) تُؤدّي إلى حالة مرضيّة. أنظر Laing 

العلاقات السّلطويّة هي دينامكيّة تأثيرات مُتبادلة في ميادين تُسمّى ״حقول السّلطة״. ويتّصف حقل السّلطة بنمط من العلاقات المبنيّة على الأدوار كما أسلفت، أي أنّ نمط العلاقات لدى كلّ من يدخل حقلا سُلطويّا ما إنّما هو دورٌ ما، أو سُلوك ما، أو استعدادٌ للتّصرّف بطريقة ما بناء على وعي بذلك الدّور. والنّاس وهم يتفاعلون في حقل ما يتعرّضون لعمليّة تنشيط أو كبح لنشاطهم، ولكنّ ذلك لا يتحدّدُ باستعدادهم المُُسبق أو ترقّباتِهم (habitus). الإستعداد المُسبق بالنّسبة لأفراد يوجدون في هذا القطب أو ذاك من قطبيْ العلاقة السّلطويّة يَنشُطُ بمُجرّد دُخولهم الحقل السّلطوي.

مفهوم السّلطة:

السّلطة هي فرض الإرادة على الغير وإنتاج أثر ما أو حالة ما يُريد صاحب السّلطة إنتاجَهما. ومُمارسة السّلطة جزء من الحياة اليوميّة يقوم بها الفرد والمجموعة والمؤسّسه والدّولة وحتّى الأطفال في لعبهم يتدرّبون على ممارسة السّلطة. وهي مُكوّن من مكوّنات البناء النّفسي الثّقافي تماما مثل الحُبّ والفضول والتّنافس والغيرة إلخ. ولا نحتاج إلى جهد لإدراك أنّ الأب يُمارس نوعا من السّلطة داخل أسرته وربّ العمل في مصنعه والمُعلّمُ في مدرسته والوالي في ولايته فهي إذا قوّة معنويّة يتمتّعُ بها طرف ما في موقع قوّة من العلاقة السّلطويّة؛ لكنّها قد تنقلبُ عنفا واعتداءً عندما يُساءُ استعمالُها. 

السّلطة هي إنتاج أثر مُراد ومُخطّط له على الآخرين، وبهذا المعنى تُصبحُ السّلطة قوّة. يقول ماكس فيبر ״السّلطة قدرة شخص أو أشخاص على فرض إرادتهم ورغبتهم في نطاق بنية إجتماعيّة بالرّغم من مقاومة الآخرين المُشتركين في هذه البنية״. 


والبنية الإجتماعيّة هي العلاقة السّلطويّة التي يدخل فيها الأشخاص في خضمّ مُمارسة حياتهم ونشاطهم الطّبيعي؛ إذ يضطلع كلّ بدور ما. وهكذا تصبح العلاقة السّلطويّة علاقةُ أدوار. ويتجاذبُ العلاقة السّلطويّة قوّتان الهيمنه من ناحية وإرادة تحقيق التّوازن من ناحية أخرى. وهذان القُوّتان تطبعان كلّ الحياة الفرديّة وكلّ المنظومات الإجتماعيّة؛ إذ أنّ هناك طرف مُهيمن في جانب ودُعاة التّوازن والمُساواة في الجانب الآخر. وعدمُ المُساواة بين المجموعات والأشخاص يتجلّى في وجود هيرارشيّة إجتماعيّة وعلاقات توزيعيّة معقّدة وتتمثل ُقوّة التّوازن في الدّعوه إلى الحدّ من إستعمال القوّة الإعتباطيّة في العلاقة السّلطويّة.

