صرّح باحثٌ فى "كلية لندن للاقتصاد والعلوم
السياسية"، أن الأطفال الأذكياء يميليون عند الكِبر لأن يصبحوا ليبراليين،
على عكس نظرائهم الذى يتمتعون بذكاء عادى، أو أقل من العادى، الذين يصبحون
متعصبين ومتطرفين عند الكبر، جاءت هذه النتائج بعد درسات مكثفة استغرقت
عقودًا، أعدها "ساتوشى كانازاوا"، الباحثُ فى "علم النفس التطورى" بالكلية،
وفريقُ عمله.
ركزت الدراسةُ على أن مستوى الذكاء لدى الأفراد هو الذى يحدد ميولهم
الإنسانية ومعتقداتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، وخَلُصتِ النتائجُ
النهائية إلى الارتباط الوثيق بين الذكاء والليبرالية، وتدعم نظريةَ
كانازاوا بامتياز، جميع الأبحاث الميدانية والدراسات المعمّقة التى أُجريت
فى بريطانيا مؤخرًا على عدد من اليافعين، إذ أشارت إلى أن الأشخاص الذين
أكدت سلوكاتهم وأسلوب حياتهم أنهم "ليبراليون جدًّا"، كانت مستويات ذكائهم
مرتفعة تتجاوز 106 بمقياس IQ، أو معامل الذكاء Intelligence quotient، فى
حين أن الذين أثبتوا أنهم محافظون جدًّا أو رجعيون، انخفضت نسبة ذكائهم عن
95 درجة على مقياس IQ. وقال كانازاوا فى الدراسة التى نُشرت فى دورية "علم
النفس الاجتماعى" Social Psychology إن الأشخاص الذين أثبتوا أنهم "معتدلون
دينيًّا" كان مستوى يفوق ذكائهم 103 درجة، مقارنةً بـ 97 درجة للذين
أثبتوا أنهم "متعصبون دينيًّا".
والشاهد أن نتائج هذه الدراسة غير مدهشة لأنها تصبُّ بامتياز فى خانة
المنطق، فالعالِم، كلما توغل فى بطون العلم، يوقن تمامَ اليقين أنه لا يدرى
شيئًا، لأن العلم كالمحيط العميق الشاسع، الذى يعرف الغواصُ أنه لم يخبر
منه إلا الشعابَ المتناثرة والقواقع، فيما كنوزه خبيئةٌ فى مجاهل سحيقة، لا
يعلمها إلا من خلقها، لهذا يقول العالِم: "كلما تعلّمتُ أكثر، ازددتُ
إيمانًا بجهلى"، كذلك الشخصُ الذكى، كلما اتسعت مداركه وعَمُق ذكاؤه، أدرك
أنه لا يصيب من الحقيقة إلا ما يظنُّ أنه الحقيقة، بينما الحقيقةُ
الحقيقةُ، بعيدةٌ بُعد الشمس عن كوكب بلوتو، أما محدود الذكاء، فوحده مَن
يصدق أنه امتلك "اليقينَ" وقبض على جمرة "الحقيقة"، ومن ثم يتعصّبُ ويجهر
الصوت ويمارس العنف ضد كل مَن يخالفه بشأن هذه "الحقيقة" وذاك "اليقين"،
أقصدُ: ما يظنه حقيقةً وما يزعم أنه يقين.