** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
درس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب  I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 درس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حياة
فريق العمـــــل *****
حياة


عدد الرسائل : 1546

الموقع : صهوة الشعر
تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

درس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب  Empty
11102012
مُساهمةدرس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب

المعضلة أمام الثورات

هل حقا تقف الشعوب الثائرة والغرب
- ويضيف بعضهم الصهاينة أيضا- في خندق واحد ضد الاستبداد كما يظن بعض مدعي
الثورة ورفع لواء الحق ضد الظلم والباطل؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي
تعترضنا فيها هذه المعضلة لنختلف في تقويمها وكيفية معالجتها؟









المعضلة ليست جديدة



لقد واجه العرب هذه المعضلة منذ
قرن، ولم تكن المرة الأولى أيضا، عندما كانوا يعانون من تسلط جمعية الاتحاد
والترقي القابضة على زمام الأمور في الدولة العثمانية والتي انحرفت عن
سياسة الجامعة الإسلامية التي انتهجها السلطان عبد الحميد محاولا توحيد
صفوف المسلمين في مواجهة تحديات الغرب الاستعماري، فكانت نتيجة انحراف
الاتحاديين أن بدأ العرب بالبحث عن مستقبل آخر يرفع عن كاهلهم وطأة التعصب
الطوراني في نفس الوقت الذي كان الغرب فيه يتربص بنا جميعا ليجد ثغرة ينفذ
منها نحو الاستيلاء على بلاد الشرق العربي الإسلامي ويحقق مصالحه فيها ووجد
هذه الثغرة في الانقسامات القومية التي عصفت بالمنطقة نتيجة سياسة
الاتحاديين مما أدى إلى قبول قسم من العرب التحالف مع الغربيين مقابل ما
ظنوه حصولا على استقلالهم وحريتهم ورفع الظلم عنهم، وقام المؤتمر العربي
الأول في باريس باستضافة مندوب صهيوني قال له رئيس المؤتمر الشيخ عبد
الحميد الزهراوي: "إننا على يقين أن إخوتنا الإسرائيليين (اليهود) في
العالم جميعه سيعاضدوننا سواء فيما يتصل بتحقيق مطلبنا المشترك أو بالنهوض
المادي والمعنوي ببلدنا المشترك" وهو ما يصفه الدكتور محمد الناصر النفزاوي
بأنه تعبير عن رأي كثير من الناطقين باسم العرب،(1)
ورغم رفض الواعين من أمتنا هذه التوجهات لعلمهم بما ستؤول إليه الأحداث لو
انتصر الحلفاء في الحرب الكبرى وأن بلادنا ستوزع غنيمة حرب بين المستعمرين
الإنجليز والفرنسيين والصهاينة كما أكد الأمير شكيب أرسلان وغيره من أنصار
مؤازرة العثمانيين، فإن كلامهم هذا ذهب أدراج الرياح ولم يع أنصار الحل
الغربي خطأهم إلا بعدما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وقضي الأمر.




لم نتعلم من دروس حروب الفرنجة والأندلس



وعندما قامت الثورات العربية في
العام الماضي، طرحت مسألة الاستعانة بالقوى الغربية، بل الصهيونية أيضا من
جديد، لدرء جبروت الحكام الرافضين أن يتنازلوا عن السلطة، وباختلاف في درجة
الوضوح، رأينا سباقا ينطلق في بعض الساحات بين الثوار والحكام، أوسعيا من
أحد الأطراف لاسترضاء الغرب ونيل تأييده واعترافه، في صورة تعيد إلى
الأذهان تجارب تاريخية سابقة عجزنا عن استخلاص عبرها ولهذا ظل التاريخ
بعدها يعيد نفسه بارتكاب نفس الأخطاء والوقوع في نفس الفخاخ، وإنه كان
يكفينا النظر في تاريخ دول الطوائف في الأندلس التي لم يتورع حكامها
المجهريون عن الاستقواء بالإسبان لدواع آنية ظنوا أثناءها أنهم منتصرون على
إخوتهم ولكن النتيجة كانت كنسهم جميعا، المنتصرين والمهزومين، من التاريخ
والجغرافيا وزوال ملك الإسلام برمته من تلك البلاد بقصر نظر أبنائه وسوء
تقدير أمرائه، كما أثبتت حروب الفرنجة المسماة حروبا صليبية أن أولئك
الغرباء القادمين من وراء البحار أحسنوا استخدام الغافلين من حكام المسلمين
الذين ظنوا إمكان التحالف مع هؤلاء الغزاة للانتصار بهم على كيانات
إسلامية منافسة ومع ذلك لم يتأخر الفرنجة في لحظة عن الانقلاب على أي حليف
ظن في ساعة غفلة أنهم مصدر قوة له كما حدث مع حاكم دمشق الذي كان أول من
توجهت الحملة الصليبية الثانية لحربه بعد سقوط إمارة الرها (1144).






التنافس العثماني المصري ضيع أهداف النهضة على مائدة اللؤم الأوروبي



إن تجربة نهضة محمد علي تؤلف
سابقة في العصر الحديث يجدر بنا دراستها لأنها كانت في موضوعنا، أي
الاستعانة بالغرب، تجربة ثرية لمن يبحث عن نهضة أمته ورفعة شأنها، أما من
يبحث عن مجرد الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها فله أن يسلك ما شاء من
الوسائل وليس لنا معه كلام.