السّلطة عامل أساسي في البناء الإجتماعي وهي خاصّية غير مرئيّة وقد حاول علماء الإجتماع إثباتها وقياسها فوضعوا ما يُسمّى الأدلّة الأربعة على وجودها أوّلا: من المُستفيد؟ ثانيا: من المُتحكّم؟ ثالثا: من الرّابح؟ رابعا: من المشهور بالقوّة؟ (يعني من الأقوى من حيث الموقع والمنصب أي من يمتاز بالقوّة في نظر مجموعات أخرى وهذا المعيار غير مأخوذ به حاليّا) . وهذه محاولة لإخضاع العلاقات الإجتماعيّة للدّراسة الإمبيريقيّه القياسيّة. من الآراء المسلّم بها هي أنّ السّلطة نجدها دوما عند أقلّيّة هي الأقوى، وهؤلاء الأقوياء لديهم دوما أتباع ومُؤيّدون كما أن لهم خصوما ومُعارضين. وتتمسّك هذه الأقلّية بالسّلطة مهما كان الثّمن، وتنتهج التّفرقة، وتعملُ بمقولة ״من ليس معي فهو ضدّي״، وتقدّم الخدمات للأتباع وتعاقِب المُناوئين. وتعمل السّلطة على الإبقاء على العلاقة السّلطويّة والمحافظة على استمراريتها وكأنّها تُطبّق القول المنسوب إلى الرّوماني جوفنيل Juvenile ״قدّم لهم (أي النّاس) الخبز والسّيرك״ . وهذا ما تقوم به كلّ الدّول في العالم إذ تقدّم المُساعدات من ناحيه حتّى تجعل الحياة مُمكنه، لكنّها من ناحية أخرى تقوم بإلهاء النّاس عن التّفكير في دورهم في العلاقة السّلطويّة. وهذا يجعل لكلّ سلطة أربع أسس: إيديولوجي، عسكري، إقتصادي وسياسي.

ولو فكّرنا في العلاقة السّلطويّة داخل الأسرة لوجدنا أنّها ترتكز أيضا على هذه الأسس الأربع فالطّرف القوي عادة ما يكون الأب يُدير شؤون أسرته باتباع سياسة ما مُخطّط لها ويستند إلى منظومة إيديولوجيّة مُعيّنه ويسلك سياسة إقتصاديّة مُحدّدة تتمثّل في الإنفاق والإدّخار وتوزيع الدّخل على أفراد الأسرة. وأمّا الجانب العسكري فهو معنوي ويتجلّى في نزوعه في بعض الأحيان إلى استعمال القوّة ضدّ أبنائه وزوجته مثلا؛ فتُصبحُ سلطتُه التي يُفترضُ أن تكون معنويّة عنْفا. وقد تنتزع الأمّ دور الهيمنه من الأب أو تُكلّف بإدارة الإقتصاد الأسري لكنّ ذلك لا يُغيّر شيئا من طبيعة العلاقة السلطويّة داخل الأسره إذ تظلّ دوما قائمة على طرف مهيمن وطرف مهيمن عليه. وقد ينفي أحد وجود العلاقات السّلطويّة بين أفراد المُجتمع أو يزعم أن ليس كلّ علاقة إجتماعيّة علاقة سُلطويّة. فهل علاقتُك بالصّيدلاني مثلا علاقة سلطويّة؟ الجواب بكلّ تأكيد نعم ولكن لا يُمكن تبيّن السّلطة لأوّل وهلة في هذه العلاقة لأنّ كلّ سلطة إنّما هي غير محسوسة ورمزيّة بما في ذلك سلطة الدّولة. السّلطة ليست سياسيّة فقط بل هناك سلطة عائليّة ودينيّة وتربويّة إلخ... وهي دور وظيفيّ يتصارع باستمرار مع السّلطة المُضادّة. والعلاقة السّلطويّة هي دوما علاقة غير متوازنه وفي اتّجاه واحد. ويمكن أن تتجلـّـى سلطة الصّيدلانيّ والطـّـبيب في علمهما إذ يمارسان على الفرد سلطة تجعله يستعمل الأدوية التي يصفان له وهو واثق من علمهما ومطيع لإرشاداتهما.

السّلطة والحكم Power and Rule 

جوهرُ السّلطة Power هو الحُكم والتّحكّم، أي أنّ عمليّة الحُكم ruling ترجعُ تاريخيّا إلى مَلكَة إسمُها السّلطة النّاتجة عن الرّغبة في الهيمنة. وتُعتبرُ الرّغبة في الهيمنة، إلى يومنا هذا، لدى الإنسان دافعٌ وضرورة سيكولوجيّة. ولذلك فإنّ القوّة والعُنف سيطرا على الحياة الإجتماعيّة ولا يُمكنُ تجنّبُهما. فإرادة القوّة والتّحكّم والهيمنة جزءٌ من إستراتيجيا القائد أو الزّعيم أو المُتحكّم (رئيس، شيخ قبيلة، ربّ أسرة، حاكم...). إرادة القوّة مع الحاجة الإجتماعيّة للسّلطة والقوّة والتّحكّم، يُضاف إليهما الخُضوع والنّظام والإستجابة الّذين هم مادّة التّعلّم الأولى في الحياة والتّاريخ، هما قطبا التّجاذب عُمومًا في العلاقة السّلطويّة أحاديّة الجانب. الخضوع والإستجابة هما ما يتعلّمُهما الإنسان مُنذ ولادته من والديه وعائلته قبل أيّة مُؤسّسة أخرى، وسأتناول هذه النّقطة بمزيد من التّفصيل لاحقا.

