طاقة
الكون بين يديك
كتاب
يكشف العلاقة بين الجسم والروح والعقل
لا أحد
يشك في أن الطاقة هي المصدر الأساسي لتسيير
الحياة اليومية. وكلنا يعلم أن الإنسان سعى،
منذ أقدم العصور، إلى البحث عن مصادر الطاقة
وإلى محاولة تطويرها واستكشاف آفاقها
والتعرف إلى ماهيتها.
وحتى الأمس القريب، كان
يُشار بمصطلح "طاقة" إلى الطاقة
الفيزيائية، أي المادية فقط، التي تُستخدَم
في معظم حقول الإنتاج. وهي ما فتئت تُعتبَر
الطاقةَ الأبرز في حياتنا، حتى بات اكتسابُها
والحفاظُ عليها والسعيُ المحموم إلى الحصول
على مصادرها بشتى الوسائل المحركَ الأساسي
للنزاعات في العالم، وحتى بتنا نسمع كلَّ يوم
عن الخلافات في شأن مختلف مصادر الطاقة
المعروفة، وخصوصًا النفط والغاز والذرَّة
والمياه.
ولكن في مقابل الطاقة
المادية التي تشغل العالمَ منذ بدايات القرن
الماضي، سعى آخرون إلى استكشاف طاقة من نوع
مختلف: طاقة إذا تعمقنا في خفاياها وجدنا أنها
النوع الأهم من الطاقة والأكثر إفادة
للإنسان، بها يمكن تحقيق حياة أفضل للجميع
انطلاقًا من سعي كلِّ فرد إلى معرفة نفسه
وتطويرها والاستفادة من قدراتها.
هكذا طلع علينا من الشرق
الأقصى ما يُعرَف اليوم بمسمَّى "علم
الطاقة". لكن ما هو علم الطاقة هذا؟ وكيف
نتعرف إلى هذه الطاقة ونستفيد منها؟
وبالتالي، كيف يمكن لها أن تؤثر على حياة
مجتمعنا وتتجه به نحو الأفضل إلى حدٍّ قد يشبه
مدينة الفارابي الفاضلة؟
الطاقة، في المنظور الشرقي،
هي القوة المحركة للكون. وتسمَّى
بالصينية كي أو تشي ch’i،
وبالسنسكريتية پرانا prāna،
أي الهواء أو النَّفَس أو طاقة الحياة
الكونية التي هي أساس الحياة فينا: منها
تتكون الكواكب والنجوم والمجرات – وحتى صور
أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا – وبها تتحرك؛
وهي التي توحد عناصر جسمنا وتُوازِن فيما
بينها وتؤمِّن ديمومةَ الأشياء والمخلوقات.
فأينما توجد الطاقة تظهر الحياة. وعندما
تغادر الطاقة (أي روح الحياة) جسمَ الإنسان
يتحول إلى جثة. فالطاقة هي التي تسمح لأعضاء
الجسم وغدده وشرايينه وسواها من مركِّباته
بالتفاعل بعضها مع بعض. وعندما تضعف الطاقةُ
فينا، سرعان ما نلاحظ أن الوهن يدب في
الأعضاء، فتتباطأ حركتُها، وينعكس الضعفُ
على الصحة في مجملها. كما أن الطاقة تَهَبُ
الجسمَ الحرارة، والحرارةُ تؤكد سلامة
الطاقة فيه؛ إذ إن ارتفاعها أو انخفاضها يعكس
مدى سريان الطاقة في الجسم.
طارة
الـيِن–ينغ التي ترمز إلى تمايز الطاقة
الأولية للكون إلى قطبين: سالب وموجب.
تتجمع الطاقة وتتفرق على
التوالي سلبًا وإيجابًا (يِنْ yin
وينغ yang).
ويظهر هذا التبدل في صور وأشكال متعددة. فكل
ما هو موجود في العالم ظاهرة مؤقتة من ظواهر
الطاقة. إن عناصر الطاقة التي تكوِّن السماء
والأرض هي نفسها التي تكوِّن الإنسان.
بتراكُمها تتحول من لامرئية إلى أشكال مادية
لا تُحصى في تبدُّدها وتجُّمعها. الولادة
تعني تكاثف الطاقة، بينما الموت هو تشتتها.
