وهم الشاعر
الكثير من الشعراء من هم مصابون بالوهم الرمزي او الوهم القدسي، خصوصا اذا ما ارتقى الشاعر منصة وألقى قصيدة جميلة، وأحس ثمة إصغاء لمفرداته يعقبه تصفيق حار، يرى نفسه اكبر وأفضل من أقرانه، ويظل هذا الوهم ينفخ في شخصيته، حتى يعد نفسه شاعرا كبيرا معروفا ويشار اليه، وحقيقة هذا الوهم لم تأت من فراغ فنحن نعلم جيدا ان عجلة التطور تهرول ليس يوما بعد يوم، بل في الساعة او الثانية بعد الثانية ونوافذ المعرفة ليست لها حدود عكس ما كانت عليه، ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت وسائل المعرفة محدودة: الكتاب، الصحيفة او المجلة، المذياع، والتلفزيون الذي لا يمتلكه إلا التاجر او المسؤول في الدولة، لذا فان جميع الشعوب تلتهم ثقافتها ومعلوماتها من الكتب والصحف، ولا ننسى قلة المطابع ودور النشر، فقبل سقوط النظام العراقي الديكتاتوري السابق بخمس سنوات كانت لا توجد صحف غير النواسخ الأربعة (القادسية،الجمهورية، الثورة، العراق) ومن ثم اوجدوا لكل محافظة صحيفة أسبوعية واحدة، وفي تحقيق صحفي قمت به عن كثرة المطبوعات في الآونة الأخيرة في البصرة استنتجت بان من عام 1970 الى عام 1990 لم تنتج البصرة إلا اقل من عشرة كتب شعرية، هذا على مستوى البصرة، اما الصحف على مستوى العراق، كذلك قس بقية دول المنطقة، فالقارئ لا يجد ما يقرأ غير هذه الصحف وهذه الكتب، لذا فقد كان الشاعر في تلك العقود يكتسب شهرة وسمعة أكثر مما هو عليه الآن، لان نوافذ المعرفة محدودة جدا، سواء نشر قصائده في الصحف النواسخ او طبعها بكتاب، يضطر القارئ إلى الاقتناء والقراءة اذ لا يوجد منفذ اخر او وسيلة أخرى، وربما كانت تلك العقود ناجحة ومهيأة لصناعة الرموز الشعرية، ولو نلاحظ ان الرصافي والزهاوي كانت لهما سمعة واسعة في القاهرة وبيروت، كما كان احمد شوقي وحافظ لهما سمعة كبيرة في أرجاء المنطقة، وكل واحد منهم أصبح رمزا شعريا ليس لأنهم كبار بشعرهم او بقوة شعرهم وجزالته بل لقلة منافذ المعرفة في ذلك الوقت، والمعادلة تتناسب تناسبا طرديا، كلما قلت المنافذ المعرفية والوسائل الثقافية كثرت الرمزية والقدسية، وكلما كثرت الوسائل المعرفية تلاشت وانصهرت القدسية والرمزية، اما الآن وقد أصبحت وسائل المعرفة لا تعد ولا تحصى من مجلات وصحف بالمئات وكتب ودور نشر وفضائيات ووسائل اتصالات وانترنت وما تظهر بهذه الشبكة من تطورات يوما بعد يوم فهل يفكر شاعر عاقل بان يكون رمزا، حتى القارئ النهم والمثقف لا يستطيع الاستغناء عن الاميل او الفيس بوك او الافلام الوثائقية في بعض الفضائيات، فهذا ادونيس المتربع على عرش الشعر العربي سألت احد طلاب الجامعة عنه، قلت: له هل تعرف الشاعر الكبير ادونيس؟ فقال من هذا يوناني ام روماني؟ !!! لذا اطلب من اخوتي الشعراء وخصوصا الشباب ان يتكلم احدهم مع الاخر بأدب واحترام، ولا يعتلي بعضهم على بعض أثناء الحديث، فرحم الله من عرف قدر نفسه.
هيثم جبار عباس
كاتب من الجمهورية العراقي