الحُكمُ والتّحكّم من ناحية والطّاعة والخضوع من ناحية أخرى كانا أيضا وراء البناء الأساسي للملكيّة والهيررشيّة القديمة التّقليديّة وتحوّلهما إلى الدّولة الحديثة عبر التّاريخ... سأشرح هذا بمزيد من التـّـفصيل عندما أتعرّض لنظريّات هنّا آرندت Hannah Arendt 

إنّ التّأمّل في أعمال برلمان أو إجتماعات حزب سياسيّ يُؤكّدُ بصفة قطعيّة أنّ الصّراع من أجل الهيمنة والنّفوذ والتّحكّم هو مركز العمل والحركة داخل كلّ حكومة وكلّ تنظيم سياسي. ففي كلّ حزب هناك نظام ونُخبة في الأعلى لديها السّلطة، ومجموعات أخرى وأفرادٌ تطمحُ إلى مناصب أعلى، وقاعدة عريضة تَخضعُ وتُطيعُ. والأمرُ لا يختلفُ كثيرا في صُلب الدّولة التي تتّخذُ الدّيمقراطيّة منهاجا، وأمّا الدّول التّقليديّة الغير ديمقراطيّة فتدور فيها لعبةٌ سُلطويّة من نوع آخر. وفكرة نظام الحُكم التّمثيلي في البلدان التي تطبـّـق الدّيمقراطيّة جعلت الخضوع للقوانين بدل الأفراد المُهيمنين ولقادة وزعماء يظلّون مُهيمنين ما دام ״الشّعبُ״ يُساندهم. وهذا ما يُعرف دعائيّا بإرادة الشّعب. لكن هناك شرخ كبير وتناقض بين الرُّؤيا الدّيمقراطيّة وتطبيقها على أرض الواقع حتّى أنّ البعض طرحُوا هذه الأسئلة: هل الأمرُ يتعلقُ بمُجرّد نظريّة مثاليّة أو إيديولوجيا غير واقعيّة؟ هل الدّيمقراطيّة والإدّعاء بحكم الشّعب لنفسه بنفسه في البُلدان الغربيّة وغيرها أسطورة تحجبُ وتُخفّف مُعاناة واضطهاد الشّعب واغترابه وعدم قوّته؟ ولعلّ العلوم السّياسيّة وُجدت للبحث في هذا الأمر وغيره من الأمور المُتعلّقة بالسّلطة والدّولة والهيمنة وحكم الشّعوب والتّوسّع والنّفوذ. ولا يُنكر أحدٌ وجود آليات في مُعظم البلدان الرّأسماليّة الحديثة تُمكّن من إيجاد توازن بين سُلطة الدّولة واضطهاد أجهزتها وبين محكوميها، عبر إدارات ـ وهي مؤسّسات سلطويّة ـ تضطلع بالمُراقبة والتّحقّق، لكنّ ذلك يظلّ مفعوله محدودا في مواجهة البيروقراطيّة والظّلم والتّمييز والفقر.

تُؤكّدُ هنّاء آرندت Arendt أنّ كلّ حكومة أيّا كانت طبيعتُها، ديكتاتوريّة، ملكيّة، أوليغارشيّة، أو ديمقراطيّة، تعتمدُ في كلّ الأحوال على دعم ومُساندة الخضوع الشّعبي لها. وكلّ المؤسّسات السّياسيّة إظهارٌ وتجسيدٌ للسّلطة والقوّة، وكلّ المؤسّسات تتجمّد وتتآكل وتتعفّنُ عندما تتوقّف القُوّة الحيويّة للشعب عن مُساندتها ودعمها. الفرق بين السّلطة (الحكم) والعُنف حسب آرندت هو أنّ الحكم يحتاج دوما إلى الأعداد (من الخاضعين subjects)، ولكنّ العنف لا يحتاج إليها لأنّه يعتمدُ على الوسائل والأدوات المادّية (instruments). السّلطة تنبعُ من الأعداد الكبيرة، أي من العامّ، والقوّة - وهي صفة الفرد والخاصّ - إنّما هي وظيفة شخصيّة وكاريزما نابعة من القوّة المادّيّة (force). والشّخص الذي يتمتّع بالقوّة يظلّ كذلك بوجود الأعداد التي تُساندهُ والذي هو في حاجة إلى دعمها. فإذا تنكـّـر له مساندوه وكفـّـوا عن دعمه صار بلا سلطة وبلا قوّة، وفي هذا الشـّـأن أضرب مثلا شاه إيران فقد سقط حكمه عندما كفّ شعبه عن مناصرته.