ليست الولادة ربحًا، ولا الموت خسارة، بل
كلاهما شوط من أشواط الحياة. فعندما تتركز
الطاقة تعلَن ولادةٌ جديدة، وبتبددها ننتقل
من حالة إلى أخرى، إلى الموت.
ويرى الصينيون أن الكائن
البشري صورة مصغرة عن الكون، وأن الطاقة
المتفاعلة في الكائن هي نفسها التي تتفاعل في
الكون. عندما ندرس دور الطاقة فينا، يمكن لنا
أن نعي الكون. وعبر تفتح الطاقة فينا عن طريق الوعي
نسمح لخلايانا بالتواصل مع الطاقة الكونية (الذات
الكبرى) ونصبح "خلايا كونية" غير منعزلة
وغير محدودة.
من كلِّ ما سبق يمكن لنا
القول بأن الصحة والشفاء متعلقان بكمية
الطاقة ونوعيتها في الجسم. فانعدام الطاقة أو
احتقانها كلاهما يسبب خللاً في مسارها، مما
يؤدي إلى المرض. ضعف الطاقة، في الرئتين
مثلاً، يمكن له أن يسبِّب الأمراض الجسمية
والنفسية مع اضطرابات عصبية، كما يسبِّب
الربو والحساسية الجلدية.
جلسة
علاج ريكي: الشخص المتلقي
يظل خلالها مرتديًا ثيابه بينما المعالِج
يمرر يديه بالتسلسل على مواضع محددة من الجسم
للسماح للطاقة بالسريان الحر فيها.
ويؤكد الطب الشرقي أن
التأمل والغذاء المتوازن والتمارين البدنية
عوامل مهمة جدًّا للحياة والتطور النفسي
والجسمي. لذلك تبحث العلاجات في هذا الطب
مباشرة عن توازُن الطاقة الداخلية وتسليكها.
ويشبه تسليك الطاقة وتوازُنها في المسارات
كلها علاجَ الوخز بالإبر الصينية، لكنْ دون
استعمال الإبر. وتكفي إعادة تسليك الطاقة
وتسييرها وموازنتها في صورتها الطبيعية لكي
تعود الحياة إلى مجراها والقوة إلى سريانها
الطبيعيين في الجسم، وذلك لكي نحميه من
الأمراض والآلام ونعالج الضعف الكامن فيه.
يكفي أن نزوِّده بقوة الحياة ليوظف بفطنته
الفطرية هذه الطاقة في المكان الذي يحتاجه. فـ"العلاج
الذاتي" في الـريكي، إضافة إلى التأمل،
يجعل الجسم جاهزًا لاستقبال الطاقة من
مصادرها الخارجية، إذ يؤهب لحالة استرخاء
عميق من أجل سريان الطاقة في دورتها الطبيعية.
أوضاع اليدين في العلاج الذاتي | مراحل العلاج الذاتي |
عوامل الصحة، إذن، متوافرة
فينا ومن حولنا. حسبنا أن نعي هذه الحقيقة
ونكون في حالة تفرُّغ وقبول لتعزيز صحتنا.
وأفضل ما يمكن لنا أن نصل
إليه في هذه الحياة وأروعه، الذي هو جوهر
العلاج الذاتي، هو ما نفوز به من خلال التأمل
والصمت. فالصمت هو اللغة الأولى التي تحوي
المعاني كلَّها؛ هو لغة الذات الصافية التي
نتوجه بها إلى ذات الآخر الصافية عبر صفاء
الكون. الصمت بداية اللغة ونهايتها؛ هو
الحقيقة والجوهر قبل التكوين وبعد الموت؛ هو
الثابت والخالد. مَن لا يعرف الصمت ولا يعيش
حالات التأمل يجهل هذه اللغة، ويبتعد عن
الإدراك والحدس، ويعيش في غربة حادة عن ذاته
الداخلية. الصمت هو أساس الكلام؛ والعودة إلى
الذات الأساسية تبدأ حتمًا بالصمت والفراغ.
التأمل:
اختبار للغة الصمت.
مَن يتفرغ لعملية التنفس في
صمت يدرك أهميتها وتأثيرها على الجسم والنفس،
من حيث إنها أخذ وعطاء من الكون وإليه كفعل حب.
