2011-12-13 البعد الروحي للظواهر الطبيعية
|
| |
جدلية
المادة والروح وعلاقتهما بالبعض قديمه قدم الفلسفة ذاتها بل لعلها أهم
الامور التي شغلت بال الأنسان الاول عندما بدا يبحث عن تفسير للكون
والظواهر الطبيعية لما توفر معرفتهما له من امن وسعادة.
لذا يمكن القول ان هم معظم آباء الفلسفة الأول تجسد في البحث عن
ماوراء-الطبيعي اكثر من بحثهم عن الطبيعي وحتى الذين مجدوا الطبيعية
ونحتوا لهم آلهة مادية فان آلهتهم لم تكن الا تجسيم لألهه ذات قوى خارقة
تتدخل بتفاصيل حياتهم اليومية وترسم اقدارهم او انها استمدت قدسيتها من
الصفات الميتافيزقية التي اضفوها عليها كتأكيد لنجاح جهودهم في ايجاد
تفسير منطقي لحقيقة الكون والقوى التي تسيره.
وعزى الفلاسفة المتأخرون الايمان بالقوى الخفيه وبالتالي الخوف من الآلهة
الى فشل الانسان في ايجاد تفسير علمي لما يشهده من ظواهر طبيعية، لذا شهد
القرنين التاسع عشر والعشرين ثورة على الاله فاعلن "فريدرك نيتشه" موته في
القرن التاسع عشر تلته موجه ثقافية عريضة بقيادة مفكرين من المدارس
التجريبية والبراغماتية التي اغرتها الثورة العلمية (أو الوجودية التي
أشعرتها وحشية الانسان وعدم قدرته على التعايش السلمي اشعرتها بعدم جدوى
الوجود اصلا) والتي تكللت بفك الكثير من الالغاز الطبيعية، ففي غمرة نشوته
بالانتصارات العلمية الكبيرة شعر "جون ديوي" بعظمة الانسان وقدرته العقلية
على تهذيب واستغلال الطبيعة استغلالا علميا أمثل دون الخوف من تاثير او
نقمة الآلهه فاعلن في المانيفستو الانساني عام 1933انه " ليس ثمة وجود
لاله ولا لروح لذا لاحاجة لدعم الديانات التقليدية."
لكن المشكلة التي طرأت بعد ان اوجد الانسان تفاسير علمية للظواهر الطبيعية
تمثلت،من وجهة نظري، بعدم قدرته (اي الانسان) على القول بعزل تاثير القوى
الروحية الخارقة على توقيت وديناميكية وتناسق واماكن حدوث هذه الظواهر ومع
ذلك تجاهل المفكرون والعلماء المعاصرون الاعتراف بالمشكلة الجديدة وفضلوا
الاستمرار في تطوير البحث في مكنونات المادة وقدراتها لاسباب قد يكون
اهمها: صعوبة البحث في قدرات الروح، والتهديد الذي سيشكله اكتشاف القدرات
الروحية للمفاهيم العلمانية المعاصرة من خلال ترسيخ مفاهيم روحية نادت بها
الكنيسة في القرون الوسطى، الخوف من الاتهام بالتخلف أوالايمان بالخرافات
الذي عادة مايتهم به الباحث في خصائص الروح، وعدم تمويل هكذا بحوث
لافتقارها للجدوى الاقتصادية،على الاقل في المدى المنظور.