لقد كانت نهضة محمد علي باشا
مشروعا كفيلا بإعادة بناء الدولة العثمانية التي ضمت أجزاء واسعة من أوروبا
وآسيا والشرق العربي كله تقريبا في آسيا وإفريقيا والتي كانت في القرن
التاسع عشر قد تطرق الضعف إليها ونالت منها عوامل الانحدار، ولولا أن دخل
السلطان العثماني وواليه المصري في نزاع على السيطرة لم يستفد منه سوى
الغرب المتربص لكانت النتائج في صالحنا جميعا، ولكن التنافس بين الطرفين
والسباق الذي دخلاه لاسترضاء الغرب ونيل تأييده واعترافه أخرجهما هما
الاثنين خاسرين مهزومين مدحورين في الوقت الذي انتصر فيه الغرب وحقق مصالحه
على حسابهما معا حتى الطرف الذي ظن أنه خرج منتصرا، وهو الدولة العثمانية،
كانت هي، ومن ورائها شعوب المنطقة، الخاسر الأكبر على المدى البعيد.


لقد ظن محمد علي أنه يمكن أن يحقق
طموحه بالاستناد إلى التأييد الأوروبي فحرص على التحرك ضد السلطان بالإذن
الأوروبي، وظن السلطان كذلك أنه يمكن له أن يحقق الانتصار على واليه المصري
ذي القوة المتنامية والنهضة العلمية بطلب النصرة من الغرب الأوروبي الذي
يمكنه وقف القوة المصرية بقوة أكبر منها، وبدلا من طرح موضوع تجديد شباب
الخلافة بين الطرفين العثماني والمصري للوصول إلى حل لاشك في أنه من مصلحة
الطرفين، راح الاثنان يتنافسان في تقديم التنازلات السياسية والاقتصادية
لدول الغرب التي لم تتأخر في انتهاز الفرصة الذهبية لتأجيج الصراع بين
العثمانيين والمصريين، والتدخل لمنع أية محاولة اتفاق بين الطرفين في طريقة
رأيناها تتكرر بعد ذلك في خلافاتنا الداخلية، وتم لها في النهاية القضاء،
بيد السلطان، على النهضة التي بناها محمد علي الذي تخلت عنه حتى راعيته
فرنسا لمصلحة الاتفاق الأوروبي، وحجّم الوالي المصري في ولاية وراثية ضعيفة
بعد القضاء على كل أسباب قوته التي تقلق الأوروبيين، وأصبح همّ ورثته
تأكيد "استقلالهم" عن الدولة العثمانية بتقديم التنازلات السيادية الواضحة
للغرب الأوروبي ليؤيدهم ضد السلطان العثماني، الأمر الذي انتهى إلى إضعاف
مصر كليا ووقوعها تحت الوصاية ثم الاحتلال البريطاني، وهكذا كانت فكرة
الاستقلال المزيف الذي تمسك به حكام التجزئة ضد إخوتهم هي المدخل لفقدان
الاستقلال الحقيقي للأمة وتدمير منجزاتها ونهب ثرواتها.




هزيمة العثمانيين والمصريين أمام الغرب تعجزهم عن التصدي لمؤامرة الكيان اليهودي



وفي نفس العام الذي أنهت فيه
أوروبا الأزمة المصرية، 1840، نشأت لدى بريطانيا فكرة جدية بإنشاء الكيان
اليهودي في فلسطين ليكون حاجزا ضد أية محاولة نهضوية تقوم في مصر تهدد
المصالح البريطانية، أو كما عبر عنها وزير الخارجية البريطاني اللورد
بالمرستون: "ستكون عودة الشعب اليهودي تحت السلطة والحماية بدعوة من
السلطان بمثابة حائل لأي مخططات خبيثة في المستقبل لمحمد علي أو لخلفائه
بإقامة دولة تحكم مصر والشام والجزيرة العربية"،(2)
وهو تصريح واضح لرفض الاستعمار النهضات الوحدوية، ولما رفض السلطان
العثماني المشروع الصهيوني كان موقفه هذا دافعا لمزيد من التآمر الغربي،
ولكن لم يعد الآن للطرفين العثماني والمصري اللذين رفضا هذا المشروع من
القوة المادية ما يدرأ هذا الخطر بعدما تحطمت القوتان على أعتاب الرضا
الأوروبي، وأصبح ابتلاؤنا بالكيان الصهيوني اليوم نتيجة لما حدث بينهما
أمس، ومع ذلك ما يزال هناك في الجانب الفلسطيني بل والعربي أيضا من يستقوي
بالغرب والصهيونية على إخوته ظانا أنه يمكن أن يحقق الانتصار بذلك وهو ما
عجز عنه في الماضي من هو أقوى منه وهي الدولة العثمانية بامتدادها وسطوتها.


الانتصار في ركب الغرباء هزيمة على أي حال

لقد ظنت الدولة العثمانية أنها
خرجت منتصرة من المواجهة مع محمد علي ولكن الحقيقة أن الغربيين أبقوا عليها
ضعيفة مستنفدة ودخلت في دوامة من التنازلات الكبرى للغرب ففتحت أسواقها
للبضائع البريطانية والأوروبية في سلسلة معاهدات تجارية عقدت في الفترة
1838- 1841، كان نتيجتها تدمير الإقتصاد الصناعي العثماني بالقضاء على
الصناعات الحرفية المحلية أمام المنافسة الأوروبية الكاسحة، وأصدر السلطان
سلسلة إصلاحات لإرضاء أوروبا بدأت بإعلان كلخانة سنة 1839 الذي تبعه
الإعلان الهمايوني سنة 1856، ولم يكن الضغط الأوروبي يبحث عن صالح الدولة
العثمانية بالطبع بل عن تحقيق مصالحه تماما كما حدث في التنازلات
الاقتصادية التي ذكرناها، ولما اقتضت هذه المصالح تدمير الدولة التي وقف
الأوروبيون ضد محمد علي باسم المحافظة عليها لم يتأخروا عن تغيير سياستهم
بعدما اطمأنوا بضرب مصدر قوتها.


واستمر الضغط الغربي على دولة
الخلافة واستمرت أوروبا بتوجيه الضربات العسكرية لها من كل جانب حتى سقطت
الدولة العثمانية بعد أن أنهكتها المؤامرات الغربية سنة 1924، أي أن النهضة
المصرية التي بدت أملا بتجديد قوة المسلمين انتهت بالتدخل الغربي إلى مصرع
الطرفين اللذين استنجدا بأوروبا، وهذا ما يجب أن يعيه كل حاكم وثائر في
المنطقة وهو أن الاستقواء بالغرب لا يحقق نصرا حتى للطرف الذي يظن أنه
انتصر ولن يبقي الغرب على طرف إلا إذا كان ضعيفا منهكا ليتلاعب به وينهب
خيراته وثرواته حتى إذا حانت لحظة التخلص منه لا يكون لديه قوة يدافع بها
عن نفسه، هذا ما حدث مع خديويّي مصر، وما حدث أيضا مع الشريف حسين الذي
ضربت به بريطانيا الدولة العثمانية سنة 1916 ثم تخلت عنه لما طالب بنصيبه
من الصفقة فانتهت صلاحيته لصالح الرقم السعودي في المعادلة الجديدة في
المنطقة وانتهى هو معزولا منفيا محروما من الحق الذي طالب به لأمته واتفق
بشأنه مع الحلفاء، ثم كان هذا الحال أيضا في حروب الخليج الثلاثة التي وجد
فيها من يستقوي بالغرب على أخيه فكانت النتيجة وبالا على الجميع، حتى من ظن
منهم أنه خرج حرا منتصرا ولكنه في الحقيقة ليس سوى مرتع للنهب الغربي على
ما وصفنا من قبل، وإن الحال الذي تعيشه دول الخليج الصغيرة التي تظن، أو
ظنت أن بقاءها بالاستقواء بالخارج وليس باتباع الحكمة الداخلية (مثل مبادرة
الأمير سلطان في أزمة 1990)، أكبر دليل على ما نقول بعدما أعادت نفس
الخطيئة التي وقعت في القرن التاسع عشر لأننا لا نعي دروس التاريخ، وقديما
قال المتنبي:


ومن يجعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضـرغام فيـما تصيدا

هذه هي المخاطر التي وقع فيها
حكامنا وثوارنا منذ القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك أيضا، حين استعانوا
بالقوى الغربية ضد بعضهم، الأمر الذي نتج عنه دائما خسائر جمة دفعناها
جميعا، "منتصرون" ومهزومون، أما المهزوم فبتدمير مشروعه وسحق إنجازاته،
وأما "المنتصر" فإنه سيصبح أسيرا عند القوى الخارجية التي "حررته" من أخيه
وستبقي عليه ضعيفا هزيلا إلى أن تستنفد ثرواته وتقضى وطرها منه، وحينئذ لا
مانع أمامها من التلاعب بمصيره على نحو ما يحلو لها وتقضي به مصالحها
الجديدة.




أسئلة عن دوافع الغرب للتدخل في شئوننا ووهم التقاء المصالح



وهذا عن الضعفاء الذين استقووا
بالغرب، ولكن ماذا عن الطرف أو الأطراف الغربية التي هي الجانب الأقوى في
المعادلة التاريخية المعاصرة؟ ماذا عن دوافعها؟ وهل من الممكن أن يحدث تلاق
في المصالح يوما نتمكن فيه من الاستفادة من قوتها وتدخلها لصالحنا؟


إن من يرى مصلحته في مجرد الوصول
إلى الحكم فإنه يمكنه حينئذ أن يستعين بالقوى الغربية لتحقيق هدفه وحينئذ
سيدخل القفص مهزوما على النحو المشار إليه فيما سبق، ولكن لا أحد ينوي في
نفسه هذه النية المجردة وغالبا ما يلبس المرء منا أهدافه أقنعة سامية
كمصلحة الأمة وحكم الدين وغير ذلك، لابأس، ولكن هل من الممكن التفاهم مع
أولئك الغزاة الغربيين واستخلاص ما فيه خير لنا منهم؟




