خفايا أسطول إيران الذي يغذّي نظام الأسد
عن الانترنت
مايكل ويس، "فورين بوليسي"
ترجمة نسرين ناضر29 تشرين الأول 2013 الساعة 16:19
لا يخفى على أحد أن النظام الإيراني يرى في الحرب الدائرة في سوريا مسألة تعنيه على المستوى الداخلي أكثر من شأن متعلق بسياسته الخارجية. ففيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يقوم بتدريب وتمويل مجموعة من الميليشيات المذهبية الشيعية والعلوية في سوريا لخوض حربٍ لم يتمكّن الجيش السوري النظامي والمجموعات شبه العسكرية التقليدية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد من الفوز بها بمفردها. ولولا التدخل العسكري المباشر من "حزب الله" المدعوم من إيران في القصير وحمص هذا العام، لبقيت هاتان المنطقتان تحت سيطرة الثوّار. ولعل خير دليل على الأهمية التي ترتديها سوريا بالنسبة إلى إيران هي العبارة الشهيرة التي وصف فيها مهدي طائب، المؤتمن على أسرار المرشد الأعلى علي خامنئي، سوريا بأنها "المحافظة الـ35" في إيران، معتبراً أن خسارة سوريا تعني سقوط الجمهورية الإسلامية.
إلا أنه ظهرت وثائق في الآونة الأخيرة تُبيِّن أن إيران تشحن نفطاً خاماً خفيفاً إلى سوريا بموجب شروط يمكن القول بأنها تقود عملياً إلى تصدير النفط مجاناً إلى دمشق. بصريح العبارة، يُبدّد النظام الإيراني موارده الطبيعية في حين أن شعبه يعاني من آثار العقوبات الدولية المفروضة على برنامجه النووي.
تشير مجموعة من الأدلة التي حصلت عليها مجلة "فورين بوليسي"، إلى أن إيران "باعت" نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام الخفيف إلى سوريا على امتداد عام تقريباً، وبأسعار مخفّضة بنسبة 10 في المئة منذ أيار الماضي على الأقل، عندما كان سعر برميل النفط عالمياً عند حدود 98 دولاراً. ويبدو أن السعر المخفَّض - نحو 88 دولاراً للبرميل من دون رسوم النقل - يُسدّده نظام الأسد بواسطة خط ائتماني طويل الأمد مخصّص لاستيراد مصادر الطاقة، منحته طهران لدمشق قبل بضعة أشهر، بقيمة 3.6 مليارات دولار، لمساعدتها على التصدّي للتداعيات الاقتصادية المترتّبة عن الحرب الأهلية المستمرّة منذ نحو ثلاث سنوات. لكن في الواقع، قد لا يتمكّن الأسد أبداً من إعادة تسديد القرض، وغالب الظن أن الإيرانيين لا يتوقّعون منه تسديده، نظراً إلى أنهم يعتبرون أن بقاءه مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقائهم. إذاً لا يكتفي الإيرانيون ببيع الأسد النفط بأسعار مخفَّضة، بل يقومون بتعويمه بالمال كي يشتريه بهذا السعر المخفَّض.
وقد أوردت "رويترز" أن هذا الخط الائتماني يندرج في إطار صفقة "تتيح لإيران حيازة أسهم في استثمارات في سوريا"، ما يعني أن الاستثمار الإيراني في مؤسسات الدولة السورية يذهب على الأرجح أبعد من بناء الميليشيات وتعزيز الأجهزة الأمنية المتهاوية. فقد كتبت صحيفة "تشرين" السورية الموالية للنظام السوري، في أيار الماضي أن أديب ميالة، حاكم المصرف المركزي السوري، أقرّ لأول مرة بأن قيمة القروض الميسَّرة التي منحتها إيران لسوريا تصل في الواقع إلى 7 مليارات دولار. وهذا المبلغ يتيح لدمشق تسديد كلفة كل شيء، من الطاقة مروراً بالسلع الزراعية وصولاً إلى الأقمشة.
يقول ديفيد باتريكاراكوس، مؤلّف "إيران النووية: ولادة دولة ذرّية": "يعاني الإيرانيون الأمرّين بسبب العقوبات، والمسؤولون يهدرون المال - وهو مال لا يملكونه في الواقع - عبر إعطائه لحزب الله والأسد. كما أن تعويم قطاع الطاقة السوري ينم عن غباء في السياسة، لأن التهديد الأكبر الذي يواجهه الملالي مصدره الشعب الإيراني أكثر منه سقوط الأسد".
وأكثر من ذلك، تهدر إيران أموالاً إضافية من أجل استنباط وسائل متطوّرة للتهرّب من نظام العقوبات الدولية، مثل تسجيل شركات أجنبية وهمية وتبديل الأعلام التي ترفعها ناقلات النفط التابعة لها. ولعل أبرزها السفنية "تور 2" التي تشتهر بتبديل أعلامها ومالكيها لنقل النفط حول العالم، انطلاقاً من إيران وسواها من الدول المارقة. فقد عمدت "تور 2" إلى تغيير أعلامها ومالكيها في غضون 24 ساعة في آذار 2012 بعد الإبحار من مرفأ طرطوس إلى بانياس لاستخراج النفط الخام السوري بهدف تصديره إلى سوق خاضعة لقيود قانونية.
وقد خلص تقرير نشرته "المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية"، التي تربطها شراكة مع "لجنة خبراء الأمم المتحدة حول إيران"، في كانون الثاني الماضي، إلى أنه "حتى تاريخه، سُجِّل أكثر من مئة تغيير في الأسماء في مراكب على صلة بصناعة الشحن البحري الإيرانية"، بما يعطّل الجهود الهادفة إلى فرض تطبيق العقوبات. حتى إن إيران عمدت في إحدى الحالات إلى إنشاء شركة في جزيرة مجهولة الاسم في المحيط الهادئ لمدّة 20 يوماً فقط بهدف إتمام صفقة شحن واحدة.
قال لي خبير في العقوبات على إيران طلب عدم ذكر اسمه، إن المراقِبين يتعقّبون معظم السفن التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنهم قد يُحجمون عن افتعال مشكلة بسبب بعض الحساسيات الجيوسياسية (المحادثات النووية الجارية ضمن مجموعة 5+1، مبادرة من أجل السلام في سوريا، إلخ.)، أو بسبب الإدراك بأن سياسة عدم التسامح في تطبيق العقوبات لا تلقى ترحيباً من الجميع.