لكن حتى لو أراد العلماء والمفكرون البحث في الجوانب الروحية للكون فان
مهمة البحث في هذا الامر قد تكون صعبه للغاية لان المقياس العلمي المعاصر
هو مقياس مادي اخترع لمعرفة ومن ثم استغلال قدرات المادة لذا لايمكن
استعماله لقياس ماهو غير مادي مثلما لايمكن استعمال مقياس سرعة الريح
لقياس وزن كيلو من البطاطا مثلا،ولابد ان تعني صعوبة التاكد من وجود ومدى
تاثير القوى الروحية/الميتافيزقية في حياتنا اليومية، لابد لها ان تعني
صعوبة التاكد من عدم وجودها أيضا، فعدم التأكد من وجود القدرات
الفوق-طبيعية ليس تأكيداعلى عدم وجودها لذا فاتهام المشتغلين بالبحث عن
قدرات الروح بالتخلف والايمان بالخرافات غير مقنع لثنيهم عن الاستمرار في
بحثهم عن الحقائق الروحية ولو لم ترتق بحوثهم الى مستوى مؤسساتي وبقيت
مقاربات تنظيريه على مستويات فردية.
عندما كنا صغارا كانت امي تفسر لنا سبب هطول الامطار: وحسب روايتها فان
ملكا من السماء ينزل فيسوق الغيوم الى حيث الماء فتشرب حتى ترتوي ثم
يسوقها بعد ذلك الى حيث يجب ان تقذف ماشربت.
وبعدما تعلمنا في المدرسة التفسير العلمي لهطول الامطار اعتبرت روايات أمي
اضغاث احلام وقصص من نسج الخيال لكني كنت لاازال اشكر لها حسن نيتها في
توعيتنا عما يحيط بنا من وجهة نظرها.
علمونا في المدارس اشياءا اخرى كثيرة، ثم عرفنا بعدها كيف تنبت ثم تنمو
وتثمر الاشجار والنباتات وكيف تحيى وتموت الديدان والحشرات والفرق بين
البشر والحيوانات وماوراء الكواكب والمجرات...الخ
لكن حتى هذه الحظة لم نر تفسيرا"علميا" مقنعا لسبب ديمومة العمليات
الحيوية والكيميائية داخل الكائنات الحية والعلاقات الزمكانية بين الاجرام
السماوية لدحض التفسير الدوغمائي للمثاليين وقولهم ان (الروح) هي من يشرف
على ديمومة هكذا عمليات.
بما ان امكانية استمرار الحركة ذاتيا دون مؤثر يتناقض مع الانتروبيا
وقوانين الديناميكا الحرارية حسب التفسير المادي لذا فليس من غير المعقول
ان نفترض وجود جيوش خفيه تأتمر بأمر "الكائن الضرورة" او "الكائن الاسمى"
او "المحرك غير المتحرك" او "الحقيقة المطلقة"- سمه ماشئت- الذي نستدل على
وجوده من خلال الافكار التي تولد معنا (حسب ديكارت) خصوصا وان هذه
التفاسير مضافا اليها التفسير الميكانيكي للكون (غاليليو) لاتزال تلقى
قبولا واسعا بين شرائح متنورة واسعه في اغلب ارجاء المعمورة.
ولان الشك كان ولازال اساس العلوم الحديثة والاكتشافات العظيمة فنحن نطرح
للبحث فرضية تقول ثمة كائنات اخرى خفية تشرف على ديمومة الحياة للكائنات
الحية وديمومة حدوث وتحديد ازمان وامكنة وتزامن الظواهر الطبيعية وتنظيم
التناسق والتزامن الحركي بين الاجرام السماوية دون ادنى "أنتروبيا"
(الملائكة التي تسوق الغيوم حسب فرضية أمي) خصوصا واننا لانملك الدليل
العلمي على نكران وجودها لحد هذه اللحظة او لعل هذا تفسيرا مقبولا
لمعنى"الروح" عند المثاليين خصوصا وان الاكتشافات العلمية والنظريات
الفكرية المعاصرة عادت لتدعم افكارا بدائية ففرضية خلق الكون على اساس
الانفجار الكبير لجسم بحجم راس دبوس او اصغر هو اقرب الى القول بخلق الشيء
من العدم وهذا غير ممكن
فيزيائيا لذا لازال انصار نظرية"الصدفة" عاجزين عن ايجاد تفسير علمي لهكذا عملية ويبقى تفسير المثاليين للخالق يلقى رواجا كبير