تحولات ميدانية: هل حان وقت الدعم العسكري الغربي للمعارضة السورية؟
ميشيل برونينج عرض: ريهام خليل - باحثة في العلوم السياسية وسط جدل بين أطياف المعارضة السورية حول مبادرة معاذ الخطيب، زعيم
الائتلاف الوطني السوري المعارض، للتفاوض مع فاروق الشرع، نائب الرئيس
بشار الأسد، إذا تم الإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، فإن
الموقف الغربي الرافض للدعم العسكري المباشر للمعارضة -ما يجعل نهاية
الصراع ليست وشيكة- يطرح تساؤلات حول دوافعه، وهل هنالك تحولات ميدانية قد
تغير من وجهة النظر الغربية؟.
في هذا السياق؛ يأتي أهمية مقال ميشيل برونينج في مجلة "الفورين
أفيرز" مؤخرًا تحت عنوان "Time to Back the Syrian National Coalition"،
والذي يحلل فيه موقف الحكومة الغربية من المعارضة السورية الرافضة لحكم
بشار الأسد.
المقال يشير إلى أن رفض الحكومات الغربية لتسليح المعارضة بشكل كامل،
بات يحتاج إلى مراجعة من تلك الحكومات، لا سيما وأن المتغيرات الميدانية
تشير إلى أن ذلك النهج لم يكن صحيحًا، في ظل مقاومة نظام الأسد للبقاء في
السلطة، وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا.واعتبر برونينج أن دعم الغرب
للائتلاف الوطني السوري الذي شكل مؤخرًا، من شأنه جذب الفصائل المسلحة له،
وضمان تأثير الدول الغربية على قراراته، فضلا عن التأكد من وجود معارضة
معتدلة في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد.
ويورد الكاتب عدة عوامل لضرورة الدعم العسكري الغربي الكامل للمعارضة ومنها: - أن الصراع في سوريا الذي بدأ قبل قرابة عامين، وأسفر عن موت 40 ألف
سوري، ونصف مليون لاجئ؛ لا يبدو أنه يقترب من النهاية. فعلى الرغم من أن
المعارضة قد سيطرت في الفترة الأخيرة على قرابة 40% من البلاد -بحسب
برونينج- إلا أن الأسد كان رد فعله على مكاسب المعارضة بالمزيد من العنف،
وإطلاق صواريخ سكود على قوات المعارضة السورية.
- أن إيران وحزب الله تزودان الجيش السوري بالسلاح بكافة أنواعه،
بينما تزود دول خليجية قوات المعارضة بالذخيرة والأسلحة الصغيرة، والتي
وصلت بصورة أساسية إلى أكثر الجماعات الدينية تشددًا، فسيطرة جبهة النصرة
مؤخرًا على مركز قيادة أحد فصائل الجيش السوري يعد مؤشرًا على تراجع تأثير
المعارضة المعتدلة لصالح جماعات المعارضة المتطرفة ونجاحاتها.
- لا تحظى قوات المعارضة السورية المعتدلة بتدفق منتظم من الأسلحة
والذخيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي رفضوا إرسال
أسلحة بصورة مباشرة للمعارضة السورية، رغم أن الأخيرة طلبت من الغرب أكثر
من مرة مدها بالذخيرة للتمكن من الإطاحة بالأسد.
لماذا الحذر الغربي من دعم المعارضة؟ ويفسر برونينج الحذر الغربي من تسليح المعارضة، بالتخوف من الانقسام
والتشرذم في فصائل المعارضة، وعدم وضوح أيديولوجياتها، فضلا عن أن الدعم
العسكري الغربي لأحد أطراف النزاع السوري، قد يفاقم من العنف، ويغلق في
الوقت نفسه الباب أمام أية مفاوضات ممكنة مع نظام بشار الأسد. يضاف إلى
ذلك، أن تبعات التدخل العسكري الغربي في ليبيا لا تزال ماثلة في أذهان
الحكومات الغربية، وخاصة بعد أن تعرضت لهجمات من جماعات دينية متشددة في
بنغازي أسفرت عن مقتل السفير الأمريكي، ومهاجمة مصالح غربية، علاوةً على
فوضى السلاح والتي لم يتم السيطرة عليه في الحالة الليبية.
ومن وجهة نظر الكاتب؛ فإن تلك الأسباب كانت وجيهةً في
الماضي، لكن الحقائق تغيرت ميدانيًّا في سوريا، بما يجعل من الضروري أن
يعيد الغرب مراجعة ذلك التوجه، ومن هذه الحقائق التي يوردها برونينج: - أن المعارضة لم تعد منقسمة؛ بل شكلت تحالفًا يضم مختلف أطيافها إبان اجتماعها في قطر في نوفمبر 2012.
