المذهب
الإنساني
تاريخيًّا،
هي الحركة الأوروبية التي انطلقت في إيطاليا
منذ القرن الرابع عشر وفي فرنسا منذ نهاية
القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر والتي
أعادت اكتشاف مؤلفات العصور القديمة ونصوصها
وعارضت من خلالها، بالتالي، الذهنية
المدرسية المتحجرة للقرون الوسطى. وسواء كان
هذا التيار الفكري الرئيسي "مسيحيًّا" (فدعا
إلى التوفيق بين العهد القديم وبين أدب
العصور القديمة) أو "متوثنًا" (فاستفاد
من النماذج القديمة للتشكيك بالقيم المسيحية)،
فإن هذا المنحى طوَّر الروح النقدية،
ويسَّر تحرر الفلسفة من سطوة اللاهوت، وانطلق
يبحث عن الحكمة التي تجمع بين تذوق المعرفة
(كمونتيني مثلاً)، من جهة، وبين حب الحياة
والتأكيد على كرامة الإنسان (كرابلي ليس
حصرًا)، من جهة أخرى.
ما
بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر،
تميَّز المذهب الإنساني في فرنسا بدراسة "العلوم
الإنسانية" (كنصوص أدبية وفلسفية) وتطابق
مع المنحى الكلاسيكي الذي كان يرفض كلَّ تطرف
ويدعو إلى "الحس السليم" والصفات
الحضارية التي كانت تُنسَب إلى الإنسان
النبيل.
أما
اليوم، ففي وسعنا، بصفة عامة، إطلاقُ صفة "الإنسانية"
على كلِّ موقف أو فكر يؤكد على أن الكرامة
الإنسانية هي القيمة الأسمى، ويفترض،
بالتالي، ضرورة تشجيعها والدفاع عنها ضد كلِّ
طعن صادر عن السلطات السياسية أو الاقتصادية
أو الدينية (وذلك على الرغم من أن في وسعنا
الحديث هنا عن مذهب إنساني مسيحي) إلخ. لذلك،
ومن هذا المنظور، في وسعنا تلمُّس اتجاه
إنساني لدى مناحٍ فلسفية متنوعة (كالشخصانية
والوجودية السارترية إلخ)، وإن كنا نلاحظ، في
الوقت نفسه، عدم الفعالية الجلِّي لمنحى كهذا
في تاريخ المجتمعات الإنسانية. كذلك فإن هذا
التصور، الذي يبدو وكأنه يفترض تعريفًا
مسبقًا للإنسان، قد ينجم عنه، وإنْ كخطر
احتماليٍّ مفارق، استبعاد بعض البشر الذين لا
ينطبق عليهم تعريف كهذا من الإنسانية وفقًا
لمفهومها النبيل. ونتفهم، من هذا المنظور،
نقد ماركس ونيتشه في وقتهما للمفهوم
الكلاسيكي للمذهب الإنساني انطلاقًا من تصور
مختلف لما يفترض أنه الإنسان. وهكذا أيضًا،
فإنه يمكن اعتبار الماركسية (كالفرويدية أو
كفكر هيدغِّر إلخ)، بالمثل، بأنها ضد المذهب
الإنساني، من جهة (من منظور أنها رفض الواقع
الذي توصَّل إليه الإنسان تاريخيًّا)، أو
بأنها إنسانية، من جهة أخرى (من منظور ما
تفترضه الأفضل للإنسان مستقبلاً).
ملاحظة:
تم تعريب هذه المادة عن قاموس ناثان الفلسفي،
تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.
تعريب:
أكرم أنطاكي
مراجعة:
ديمتري أفييرينوس