داود البصري
المشهد الميداني السوري المعقد والمؤلم السائد حاليا, وزيادة الخسائر
الشعبية الرهيبة, وحجم خيبة الأمل الدولية الكبيرة المتمخضة عن عجز دولي
قاتل في التعامل مع نظام مجرم فاقت جرائمه كل ما هو متصور, بات يرسم خطوطاً
واضحة لنهايات تراجيدية ستحط رحالها في روابي الشرق القديم, فالنظام
السوري وقد أخذته العزة بالإثم قرر تماما ونهائيا خوض المعركة لنهايتها,
ومهما كانت النتائج! أي أنه لجأ للخيار الشمشوني في تهديم المعبد على رؤوس
الجميع بما فيهم رأسه في نهاية الأمر, لأن حجم وزخم وتوسع وانطلاقة الثورة
الشعبية السورية, والتي للأسف لم تجد تجاوبا دوليا فاعلا وحاسما معها, قد
حدد شكل الخيارات النهائية التي سيلجأ إليها النظام وهو يواجه تلك الثورة
بالحديد والنار منذ أكثر من 18 شهرا ونيف دون أن يتعب الثوار أو يصابون
بالإحباط والخيبة بل إن العكس هو الصحيح بالكامل.
تصوروا هذا الغرب المنافق وقد سارع لإسقاط نظام صدام حسين في العراق بل
وتدمير الدولة العراقية خلال أسابيع قليلة رغم أن الشعب العراقي لم يقم
أبدا بثورة عارمة مشابهة للثورة السورية, بل كان الصمت سيد الموقف منذ فشل
حركة ربيع 1991 التي لم تكن ذات أبعاد مخطط لها من قبل المعارضة العراقية
السابقة التي فوجئت بها أصلا وفي ظل ظروف دولية معقدة وتداخلات عسكرية
وأمنية لم تكن توفر الظروف الحقيقية لنجاح ذلك التحرك, أما الثورة السورية
والتي اشتعلت من درعا جنوبا لتمتد نيرانها شمالا وشرقا وغربا ولتضرب النظام
ضربات حاسمة ومؤثرة لم يأكلها في تاريخه الحافل بالدم والدموع والآلام
والقتل, فالنظام الذي توارث السلطة واعتبر الشعب السوري مجرد قطعان من
العبيد, قد أسس سلالة وراثية لا تتصور أبدا أن ينتفض عليها الشعب ويهتف
برحيلها ويلعن أرواح الذين أسسوها!! بل لتطول تلك الانتفاضة وتستمر رغم كل
عوامل القوة المفرطة في قمعها وبطريقة غير مشهودة في تاريخ الثورات الشعبية
في العالم.
لقد انهار نظام ملك الملوك الإفريقي معمر القذافي رغم وحشيته في غضون
ستة أشهر فقط لاغير بعد تدخل “الناتو” المباشر في إدارة حلقات الحرب
ومؤازرة الانتفاضة الشعبية هناك وهو حظ لم يتوفر للأسف للشعب السوري الذي
تلقى ضربات موجعة من النظام أكثر بكثير من تلك التي وجهها القذافي ضد شعبه,
ومع ذلك فالعالم لايزال مترددا في معاقبة نظام القتلة ومازالت الوساطات
والوفود الدولية غير المجدية تعمل بشكل قاتل وتغطي للأسف كل جرائم النظام
المستمرة والمتصاعدة بشكل تصاعدي رهيب لا يعرف الحدود ولا السدود ولا
الموانع.
النظام السوري ورأسه خصوصا يعلمان بأن نهايتهما غير سارة بالمرة وهي لن
تختلف أبدا عن نهايات كل القتلة والمجرمين عبر التاريخ, لذلك فإن تخطيطهما
بات واضحا لحرب إبادة شاملة ضد جموع الشعب الثائر وتحت شعارات مقاومة الغزو
والاحتلال والمؤامرة الكونية لكون جرائمهما المستمرة قد ضيقت عليهما
الخناق بالكامل, وأضحيا محاصرين لا يمكنهم الإفلات من مصير أسود قد حددوه
ورسموا معالمه بتصرفاتهم وإدارتهم الخاطئة لملف الصراع, وما أشير من خلال
التقارير الميدانية عن استعمال لأسلحة غير تقليدية (كيماوية أو سامة ) أو
محرمة دوليا هو مجرد البداية في خيار بات واضحا لا يحتمل المناورة, وهو
خيار فرض الرعب ورفع سيوف التدمير الشامل وإحراق وتهديم المعبد السوري على
رأس الجميع, وهي خطوة انتحارية خطرة ينبغي أن يتحرك المجتمع الدولي لوضع
نهاية سريعة لها ولقطع يد النظام المجرمة عن تحقيق خيار إشاعة الفوضى
الإقليمية وتدمير سورية وإفناء شعبها كثمن للخلاص.
لا يمكن السكوت أبدا عما يجري, وليس من المعقول أبدا أن يعاقب نظام صدام
حسين على أسلحة تدمير شامل لم تكن موجودة, بينما يتم السماح لنظام بشار
بتجريب تلك الترسانة على أجساد السوريين? ما يحصل فظاعة ومؤامرة كونية فعلا
ولكن ضد الشعب السوري, ومسألة الوقت والإسراع في الحسم تتطلب تحركا دوليا
فاعلا وتشكيل جبهة تحالفية بعيدا عن كواليس وألعاب الأمم المتحدة ومجلس
الأمن, ومن باب النجدة السريعة لشعب يتعرض للإفناء والإبادة من قبل قتلة
سيعاقبون عاجلا أم آجلا, وسيشهد العالم بأسره نهايتهم المريعة, النظام
السوري يستعمل اليوم السلاح الكيماوي وقد يقصف به أيضا بعض العواصم العربية
كالرياض والدوحة! فلا شيء يمنعه من ذلك في ظل التردد والعجز الدوليين
وحماية ومباركة الولي الصفوي الفقيه وخنوع العالم العربي المخزي… الشعب
السوري وشعوب المنطقة تتعرض للإبادة من قبل سليلي الخيانة والعار والباطنية
المجرمة, فما ترانا فاعلون