السّلطة بُنى وهياكل موضوعيّة: 
Objective Structures

ما يُميّزُ المفاهيم المُتعدّدة للسّلطة هو إرتباطها بالعُملاء agents أو التّابعين بصفة عامّة، سواء أكانوا أفرادا أم مجموعات. السّلطة هي صفة أو خاصّية لفاعل ومُتلقّ ( object recipient) فردا أو جماعة. لكنّ المنظـّـر الفرنسيّ بورديو يطرح فكرة وجود هياكل موضوعيّة objective structures في العالم الإجتماعي إلى جانب النّظم الرّمزيّة symbolic systems والوعي المُستقلّ وإرادة العُملاء. هذه الهياكل أو الأنماط تُنشّطُ / تقودُ وتكبحُ / تكبُتُ أعمال وتأثير هؤلاء العُملاء وانعكاساتها بوسائل رمزيّة أو معنويّة مجرّدة أسماها بورديو "منظومات رمزيّة" (representations).

إنّ أهمّ إسهامات الهيكليّين في المجال الإجتماعي تمثّلت في دراسة المجتمع كنُظم مُعقّدة من العلاقات؛ وهو منهج الفيزياء والرّياضيات الذي يُعرّف الواقع والمحسوس ليس من خلال المادّة وإنّما من خلال العلاقات. أنظر بورديو...
وأمّا ميشال فوكو فقد تجاوز كذلك المفهوم المعروف للسّلطة (الهيمنة وفرض منطقها على مجموع الهيكل أو الجسم المُجتمعي) ليقول: "هناك علاقات سلطويّة وهي عديدة في واقع الأمر ولديها أشكال مُختلفة ونلمسُها في كلّ مجال، وفي صلب العائلة، وتلعبُ دورا فيها وفي كلّ المؤسّسات والإدارات، وهي علاقات مُعقّدة بين المُهيمِن والمُهيمَن عليهم ." وهكذا نجدُه مثل بورديو يستعمل علاقات الهياكل أو البُنى السّلطويّة كمبدإ جذري وكأساس للتّفسير الإجتماعي: "إنّ خاصّية العلاقات السّلطويّة كعوامل في الهيكل أو البنية تتمثـّـل في أنّ بعض النّاس بطريقة أكثر أو أقلّ يُحدّد ون تصرّف وسلوك أناس آخرين ولكن ليس بطريقة قطعيّة. إنّ العلاقات السّلطويّة تُنتِج كلّ الإستراتيجيّات والشّبكات والميكانيزمات وكلّ التّقنيات التي بواسطتها يُتّخذُ أو يُقبلُ هذا القرار ولا يتّخذُ أو يُقبلُ قرارٌ آخر". . وهذه هي الطّريقة التي كانت عليها المجتمعات والعلاقات السّلطويّة أو التي تبدو أنّها عليها عبر التّاريخ ويكفي النّظر إلى الوراء، إلى التّاريخ، لتبيّن ذلك.

السّلطة والعنف:

نلاحظ أنّ ميشال فوكو مثل هنّا آرندت يُريدُ إزالة مفهومي ״التّدخّل״ و״الفرض״ الذين يدخلان في عمليّة التـّـسلـّـط coersion من علاقات السّلطة وهما إستعمال العنف الخام أي الواضح Pure violence. يقول إنّ الرّجل المُقيّد الذي يُضربُ ضربا مُبرّحا هو خاضع أو مُخضعٌ إلى قُوّة force تُمارسُ عليه وليس إلى سُلطة Power، وإذا أُجبر على الكلام، وإن كان في السّكوت منجاة له، فقد أُجبر على التّصرّف بطريقة مُعيّنة؛ حرّيتُه أُخضعت للسّلطة وأُجبر على الإستسلام للحكومة״. وبالتّأمّل في هذا الحديث الشّبيه بالسّفسطة نجدُ أنّ فوكو يعتبر أنّ السّلطة والقوّة شيآن مُتباينان؛ السّلطة ليست قُوّة، والقوّة ليست سلطة. كما أنّه يُلمح إلى أنّ هذا الرّجل بإمكانه أن يتصرّف بشكل مُغاير وهو يُعرّض إلى التّعذيب و لم تُخضع إرادتُه وإنّما حرّيته. وقد استعملت مسألة الرّجل الخاضع للتـّـعذيب أو المسجون من طرف الفلاسفة في مناقشة موضوع الإرادة الحرّة، فمنهم من ينفيها انطلاقا من هذا المثل ومنهم من يقرّ بها. ولذلك يقول فوكو لاحقا: ״ليس هناك سلطة دون رفض أو تمرّد״. 

لكنّ هذا الرّجل المُقيّد وإن كان له الإختيار في أن يصرُخ أو أن يسكت هل هو سيّد موقفه وتصرّفه؟ إنّ السّلطة يجبُ أن تكون رمزيّة لكنّها تُصبح عنفا عندما تُمارِسُ القُوّة، أي الأدوات المادّية من سياط وحبال وهراوات وزجاجات وغيرها... ومن ناحية أخرى هذا الرّجل أُخضع بكامله أي بكلّ شخصه، وهذا ما لا يُؤمن به فوكو إذ يقول إنّ حرّيته هي التي أخضعت وليس إرادته فبإمكانه أن يختار الموت ويضع حدّا لحياته وبذلك يطبّق إرادته الحرّة في عدم البوح لرجال البوليس بأسرار يخبّئها عنهم. ولا شكّ أنّ ميشال فوكو يعني أنّ الإختيار أو الإرادة أيضا بناءٌ اجتماعيّ ونتاج لخصائص ثقافيّة وليس جوهر الإنسان أو إنسانيتُه. 

يقول فوكو سنة 1982: ״ما يُميّز علاقات السّلطة هي أنها أنواع من العمل (سلوك، تصرّف، فعل Action) لا يُؤثّر في الآخرين بطريقة مُباشرة أو آنية؛ وإنّما يُؤثّر على أعمالهم (تصرّفاتهم). هي عمل وفعلٌ يُؤثّر على عمل وفعل أو أعمال وأفعال موجودة حاليّا أو ستوجدُ في المستقبل". السّجين مثلا قد يموت أو قد يبوح فيتمّ إلقاء القبض على رفاقه إلخ. علاقة عنفٍ مثلا تؤثّر على الجسم أو الأشياء وتُنتج عملا ما أو سلوكا ما فإن كانت (علاقة العنف) تترك أثرا على من تمارَس عليه فإنّ الشـّـيء أو الجسم يصبح مفعولا به، وبهذا تـُـنتج أشياء أخرى.

سلطة الدّولة:

إذا كانت الدّولة تفرض النّظام فذلك لأجل التّصدّي للفوضى ومنع حدوث العنف والصّراع الدّّموي. لكن إذا لم يكن لسُلطتها حدود فإنّ وجودها يُصبح إشكالا. وفي القديم كانت الدّولة تمنع التّنظيمات حتّى لا تظهر دُويلات داخل المُجتمع الواحد ولكن صار من البديهي اليوم أن تُشجّع الدّولة المجموعات والأفراد على تنظيم أنفسهم والتّنافس من أجل الوصول إلى السّلطة، وهذا التّنافس هو جوهر السّياسة في البُلدان المُتقدّمة. وأمـّـا دول البلدان المتخلـّـفة فتخشى تنظـّـم النـّـاس وتمنعه.

خصائص الدّولة:

- حكومة مركزيّة ومؤسّسات هرميّة.
- وجود أرض أي مساحة جغرافيّة وإدارة.
- وجود محكومين.
- الدّولة هي التي تحتكر استعمال القوّة.
- الحكم ملكيّة فيه منافع وأرباح.
- النّظم التّقليدية تعتبر الحكم مُتمثّلا في أشخاص ولا يجوز لمن لا ينتمي لهم أن يطمح إلى السّلطة. وفي البلدان الرّأسماليّة المتقدّمة السّلطة بيد أحزاب سياسيّة تمثّل نُخبا والصّراع بين هذه الأحزاب لا يُمثّل الصّراع الطّبقي على الإطلاق. 
- الحكومة تُعيّن في المناصب وتُنحّي منها أي تمنح السّلطة وتمنعُها فينتج عن ذلك أنّ المُعارضة (التي ليست في الحكومة) لا سُلطة لها أبدا.