شعارات التدخل الغربي بين المبادئ والمصالح



خبرة التاريخ تحكي أنه ما من مرة
غزا الغربيون بلادنا إلا وحملوا شعار الحرية أمامهم، وادعوا أنهم آتون
لتحرير شعوبنا من الاستبداد رافعين مشاعل التحرير والتنوير والديمقراطية،
ولكن من يتابع الأحداث إلى النهاية يرى أنه عند اصطدام المصالح بين هؤلاء
الغزاة والضحايا الذين جاءوا لنصرتهم سرعان ما يتبدد كل حديث عن الحرية
وترتفع الشعارات الاستشراقية التي لا ترى في شعوبنا سوى التخلف والإعاقة
وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة والعجز عن الحكم الذاتي ومن ثم
ضرورة أن يقوم المتحضرون الغربيون بتوجيه مصائرنا نحو الأفضل الذي يكون
دائما، ولعله من باب محاسن الصدف!، الأفضل للمصالح الغربية المتحكمة، أي أن
الغرب يستعمل أفكاره دائما في تبرير مصالحه، وليس هذا عجيبا منذ أن اتخذ
المنفعة مقياسا له في الحياة مع بداية عصر العقل والأنوار، ثم نفيق نحن بعد
زمن لنرى أن ما فعله هؤلاء الأوصياء المستنيرون لم يكن سوى استغلال
الأيتام على موائد اللئام، فرغم كل ما أحيط به مبدأ المنفعة من تفسيرات
وإغراءات فإنه لا يعدو الرغبة البشرية الجامحة التي ما لم تجد رادعا فإنها
تدمر ما يعيقها، وربما لا يكون تشخيص الإنسان مصلحته مطابقا لمصلحته
الحقيقية التي لا تنفصل عن صالح المجموع، ويقرر أن استفراده بالموارد هو
الأسلم، وهكذا قرر الغرب الرأسمالي انسجاما مع مبادئه النفعية أن مصلحته هي
الهيمنة وليس مجرد الحصول على موارد الحياة، ولهذا نرى الولايات المتحدة
تسعى للسيطرة على منابع النفط في بلادنا رغم توفره لديها وعدم اعتمادها على
ما ننتجه نحن، كما رأينا أن مقدار العجز الاقتصادي الأمريكي الذي أدخل
العالم في الأزمة الاقتصادية الأخيرة مواز لمقدار الإنفاق الأمريكي السفيه
على الحروب، ومع ذلك كان تشخيص أمريكا مصلحتها أن تخوض حروبا عبثية رغم
كلفتها الباهظة، أي أن المهم ما يراه الإنسان مصلحة له ليتصرف على أساسه
كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، وقد توصلت المجتمعات
الغربية إلى حلول أرضتها في داخل بلادها للتوفيق بين الرغبات المتعارضة
للمواطنين بالقانون ولكن القانون الدولي ما يزال بعيدا عن ردع القوى
الجامحة بين الدول ذات المصالح المتعارضة وما يزال الحكم للقوة، متقنعا
بالقانون الجائر الذي يمنح السلطة للقوى المنتصرة في الحرب الكبرى الثانية
1945.




تجربتنا مع الحملة الفرنسية



كانت الحملة الفرنسية على مصر هي
المناسبة الأولى في العصر الحديث التي سمعنا فيها نغمة التحرير الغربي من
الاستبداد المحلي ومارس نابليون نفاقا تاريخيا مضحكا حين ادعى الانتماء إلى
الإسلام والإيمان بالله وتصديق النبي (ص) واحترام القرآن وصداقة السلطان
العثماني لينال القبول الشعبي ويوهم الناس أنه يستهدف القضاء على ظلم
المماليك واستبدادهم فقط في الوقت الذي كان يخطط للاستيلاء على أملاك
"صديقه" السلطان في الشرق العربي ويلغ فيه في دماء المصريين ثم أهل الشام
الذين أرسلته العناية الفرنسية "لتحريرهم" من ظلم والي عكا أحمد باشا
الجزار بعد الفراغ من ظلم المماليك في مصر في خطة متكاملة لدعم المصالح
الفرنسية في بلادنا في مواجهة المصالح البريطانية على حسابنا جميعا ولم نكن
نحن سوى ضحايا مباشرين لأطماع الغرب وصراعاته وليس لنا أو لتحريرنا من أي
ظلم أية أهمية في جداول المستعمرين، وهذا يذكرنا بتمسح الصهيوني شمعون
بيريز مؤخرا بالإسلام مهنئا المسلمين بحلول رمضان ومطالبا بالسلام وهو يقيم
مصالحه على أرض شعب مسلم طرده من وطنه وما زال يلاحقه فيما تبقى منه
بأسلوب أبعد ما يكون عن السلام!


واللافت للنظر في هذه التجربة
الأولى مع فرنسا أن الشعب العربي، خلافا لتجارب تالية، لم يتجاوب مع الطرح
الفرنسي الذي تحجج بظلم الولاة والمماليك، فعد المؤرخ المصري عبد الرحمن
الجبرتي المعاصر للأحداث هذا الغزو اختلالا في الزمان وانعكاسا في الطبيعة
وبداية لملاحم عظيمة وحوادث جسيمة، ولم يجعل الناس الظلم المحلي مبررا
لتسليم الأوطان إلى الأجنبي، وأظهروا مقدرة فائقة على فهم حقيقة الدوافع
الفرنسية التي تستهدف "الاستيلاء على جميع بلاد المسلمين وقتل النفوس
الطيبة وهدم الجوامع والمعابد وإطفاء شعاع الدين المبين" ولبى كثير من
الأهالي نداء الجهاد(3) وسالت أنهار عظيمة من الدماء في هذا السبيل.




الاستغلال وعرقلة التقدم تحت شعارات الإصلاح والتحرر: نماذج تاريخية تنفي أي التقاء بين المصالح الغربية والشرقية



ولطالما نعت الغربيون بعد ذلك
الدولة العثمانية بالتخلف والاستبداد وعابوا ذلك عليها وأسموها الرجل
المريض، وعندما أفاقت الدولة لنفسها وحاولت استدراك ما فاتها لم يكن رد
الفعل الغربي سوى العرقلة ومحاولة إعاقة أي تقدم تقوم به حتى لو كان مما
تشدق الغربيون بالمطالبة به، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أنه عندما أعلن
السلطان فرمانات الإصلاح ابتداء من سنة 1839 وتضمنت المساواة بين الرعية
بغض النظر عن الدين، ورغم أن هذا كان مطلب غربي طالما لوحوا به في وجه
الدولة و"تعصبها" الإسلامي، فإنهم رفضوا المساواة الفعلية ليظل الأجانب
والأقليات المحمية من الدول الغربية في منزلة أعلى من مسلمي الدولة بنظام
الامتيازات الأجنبية الذي استخدمته أوروبا كثيرا لحماية مصالحها على حساب
مصالح أبناء المنطقة ووقفت ضد كل إصلاح كان رصيدا لهم وفضلت الحصول على
مكاسب آنية على تقدمنا وتطورنا مع أنها ادعت كثيرا جلب الحضارة لفضائنا
المتخلف، ولعل أوضح مثل لهذه الحضارة ما فعله الإنجليز في مصر عندما ادعوا
أنهم آتون لتحريرها من الاستبداد التركي والشركسي سنة 1882 وذلك بعدما
كانوا قد دمروا النهضة التي صنعها محمد علي باشا وأساسها المادي بحجة تخليص
الأهالي من "النير المصري"، ثم احتلوا مصر على أشلاء الثوار العرابيين
ولما تمكنوا منها وتعارضت مصالحهم مع مصالح المصريين ظهرت المبررات
الاستشراقية لحجب الديمقراطية عن الشعب المصري الجاهل المتخلف الذي لا يحسن
حكم نفسه ونصب كرومر نفسه وصيا مستبدا على مصر، استبدادا مطلقا ولكنه
لمصلحة الحضارة هذه المرة! وعمل على تنظيم المجالات التي تستفيد منها
بريطانيا كالإدارة المالية والزراعة، وأهمل الجوانب الحديثة التي يستفيد
منها المصريون كالتعليم والصناعة، ولما خرج الإنجليز منها أصبحت فاقدة
استقلالها الاقتصادي لاعتمادها على الزراعة الأحادية ومازالت ترتع في
التخلف الذي دخلوها للقضاء عليه بزعمهم، كما وقفت الدول الغربية وبخاصة
بريطانيا ضد مشروع سكة حديد بغداد الذي كان يحمل الكثير من الآمال بإعادة
إحياء منطقتنا اقتصاديا وحضاريا، وكان سبب المعارضة هو الحفاظ على السيطرة
البريطانية على الطريق المؤدي للهند، كما وقفت بريطانيا ضد مشروع سكة حديد
الحجاز الذي تحمس له المسلمون في جميع أقطار الأرض، وكان مصيره أن دمره
"الثوار" الذين قادهم ضابط المخابرات لورنس بعدما أعلن الشريف حسين سنة
1916 الثورة على الدولة العثمانية استجابة لوعد بريطانيا "بتحرير" العرب من
"الاستبداد التركي"، ولكن لما جاء هؤلاء العرب لممارسة حريتهم تناقض هذا
مع مصالح الحلفاء الذين تقاسموا بلادهم في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 في
نفس الوقت الذي كانوا يعدونهم فيه بالحرية، وحدث هذا التقاسم بدعوى أن هذه
الشعوب غير قادرة على حكم أنفسها ومن ثم يجب أن تنتدب دول متحضرة للوصاية
عليها إلى حين تصل إلى سن الرشد، فطردوا الحكم العربي وأسالوا دماء العرب
الذين كانوا يتباكون عليهم من الاستبداد التركي وأقاموا سلطاتهم في تلك
البلاد المقسمة التي ما تزال تعاني من تلك الجريمة إلى هذا اليوم، أما في
فلسطين فقد واجه بلفور الموقف بصراحة استشراقية واضحة فأعلن أنه لايهم ما
إذا كانت الصهيونية على صواب أم خطأ لأنها متجذرة في "تقاليد عريقة وحاجات
قائمة وآمال مستقبلة" وهي لذلك أهم من رغبة سكان فلسطين، أي من الديمقراطية
التي جاءوا لنصرتنا على الأتراك بحجتها، وتحول الشريف حسين الذي أصر على
تنفيذ الوعود البريطانية من حسيب نسيب سليل الدوحة النبوية كما كان يخاطبه
مكماهون عندما كانت بريطانيا في حاجته، إلى طرفة يتندر بها موظفو الحكومة
البريطانية عندما انتهت الحاجة منه كما يصف ذلك جورج أنطونيوس في كتابه
الشهير يقظة العرب،(4) وهذا ما
فعله الإنجليز أيضا في العراق عندما رفعوا شعار "تحرير" البصرة والعراق من
الاستبداد التركي سنة 1914 وانطلقوا مؤيدين بحكام خليجيين، عكس إرادة
شعوبهم المسلمة، لاحتلال هذا البلد، وأعلنوا كما سيتكرر ذلك كثيرا فيما بعد
أنهم ليسوا ضد الشعب العراقي بل هم ضد المستبدين الأتراك مع أن هذا الشعب
الأبي أعلن خياره الإسلامي آنذاك، ممثلا في الفتاوى الرائدة للمرجعية
الواعية بحقيقة الموقف والخطر، بالجهاد إلى جانب الخلافة ضد الاحتلال رغم
الاختلاف المذهبي، ولما تم للإنجليز احتلال العراق سالت الدماء فيه أنهارا
ونكث الإنجليز كل وعود الصداقة والمودة تجاه الشعب وظهر أنهم ضد كل من يقف
في وجه هيمنتهم سواء كان عربيا أم تركيا، وأن الحضارة التي جاءوا ينشرونها
في المنطقة هي ما تدعم حضارتهم في بلادهم فقط وأنهم ليسوا جمعية إحسان
حضاري مجاني، حتى تداركت بريطانيا نفسها بإقامة حكم ألعوبة ولما حاول الشعب
استرداد حريته في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941، ورغم التفاف الطيف
الشعبي حوله وإعلانه رغبته في علاقات طيبة مع بريطانيا فإن هذا لم يكن
كافيا لدرء عدوانها لأن الغربيين لا يقبلون بعلاقات متكافئة بل يرون أنفسهم
في أعلى السلم الحضاري ولهذا لهم حق السيادة والتوجيه، الذي يتحول إلى نهب
الضحية وسلبها، ومن لا يقبل هذه المعادلة فعليه تلقي الحجارة ممن يقف في
الأعلى، وهذا ما حدث، وعندها أعلن الإنجليز مرة أخرى أنهم ليسوا في حرب مع
الشعب العراقي، وهي اسطوانة سنمل من سماعها كثيرا بعد ذلك، وأنهم ضد
الكيلاني ومن يقف معه وحدهم، ولهذا جاءت قوات الغزو مرة ثانية من الكويت
منذ بداية القرن العشرين في مشهد يكشف تكراره حقيقة النوايا الغربية التي
تذرعت في جولة ثالثة باحتلال الكويت فيما بعد، فيما هي تقوم بنفس الفعل
لحماية مصالحها الذاتية بحجج مختلفة تغيرها حسب نوعية الظرف كل مرة.


ثم سمعنا نغمة التحرير مرة أخرى
في أزمة 1990 التي كان نتيجتها تدميرا شاملا حل بالعراق ومحاولة دموية
متعمدة لإعادته إلى عصور ما قبل الصناعة، ولا أدري كيف يستقيم هذا من حملة
شعلة الحضارة والتنوير والعقل والتقدم... إلخ، ولكن جعبة الحاوي الغربي لا
تعدم تبريرا يحمل لافتة محاربة الديكتاتورية ومرة أخرى نسمع نغمة الحرص على
الشعب العراقي ويضاف إليه جيرانه هذه المرة، في موقف تجاوز كثيرا مسألة
الكويت التي سدت الولايات المتحدة كل المنافذ لحلها سلميا فوضعت علامات
استفهام كبرى عن الأهداف الحقيقية للحملة الغربية وبخاصة بعد خروج الجيش
العراقي من الكويت واستمرار الحصار القاتل على العراق لمدة ثلاثة عشر عاما،
اخترقت فيه يوما وزيرة الخارجة الأمريكية مادلين أولبرايت كل الأقنعة
الإنسانية المزيفة لتقبل بل تبرر في لحظة استشراقية ليست نادرة مقتل
خمسمائة ألف طفل عراقي في سبيل تحقيق هدف أمريكا بإسقاط النظام، والذي
يفترض أن يتم لصالح العراقيين، ولا ندري كيف يتحقق هذا الصالح بالإبادة إلا
لو عدنا إلى التفسير الحقيقي الذي يؤكد أن الصالح المقصود هو الصالح
الأمريكي وليس صالحنا، وانتهت مأساة الحصار بمسرحية حرية هزلية رابعة سنة
2003 مثلتها أسلحة الخداع الشامل عن أسلحة الدمار الشامل فكانت النتيجة
غرقا شاملا في بحر الدماء والفساد والطائفية والتخلف أي أننا خرجنا من
مأساة لندخل مأساة جديدة، ورغم كل ما سبق ما زال بعضنا يلهث خلف حواة
التحرير الغربي ويظنون أنهم يأتون شعوبهم بما لم تستطعه الأوائل.




العودة
إلى الوراء: الحملة الصليبية الرابعة تكتسح من جاءت لإنقاذهم فيتحول
الفاتحون المسلمون إلى حماة الإيمان المسيحي من الظلم الغربي




وإنه مما يحسن الاستشهاد به في
هذا المجال أن حملات الفرنجة التي سميت حروبا صليبية لإلباسها القناع
الديني جاءت بحجة الانتصار لمسيحيي الشرق ضد الظلم الواقع عليهم من
المسلمين فكانت النتيجة أن دمرت الحملة الصليبية الرابعة مدينة القسطنطينية
عاصمة المسيحية الشرقية سنة 1204 وارتكب الفرنجة اللاتين جرائم كبرى منها
أنهم "في كنيسة أيا صوفيا العظيمة..... أجلسوا مومسا فوق عرش البطريرك
(الأرثوذكسي) حيث غنت أغنيات فرنسية فاحشة بينما أدخل آخرون خيولهم وبغالهم
إلى الداخل لتبول وتتغوط فوق أرضها، أما في الشوارع فلم يوفروا أحدا،
فجردت الراهبات وعرين من ملابسهن، وانتهكت أعراضهن، وأجبرت النساء والفتيات
على البغاء والفحش بشكل لا يوصف، وحطمت رؤوس الأطفال مثل قشور البيض في
ضربها على الجدران وضربها بأعقاب أحذية الجنود..."،(5)
وأقام الغزاة دولة لاتينية مكان الإمبراطورية البيزنطية استمرت إلى سنة
1261، ولم تتعاف الإمبراطورية البيزنطية من الضعف الذي أصابها من الاجتياح
اللاتيني حتى لحظة فتح القسطنطينية بعد قرنين(6)
على يد السلطان العثماني محمد الفاتح الذي فضله اليونان الأرثوذكس على
اللاتين الغربيين "ويلاحظ في هذا الصدد أن مؤرخي الأرثوذكس في مؤلفاتهم
لهذه الحقبة يصفون الامبراطورية العثمانية بأنها تواصل طبيعي للإمبراطورية
البيزنطية ويصورون سلاطين بني عثمان كخلفاء لأباطرة بيزنطية المسيحيين"...
"ولاحقا... أي في أواخر القرن الثامن عشر، عندما بدأت الشعوب البلقانية
بالاستعداد لخوض الحرب في سبيل التحرر من ربقة النير العثماني، ظهرت سلسلة
من الرسائل البطريركية ونصوص دينية- سياسية صادرة عن أوساط القسطنطينية،
تعطي السلطان الصلاحيات عينها والمهمة عينها التي تعطيها للإمبراطور
المسيحي، وتدعو المؤمنين والإكليروس الأرثوذكسي إلى تقديم واجب الطاعة
والخضوع للسلطان الأكبر حامي الإيمان القويم..."،(7)
وموضع الشهادة في هذا النص هو أن الخلافات في تاريخنا لم تكن صراعات دينية
أو طائفية أو مذهبية خلافا لحالنا بعد تدخل الغرب الحديث، هذا بالإضافة
إلى الفرق بين تعاملنا مع مجالنا الاجتماعي وتعامل الغربيين معه.




تلاعب الغرب في العصر الحديث بأبناء دينه الأرمن وتدميره نموذج تعايش طويل

وفي العصر الحديث لعب الغرب
بالورقة الأرمنية لتحقيق مصالح ذاتية له وحوّل الأتراك والأرمن من أمتين
متصافيتين عاشتا متجاورتين مخلصتين لبعضهما البعض قرونا طويلة إلى أمتين
متعاديتين سالت الدماء بينهما أنهارا، وليس من الصدفة أن ذلك حدث بعد تدخل
الأصابع البريطانية والروسية القيصرية والأمريكية بينهما بعد وعود أغدقت
على الأرمن بإقامة وطن خاص لهم ثم تخلى جميع الغربيين عنهم بعدما كانت
خرائط هذا الوطن قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ عند الرئيس الأمريكي ولسون(8)
النبي المزيف لحق تقرير المصير الذي وُزِّع بانتقائية شديدة بين الشعوب
وفق المصالح الغربية وذلك أنه بدا لسادة الغرب أن مصالحهم في جهة أخرى
فنبذوا قضية الأرمن وتركوهم لمصيرهم بعدما أشعلوا نار الفتن التي لم تنطفئ
منذ تدخلهم في المنطقة ولم ينج منها طرف من سكانها، وكل معالجة لهذه
المسألة لا تدرس البعد الغربي فيها لن تكون جذرية وصالحة لتهيئة مستقبل
أفضل للطرفين التركي والأرمني اللذين تحكمهما حتمية الجوار الجغرافي في
الوقت الذي يحكم الغرب منطق المنفعة المادية الآنية وحدها دون التفات لأية
قيمة أخرى ولو أدى ذلك إلى كوارث كبرى كما حدث في الماضي فعلا.


هذا هو تاريخ الغرب مع كل من
استقوى به من الشرق، مع أبناء دينه فضلا عن المخالفين له في الدين، وفي
عصور ظلمته وفي عصور أنواره، فهل ما يزال أحد ينتظر الشروق من الغرب قبل
قيام الساعة؟؟