- أن أكثر من 90 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية قد
اعترفت بهذا التحالف كحكومة شرعية لسوريا في منتصف شهر ديسمبر 2012. فقد
نجح الائتلاف الوطني السوري في أن يحل محل سلفه "المجلس الوطني السوري"
الذي أثبت فشله.
- نجحت الجماعات المسلحة التي تواجه نظام الأسد في توحيد صفوفها،
فقد أنشأ 500 ممثل لجماعات المعارضة المسلحة السورية مؤخرًا مجلسًا
عسكريًّا أعلى، وإن كانت العلاقة بين الائتلاف الوطني وهذا المجلس لا تزال
قيد التبلور، كما أن المجلس العسكري يواجه صعوبات فيما يتعلق بحيازة
القبول بين أوساط المعارضة المعتدلة، لكن وجود مظلة تنضوي تحتها الجماعات
المقاتلة من شأنه تغيير الإطار العام للصراع.
- أن تسليح وتمويل الائتلاف الوطني السوري من شأنه أن يقوي من مركز
فصائل المعارضة المعتدلة في سوريا، فالمراقبون في سوريا قد أكدوا بصورة
متكررة أن الفصائل المعتدلة المعارضة قد بدأت في تبني خطاب الإسلاميين،
وهو رد فعل لسلبية الغرب تجاهها، فالجماعات المتشددة دينيًّا تحظى
بالمساندة، ليس نتيجة لأيديولوجيتها بل لإمكاناتها العسكرية، وبالتالي فإن
دعم الغرب للائتلاف الوطني من شأنه أن يجذب الفصائل المسلحة له، ويضمن
تأثيرًا متزايدًا للدول الغربية على قراراته. وبدون ذلك، فإن القوى
المتشددة ستكون في وضع يسمح لها بتحديد تطورات مرحلة ما بعد الأسد، إلى
الدرجة التي قد تؤثر سلبًا على مصالح سوريا والدول الغربية.
وحول ما يتردد في الدوائر السياسية الغربية من أن دعم المعارضة
السورية سيشعل الصراع، فإن المقال يؤكد عدم صحة هذه الأطروحة في الوقت
الحالي، بالنظر إلى أن الصراع السوري قد خرج بالفعل عن السيطرة، وبالتالي
من الأهمية دعم الغرب للمعارضة المعتدلة ميدانيًّا، كما أنه في الوقت
الحالي لا تبدو هنالك آفاق للتسوية السلمية للصراع في سوريا، مما يعني أن
الدعم التسليحي الغربي قد يعزز من فرص إنهاء الصراع بسرعة، ويحقق نوعًا من
توازن القوى بين الطرفين المتنازعين، وكذلك يرفع المعاناة الإنسانية عن
المدنيين، ويمنع المزيد من التفكك على الساحة السورية.
مرحلة ما بعد الأسد يعتبر برونينج أن المساندة الغربية لائتلاف المعارضة السورية سيعضد من
فرصه في إقرار السلام، فالعرض الأمريكي ببناء شبكة من النشطاء السوريين
لقيادة المرحلة الانتقالية غير كافٍ في ظل الصراع الدامي الحالي.ويشدد
الكاتب أنه حان الوقت للقوى الغربية أن تعيد النظر في ترددها في التدخل
المباشر في سوريا، فإلى جانب الدعم العسكري للمعارضة، يجب على الغرب أن
يقنع دول الخليج بمنع تدفق السلاح إلى الجماعات الدينية المتشددة.
بيد أن ثمة شروطًا يضعها الكاتب للمساندة الغربية للمعارضة السورية
ومنها ضرورة أن تكون المساندة مشروطة بتوسيع قاعدته الجماهيرية لتشمل
الأقليات من دروز ومسيحيين وأكراد. على أنه ثمة مخاطرة يتوقع أن تنتج عن
الدعم الغربي المباشر للمعارضة منها الغضب الروسي، وإن كان من الممكن
محاولة إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا عبر التعهد الغربي بحماية المصالح
الروسية في سوريا، مثل القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس.
ويختتم الكاتب مقاله بأن الخيارات المتاحة للتحرك الغربي مع
سوريا بعيدة عن المثالية، وأن المستقبل يصعب التنبؤ به، ولكن في ظل الواقع
الذي يؤكد صعوبة إيجاد حل سريع، فإن مد تحالف المعارضة بالسلاح يمثل أفضل
الحلول من وجهة نظر برونينج، خاصة وأنه سيساهم في الإسراع بنهاية نظام
الأسد.تعريف الكاتب: