يبدو واضحا ومن خلال التطورات الإقليمية الساخنة واشتعال الجبهات الداخلية في أكثر من بلد عربي , إضافة إلى تغيير بعض قواعد اللعبة السياسية في بعض دول المنطقة , نقول يبدو ان المنطقة تشهد تراجعا ملحوظا لعدد من الملفات الساخنة و الملتهبة وفي طليعتها إضافة إلى الاوضاع العراقية القلقة , ملف الثورة الشعبية السورية الذي دخل في ثلاجة الأزمات الدولية والإقليمية, وتحول ملفاً ثانوياً لايثير شهية الديمقراطيات الدولية الكبرى لتبني أي حل سريع ينهي أزمات الشعب السوري البنيوية العاصفة , وينهي حالة الإستنزاف الدموية المؤلمة التي تنذر بشر مستطير و بسيناريو تقسيمي مرعب , فوصول قيادة جديدة للإئتلاف الوطني السوري ممثلة بالسيد أحمد الجربا بعد صراعات ماراثونية في صفوف المعارضة ولجوء النظام السوري مدعوما بحلفائه المجرمين في العراق ولبنان ومافيا الروسية لأسلوب القضم التدريجي لساحات الثورة السورية عبر حملات عسكرية إرهابية مكثقة لإسترداد المدن و القرى و القصبات التي حررتها المعارضة, ولو عبر إستعمال الأسلحة الكيمياوية المحرمة, وفي ظل صمت دولي وتواطوء مفضوح لم يحدث أبدا مع أي نظام إرهابي متسلط في العالم الثالث سوى مع النظام السوري وهو ما ينبئ بحدوث خلل فظيع في موازين القوى و إستفادة النظام من بعض المتغيرات لفرض وقائع ميدانية جديدة على الأرض تتكئ أساسا على إرهاب المعارضة و إستنزافها , وتتعكز على الظروف الدولية الطارئة لإفشال جهود الأحرار في التخلص من النظام , ومعتمدا على إرتباك الديمقراطيات الأوروبية و تخبط السياسة الأميركية وعجز إدارة أوباما الديمقراطية عن حسم الملفات الساخنة والعالقة, بل وخضوعها الواضح لإبتزاز أهل المعسكر الإيراني في الشرق , وهو معسكر بات للأسف يمسك بزمام المبادرة ويتخذ مواقف عدوانية صريحة من ثورة الشعب السوري , كما أن محاولة بعض الأطراف لزج الشعب السوري في قضية الصراع الداخلي المصري و إعتباره طرفاً في المعركة الداخلية المحتدمة هناك أمر مشبوه يهدف إلى فك الإرتباط بين الثورة السورية و الجماهير العربية والإسلامية , فالتضييق على دخول الشعب السوري لمصر هو تصرف لايليق أبدا بمكانة مصر وشعبها و يضعها على قدم المساواة مع أطراف إقليمية عرفت بعدائها لحرية الشعب السوري كعصابة حزب حسن نصر اللبناني- الإيراني أو تلك المجاميع الإرهابية الطائفية الإيرانية في العراق بقيادة حزب “الدعوة” العميل و الإرهابي الذي لم يخف فرحته الهستيرية المغلفة بالروح الطائفية النتنة المريضة من تراجع أداء الثورة السورية , من الواضح إن الحسم الحقيقي لايتآتى إلا من مواقف و تصرفات الدول الكبرى و التي بيدها فقط حسم الأمور , فنظام صدام حسين في العراق مثلا كان لايمكن أن يسقط أو يتغير أبدا إلا بتدخل دولي وأميركي فاعل , فلو لم يتدخل الغرب لرأينا نظام صدام حسين اليوم قائما في العراق يضحك بملء شدقيه على ثورة الربيع العربي! ولاحظوا رجاء أن المنتفضين في العراق ورغم إستماتتهم وتقديمهم للتضحيات لم يستطيعوا أن يحركوا شعرة في رأس نوري المالكي ولا هز أركان حكومته المهزوزة و المهترئة أساسا! , لقد أقدم نوري المالكي مدعوما بميليشياته الطائفية الإيرانية على إقتراف حرب إبادة دموية مفجعة ضد الجماهير شملت حتى مدرب فريق كربلاء لكرة القدم و لم يحاسبه أحد أو أن تستطيع الجماهير فرض رؤيتها عليه للسلطة مصادر قوة وحصانة توفرها الجحافل المسلحة وشبكات الدعم الدولي و الإقليمي , وحركات الجماهير لاتستطيع أن تقف ندا لقوة الحكومات , والثورة السورية اليوم أمام مفترق طرق حادة و متشعبة وخيارات مؤلمة في ظل التلكؤ الدولي في تسليح المعارضين و إنقلاب المزاج الإقليمي العام , وهدوء و إنسيابية صانع القرار الإيراني الذي يتصرف بدهاء وغدر فيما يتصرف أهل المعسكر الآخر برعونه و فوضوية وعدم تنسيق , المعارضة السورية هي اليوم في موقف لاتحسد علية بالمرة وهي تخوض معترك الصراع بروح قتالية في ظروف محبطة بالكامل , وفي أوضاع ستراتيجية غير مريحة , فالغرب يتحدث عن شحنات سلاح نوعية سرعان ما يضطر لاحقا للتراجع عنها , وتضامن جبهة القوى المؤيدة و الداعمة للثورة قد أصابها التفكك الشديد و الوهن الواضح , فيما يستمر الشعب السوري بالنزف الدائم و المستمر , ويستمر النظام في جرائمه و الغرب يضحك و يعد أعداد الضحايا و يتحدث عن مبادئ حقوق الإنسان بإنتهازية واضحة … فهل تخلى العالم الحر عن نصرة الثورة السورية ? سؤال مفجع لايحد من تصلبه إلا قدرة أحرار الشام على إدامة زخم التضحيات حتى سحق الفاشية المجرمة.
داود البصري