الخلاصة والاستنتاج: الإجهاض هو مصير الاستقواء



استغل الغرب ثغرات في مجتمعاتنا
يمكن أن توجد في أي مجتمع، ليحقق مصالحه الأنانية بواسطة رفع شعارات
التحرير من الاستبداد المحلي، وقد انتهت عمليات الاستعانة بالقوى الغربية
بكوارث على أصحابها لأن الاستئثار من طبيعة الأهداف النفعية والربحية التي
أراد الغرب تحقيقها في بلادنا ومن ثم لم تكن مصالح السكان المحليين، مسلمين
أو غيرهم، على قائمة اهتماماته، ولكن هذا لا يمنع أنه كان هناك من
استفادوا من هذه التدخلات ولكنهم بالتأكيد لا يعملون لمصالح المجموع على
المدى القريب أو البعيد، إنما هم جماعات أو دول وظيفية تؤدي خدمات لمن
يستغلها من الدول الكبرى وبقاؤها مرهون بمدى خدمة السادة ضد أمتهم، أما
أصحاب المشاريع الكبرى فإن التدخل الغربي كان كارثة عليهم منتصرين
ومهزومين، ولهذا فليس هناك غير مغفل يصدق أن الغرب سيتدخل لإسقاط أي مستبد
من أجل أن يستبدل به مشروعا جذريا كإعادة مجد الخلافة الإسلامية مثلا والتي
بذل في الماضي جهودا حثيثة لأجل إنهاكها ثم إنهائها لأن دورها الطبيعي
اللصيق بصلب تكوينها هو تجميع شتات الأمة والقضاء على انقساماتها القبلية
وفي نفس الوقت حراسة تعدديتها المتآلفة والنهوض باقتصادها ومقاتلة أعدائها
مما يناقض مصالح الغرب في النهب والهيمنة والشرذمة، وليس الكيان الصهيوني
الذي ارتمى البعض في أحضانه من الغفلة والغباء بمكان ليسقط مستبدا ويساعد
في إقامة نواة وحدة عربية أو خلافة سيكون القضاء على الصهيونية على جدول
أولوياتها بحكم طبيعة التكوين وليس مجرد خيار إعلامي لأجل اكتساب الأصوات،
كما أن دول ملوك الطوائف الحديثة التي تتظاهر بدعم خيارات الشعوب، البعيدة
عن عروشها طبعا، ليست مغفلة أو غبية لتساهم في إقامة حكم شعبي مخلص يسحب
البساط من تحت أرجلها حين يكون القضاء على شرعية التجزئة ومحو حدود
الاستعمار- التي تمثل مصدر وجود هذه الكيانات الوظيفية وسبب عجزها ومن ثم
تبعيتها وارتباطها برعاتها الغربيين- من أولى مهامه وأيضا لن يكون موقفه
هذا مجرد اختيار بل واجب مفروض بحكم مصالحنا والتخلص من قيود المستعمر
علينا، ولهذا سيكون أي خيار يؤيده هذا الحلف غير المقدس من الغرب
والصهيونية وملوك الوظائف الاستعمارية، ليس في صالح ارتقاء الأمة
واستقلالها بكل تأكيد في أي بقعة من أوطاننا الممتدة بل سيكون انحدارا إلى
الأسفل يجعلنا نترحم على واقع عربي كان يتخذ موقفا ولو كان ضعيفا ببيانات
شجب واستنكار وإدانة الجرائم الغربية الصهيونية عند وقوعها بعدما رأينا
واقعا عربيا جديدا أصبحت فيه المشاركة العربية الفاعلة في هذه الجرائم
والمنافسة في تصويب سهام التفتيت إلى الجسد العربي والسباق في الولوغ في
الدم المسلم سمة التقدم وعنوان الشرعية وقربان القبول عند الآلهة الغربية
الجديدة كما صارت السُنّة منذ أزمة الخليج.


إن المُشاهَد حتى الآن من نتائج
أسفر عنها انتصار هذا الخيار: التفاف هذا الحلف على ثورات شعوبنا وتعامله
بازدواجية واضحة معها وسعيه الدءوب لمحاصرة انطلاقاتها نحو آفاق التحرر
وإجهاض محاولاتها للاستقلال عنه وذلك بدعمه استمرار أوضاع الاستبداد
المخلوع بحلل جديدة ولكنها مفضوحة ببقاء نفس الأجهزة السابقة إلى حد تسلم
نواب المخلوعين مهام الحكومات الجديدة، كل هذا يوضح لنا طبيعة الخيار
الأسوأ الذي يريده لنا أركان هذا الحلف، وأنهم ليسوا ضد فكرة الاستبداد
الذي طالما حظي بالدعم بصفته أداة استقرار المصالح الغربية، كما يراد اليوم
للبديل "الثوري" و"الديمقراطي" أن يثبّت هذه المصالح وأن يستمر في أداء
هذا الدور القديم وهو المهم عندهم مهما كان الشكل السطحي للحكم الجديد الذي
لن يكون إلا تغيرا في الأقنعة لن نجني منه إلا حصاد الهشيم، وهذه هي
النتيجة الحتمية الوحيدة لتدخل الغرب في ثوراتنا واستقوائنا به في ظل
اختلال ميزان القوى بين طرفينا ووضوح المصالح عند الجانب الغربي وثبات
سياساته النابعة منها حسب أقوال كبرائه التي تجعل هذه المصالح هي الثابت
الوحيد والأهم من أية قيمة غير مادية مع إمكان تبدل العلاقات في الوقت الذي
نعاني نحن فيه من ضبابية الرؤية وضعف الإمكانات وارتجالية السياسات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

درس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

درس التاريخ للمستقوين بالغربيين: حقيقة "التحرير" القادم من الغرب

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» 22 حقيقة غريبة ومثيرة حول الجنس عبر التاريخ لم تكن تعرفها من قبل
»  • يرتبط التقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات ولا يمكن الفصل بينهما. • دفعت الحضارة الإسلامية ثمناً فادحاً على مر التاريخ، بسبب فشلها في الاستحواذ على مقاليد العلم، مما تسبب في تراجعها وتخلفها، مقارنة بتقدم الغرب وارتقائه. • إن الاستعمار الجديد كان ق
» نتعلم من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ – تذكرت هذه الشذرة للفيلسوف (هيجل ) وأنا أطالع الحكم الصادرمن محكمة القاهرة للأمورالمستعجلة بأزالة أسم وصور مبارك وزوجته سوزان من الميادين والساحات والشوارع و المدارس و المكتبات والمنشآت العامة الكائنة بجميع أنح
» من سيتحكم في البرلمان القادم؟
»  المد الإلحادي القادم

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: