«غرفة» فرجينيا وولف
منافيستو النقد النسائي
رولا حسن
يعد نص «الغرفة» لفرجينيا وولف «منافيستو» النقد النسائي في القرن العشرين، حيث تستعيد سيرتها الأدبية والشخصية، لتثري تقاليد القراءة الجديدة للنص ولايقتصر جهد وولف على هذا المجال..
فقد احتلت موقعاً مهماً في الأدب البريطاني الحديث كمبدعة متميزة ومؤسسة لمجموعة «بلومزبري» التي كان لها شأن كبير في أدب مطلع القرن الماضي، وقد نشرت وولف مقالتها الشهيرة عام 1929 «الغرفة» والتي تعد «منافيستو» النقد النسائي كما أشرت قبلا لأهمية ما ورد فيها من الأسئلة التي تتعلق بدراسة أدب النساء والأدب الذي يكتب عنهن.
جانب طليق
في نصها «الغرفة» تفصح وولف عن ذلك الجانب الطليق في شخصيتها، حيث يتبين ذلك من استخدامها فن السخرية والتوريات وسيلة لفضح الفكر البطرياركي في الماضي والحاضر، وقد صاغت وولف عبر ذلك أولى نظريات المعرفة آخذة بالحسبان تأثير عوامل الجندر في تكوين القيم الإنسانية والأدبية والاجتماعية.
وانطلاقة وولف في هذا المجال بداية جاءت رداً على مقالات نشرها أرنولد بينت 1920 تحت عنوان «نساؤنا» يزعم فيها أن الرجال متفوقون فكرياً على النساء بالفطرة، الأمر الذي أثار حفيظة وولف، فصاغت في ردها أول تصوراتها عن فكرة التمايز بين الجنسين مشيرة إلى أن تخلف النساء في عصر من العصور عن إنتاج نوع أدبي معين لا يعود إلى قصور طبيعي في تركيبة المرأة العقلية، بل يرجع إلى أن فرصها في الحياة أضأل من الرجل، إن لم تكن معدومة في مراحل كثيرة من تاريخ البشرية.
هذه الفكرة تطورت فيما بعد عند وولف لتخرج بمجموعة من الآراء، بنى عليها النقد النسوي أهم أسئلته: لماذا لم تكن هناك كتابة نسائية متواترة قبل القرن الثامن عشر؟. لماذا بدأت المرأة بتقديم روائع الأدب الإنكليزي في القرن التاسع عشر؟ وما السبب في أن نتاجها اقتصر- إلى حد ما على الكتابة الروائية، ولم يسهم في ميادين أدبية أخرى بتلك الوتيرة التي أنتجت فيها الرواية؟.
وهنا كانت إجابات وولف واضحة، لا بل تجاوزت تلك الأسئلة، في أهم محاججة لها حيث قالت: «إن التاريخ كتبه ويكتبه الرجال، فالرجال يخوضون التجارب التي تنسب إليهم الأعمال العظيمة، فهم الجنود والقادة والفلاحون والعمال، وهم الذين يسنون القوانين وبمقدورهم أن يروا ثمار عملهم بين أيديهم في حين لا يبقى من العمل الذي تنتجه المرأة شيئا لا لتاريخها ولا لحاضرها.
تؤكد وولف أن التقليد الذي كان مقبولاً في الغرب أن تكون المرأة دائماً موضوعاً للأدب وميداناً من ميادينه، وأن تكون منتجة لهذا الأدب، فهي لاشك في أنها ستواجه عوائق في كل خطوة تخطوها.
وهنا تشير وولف إلى أهم انعطافة واجهتها الرواية الكلاسيكية البريطانية بظهور نوع من الكتابة أسست له «جين أوستن» والأخوات برونتي وجورج اليوت، النسوة اللواتي كتبن رواياتهن داخل غرف العزلة والحرمان عنوة من كل تجارب الحياة.
وتتمثل إضافتهن فيما أبرزته أعمالهن من وعي المرأة بوجودها، وبذلك الحضور القوي لمشاعرها وأحاسيسها على نحو مختلف، وذلك سيكون مميزا بوجود كاتبة ناقمة على معاملة الآخرين لبنات جنسها، ولكنها قادرة في الوقت نفسه على مقاومة هذا الازدراء وتجاهل كل ألاعيب اللوم والوصاية.
نجحن روائيات
أما عن نجاح النساء كروائيات وإخفاقهن ككاتبات مقالة أو شاعرات في ذلك الوقت، فإن وولف ترده إلى أن النساء أتين إلى الكتابة متأخرات كما جئن متأخرات إلى التعليم وبحلول الوقت الذي بدأن فيه الدخول إلى هذا العالم كانت كل الأشكال القديمة قد تحددت وكانت الرواية لا تزال آنذاك فتية كفاية لتكون طيعة بين أيديهن وهنا تتطرق وولف إلى نقطة مهمة وهي التمييز بين القيم التي صنعتها رواية المرأة والقيم الذكورية.
فرواية المرأة في رأي وولف لها علاقة بالحياة الواقعية وبالتجربة الشخصية، وهي، والحال كذلك، لا تقل أهمية عن التجارب التي تعكس اهتمامات الرجل مثل جمع المال وخوض الحروب.
وهنا تسأل وولف سؤالها المهم: عن حرية المرأة وحقها في امتلاك مكان يخصها وحدها للكتابة.. فهي تسأل: لماذا لا يمكن لغرفة الاستقبال أن تطرح القضايا ذاتها التي يطرحها العالم الخارجي؟
فما حرمت منه المرأة لعقود متواصلة -بحسب وولف- هو حق امتلاك الغرفة الخاصة بعملها والمال الكافي لكي يتفرغ به المرء للكتابة مولية هذه الملاحظة أهمية قصوى.
تناقض وولف
تميزت وولف بالتناقض في طرح أفكارها، كما تميزت بتنوع المعالجات وتباين المناهج وهو أمر أشار إليه الكثير من الباحثين، والدليل في رأيهم أنه كان من الصعب أن نجد إجماعاً بين الباحثات النسويات على تقييم نوع كتاباتها لأنها تحظى بتفسيرات مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان.
وليس من الصعب إدراك سر هذا التناقض، كما يؤكد النقاد، وأن مرده إلى أن أفكار وولف وطروحاتها هي نتيجة مرحلة كان صوت النسوية الاشتراكية قد ارتفع فيها قبل أن تكتب وولف تصوراتها عن المساواة بين الجنسين، ولعل ما كتبته عن توافر الشرط المادي للمرأة لكي تتعلم وتنتج الأدب يشكل الجزء الأهم من مطالب كلارا زيتكن وروزا لوكسمبورغ و..غيرهن من قائدات الحركة النسائية الاشتراكيات.. غير أنها تمضي في نسويتها شوطا أبعد منهن لأنها حررت تلك النسوية من أقسى حمولة كانت تنوء بها، وهي كونها كانت تخدم طبقة معينة أو هدفاً سياسياً، أي بمعنى آخر حررتها من الإيديولوجية وأطلقتها حرة.
لذا كانت وولف شديدة الحساسية إزاء فكرة الدعاية المباشرة وأكثر حساسية من أن تمثل صوت مجموعة نسائية محددة أو موجهة.
العقل المبدع
هذا لم يمنع وولف، وهي تتبع أسباب تخلف المرأة عن منافسة الرجل، من أن تنتبه إلى أن أكثر الصيغ المناسبة للإبداع تكمن سايكلوجيا في العقل المخصب بقوتيه الذكورية والأنثوية وهي تستشهد بمفهوم بريدج للعقل الثنائي العظيم حيث تعيش الصفات الذكورية والأنثوية بانسجام وهو مفهوم تطور عند الكثير من المفكرين اللاحقين ومن أهمهم غاستون باشلار الذي تحدث في كتابه «شاعرية أحلام اليقظة» عن ظاهرة الذات المبدعة التي تتمازج فيها النفس الذكورية والأنثوية لتخلق ذلك التوازن المرهف في عملية الإبداع.
تتحدث وولف في نصها «الغرفة» عن الثقافة البطريركية التي ترغم النساء الموهوبات على الصمت، وإن لم تستطع تدفعهن إلى الجنون وفي هذا الأنموذج من تاريخ النساء الأدبي نجد الغضب سمة لردة الفعل «النسائي» على «الأنثوي» الاجتماعي الثقافي.
الأحد يوليو 19, 2015 11:29 am من طرف دوحة