تكبير الصورةتصغير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية. مازن لطيف
مساهمة في طريق فك الاشتباك بين قداسة الماضي ونصوصه السردية من
جهة وحُرمة البحث التفصيلي والتحليلي فيها، او العزوف عنها في الوقت
الحاضر. هذه واحدة من النتائج المهمة لكتاب" خطاب الجنس-مقاربات في الأدب
العربي القديم" للباحث هيثم سرحان، وتعيين أنظمته، وتحديد مقاصده، وذلك
باستخراج نصّياته، ورصد تمثيلاته.
تناول المؤلف خطاب الجنس، مفاهيمه وتصوراته، وتحليل خطاب الرؤية
والمنهج، وتناول الموقف النقدي في إشكالية الحظر والإباحة، حيث يذكر: لقد
استطاعت الثقافة العربية إنتاج منظومتي قواعد في إدارة الجنس: منظومة
الزواج، ومنظومة الرغبات التي تتجاوز مؤسسة الزواج،بيد انها لم تفصل
بينهما؛ فمن الناحية التطبيقية منح مجتمع الذكور الحق في المزاوجة بين
النظامين عبر الزواج والتسري الناجم عن طريق فيض النساء الذي غمر المجتمع
العربي والاسلامي نتيجة الفتوح الاسلامية.
ويرى المؤلف انه وبصرف النظر
عن مرجعيات الكتّب القدامى، فإنّ المتبصر في كتب الادب العربي القديم
ومدوناته يرى أنّ المؤلفين قد عمدوا، في تآليفهم، إلى إفراد فصل او باب
موضوعه يدور حول النساء. فأول من أفرد رسائل خاصة و موقفاً نقديا حول
الجنسانيات هو ابو عثمان بن بحر الجاحظ(ت255 ه) ، فكتبه" في النساء" و"
مفاخرة الجواري والغلمان" و" القيان" فضلا عن النصيات الواردة في كتبه
الاخرى تُعد فاتحة في تأسيس الخطاب الجنسيّ، ولعل جمبع من جاء بعده غرفوا
من بحره. فالجاحظ أول من تناول باب الجنسانية على مصراعيه، بسب موقعه
الثقافي، ومرجعياته المعرفية، فارتبط بالسلطة ومؤسسة الخلافة يمنحه القدرة
على تناول الموضوعات.
يذكر المؤلف أن الثقافة العربية القديمة سادت
فيها، أشكالٌ متنوعة من الجنسانيات غير مقولبة دينيا وثقافيا، بيد أنها
انتشرت سرا وخفاء، إذ نجد ظاهرة اللواط ، والسحاق، والمثلية الجنسية،
والعري، والجنس بواسطة الحيوانات، فضلا عن الشذوذ الجنسي، ونتيجة لذلك،فإن
مؤسسة الكتابة العربية، بمختلف اتجاهاتها ومرجعياتها، ستكون مطالبة بتسجيل
هذه الوقائع بهدف تمكين الخطابات من رصد الجنسانيات، وكشف نوازع الانسان
ومشكلاته، وايجاد الحلول الملائمة لها.
وعن المؤسسة القضائية والجنسانية
يذكر هيثم سرحان انه لم يكن القضاء بمعزل عن تكوين الجنسانية والتأثير في
أنشطة الانسان وسلوكه الجنسيين. وذلك ان موقعهم الوظيفي مكّنهم من الاطلاع
على نزاعات الافراد وخصوماتهم المرتبطة بالحقوق والواجبات الجنسية. لقد
شارك القضاة والفقهاء والشعراء والكتاب في إنتاج التمثيلات الجنسانية من
خلال احكامهم ومقرراتهم في القضايا المعروضة على مجالس القضاء للنظر فيها
والتثبت من تفاصيلها والاستماع الى وجهات نظر الخصوم وفحص ادلتهم والاستماع
الى محاججاتهم.
وعن الآخر في الجنسانية العربية يذكر المؤلف ان الآخر
يحضر في الجنسانية العربية بوصفه خاضعا للممارسات الجنسية التي يمارسها
الانسان المتفوق ثقافيا ودينيا وعرقيا وطائفيا، وسوف يمنح التفوق الثقافي
المُتفوق حضورا طاغيا وإحساسا كبيرا بهويته الجنسية التي ستعلن وتظهر
بوصفها أداة للقهر والاهانة. كما ان الممارسة الجنسية ترد، وفي هذا السياق،
بوصفها فعلا شائنا يهدف إلى إلحاق العار والضيم بالمفعول به.
كتاب(خطاب
الجنس-مقاربات في الأدب العربي القديم) كما يقدمه الاستاذ حسن ناظم،
يستحق القراءة ويستكمل معرفتنا في الثقافة العربية التي تبقى ناقصة دون
تسليط الضوء على تلك المئات من القصص والنوادر والحكايات والطرائف والوقائع
والايام وتحليلها للوقوع على كنوزها المختفية والمخفية