يبين ابن طفيل أن الدافع الذي ألهمه لكتابة هذه
القصة سؤال أثاره أحد المهتمين بقضايا الخلق والنشوء والارتقاء الذي طلب
منه وضع إجابة عن سؤال يتمحور حول أصل المعرفة الإنسانية، وقد قدر لهذا
السؤال أن يفجر عبقرية ابن طفيل وأن ينهض بإشراقاته الفلسفية وحدوسه
الإنسانية، فتجلت في إبداعه العبقري لهذه القصة، التي شكلت إجابة حيّة عن
تساؤلات السائل، وتلبية لفضول العالم في ميدان النشوء والارتقاء وتكون
المعرفة. ويصف ابن طفيل الحالة الإشراقية التي اعترته وهو يتأمل في هذا
السؤال بقوله: "وانتهى بي هذا السؤال إلى مبلغ من الغربة بحيث لا يصفه
إنسان ولا يقوم له بيان غير أن تلك الحال لما لها من البهجة والسرور واللذة
والحبور، لا يستطيع من وصل إليها وانتهى إلى حد من حدودها أن يكتم أمرها
أو يخفي سرها، بل يعتريه من الطرب والنشاط والمرح والانبساط ما يحمله على
البوح بها مجملة دون تفصيل، وإن كان ممن لم تحذقه العلوم قال فيها بغير
تحصيل"