ـ تفرض الدّولة المتخلـّـفة إرادتها بطريقة موضوعيّة في إطار ما يُسمّى ״الإستقلاليّة״ فتصف المُعارضين بأنّهم لن يُحافظوا على الإستقلال ولن يُلبّوا طموحات الشّعب.
- تسخّر الدّولة كلّ القوى البشريّة من أجل ممارسة سلطتها والمحافظة على ديمومتها وضدّ أيّ مقاومة مُحتملة. 
- السّلطة في كثير من البلدان تستمدّ شرعيتها من التّقليد أو الكاريزما الشّخصيّة للحكّام.
- السّلطة يُرضخُ لها لأنّها تضمن النّظام والأمن ولكنّها في ذات الوقت تضطهد وتُقصي، ويُحاول الحكّام إضفاء هالة من القدسيّة على حكمهم وذلك بالرّجوع إلى الدّين أو عن طريق مغازلة الظمير الجمعيّ للمحكومين. وكمثال على تصوير الدّيكتاتور على أنّه الأقوى والأحسن ووجوده ضرورة، يكفي التّأمّل في الألقاب التي أطلقها عيدي أمين دادا على نفسه إبّان حكمه لأوغندا بين سنة 1971 وسنة 1979 :
״فخامة الرّئيس مدى الحياة، ماريشال الميدان، الحاج الدّكتور عيدي أمين دادا، الحاصل على صليب فيكتوريا ووسام التّميّز في الخدمة، الزّعيم الأوحد، لورد كلّ الوحوش على وجه الأرض وكلّ الحيتان في البحر، غازي الإمبراطريّة البريطانيّة في إفريقيا عامّة وفي أوغندا خاصّة وملك سكوتلندا...״ . وكان يُلقّبُ أيضا ب״الأب الضّخم״ . وانطلاقا من هذا اللـّـقب تبرز الإيديولوجيا والدّعاية في المحافظة على الحاكم في سدّة الحكم.

وتعمل السّلطة على تغيير السّلوك عن طريق إثبات ونشر النّفوذ والعقاب ممّا يتطلّب مراقبة منهجيّة دائمة لسلوك النّاس وأعمالهم وتدخّل امُباشرا فيها (مكافأة، سجن، مُحاصرة إلخ) coercion. وتجعل الدّولة سُلطتها جزءا لا يتجزّأ من المنظومة النّفسيّة الثّقافيّة والحضاريّة فمن يُعارضها فهو ضدّ الأمّة بأجمعها وضدّ طموحاتها. حتّى أنّه إذا ما عوقب شخص ما إقترف عملا ممنوعا أو مُحرّما يكون ذلك العقاب شرعيّا وموضوعيّا ومقبولا في نظر الجميع. وتستغلّ الدّولة في البلدان المتخلّفة الإجماع الموجود لدى النّاس على شرعيتها واستعدادهم النّفسي الثّقافي المُسبق للقبول بسلطتها للنّيل من مُعارضيها والقضاء عليهم. وإلى جانب إستعمال العنف تارة والإقناع والتّهديد تارة أخرى تُظهر الدّولة علاقتها السّلطويّة الجائرة على أنّها علاقة أبويّة أو حميميّة . 

العنف إعتداء واضطهاد:

يُعرّف ماكفي براون Herbert Mcafee Brown العنف كما يلي: هو اعتداء على ״الشّخص״ بمفهومه الحقوقيّ (personhood). وبما أن ״الشّخص״ يعني إجماليّ الفرد وليس الجسم فقط فيتحتّم علينا قبول المفهوم القائل بأنّ الإعتداء على الشّخص قد يحدث حتّى وإن لم يُلحَق ضرر جسماني. العنف إذا هو كلّ ما يُجرّد الإنسان من شخصه.

العنف هو كلّ اعتداء بالضّرب أو اللفظ (الشّتم) والجرح المادّي أو المعنوي والتّعذيب والحرمان والإقصاء والقتل إلخ... وهذه كلّها أشكال مختلفة ومتفاوتة من الإعتداء وقد تُرتكبُ بنيّة الإساءة وإلحاق الضّرر أو بدافع مرضيّ، وتدخل في نطاق مُمارسة السّلطة على شخص تابع أو مُهيمَن عليه. وكلّ أعمال العنف تُثير الإشمئزاز والتّقزّز لكن هناك أعمال عُنف قد تثير شعورا بالإستنكار أقلّ من غيرها. فإنّ قتل طفل صغير طعنا بسكّين يبدو أكثر فضاعة من تدمير مدينة كاملة بالقنابل لأنّ هذا العمل الثّاني قد تمّ تبريره وجعله يبدو موضوعيّا وشرعيّا. وفي حقيقة الأمر فإنّ العنف هو العنف؛ يُسبّب مُعاناة وألما سواء أكان مادّيا أم معنويّا. 

