السلام الزائف.. وكاد روحاني أن ينتخب أوباما!
روحاني خلال إلقاء كلمته في الأمم المتحدة
قبل عام كان الخناق يضيق على إيران، والحديث يتصاعد عن اقتراب موعد الضربة العسكريّة التي توقف الطموح النووي الإيراني، وتهزّ المطامع التوسعيّة، ولم تكن العقوبات الاقتصادية إلا المحطة الأولى، ولكنّ هذا الحديث بدأ يتوارى في انتظار الانتخابات الإيرانية، التي جاءت بمن وصف بالإصلاحي “حسن روحاني”، الذي رفع راية “التصالح مع العالم” وتقديم رؤية جديدة تمامًا، تصل لحد تهنئة اليهود بأعيادهم، والحديث عن إسرائيل ووصف المحارق بأنها جريمة، وغيره مما كان يستفز به سلفه أحمدي نجاد إسرائيل، ويحمل روحاني كل هذا في غزل صريح لأوباما، مما دفع الجميع لإعادة قراءة الموقف من جديد.
كاتب مجلة “دير شبيجل”، الدبلوماسي والمراسل “إيريك فولاث” (صاحب التقرير الشهير حول اغتيال الحريري)، كتب مقالاً قبل ذهاب روحاني إلى نيويورك ليشارك، قال فيه: إنّ روحاني الذي تبادل رسائل إيجابية مع أوباما، وأوعز لعلي أكبر صالحي الرئيس الجديد لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بالإدلاء بتصريحات إيجابية عن استعداد إيران لتقديم مقترحات إيجابية، وصاغ ذلك كله في سياق رسم إستراتيجية جديدة، توقع أنها ستكون خصمًا على شعبية روحاني في الدّاخل الإيراني، وقد تضعه في مواجهة ربما حتى مع المرشد الأعلى، ولكنّه يؤكد أنّ روحاني ذاته، متفاجئ بما يقوم به، فهو لم يتحرّك إلا بعد أن قرأ الأرقام الحقيقية للاقتصاد الإيراني المنهار، جرّاء العقوبات، فإيران لن تستطيع تفادي إفلاس قومي ما لم تنجح في رفع العقوبات ويختم تحليله، بأن الجميع سيتعامى عن تحركات روحاني في حال نجح في تحسين الوضع الاقتصادي خلال فترة قصيرة، وإلا فإنّه ينتظر هجمة قد تعزله من منصبه. ويبدو تحليل فولاث للجانب الاقتصادي دقيق، فإيران ليست صغيرة كفاية لتعزل اقتصادها عن التعامل العالمي، ولا هي كبيرة كفاية لخلق سوق بديل، ولكن هل يمكن أن يكون إنقاذ الاقتصاد سببًا كافيًا للتخلي عن طموحات إيديلوجية ظل “حرّاس العقيدة” يقدسونها لثلاثة عقود؟!
بعد خطاب روحاني في نيويورك، وما قام به، ظهر السخط عليه من قبل المحافظين، ولكنّ عتاب المرشد الأعلى كان ناعمًا، وعلى الضفة الأخرى هاج معارضو التقارب مع إيران على الرئيس الأميركي، مع أنّ أوباما كان واضحًا في أنه يريد من إيران “إجراءات هادفة وشفافة يمكن التحقق منها”، ولكن الجوّ العام بدا وكأنّ البيت الأبيض لا مانع لديه من تقديم التنازل الأوّل في سبيل الوصول إلى اتفاق مع إيران، فيرفع العقوبات أوّلاً، ولعل حظًا سيئًا كان ينتظر أوباما وروحاني؛ لأنّ صقور الإدارتين لديهما الأسباب الكافيّة لإضعاف الرئيسين، فلم يعد غريبًا أن تجد تصريحًا يقول “أمريكا ليست ضعيفة ولكن أوباما كذلك”، وفوق هذا فقد استطاع النوّاب أن يفتلوا عضلاتهم خلال أزمتي الرعاية الصحيّة، وسقف الدّين، ولكل هذا آثاره السلبيّة على استقلالية إرادة الإدارة الأميركية، والأمر لا يختلف كثيرًا عند إيران.
