[right]
[right]شارلي شابلن أوجد تعاطفا مع الشخص "المتشرد" لم يكن يحلم به في الواقع
اتسع
نطاق تداول الأعمال السينمائية ليشمل أوسع شرائح الجمهور والنخب على
السواء، مما جعل الفن السابع يفرض نفسه بقوة على ساحة التأمل الفلسفي
والبحث العلمي كمادة جادة للتفكير في الذات والعالم والعلاقة مع الآخر، بعد
أن سادت طويلا قناعة لدى الفلاسفة والمفكرين بأن السينما أداة للترفيه
حصرا، بلا قيمة جمالية أصيلة.
وكان
لتطور المناهج النقدية في مقاربة المادة السينمائية داخل الجامعات
والمعاهد العليا، وانفتاحها على مختلف مكتسبات العلوم الاجتماعية
والإنسانية دور هام في انتزاع اعتراف المجتمع العلمي والنخبة المفكرة بالفن
السابع كمختبر لإنتاج القيم الجمالية والفلسفية.
"
ينظر موران إلى السينما كرصد فني للواقع، من خلال علاقة بين قطبين: خيال المبدع والواقع الملموس
"المتخيل والواقعي
ويطيب للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، إدغار موران، أن يشبه السينما
بالمرآة التي يقع من خلالها الانفصال بين الذات وصورتها، ذلك الضوء الكاشف
للطابع المعقد للذات الإنسانية، متذكرا كيف صنع شارلي شابلن تعاطفا مع
الشخص "المتشرد" لم يكن يحلم به في الواقع.
ذلك
أن السينما، كما يقول موران في محاضرة له بطنجة على هامش المهرجان القومي
للسينما المغربية، تعزز الآصرة العاطفية بين المشاهد والشخصية السينمائية
في مختلف أحوالها الاجتماعية والوجودية. حيث يرى المشاهد في "البطل"
المتخيل فضاء ممتدا لتمثل أحلامه وهواجسه وانشغالاته المختلفة.
ويضع
إدغار موران -مؤلف كتاب "السينما أو الإنسان المتخيل"- دور السينما في
تشكيل طاقته الفكرية متعددة الأبعاد في خط متواصل للثقافة التي حصل عليها
بالقراءة، وبفضلها أصبح أكثر اهتماما "بالقضايا التي تجمع الناس وتلك التي
تفرقهم".
من هذه الزاوية ينظر موران إلى السينما كرصد فني للواقع، من خلال علاقة بين قطبين: خيال المبدع والواقع الملموس.
"
الروائع السينمائية كلها انطوت بشكل أو بآخر على خلفية فلسفية تم التعبير عنها بالحركة والصورة والصوت والإيماء
"خلفية فلسفية
غير أن العنصر الواقعي كمنطلق العملية السينمائية لا يجعل
الفيلم مجردة شهادة ناسخة على هذا الواقع. إن السينما إبداع متعدد الأصوات،
يتحدث فيها الحوار، ويتحدث الصمت أيضا.
ومن
هنا، يخلص الفيلسوف الفرنسي إلى أن الروائع السينمائية كلها انطوت بشكل أو
بآخر على خلفية فلسفية تم التعبير عنها بالحركة والصورة والصوت والإيماء.
وسلط
إدغار موران الضوء على الطاقة التغييرية للسينما في حياة الأفراد
والجماعة، من خلال وضعهم في مواجهة الأسئلة الجوهرية والمستفزة أحيانا، غير
أنه ينبه إلى عدم تضخيم دورها المباشر في إنجاز التغيير المنظور على مستوى
مواقف وسلوكات الناس.
والدليل
على ذلك -حسب موران -فشل التوظيف الدعائي للفن السابع من طرف الأنظمة
وجماعات المصالح والقوى المهيمنة المختلفة. إن الفيلم يظل الكتاب المفتوح
على تأويلات واجتهادات المشاهد وخلفياته الثقافية العميقة.
وفي
زمن الحروب والنزاعات والحدود المحروسة والأسلاك الشائكة، فإن موران -رئيس
البحوث في المركز القومي للبحث العلمي بفرنسا- يتمسك بالرهان على السينما
كأداة في خدمة الفهم المتبادل بين الشعوب والحوار بين الثقافات، وتكريس
طابع التعددية والاختلاف الخلاق كقيمة مثرية للحضارة الإنسانية.
صحيح
أن العولمة تخلق ضغوطا في اتجاه تنميط القيم والأفكار والسلوكيات، غير
أنها تتيح في الآن نفسه -حسب موران- منافذ وإمكانات واسعة للتعرف إلى الآخر
وتمثل إبداعاته وهدم الأفكار المسبقة.
[/right][/right]