تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | شيلينغ وأشكالية فلسفة الوحدة .. | |
في مؤلفاته الأكثر نضجاُ وأختماراُ ، سيما في مؤلفه – مذهب المثالية المتعالية – وكذلك – عرض المذهب الفلسفي - ، ينطلق الفيلسوف الألماني فريدريك ويلهلم شيلينغ ( 1775 – 1854 ) من مزج فكرتين جوهرتين شاملتين : الذاتي والموضوعي ، ضمن أساس وحدة الروح والطبيعة ، أو بتعبير أدق تآلف الروح والطبيعة ، أو حتى أتحادهما . مع أخذ الحيطة والحذر في ، أولاُ : وحدة الطبيعة والروح تناسب الفكر الشيلينغي أكثر ، في حين إن أتحادهما يناسب الفكر الهيجلي أكثر . لأن الأول يؤكد إن الطبيعة هي الروح المرئية ، والروح هي الطبيعة اللامرئية .. ثانياُ : يفضل الا نضيف كلمة – المبدأ – لدى الحديث عن وحدة الطبيعة والروح لدى شيلينغ ، ونضيفها لدى الحديث عن أتحادهما لدى هيجل . لأن شيلينغ يلغي التمايز فيما بينهما ، بينما يؤكد هيجل على التمايز .. شيلينغ يقسم هيكل تصوره الفلسفي العام إلى فلسفة المثالية المتعالية ، وفلسفة الطبيعة ، في الأولى يعتمد على الذاتي كونه – حسب شيلينغ – المركز والأس الوحيد لما يسميه بالواقع ، في حين إنه يستند ، في الثانية ، على الموضوعي كونه المركز والأس الوحيد للطبيعة ، وإذا كان الواقع يتماثل عن بعد مع مفهوم الموجودات لدى هيدجر ، فإن الطبيعة تتناظر عن بعد مع مفهوم الوجود لديه ، مع مفارقة كبيرة جداُ وهي أن ما بين الموجودات والوجود الهيدجريان يكمن الفارق الأنطولوجي ، بينما مابين الذاتي والموضوعي ، أي الطبيعة والروح ، أو الواقع والطبيعة ، لدى شيلينغ تكمن وحدة وتآلف .. وقبل أن نذهب إلى خاصية فلسفته ، نود أن نسجل الملاحظات التالية : الملاحظة الأولى : ثمت أرتباك واضح وصريح في مجمل تعابيره التي لايتقن فن أستخدامها سواء في مجال المعنى ، أم في مجال المفهوم العام ، الواقع ، الرب ، الطبيعة ، الروح ، العقل ، المطلق ، والعلاقة مابين هذه المقولات ، وينتقل من إحداها إلى الأخرى دون أن يحدد المعيار الحقيقي المسوغ لهذا التنقل .. الملاحظة الثانية : نحن ، بدورنا ، لن نكترث مطلقاُ بهذه القضايا التي نعتبرها جزئية ، وسنركز على المحور الأساسي ، المحور الذي يخدم الأفكار الجوهرية النهائية في كافة هذه الحلقات ، وهذا المحور هو فلسفة الوحدة ، مع مراعاة ما قد ينبني عليه ويعين إطاره الخاص وإطار ما نصبو إليه في نهاية المطاف من خلال نقدنا له .. فما هي خاصية فلسفته ، إذن ، فلسفة الوحدة : لهذه الفلسفة شكل هرمي ، قاعدته ضبابية هلامية شائكة المعالم مليئة بأطروحات غير منسجمة ، في حين إن قمته تتضمن ، على الأقل ، أفكار محددة صريحة ، من هنا نحبذ أن نبدأ من الأعلى لنتدرج نحو الأسفل : أولاُ : حينما تطرح ( بضم التاء ) الأشكالية الجوهرية في الفلسفة لدى شيلينغ ، لامناص من الأذعان وقبول فكرة الوحدة التي حسبها إن المحتوى الجوهري هو مفهوم العقل المطلق الذي لاوجود إلا لوجوده .. ثانياُ : إن هذا العقل المطلق ليس في النهاية إلا الإله نفسه ، كما أن الوعي الذاتي للعقل ليس إلا الوعي الذاتي له ، ففلسفة الوحدة هي منطوق العقل المطلق ، ومنطوق الإله ، لأن هذا الثاني هو ذات الأول .. ثالثاُ : في الفكر الشيلينغي النزعة الصوفية تتمظهر حول مفهوم مفاده إن المطلق ، الروح ، العقل ، الإله ، فلسفة المثالية المتعالية ، ليست إلا أوجه متطابقة ، متواحدة ، واحدة ، لاأنفصام في خصوصياتها ، كما لامفارقة في مضامينها ، وكأن هذه المقولات تمتاز بالوحدة في جوهرها ، وبالتمايز في واحداتها . رابعاُ : في الأبدي اللامتناهي المطلق ، لامكان ولا مجال للأضداد و المقولات المتناقضة التي تؤلف حيزاُ واحداُ لاخلاف ولاأختلاف ، ولا تباين ولاتمليز ، فالكل ، رغم التسمية بالأضداد أو المقولات ، يذوي في الواحد ويفقد خصوصياته الأصلية الذاتية ليتنعم بخاصية – فلسفة المثالية المتعالية - .. خامساُ : ورغم ذلك ، ولا ندري بصراحة كيف يحدث ذلك لأن شيلينغ نفسه لايدري ، كيف يظهر ويتبلور مفهوم التمايز والكشف والفردية ليتولد ما يسميه بالذاتي والموضوعي ، حيث إن الذاتي يتكفل بتشكيل أساس الواقع وواقعيته ، وإن الموضوعي يتكفل بتشكيل أساس الطبيعة وعلاقاتها الفيزيائية .. سادساُ : وهكذا وبطريق عجيبة يلج العنصر الموضوعي كعامل جوهري في ثنايا الفلسفة المثالية المتعالية كممثل عن الفلسفة الطبيعية ، مع تأكيد شيلينغ في مؤلفه – مذهب المثالية المتعالية – من الصفحة- 14- وما بعدها ، كيف إن الموضوعي يظهر من الذاتي ، لكونه أولياُ مطلقاُ . سابعاُ : لكن بدخول الطبيعة على تساوق مع تلك المقولات يؤكد شيلنيغ إن الطبيعة هي الروح المرئية ، وإن الروح هي الطبيعة اللامرئية ، وهو لايقصد إلا امراُ واضحاُ لديه وهو إن المادة ذات طبيعة روحية ، هذه الفكرة الجوهرية التي تمنح الفلسفة المثالية المتعالية أبعاداُ جديدة في – الذاتي – تفقد مرتكزاتها الفعلية في أرضية الواقع العيني المشخص الذي ضحى به شيلينغ لصالح صوفية مطلقة .. ثامناُ : وحينما يؤكد شيلينغ إن الطبيعة سبقت ظهور الأنسان وبالتالي حقيقة الوعي ، وإن دراستها تكمن في الكشف عن التناقضات الديناميكية ، يقصد فلسفة الطبيعة وليس العناصر الحيوية كما هي ، أو العناصر المستقلة كما هي . وهو لايعني مطلقاُ إن المادة سبقت الروح والوعي أو لها الأولوية ، بل بالعكس ، الذاتي هو الذي له الأولوية المطلقة ، وما الموضوعي إلا بقابا أثار فلسفة الطبيعة التي لم تنضج كفاية فيما بعد لدى شيلينغ الذي مزج ( وتدرج ) في الفلسفة الطبيعة إلى الفلسفة المثالية المتعالية ليخرج بصوفية متناقضة ، يلتحم فيها الذاتي والموضوعي قسرياُ ، ليسمحا بتصور فحواه – الوجود في ذاته - . وهكذا تكون قاعدة الهرم الشيلينغي مليئة بالموضوعي بعد خواء مطلق في الوسط ، بأستثناء الواقع الذي ينساب في جميع الخطوط الممكنة لتصوره الترانسندنتالي .. ولقد حان الآوان أن نرى أين أصاب وأين أخطأ هذا الفيلسوف الألماني : النقد الأول : إن فلسفة الوحدة لاتجيز مفهوم حدوث الوحدة لسببين أثنين ، الأول : نحن نتحدث عن الفلسفة كمبادىء أصلية حقيقية في جوهر الوجود الأنساني وماهية الطبيعة والكون ، تلك المبادىء التي لاتحيد ولن تحيد عن تطبيق محتواها ، فالفلسفة كالفيزياء لاتكترث إلا بحيثياتها . الثاني : نحن نتحدث عن الوحدة وليس عن الأتحاد ، وهذا ما يجعلنا نرى مواطن الخلل في ، أولاُ : لايمكن أن يحدث تمايز أو فردية في أي مستوى كان ، لأن هذا يعني إن فلسفة الوحدة في تلك المرحلة غائبة أو أنها حين الحدوث تخلت عن نفسها . وإذا كانت غائبة أو إنها تخلت عن ذاتها فلامناص إلا أن نسأل لماذا تخلت عن خاصيتها ، وإذا وجدت ضرورة فما هي ، ثم هل الوحدة هي الأصل والتخلي هو الفرع أم العكس ، وفي الحالتين ماهي العلل والمسوغات ، ثم إذا ما تخلت عن ذاتها في حدود معينة أو مرحلة محددة فلماذا لاتتخلى عنها إلى الأبد ، وإذا ما غدت غائبة فلم لاتغيب إلى الأبد . ثانياُ : ثم إذا وجد تمايز أو فردية ، فما هو التعليل الفلسفي ، بمعنى هل رأى شيلينغ ذلك التمايز من خلال بعد فلسفي وهذا محال في تصوره الفلسفي ، أم شاهد حدوده في الطبيعة أم في الواقع ، فإذا ما رآها في المقولة الأولى فهي مابرحت قائمة ليست في الشكل أو الوجود ، إنما كأولوية مازالت – لحسن الحظ – تنتج ذاتها . وإذا ما رآها في المقولة الثانية فلا يعتد بذلك لأن الذاتي يسيطر بل ، حسب تصور شيلينغ نفسه ، يصادر أحكامه . النقد الثاني : إن فلسفة الوحدة هي ما بين الطبيعة والروح ، وكلتاهما حسب شيلينغ من – نفس واحدة - ، فهو يزعم إن الطبيعة هي الروح المرئية ، والروح هي الطبيعة اللامرئية . فكيف يمكن أن نقر – الوحدة – مابين طبيعة واحدة ، أما كان الأجدر الحديث عندها عن مفهوم الواحد ، تماماُ مثلما نتحدث عن – الروح – الواحدة ، أو عن - الطبيعة – الواحدة ، ودعونا نتذكر دائماُ إننا بصدد فلسفة الوحدة وليس عن مفهوم الوحدة ، وربما هذه هي المفارقة القاتلة التي لم ينتبه إليها شيلينغ .. النقد الثالث : إن فلسفة الوحدة ، من زاوية أخرى ، هي ما بين الذاتي والموضوعي ولا تمايز فيما بينهما ، وإذا ما أنتفى التمايز فكيف يمكن الحديث عن مفهوم الوحدة ، الوحدة كوحدة ، ولا نقصد من هذا ، المحتوى اللوني أو الشكلي أو الأختلاطي ، معاذ الله ، إنما نقصد خاصية شروط الوحدة كبعدية عنصرين أثنين متمايزين ، تلك البعدية التي من المستحيل أن تكون طالما ينتفي التمايز .. النقد الرابع : إن فلسفة الوحدة سواء ما بين الطبيعة والروح ، أم ما بين الذاتي والموضوعي ، تحتسب لاغية باطلة بحكم الغائبة ، لأننا ندرك الآن إن قمة الهرم الشيلينغي هي ل – الروح ، المطلق ، الإله ، العقل ، الفلسفة المثالية المتعالية – من الجانب الأول ، ومن الجانب الثاني هي للذاتي . فألحاق الطبيعة بالروح أو الموضوعي بالذاتي ليس ، في الحقيقة عند شيلينغ ، إلا تعبير لفظي لادفق فيه ولا نفحة ولامقام ولا بعد .. النقد الخامس : إن فلسفة الوحدة تمنع منعاُ باتاُ أي فيزيائية ما من تطبيق قوانينها في المجال الخاص ، ناهيكم عن المجال العام . والكون أو الوجود خارج مفهوم الفيزيائية هو لاشيء ، هو الصفر الرياضي ، هو اللامحدد ، هو المجال الذي لايمكن لأحد الحديث عنه أو إصدار قرار مصداقي أو أفتراضي بخصوصه . ونحن ندرك الآن إن الفيزيائية موجودة في كل الأبعاد وهي لاتتعارض فقط مع محتوى فلسفة الوحدة ، إنما لاتسمح حتى بأفتراضه . أضف إلى ذلك إن تطور الكون وتطور الفيزيائية هما توأمان متطابقان يبطلان ويلغيان فلسفة الوحدة ألغاءاُ مطلقاُ .. النقد السادس : ثمت أشكالية كبرى لدى فلسفة الوحدة ، فهي لاتسمح إلا بذاتها ، أي لاتسمح بوجود قوانين أو قواعد أخرى موازية كانت أم مخالفة . وحينما تكون الفلسفة بهكذا غرار ، فهي لاتنفي وتلغي تلك القواعد والقوانين المفترضة فقط ، إنما تبطل ذاتها ، أو على الأقل تفرغ نفسها من أي مضمون فلسفي ، ولا ولن تحتفظ إلا بالشكل أو التعبير اللفظي أو المعنى الجامد اللامتحرك المائت .. النقد السابع : إن الذاتي الذي يتحكم بكل الحيثيات ويسيطر على كل خاصية مفترضة ، ويدرك مستوى المطلق ، حسب تعابير شيلينغ نفسه ، يلغي أي معنى للموضوعي ، ويبطل أي محتوى للطبيعة ، بالتالي يعادي مفهوم الوحدة ، ويجافي أي مضمون لفلسفة الوحدة .. النقد الثامن : في الحقيقة ، فلسفياُ ، وبصورة عامة ، لايمكن أن يكون ثمة مفهوم محتواه فلسفة الوحدة ، ثم وهذا هو الجانب الآخر ، وما ذا بعد فلسفة الوحدة !! .. وإلى اللقاء في الحلقة العاشرة .. | |
|