- اقتباس :
- أوباما كان واضحًا في أنه يريد من إيران “إجراءات هادفة وشفافة يمكن التحقق منها”، ولكن الجوّ العام بدا وكأنّ البيت الأبيض لا مانع لديه من تقديم التنازل الأوّل في سبيل الوصول إلى اتفاق مع إيران
الطريف أنّ البيت الأبيض، قال إنه وبحسب مكتب وزارة الخزانة المسؤول عن تنفيذ عقوبات أمريكا، فإن إغلاق الحكومة أدى إلى تخفيض العاملين على الرقابة على الأصول الأجنبية من 571 موظفًا إلى 11 موظفًا، ما يعني تعطل “إجرائي” للعقوبات المفروضة على إيران وسوريا، وساق ذلك في إطار إقناع حزب الشاي بأنّه يضر نفسه! وكأنه يسلم بأن العقوبات الأميركية على إيران منشؤها الكونجرس، وليست رؤية الإدارة الأميركية!
لذلك فإن “مارك لاندلر” يتوقع في مقاله في النيويورك تايمز، أن الكونجرس سيصوّت لفرض عقوبات جديدة على إيران، وسيمنع أوباما من المضي في التقارب أو الاستجابة للتقارب مع إيران، ويشير إلى أن جون كيري كان قد مارس ضغوطًا ورجاءات كبيرة، على اللجنة المصرفية في الكونجرس لوقف إجراءات عقابية ضد إيران تتضمن ضغوطًا بالغة على الدبلوماسيين الإيرانيين، حتى لا تفسد الجلسة التفاوضية الأولى في جنيف، ولكنّ رئيس اللجنة يتحدث في الأسابيع السابقة عن نيته الدفع بالمشروع الآن. ولكن.. ماهي الرّسالة المكتومة، وسط كل هذه السطور؟!
إيران تحرس حلمها النووي، وتعتبره هو الإنجاز الوحيد الذي يضمن لها شرعيتها تجاه شعبها، ولكن وعيها السياسي يفرض عليها، أنّ لا تساعد المتشددين ضدها في البروز، وتعمل على تقويتهم من خلال منحهم فرص لمدّ حبال التفاوض، وقد تمنحهم نصرًا من ورق، باتفاق هش، يتلهف له الطرفان، سواء أوباما الذي يتلقى الضربة تلو الأخرى، بل والنظام العالمي الجديد، خاصة وأنّ الكفران به بدا واضحًا، في سلوكيات دول كثيرة.
ليس تشددًا ما يقال، بأنّ إيران تلعب هذه الجولة، بالرديف (الفريق البديل)، وأنّ الفريق الأصلي، يركز على العمل فيما يقوم روحاني بجولات تفاوضية، ويتسابق مع أوباما في تقديم التنازلات، لهفة لنصر، يحفظ لتيار (الحرب ليست خيارًا) البقاء في السلطة في دورة انتخابية ثالثة للديموقراطيين.
تفسير آخر، يبدو أكثر رومانسية، يقول بأنّ الإيمان بأن الولايات المتحدة الأمريكية ترفع اليد عن المنطقة، وأنّها تريد جرد حسابها ولو بالخسارة، وتريد الانكفاء على ذاتها وقد استوفت شروط “الاكتفاء الذاتي من الطاقة بعد النفط الصخري”، وإيران تريد أن تلتقط القفاز وتغنم الفرصة، فهي أشبه بعرض تصفية المحال التجارية، فمن الذكاء أن تزور محلات التصفية ولو كنت تكره علاماتها التجارية!
بين كل هذه المحاورات، تطل قضيّة العرب باهتة، وتحتاج منهم لوعي، فهم لا يمكن المراهنة على أيّ محور، لا يلتقي معهم في مصالح حقيقية، حتى لا يكتشفوا فجأة أنهم “راحوا بين الرجلين”، ولعل هذا ما بدأ، وتولّد عنه رغبة لبناء محور عربي جديد.
عمر البشير الترابيباحث وكاتب سوداني.عمل في مركز الاتحادي للدراسات والبحوث، ترأس تحرير مجلة الاتحاد الطلابية بجامعة الشارقة، ، يكتب مقالاً أسبوعياً بصحيفة الصحافة السودانية. شارك في عدد من كتب المسبار بدراسات مثل: استخدام حركات العنف الإسلامية للنساء والأطفال، الصوفية في السودان قراءة في التاريخ و الحاضر