أصغِ إلى داخلك بتنفس عميق. شاهد اتساع هذه
المساحة الرائعة كلما اتَّسع تنفسك. أصغِ إلى
جسمك وهو يتنفس في الحاضر بعيدًا عن الماضي
والمستقبل. تأمَّل الصمت والسكون فيك وفي
الكون ليكتسب كل شيء معناه. كلما عشت الصمت في
الفكر والحس والكلمة والفعل، اتسع مكانٌ
للحياة والحب فيك ومن حولك، فتتعرف إلى الله،
وتختبر نعمة لقائك به، وتسكنك روحُه في كلِّ
لحظة صمت، وتتحول حياتُك إلى حياة حقيقية،
جوهرية، إلى نور يضاء ويضيء.
د.
ميكاو أوسُوي، مؤسِّس الـريكي
لقد بات في إمكاننا، في
شرقنا العربي، التعرف إلى أسرار علم الطاقة
من خلال كتاب ألَّفتْه إحدى أبرز الاختصاصيات
فيه، الدكتورة اللبنانية مهى نمور، الحاصلة
على درجة "معلم" Master
في علم الطاقة المعروف في اليابان باسم ريكي
(من كلمتَي: ري، أي الطاقة الكونية، وكي،
أي الطاقة الحيوية الموجودة في كلِّ كائن حي؛
وبالتالي، فهما تعنيان معًا "الطاقة
الكونية الحية").
لقد قدمت لنا مهى نمور في
كتابها الجديد الطاقة الكونية كما يجب أن
نعرفها ووضعتها في متناولنا – وهو ما يشير
إليه في وضوح عنوانُ الكتاب: طاقة الكون بين
يديك[1]. وبالفعل، فقد
تبيَّن لنا من خلال قراءة هذا الكتاب أن
الدكتورة نمور وضعت طاقة الكون "بين أيدينا"،
أو على الأقل علمتنا كيف نمد هذه الأيدي
للحصول على الطاقة، وبالتالي، عرَّفتنا إلى
أسرار قدرات الإنسان التي تفوق التصور.
تتحدث نمور إلى كونا عن الـريكي
في شكل عام وعن كتابها في شكل خاص، في شغف
وهدوء مميزين، فتقول إن الطاقة موجودة لدى
كلِّ إنسان وأن علم الطاقة أو الـريكي
يساعده على التعرف إليها، وبالتالي، على
معرفة ذاته بمكوناتها الثلاثة: الجسد والروح
والعقل.
ريكي
كما تُكتَب بخط الكانجي الياباني.
فالعلاج على طريقة ريكي
يساعد الإنسان على التعرف إلى مكامن الطاقة
الصحيحة التي تمنحه التوازن، وذلك من خلال
دمج طاقته الحيوية مع الطاقة الكونية،
وبالتالي التحكم في وظائفه كافة، كالتنفس
والحس والابتسام والغذاء والتعامل مع
الآخرين إلخ، وكذلك في الحالات المختلفة التي
يمر بها.
ومن ريكي يُشتَق ريكي
جِنْ كي دو، الذي يتضمن المبادئ الثلاثة:
الحكمة والرحمة والمسار. فمن خلال التعرف إلى جِنْ
كي دو وممارسته يتمكن الإنسان في الوقت
نفسه من امتلاك الحكمة والتعامل برحمة وتعاطف
وحنان، بالإضافة إلى التعرف إلى المسار أو
الطريقة لاتِّباعهما في حياته اليومية.
عبارة
ريكي جِنْ كي دو كما تُكتَب بالكانجي.
وتضيف الاختصاصية
اللبنانية في حديثها إلى كونا أن الـريكي
يساعد الإنسان على إيجاد حلٍّ للكثير من
المشكلات والصعوبات التي قد تواجهه وعلى
التغلب عليها من خلال التأمل والهدوء والتصرف
في حكمة وروية. وقد تصل به الحال إلى شفاء
الجسم من آلام أو أمراض مزمنة أو غيرها عن
طريق شفاء النفس أولاً.
وفي خصوص ما إذا كان الـريكي
يُعتبَر من العلاجات الشافية للأمراض، قالت
نمور إن غايته ليست معالجة أعراض المرض، بل
إنه يعالج أسباب الأمراض والأوجاع: إذ إن
مجرد توصُّل الشخص إلى ممارسة علم الطاقة
ممارسةً صحيحة يساعده على اجتياز الأشواط
اللازمة للتغلب على المشكلات الصحية
والنفسية، كالإحباطات العاطفية التي تصيب
القلب أو التراكُمات التي تعيق الوعي وتشلُّه.
وهي تعتبر أن ضعف الطاقة لدى
شخص معيَّن تجعله عرضة للمشكلات الصحية
والأمراض، وحتى للحوادث، وأن تعرُّفه إلى
طاقته وتحكُّمه فيها، وبالتالي، في ذاته في
مكوِّناتها الثلاثة، يمنحانه مناعةً وحصانةً
كبيرتين.
وقد أشارت إلى أن الدول
العربية شهدت حالات شفاء من أمراض مزمنة أو
مشكلات صحية بعدما لجأ المصابون بها إلى علاج ريكي؛
ومنها حالات خمسة أشخاص كانوا مصابين
بالسرطان، وحالات آخرين كانوا يعانون من
الشقيقة أو القرحة أو من مشكلات في القلب أو
انهيارات عصبية.
ولعلم الطاقة فوائد جمة،
أبرزها: تخفيف التوتر والآلام، واسترخاء
العضلات، وإزالة حالة القلق، وإراحة
الأعصاب، وتقوية نظام المناعة، ومنح التوازن
لطاقة الجسم، وإغناء الحياة الروحية،
والمساعدة على التئام الجروح، ناهيك عن حماية
الأشخاص الذين يمارسونه.
وباختصار، إن علم الطاقة أو
الـريكي يمنحنا السلام الداخلي الذي قد
يوصلنا في تعاطينا المشترك إلى السلام الشامل
بين الجميع، كما يمنحنا السكينة والطمأنينة
وحسن التصرف في التعامل مع الآخرين والنجاح
في مواجهة الصعوبات. وهو يُعتَبر على غاية من
الأهمية في عصرنا الحالي الذي نرزح فيه تحت
نير الضغوط اليومية.
ومما لا شك فيه أن أفضل مرجع
متاح حاليًّا لقراء العربية للتعرف إلى الـريكي
هو كتاب الدكتورة نمور طاقة الكون بين يديك
الذي استغرق إعدادُه أربع سنوات ويقع في
حوالى 200 صفحة. وهو مقسَّم إلى عدة أبواب تأخذ
بأيدينا، رويدًا رويدًا، إلى أعماق طاقتنا.
وهو يحتوي على رسوم وصور مفسِّرة ومعبِّرة
ومفصَّلة، كما يتضمن شهاداتِ أشخاص مارسوا
هذا العلم وكتبوا عن خبراتهم الناجعة.
مهى
نمور
جدير بالذكر أن مهى نمور
أمضت نحو 30 عامًا تتعمق في هذا العلم وتمارسه
انطلاقًا من العاصمة الفرنسية، حيث مكان
إقامتها الأساسي، وصولاً إلى الكويت، مكان
عملها الحالي، مرورًا بدول عدة زارتْها من
أجل المعالجة وعقد دورات للتدريب وإلقاء
محاضرات وإجراء مقابلات، وبالطبع نشر ثقافة
علم الطاقة على أكبر عدد ممكن من الناس، لأن
هذا العلم، بحسب رأيها، يكشف للإنسان أن "كل
النِّعَم موجودة في جسمه".
إذا استطاع هذا الكتاب أن
يفتح للقارئ كوةً في ظلمة الأيام، فأنار نفسه
وأراح جسمه، عبر ممارسة التأمل والصمت عند
اللزوم، يكون بذلك قد حقق غايته الأساسية،
ألا وهو الصفاء الخالص والتماهي مع الكون
الذي يجعل المرءَ يصل إلى مرحلة الصحة
والشفاء من خلال التحكم بكمية الطاقة
وبنوعيتها – مما يعني الوصول إلى توازُن
الروح والعقل والجسم في تفاعل طبيعي بين
قطبَي الطاقة يِن وينغ، أي الأرض
والسماء.