العنف إعتداء واحتقار ونفيٌ للآخر. وكلّ مُحاولة لإخضاع شخص أو إهانته أو فرض شيء ما عليه هي عنف. وعندما يرفض الطّرف القويّ في العلاقات السّلطويّة تلبية حاجيات الأفراد (الطّرف الضّعيف) في الأكل والشّرب واللّباس والسّكن فذلك اعتداء على الحقوق الأساسيّة والوضع المدني للمجموعات. وتُمارَسُ آليات الإستنقاص (للحقوق - للشّخص) بطرق عديدة وأساليب مُختلفة تستند إلى أسس إقتصاديّة، طبقيّة، جنسيّة أو عرقيّة، وقد ترتكز على الدّين، السّن، اللّون أو أيّ شيء آخر. وقد تكون مزيجا لعدد من هذه الأشياء. فالعنف تجاهلٌ لوجود الفرد كإنسان، ويُؤدّي إلى زرع وتنمية الصّورة الذّاتية التّحطيميّة والتّشاؤميّة ״أنا لا أوجد״.

واعتبارالأشخاص أشياء باعتماد أسلوب وضعيّ في التّعامل معهم والإستخفاف بمشاعرهم والمعاني التي يحملونها إنّما هو اعتداء على شخصهم. وقد اعتنت كلّ العلوم الإنسانيّة بهذا الأمر من علوم سياسيّة واقتصاد واجتماع وعلم النّفس والتّحليل النّفسي والطّب والتربية كلّ من منظور مُعيّن وقصد بُلوغ أهداف مُعيّنة؛ وكلّ هذه العلوم نجدها مُتّهمة بتكريس العنف وتبريره أو صرف النّظر عنه.

وفي الحياة العامّة والواقعيّة يتعرّض النّاس للإعتداء ويُمارسون العنف على بعضهم البعض. وفي أغلب الأحيان يكون هذا العنف إعتداء خفيّا أو معنويّا لا تُبصره الأعين ولكنّه موجود: حرمان الأطفال من حنان أمّهم مثلا، التّخويف، بشيء مادّي أو معنوي، الإقصاء من المؤسّسات...إلخ. العنف يُولّد الخوف ويعتمد على القوّة أو القانون ويُغذّيه خيال الإنسان. وقد يُولّد الخجل أو الشّعور بالذّنب: الخجل هو الإحساس بحكم المجتمع وموقفه المُعاقِبِ لسلوك ما (شعورٌبالمهانه)، والذّنب شعور أعمق بنقد الذّات للذّات (صراع نفسي). ومن أبشع أنواع الإعتداء غرسُ الشّعور بالذّنب الذي يُؤدّي إلى حالات مرضيّة مُعقّدة تُصيب بالإحباط. يقول القسّيس وعالم الإجتماع الأمريكيّ كولين ويلسون إنّ تعطيل النّموّ لدى الفرد أو منع طاقاته من التّوسّع إعتداء ويقول إنّ الحرّيّة صفة للوعي (حالة). 

إنّ النّظم السّلطويّة ضروريّات ثقافيّة وهي أساس الحياة الإجتماعيّة وفي هذه النّقطة تُصوَّر كلّ الثّقافات على أنّها شكلٌ من العلاقات السّلطويّة الغير مُتوازنه أو انعكاسٌ لها. وكلّ مظاهر الإعتداء والعنف التي أشرنا إليها آنفا هي مظاهر لأنماط سُلطويّة غير مُتوازنه. والعنف ينسابُ من الثّقافة كما يولدُ من الواقع المُعاش، وكلّ مُحاولة للفصل بين السّلطة والعنف تثير التّناقض وتوقعُ في الخطأ.

السّلطة والمنتجات التي تـُـنتج:

ماذا تنتج العلاقات السّلطويّة الغير مُتوازنة؟ وهل تتضمّنُ العلاقات السّلطويّة استعدادا مُسبقا لمُمارسة العنف والإعتداء؟ هل تلعب دورا إيجابيّا مُنتِجا في الوضع الإنساني؟ لقد تمثّل إسهامُ ميشال فوكو في تسليط الضّوء على هذه المسائل فاعتبر أنّ الرّفض والمنع ليسا فقط من الأشكال الأساسيّة للسّلطة وتجلّ لها بل هما حدود السّلطة التي ضاقت ضرعا وبلغت درجاتها القُصوى. وهذا يوضّح التّوازن المنشود ويُظهرُ الجانب الآخر من المسألة: النّاسُ يُنتَجون ويُعادُ إنتاجهم عبر انخراطهم في الأنماط أو الهياكل السّلطويّة ويعني بذلك الإنسان كمنظومة كتركيب نفسي ثقافي؛ فالظّمير الإنساني نتاج للعلاقات السّلطويّة ولذلك يعلو فوق العنف لأنّ العُنف جزء من هذا البناء. إذا كانت الثّقافة نتاج للبناء الإجتماعي ما هو الجانب البنّاء، الإيجابي، المُنتج في العلاقات السّلطويّة؟ وهل فيها مظاهر هدّامة؟ وما هو الخطّ الفاصل بين الفكري والنّفسي (الشّعوري) في عمليّة الإنتاج والهدم؟ 
يمكن القول إنّ فوكو درس ميكانيزمات السّلطة وأطنب في وصف المنتجات التي تنتجها وهي كثيرا ما تكون سلبيّة لكنـّـه يقرّ بأنّ السّلطة الرّمزيّة لا بدّ منها لأنـّـها تنظـّـم وتنتج أشياء إيجابيّة. وفي هذا الشـّـأن يتـّـفق معه بيار بورديو إذ يقول أيضا بضرورة السّلطة الرّمزيّة المعنويّة في الثـّـقافات وفي الواقع لأنـّـها منتجة. 

المثقـّـف العربيّ والسّلطة:

الهزيمةُ تُولّد اليأس والتّّشاؤم والمُواطن العربي يائسٌ ومُتشائم وردّةُ فعله الطّبيعيّه هي الإغراق في المثاليّة أي الهروب من الواقع والنّأيُ ُعن الحقيقه فلا نجدُ حركاتٍ سياسيه قويّة تنطلق من الواقع وتعمل بدأب على تغييره ومن يصنعُ الحركات السّياسيّه والإيديولوجيا غيرالمُثقّف؟ لكنّه غارق في المثاليّه فإمّا أن ينظُر نظرة رومنسيّة إإلى العُمّال والفلاّحين ويحلُم بإمكانيّة تمرّدهم بقيادة الطّلبة وإمّا أن يتعلّق بالماضي التـّـليد وينظر إلى السّماء مُنتظرا أن يتغيّر الحالُ بإرادة الخالق القهّار. وعندما يتخذ المثقّفون أيّا من هذين الموقفين لن يستطيعوا تبيّن المُستقبل لأنّهم يسبحون بعيدا عن الواقع.

لكنّ الأمر الذي لا جدال فيه هو أنّ السـّـلطة تتغيّر ولا تثبت على حال. فالعرب أمـّـة عظيمة أثـّـرت في ثقافات العالم وفلسفاته وعلومه في حقبة ما من التـّـاريخ، بل قدّمت للعالم علوما ومناهج وأخلاقا واختراعات وبذلك ساهمت في تقدّم البشريّة جمعاء. وعلى المثقـّـف العربيّ ألاّ ينهزم وأن يعلم أنّ الأمم العظيمة قد تمرّ بنكسات وقد تعاني من التـّـخلـّـف في مرحلة ما، ولكنّها لن تظلّ على تلك الحال أبد الدّهر. فليحمل مثقـّـفونا وعلماؤنا المشعل وليصدحوا بالحقّ وليتصدّوا للعسف والظـّـلم في بلداننا وليعملوا بجدّ على تغيير العقول. والله وليّ التـّـوفيق.
[/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

علاقات السّلطة في المجتمع :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

علاقات السّلطة في المجتمع

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» وجود الأطفال يؤثر على علاقات الازواج
» المثقّف وتقلّبات السّلطة العبثيّة
» إسلام السّلطة وإسلام الأزمة! طالب إبراهيم
»  قوة رأس المال الاجتماعي في زمن الثورات الترابطية: قراءة في كتاب "نهوض المجتمع المدني العالمي" لدون إيبرلي 09 ديسمبر 2013 بقلم مصطفى أيت خرواش قسم: الدين وقضايا المجتمع الراهنة حجم الخط -18+ للنشر: كثيرة هي الكتب التي تثير انتباهك منذ أول وهلة، عندما تست
» التنوير والإلحاد والإيمان .. علاقات شائكة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: