حياة فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1546
الموقع : صهوة الشعر تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض تاريخ التسجيل : 23/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | سبيل جديد لعمر مديد(*) كشف الباحثون النقاب عن آلية قديمة تؤخر الشيخوخة. وقد تتمكن العقاقير التي تحفِّز تلك الآلية من تأخير حدوث السرطان والسكري وغيرهما من أمراض الشيخوخة الأخرى. | |
سبيل جديد لعمر مديد (*) كشف الباحثون النقاب عن آلية قديمة تؤخر الشيخوخة. وقد تتمكن العقاقير التي تحفِّز تلك الآلية من تأخير حدوث السرطان والسكري وغيرهما من أمراض الشيخوخة الأخرى.
باختصار في عام 2009 اكتشف العلماء أن عقارا يسمى راپاميسين rapamycin قد يطيل - بشكل واضح - العمر في الفئران، وهو يقوم بذلك بالتأثير في نشاط بروتين يسمى TOR الثديي أو mTOR. هذه النتيجة هي الدليل الأكثر إقناعا حتى الآن على إمكانية إبطاء الشيخوخة في الثدييات باستخدام العقاقير، وأثارت هذه النتيجة الاهتمام بدراسة دور البروتين mTOR في عملية الشيخوخة. كما سلطت النتيجة الضوء على لغز: لماذا يؤدي تثبيط النمو والتكاثر الخلويين - أحد آثار التدخل في عمل البروتين mTOR - إلى إطالة مدى العمر؟ وقد تفضي الأبحاث في هذه المسألة إلى أدوية تؤجّل أو تخفّف من وطأة الاضطرابات المرتبطة بالشيخوخة - من مرض ألزهايمر إلى السرطان والسكتة القلبية، وربما حتى إطالة الفترة التي يمكن أن يحياها البشر.
| في صباح رائق من الشهر 11/1964 أبحرت سفينة البحرية الملكية الكندية «كيپ سكوت» من هاليفاكس، نوڤاسكوتيا، في بعثة لمدة أربعة أشهر. وبقيادة الراحل <ستانلي سكورين> [الأستاذ المغامر من جامعة ماگيل] توجه الفريق المؤلف من 38 عالما على متن السفينة إلى جزيرة إيستر(1)، وهي جزيرة بركانية تنبثق في وسط المحيط الهادي على بعد 2200 ميل غربي تشيلي. وقتها كانت خطط بناء مطار على تلك الجزيرة النائية تُجرى على قدم وساق، وهي مشهورة بتماثيلها الغامضة ذات الرؤوس الهائلة. وقد رغب الفريق في دراسة السكان والنبات والحيوان flora and fauna التي كانت ولا تزال إلى حد كبير غير متأثرة بالمدنية الحديثة. استقبل أهل الجزيرة بحرارة فريق <سكورين> الذي اصطحب معه مئات العينات من النباتات والحيوانات، وكذلك من دم ولعاب كافة المقيمين الـتسعمئة وتسعة وأربعين. لقد اتضح أن أنبوب اختبار يحوي عينة من التربة هو الجائزة الكبرى: فقد احتوى بكتيرة bacterium تصنع مادة كيميائية دفاعية ذات خاصية مدهشة – ألا وهي القدرة على إطالة العمر في أنواع مختلفة. وحاليا، بيّنت عدة فرق أن المادة الكيميائية المسماة راپاميسين(2) تزيد «المدى الأقصى للعمر» the maximum life span الذي تحياه فئران التجارب إلى ما هو أطول من عمر الفئران غير المعالجة به. في حين تقوم ادعاءات التشكيك في مضادات الشيخوخة أحيانا على أساس أن البيانات تظهر ازدياد معدل مدى العمر، الأمر الذي قد يتحقق بفعل المضادات الحيوية أو عقاقير أخرى تخفض حالات الموت المبكر، ولكن لا علاقة لها بالشيخوخة. وبالمقابل، فإن ازدياد المدى الأقصى للعمر (الذي يقاس غالبا كمتوسط مدى العمر للعشرة في المئة من السكان الأطول عمرا) هو السمة المميزة لإبطاء الشيخوخة. ما من عقار آخر أطال بشكل مقنع المدى الأقصى للعمر في أي من أقربائنا من الثدييات، وتَوَصُّل عِلم الشيخوخة إلى هذا العقار بعد طول انتظار سيكون بمثابة اختراق حاجز الصوت. لذا أحدث النجاح في الفئران تحولا جذريا لدى العلماء الذين يدرسون الشيخوخة وكيفية تخفيف آثارها. إذ يرغب علماء الشيخوخة gerontologists بشدة في العثور على تدخّل بسيط يبطئ الشيخوخة، ليس فقط لمجرد إطالة العمر، بل لأن كبح الشيخوخة سيكون بمثابة حلّ عام لتأجيل أو إبطاء تقدم العديد من القصور الذي نُصاب به عندما نتقدم بالسن، من السادّ (غشاوة العين) cataract إلى السرطان. ولسنوات بقيت آمال علماء الشيخوخة في اكتشاف مركبات مضادة للشيخوخة متذبذبة كما لو كانت في مهب الريح. فارتفع التفاؤل مع اكتشاف طفرات جينية تطيل المدى الأقصى للعمر في الحيوانات ومع المفاهيم الجديدة حول كيفية إحداث الأثر نفسه بتقييد الكالوريات (السعرات الحرارية) calorie restriction في كثير من الأنواع. لم تقدم الاكتشافات بعد - مع كل تباشيرها - أي عقاقير يمكن أن تمدَّ من الحدود القصوى لطول العمر في الثدييات. مع أن تقييد الكالوريات - الذي يشتمل على نظم غذائية ملائمة ولكن أقرب إلى حدود المجاعة - يمكن أن يقوم بذلك وأن يؤخر أيضا السرطان والأمراض العصبية التنكسية وداء السكري والاضطرابات الأخرى ذات الصلة بالعمر في الفئران، إلا أن الحمية الشديدة ليست اختيارا ملائما لإبطاء الشيخوخة في معظم الكائنات الفانية mortals. في عام 2006 بدا أن المركب ريسڤيراترول resveratrol - المكون الشهير في النبيذ الأحمر الذي يحدث تأثيرات مماثلة لتقييد الكالوريات في الفئران - قد يتمكن من اختراق الحاجز وذلك عندما تبين أنه يحد من التأثيرات التي تقصّر العمر والناتجة من حمية عالية الدهون في القوارض. ولكن هذه المادة، التي يعتقد أنها تؤثر في إنزيمات معروفة بالسيرتوينات sirtuins، فشلت لاحقا في إطالة المدى الأقصى للعمر في الفئران التي تقدم لها حمية طبيعية. ولكن فجأة أشرقت من جديد جوانب الصورة المحبطة وذلك عندما أُعلنت نتائج الراپاميسين في منتصف عام 2009. إذ أصدرت ثلاثة مختبرات تقريرا مشتركا يقول إن الراپاميسين، المعروف حينئذ كمثبط للنمو الخلوي، أطال المدى الأقصى للعمر بنحو 12% في فئران خضعت لثلاث تجارب متوازية ممولة من المعهد القومي للشيخوخة(3). وأكثر من ذلك ولدهشة علماء الشيخوخة, أطال العقار معدل البقاء للفئران المسنة بمقدار الثلث والتي كان يعتقد أنها متضررة بفعل كبر السن لدرجة تمنعها من الاستجابة. إن اجتياز الراپاميسين عقبة مدى العمر عند الثدييات لفت الانتباه إلى آلية عمرها بليون سنة يبدو أنها تنظم الشيخوخة في الفئران وعدد من الحيوانات الأخرى، وقد تقوم بذلك في الإنسان أيضا. والمحرك الرئيسي لهذه الآلية هو بروتين يسمى TOR (اختـصــارا لـ Target of Rapamycin أي هـــدف الراپاميسين) وكذلك الجين الذي يعمل كمخطَّط لهذا البروتين. حاليا، يخضع البروتين TOR لتمحيص شديد في كل من علم الشيخوخة والطب التطبيقي، وذلك بسبب العدد المتنامي من الدراسات على الحيوان والإنسان والتي تشير إلى أن تثبيط نشاط النسخة الخاصة بالثدييات من هذا البروتين (ويرمز لها بـِ mTOR) في الخلايا قد يقلل من خطر الأمراض الرئيسية المرتبطة بالعمر بما فيها السرطان والألزهايمر وباركنسون وتنكّس عضلة القلب والسكري من النمط 2 وهشاشة العظام والضمور الشبكي (التنكّس البقعي) macular degeneration. ضمنيا, يدل التنوع المدهش للفوائد المحتملة على أنه لو أمكن إيجاد أدوية قادرة على استهداف البروتين mTOR بأمان ودقة لأمكن استخدامها في إبطاء عملية الشيخوخة في البشر مثلما يفعل الراپاميسين في الفئران وأنواع أخرى - إنها إمكانية ذات مغزى عميق للطب الوقائي. (لسوء الحظ فإن للراپاميسين آثارا جانبية تمنع غالبا اختبار قدرته على إبطاء الشيخوخة في البشر.) وهناك توقعات مشابهة لعقاقير تؤثر في جزيئات أخرى، خصوصا السيرتوينات(4). فما هو الشيء المختلف في البروتين mTOR؟ إن اكتشاف قيام عقار ما بإطالة المدى الأقصى للعمر بشكل مقنع في حيوان ثديي من خلال التأثير في الجزيء، يعني أن البروتين mTOR يؤدي دورا مركزيا في الشيخوخة في الثدييات، وأن الباحثين الآن أقرب من أي وقت مضى لفهم عملية الشيخوخة. يقول فلوركي> [المختص بعلم الشيخوخة بمختبر جاكسون في بارهاربر، والمؤلف المشارك في دراسة الراپاميسين في الفئران]: «إنه [البروتين TOR] بالتأكيد يبدو كما لو كان اللعبة الأكبر في المدينة الآن وسيظل كذلك على الأرجح للعقد القادم.» قصة البروتين TOR(**) بدأ البحث الذي قاد إلى اكتشاف تأثير البروتين TOR في الشيخوخة يتشكل عندما سلّمت بعثة <سكورني> عيناتها من التربة إلى ما كان حينئذ مختبرات آيرست Ayerst في مونتريال. وقد كان باحثو الأدوية يعثرون على مضادات حيوية في حفنات من التربة منذ الأربعينات من القرن الماضي، ولذلك قام الباحثون في معامل آيرست بفحص العينات بحثا عن مضادات الميكروبات(5).
[نقطة تحول] صناعة فئران فائقة(***) في عام 2009 أظهرت ثلاث تجارب متوازية على الفئران أن عقارا يسمى الراپاميسين أطال المدى الأقصى لعمر الحيوانات بنسبة إضافية من 9% إلى 14% (يعرّف المدى الأقصى للعمر بأنه متوسط عمر العشرة في المئة من الأفراد الأطول عمرا من النوع). وكانت هي المرة الأولى التي يزيد فيها دواء، بشكل مقنع، الحد الأقصى لطول العمر في حيوان ثدييّ. ولّد هذا الانجاز أملاَ جديدا، بأنه يوما ما، يمكن لدواء بسيط أن يؤخر الشيخوخة ويحمي صحة البشر في المراحل المتقدمة من العمر، إلا أن الآثار الجانبية للراپاميسين ستحول - على الأرجح - دون أن يكون هو هذا العقار.
| وفي عام 1972 عزلوا مثبطا للفطر(6) أطلقوا عليه اسم راپاميسين، ذلك لأن جزيرة إيستر معروفة محليا باسم راپا نوي Rapa Nui. وفي البدء، أملت مختبرات آيرست باستخدامه لمعالجة عدوى الخميرة yeast infection. ولكن العلماء الذين كانوا يستكشفون خصائصه في دراسات مزرعة الخلايا وفي الأجهزة المناعية لدى الحيوانات وجدوا أنه يعوق تكاثر الخلايا المناعية، وعوضا عن ذلك يشجع نموها فيمنع الرفض المناعي للأعضاء المزروعة. وفي عام 1999 حصل الراپاميسين على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للاستخدام في المرضى الذين خضعوا لزرع كلى. وفي الثمانينات من القرن العشرين عَلِمَ الباحثون أيضا أن العقار يثبط نمو الأورام، ومنذ عام 2007 صُرِّح باستخدام مشتقين من هذا العقار - تيمسيروليميوس temsirolimus من شركة فايزر Pfizer، وإيڤيروليموس everolimus من شركة نوڤارتس Novartis - لعلاج أنواع مختلفة من السرطان. وقد جد علماء الحياة أن قابلية الراپاميسين لكبح تكاثر الخلايا في كل من الخميرة والبشر خاصية مثيرة للفضول بشدة، فالمركب يثبط أعمال جين منظم للنمو ومحفوظ عبر بليون سنة من التطور تفصل بين الخميرة والبشر. (تنمو الخلايا ويزيد حجمها عندما تتهيأ للانقسام والتكاثر). وفي عام 1991 حدد هال> وزملاؤه [من جامعة بازل في سويسرا] الهدف العتيق باكتشافهم أن الراپاميسين يثبط تأثير جينين يحكمان النمو في الخميرة، وقاموا بتسميتهما الجين TOR1 والجين TOR2. وبعد ثلاث سنوات تمكّن عدد من الباحثين من بينهم [من جامعة هارڤارد] وكذلك [الذي يعمل الآن في معهد وايتهد للأبحاث البيوكيميائية في كِمبردج بولاية ماساتشوستسّ] كلاًّ على حدة من عزل الجين TOR في الثدييات. ومن المعروف الآن أن العديد من الأنواع، من بينها الديدان والحشرات والنباتات، تمتلك جينات TOR التي تحكم نمو الخلية. وخلال التسعينات من القرن الماضي عرف الباحثون الكثير جدا عن أدوار هذا الجين في الخلية وفي الجسم ككل، واتضح في النهاية تأثير العديد من هذه الأدوار في الشيخوخة. فوجد الباحثون أن هذا الجين بالذات يكوّد(7) إنزيما، أو بروتينا محفِّزا(8)، الذي يتحد في السيتوبلازم مع عدة بروتينات أخرى لتكوين مركب يسمى TORC1، الذي يشرف على عدد كبير من الأنشطة المرتبطة بنمو الخلايا. ويؤثر الراپاميسين بشكل رئيسي في المركب TORC1. وهناك مركب ثان مفهوم بدرجة أقل ويسمى TORC2 يشتمل أيضا على الإنزيم TOR.
[آلية] قصة البروتين TOR: جزيء جيكل وهايد(****) يطيل الرپاميسين عمر الخميرة بتثبيط بروتين يسمّى بالبروتين TOR، كذلك يبطئ تقييد الكالوريات الشيخوخة وذلك جزئيا بسبب تأثيره في البروتين TOR. وتشير الأبحاث حول كيفية عمل البروتين في الخلايا وحول السبب في أن تثبيطه يبطئ الشيخوخة إلى أن البروتين TOR ذو خواص ملائكية وشيطانية في آن واحد. فهو جزيء حساس بالمغذيات ضروري للنمو والتطور في بداية الحياة (اليسار القريب). إلا أن نشاطه المستمر بعد النضج يمكن أن يضر بعمل الخلية (اليسار البعيد) ومن ثم يؤذي الأنسجة. يشتبه الدارسون بأن آثار البروتين TOR هذه في المراحل المتقدمة من العمر، تؤدي دورا في الشيخوخة في البشر وفي الأمراض المرتبطة بها. والأشكال هنا، التي تركز على البروتين TOR في الثدييات (mTOR) هي مبسطة بشكل كبير: يؤثر البروتين mTOR ويتأثر بشبكة معقدة من الجزيئات في الخلايا (الأسهم تمثل التحفيز والخطوط الأخرى تمثل التثبيط). الطيب: مركب حساس بالمغذيات ضروري في بداية العمر يحدث البروتين mTOR العديد من آثاره كجزء من مركب اسمه mTORC1. عندما يكون الطعام وفيرا (في الأعلى)، الأمر الذي يقتضي إنتاجا متزايداً من الإنسولين والبروتينات ذات الصلة (المعروفة بعوامل النمو growth factors)، يتفاعل المركب mTORC1 مع الأغذية وعوامل النمو بتنبيه تخليق مكونات خلوية (البروتينات والدهون خاصة) ومعززا النمو والانقسام الخلويين. وفي الوقت نفسه، يعطي المركب تعليماته للخلايا للامتناع عن البلعمة الذاتية autophagy، وهي عملية تحلِّل عضيّات المتقدرات mitochondria المعطوبة (مصانع الطاقة في الخلايا) والجزيئات الأخرى. عندما يندر الطعام أو الموارد الأخرى (في الأسفل) يقل نشاط المركّب mTORC1 جاعلا الخلايا تركز على حفظ الذات self-preservation عوضا عن التكاثر. وخلال ذلك، تزداد عملية البلعمة الذاتية لتقدم بشكل طارئ واردا من المواد الأولية للتصليح الخلوي ولتوليد الطاقة. الشرير: قوة مخربة في المراحل المتقدمة من العمر بعد النضج، يمكن أن يؤدي استمرار نشاط المركّب mTORC1 (في الأعلى) إلى تصنيع كميات أكثر من اللازم من البروتين وإلى تشيكل البروتينات القابلة للتكتل الضارة. كما يمكن أن يؤدي إلى تكاثر غير مرغوب فيه لبعض أنماط الخلايا (مثل خلايا العضلات الملساء التي يمكن أن تسهم في حدوث تصلب الشرايين atherosclerosis وناقضات العظم osteoclasts التي تؤدي إلى تآكل العظام). إضافة إلى ذلك، قد يؤدّي إلى تراجع في وظيفة الخلية (مثل تناقص الحساسية للإنسولين) وتعزيز شيخوختها (عندما تتوقف الخلايا عن الانقسام لكنها تنمو وتكبر بشكل غير طبيعي وتصبح سامة لجيرانها). يكبح نشاط المركب mTORC1 أيضا عملية البلعمة الذاتية، مؤديا إلى تراكم المواد المعطوبة في الخلية. تثبيط المركّب mTORC1 (في الأسفل) يؤثّر في التأثيرات المذكورة أعلاه ويعتقد أنه يبطئ الشيخوخة بهذه الطريقة. | وقد أوضحت الفرق البحثية أيضا أن البروتين TOR حساس للمغذيات. فعندما يفيض الغذاء يزيد نشاط البروتين TOR مشجعا الخلايا على زيادة إنتاجها العام من البروتين وعلى الانقسام. وعندما يندر وجود الغذاء يقل نشاط هذا البروتين وتحفظ الموارد نتيجة لنقص كل من التصنيع العام للبروتين وانقسام الخلايا. وفي الوقت نفسه، تنشط عملية تسمى البلعمة الذاتية (الالتهام الذاتي) autophagy: تقوم الخلايا بتكسير المكونات المعطوبة كالبروتينات التالفة وعضيات المتقدرات mitochondria (محطات توليد الطاقة في الخلية) المعطوبة وظيفيا، مولدة منتجات ثانوية يمكن استغلالها كوقود أو كمواد بناء. والفئران الوليدة تعتمد على البلعمة الذاتية للحصول على الطاقة قبل أن تبدأ بالرضاعة. وعندما يتوفر الغذاء من جديد، ترتد ثانية علاقة التأرجح بين البروتين والبلعمة الذاتية فيزداد نشاط البروتين TOR وتتباطأ البلعمة الذاتية. وقد اكتشف الباحثون أيضا أن مسارات الإشارة signaling pathways التي يتحكم فيها كل من البروتين TOR والإنسولين تكون مرتبطة معا، ومسارات الإشارة هذه عبارة عن سلسلة من العمليات الجزيئية التي تتحكم في أنشطة الخلية. إن الإنسولين هو الهرمون الذي يفرزه البنكرياس بعد الوجبات لينبّه العضلات وغيرها من الخلايا لامتصاص الگلوكوز من الدم لتأمين الطاقة. ولكن هذا ليس كل ما يقوم به الإنسولين، فهو عامل نمو، يساعد مع بروتينات أخرى ذات صلة على تعزيز مسار البروتين TOR، وهو سلوك يساعد على تحفيز الخلايا في الجسم ككل لتنمو وتتكاثر استجابة لتناول الطعام. وفي سمة أخرى مهمة للصحة، فإن الصلات بين مسارات البروتين TOR ومسارات الإنسولين تتضمن عروة تغذية مرتدة عكسية negative feedback loop: اِستثارة البروتين TOR تجعل الخلايا أقل حساسية لإشارات الإنسولين. وإن الإفراط المزمن في الأكل سينشط عندئذ البروتين TOR بشكل مفرط فيتزايد عدم استجابة الخلايا للإنسولين؛ ومقاومة الإنسولين هذه يمكن بدورها أن تؤدي إلى مستويات مرتفعة من السكر في الدم وداء السكري ويمكن أيضا أن تسهم في حدوث اضطرابات أخرى مرتبطة بالعمر مثل مشكلات القلب. كذلك يستجيب البروتين TOR للإجهاد الخلوي cellular stresses الناتج مما هو أكثر من نقص المغذيات، بما في ذلك المستويات المنخفضة من الأكسجين والدنا DNA التالف. وعلى العموم عندما تستشعر الخلايا بما يهدد بقاءها، يقلّ نشاط البروتين TOR. ونتيجة لذلك التباطؤ في إنتاج البروتين وتكاثر الخلية تتحرر الموارد حتى تستطيع الخلايا توجيهها نحو إصلاح الدنا والإجراءات الدفاعية الأخرى. فتشير الدراسات على ذبابة الفاكهة إلى أنه مع تقليص عمليات بناء البروتين في حالة الإنذار هذه، فإن تصنيع البروتين يتحول أيضا في اتجاه يقود إلى إنتاج انتقائي لبعض المكونات الرئيسية في المتقدرات، ربما لمساعدة الخلايا على تجديد أجهزتها المولدة للطاقة. ولا شك في أن هذه «الاستجابة المتعددة الجوانب للإجهاد» تطورت لمساعدة الخلايا على تحمّل الظروف القاسية، ولكن يمكنها أيضا أن تقوي الخلايا - بشكل غير مقصود - ضد نوائب الزمن. كشف حلقة الوصل بالشيخوخة(*****) تعود فكرة أن البروتين TOR يؤثر في الشيخوخة إلى اكتشافات في منتصف تسعينات القرن الماضي تشير إلى أن الخلايا المحرومة من الغذاء تحدّ من النمو بتقليل نشاط البروتين TOR. وكان علماء الشيخوخة قد شاهدوا شيئا مشابها من قبل: ففي عام 1935 بيّن ماكي> [اختصاصي التغذية في جامعة كورنيل] أن إخضاع جرذان يافعة لحمية غذائية قاسية – على مشارف التجويع - يجعلها تنمو ببطء ويطيل عمرها بشكل غير عادي. وقد ثبُت منذ ذلك الحين أن تقييد الكالوريات يزيد المدى الأقصى للعمر في أنواع تمتد من الخمائر إلى العناكب إلى الكلاب، ويشير دليل مبدئي إلى أن ذلك يحدث في النسانيس أيضا. فإنقاص المعدل الطبيعي لتناول الكالوريات بنحو الثلث في وقت مبكر من الحياة يزيد عموما المدى الأقصى للعمر بنحو 30 إلى 40 في المئة، وذلك على ما يبدو بتأجيل التدهور المرتبط بالشيخوخة؛ ففي الدراسات الطويلة الأمد حول تقييد الكالوريات بدت نسانيس الريسوس المسنة بحالة صحية جيدة وأكثر شبابا من المعتاد بالنسبة إلى سنها. وهذه المقاربة ليست فاعلة دوما – فهي في الواقع تقصِّر عمر بعض سلالات فئران التجارب – ولكن المزيد من الأدلة يشير إلى أن تقييد الكالوريات قد يؤدي إلى شيخوخة صحية في البشر مثلما يحدث في النسانيس. لذا فإن اكتشاف مركبات تستحضر آثار تقييد الكالوريات دون الشعور بالجوع هو الهدف الأقصى بالنسبة إلى العلماء الذين يدرسون الشيخوخة. ومع بداية القرن الواحد والعشرين عرف الباحثون ما يكفي عن البروتين TOR ليخمنوا أن تثبيط تأثيره في الخلايا يمكن أن يحاكي تقييد الكالوريات. وفي عام 2003 قاد [باحث مجريّ زائر في جامعة فريبورگ بسويسرا] دراسة عن الدودة الإسطوانية roundworm قدّمت أول برهان على أن تثبيط البروتين TOR يمكن أن يؤخر الشيخوخة: عن طريق تثبيط بناء البروتين TOR في الديدان جينيا؛ ورفع هو وزملاؤه معدل مدى عمر الديدان إلى أكثر من الضعف. وبعد عام واحد، بيّنت دراسة أجريت في معهد كاليفورنيا للتقانة، وقادها [الذي يعمل حاليا في معهد بوك Buck لأبحاث الشيخوخة في نوڤاتو بولاية كاليفورنيا] أن كبح نشاط البروتين TOR في ذبابة الفاكهة أطال أيضا معدل مدى عمرها وحماها من عواقب نظم الحمية عالية الدهون، تماما كما يفعل تقييد الكالوريات. وفي عام 2005 أكّد [الذي كان يعمل وقتها في جامعة واشنطن] مع زملائه مجددا الصلة بين البروتين TOR والشيخوخة بإظهار أن تعطيل جينات المسارات المتباينة للبروتين TOR في خلايا الخميرة أطال عمرها. وهذه الدراسات، إضافة إلى غيرها من دراسات البروتين TOR، كانت مثيرة بشكل خاص لأنها تقترح أن تثبيط البروتين TOR يحاكي ليس فقط تقييد الكالوريات ولكن أيضا جينات طافرة معروفة بإطالة العمر. وقد اكتشِف أول جين من جينات الشيخوخة gerontogenes هذه قبل نحو عقد من الزمن في الديدان الإسطوانية التي جرت مضاعفة متوسط عمرها ومداه الأقصى بواسطة طفرات، تبين لاحقا أنها تكبح إشارات الإنسولين الخاص بهذا النوع. إن الاكتشاف بأن الشيخوخة - التي اعتُقِد سابقا أنها معقدة إلى درجة مستعصية على الفهم، يمكن إبطاؤها إلى حد كبير بتعديل جين واحد - قد ساعد على جعل علم الشيخوخة موضوعا ساخنا؛ واقترح - من بين جملة أمور أخرى - أنه يمكن تأخير الشيخوخة في البشر بواسطة العقاقير. وتعزّزت هذه الفكرة باكتشاف جينات شيخوخة متنوعة في الفئران، وذلك في نهاية التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، تكبح إشارات النمو بما فيها تلك الموجهة إلى الخلايا بواسطة الإنسولين وهرمون قريب الصلة يسمى عامل النمو شبيه الإنسولين insulinlike growth factor 1. وفي عام 2003 سجل فأر حامل لهذه الطفرة رقما قياسيا لطول العمر بالنسبة إلى نوعه: قرابة خمس سنوات. فبشكل عام تعيش فئران التجارب مدة أقل من 30 شهرا. وقد تَعتقد أن الروابط بين البروتين TOR وتقييد الكالوريات وجينات الشيخوخة قد ألهمت سباقا محموما لاختبار أثر الراپاميسين في إطالة العمر في الثدييات. إلاّ أن الخبراء في شيخوخة الثدييات «لم يأخذوا الراپاميسين محمل الجد فعليا» كما يقول [عالِم الشيخوخة في معهد بارشوب لدراسات طول العمر والشيخوخة(9) بمركز جامعة تكساس للعلوم الصحية بسان انطونيو]. والسبب في ذلك أن الراپاميسين كان معروفا ككابح للمناعة immunosuppressant، لذا شاع الافتراض بأن إعطاءه لفترات طويلة سيكون ساما للثدييات. ومع ذلك فقد استنتج [زميل من زملاء <أوستاد> في معهد بارشوب وهو ذو عقلية مستقلة] خلاف ذلك بعد دراسة أبحاث البروتين TOR. ففي عام 2004 شرع في دراسة كبيرة عن مدى عمر الفئران التي أعطيت جرعات من الراپاميسين لفترات طويلة. في أول الأمر، بدت الدراسة الممولة من المعهد القومي للشيخوخة كما لو كانت تسير بشكل سيئ، إذ أخّرت مشكلةُ مزج تركيبة العقار في طعام الفئران البدء بتقديم الجرعات حتى صار عمر قوارض الدراسة 20 شهرا، (ما يعادل 60 سنة بالنسبة إلى البشر). وفي هذه المرحلة يقول <أوستاد>: «لا أحد، وأعني فعلا لا أحد، توقّع نجاح التجربة حقا». في الواقع، حتى تقييد الكالوريات لا يطيل - بدرجة موثوق بها - مدى عمر مثل هذه الحيوانات المسنة. ولكن في عام 2009 قامت ثلاثة مختبرات متخصصة في علم الشيخوخة مجتمعة بإجراء تلك الدراسة – [من معهد بارشوب]، و [من مختبر جاكسون] و [من جامعة ميتشگان، آن آربر] - وصنعوا التاريخ بنشرهم تقريرا بأن العقار قد رفع مدى العمر المتوقع life expectancy بنسبة مذهلة قدرها 28% في ذكور القوارض المسنة و38% في الإناث مقارنة بالحيوانات في مجموعة التحكم control animals. وارتفع المدى الأقصى للعمر بنسبة 14% في الإناث و9% في الذكور. وسريعا تبعت تلك النتائج المثيرة في الفئران نتائج أخرى توضّح أهمية البروتين TOR في الشيخوخة. فذكر باحثون من كلية جامعة لندن في تقرير لهم بأن تعطيل جين يسمى S6k1، الذي يُسهل تحكم الإنزيم mTOR في تصنيع البروتين – يجعل إناث الفئران مقاومة للأمراض المرتبطة بالسن ويطيل المدى الأقصى لعمرها. (ولسبب غامض أظهرت الذكور استفادة ضئيلة). كذلك ذكرت تقارير المختبرات الأمريكية الثلاثة التي اختبرت تأثير الراپاميسين في الفئران لأول مرة، أن البدء بإعطاء جرعات لقوارض بعمر تسعة أشهر أطال عمرها بنحو المقدار نفسه الذي أطاله البدء بإعطاء هذه الجرعات عند عمر 20 شهرا، مما يقترح بأن الراپاميسين يصبح ذا فائدة بالدرجة الأولى بعد منتصف العمر، ربما لأنها المرحلة التي يحدث فيها معظم التدهور الذي يقاومه العقار. إن حقيقة أن تثبيط البروتين TOR يطيل أعمار عدة أنواع من الأحياء تبرز الآن كمنارة في غموض المعلومات الجزيئية الذي يحيط بالشيخوخة. إلا أن هذه الأهمية لا تعني، على الرغم من ذلك، أن السبل الأخرى غير مهمة لطول العمر. ففي الواقع، يتزايد تصوير علماء الشيخوخة للمسارات التي يؤثر فيها تقييد الكالوريات كما لو كانت تنتمي إلى شبكة متعددة الجوانب ومعقدة يمكن أن تحرَّض بطرق عديدة لتعزيز شيخوخة صحية. وتتضمن مكونات الشبكة الإنزيمات المرتبطة بالإنسولين وبروتينات تسمى FoxOs التي تنشِّط استجابة الخلايا للعوامل المجهِدة. كما يشير دليل مهم إلى أن السيرتوينات تساعد على توليد فوائد مثل فوائد تقييد الكالوريات في الثدييات؛ وفي بعض الأحيان قد تسهم في تثبيط البروتين TOR. وعند هذه النقطة، يبدو وكأن البروتين TOR هو أشبه ما يكون بوحدة المعالجة المركزية في الشبكة، فيدمج مدخلات مختلفة لضبط معدّل التقدم في العمر، على الأقل في العديد من الأنواع وربما في البشر أيضا. لغز يُحل(******) في محاولة للوصول إلى فهم أفضل للكيفية التي يطيل بها تثبيط البروتين TOR وتقييد الكالوريات مدى العمر في مثل ذلك العدد من الأنواع، وجد الباحثون أنفسهم أمام لغز قديم: لماذا تتطور أي آلية لتأخير الشيخوخة؟ حيّر الموضوع علماء الحياة المتخصصين في التطور، لأن الانتقاء الطبيعي natural selection يعمل على تعزيز تكاثر ناجح، وليس ليمكِّن المتعضيات (الكائنات الحية) organisms من الاستمرار لوقت إضافي بلعبة الحياة والبقاء مفعمة بالحياة في أعمار يكون أفراد نوعها في العادة قد أُبيدوا بفعل الحيوانات المفترسة أو العدوى أوالحوادث أو ما شابه. وبسبب مثل هذه العوامل الخارجية التي تعرض البقاء للخطر، جهّز التطور - بشكل فعال - المخلوقات لكي تحيا مدة كافية للتكاثر قبل أن تفعل البيئة فعلها بها؛ ومع تناقص احتمالات استمرار بقائها، فإنها تتدهور كالمنازل المهجورة. إلا أن تقييد الكالوريات يؤخر التدهور الناجم عن المراحل الأخيرة من العمر في أنواع متباينة جدا، مما يشير ضمنيا إلى أنه يحفِّز آلية قديمة - وما تزال محفوظة - شكَّلها الانتقاء الطبيعي لتبطئ الشيخوخة في بعض الظروف. ويذهب أحد حلول هذا اللغز الذي كثيرا ما يشار إليه، إلى أن تقييد الكالوريات ينبِّه استجابة تطورية للجوع تكبح تقدّم المتعضي في العمر خلال فترات القحط ليتمكن من البقاء وقتا كافيا للتكاثر عندما تتحسن الأحوال. أما النقاد من أمثال <أوستاد> [من معهد بارشوب]، فيردون بأنه ليس هناك دليل على أن النظم الغذائية المنخفضة الكالوريات تجعل الحيوانات في البرية تعيش أطول، فقد لوحظ أن تقييد الكالوريات يطيل مدى العمر فقط في حيوانات التجارب المدللة. أما حيوانات البرية النحيفة بالفعل والمنهكة بفعل الجوع فقد تكون لديها فرصة ضئيلة في البقاء مدة طويلة كافية للاستفادة من الجينات التي تبطئ الشيخوخة، وللتمكن من نقل هذه الجينات، مما سيؤدي إلى تطور استجابة الجوع. ويعتقد بعض علماء الشيخوخة بحل آخر للمعضلة قد يكون أكثر منطقية: إن تقييد الكالوريات يطيل العمر كتأثير جانبي جانبي لاستجابات تطورت لأغراض لا علاقة لها بالشيخوخة. فمثلا يقدم <أوستاد> فرضية تقول إنه في فترات القحط تتشعب الحيوانات وتأكل أطعمة غير مألوفة، فتُعرض نفسها لمواد سامة غير موجودة في غذائها التقليدي. هذا «البحث الشاق عن القوت» hard foraging قد يُطور ميلا إلى تحفيز الدفاعات الداخلية ضد السموم عندما يشتد الجوع، فتنشَّط الاستجابة الخلوية للإجهاد cellular stress response ولعمليات الإصلاح المصاحبة لها، وبذلك ودونما قصد تتأخر الشيخوخة. منذ سنوات قليلة، استغلّ [الباحث في السرطان بمعهد روزويل پارك للسرطان في ولاية نيويورك] الاكتشافات حول البروتين TOR ليقترح نظرية أخرى تشرح التأثير السحري لتقييد الكالوريات والذي يبدو كما لو كان قد نتج مصادفة. هذا المواطن الروسي، الذي تنوعت أبحاثه في السرطان وبيولوجيا الخلية، استوحى نظريته من فكرة غير تقليدية: إن القدرة على النمو، التي تبدو الجوهر الأساسي للشباب، هي التي تقودنا نحو القبر في المرحلة الأخيرة من الحياة. فيفترض <بلاگوسكلوني> أن تقييد الكالوريات يطيل العمر بالتحكم في التأثيرات العكسية للمراحل المتقدمة من العمر على مسارات النمو، ومن أهم هذه المسارات البروتين TOR. وتقول نظرية <بلاگوسكلوني> إن البروتين TOR، الضروري للنمو والتكاثر، يصبح هو محرك الشيخوخة بعد الوصول إلى النضج. وتحرض إشارات النمو الصادرة عنه تكاثر خلايا العضلات الملساء في جدران الشرايين (خطوة أساسية في تصلب الشرايين atherosclerosis)، وتراكم الدهون (الذي يساعد على تحفيز الالتهابات في الجسم ككل)، وتطور المقاومة للإنسولين insulin resistance، وتكاثر الخلايا المسماة بناقضات العظم osteoclasts التي تنخر العظام، ونمو الأورام. إضافة إلى ذلك، ومع تراجع البلعمة الذاتية، يدعم البروتين TOR بناء البروتينات القابلة للتكتل aggregation-prone proteins وعضيات المتقدرات المعطوبة وظيفيا، والتي تنفث جذورا حرة free radicals تتلف الدنا DNA وتضر بعمليات الأيض المنتجة للطاقة في الخلايا. كما يسهم أيضا في تراكم البروتينات المقاومة لضمور العصبونات، وهي عملية تؤدي دورا في داء ألزهايمر وفي أشكال أخرى من تنكّس الأعصاب. وبيّن <بلاگوسكلوني> أنه في أواخر العمر تستطيع إشارات البروتين TOR قدح هرم الخلية أيضا، وهي حالة تشبه ليلة الميت الحي night of the living dead، حيث تدمّر فيها الخلايا القريبة وتقوض قدرة الأنسجة على التجدد. ويجادل <بلاگوسكلوني> بأن كل هذا يدلّ على أن التطور لم ينشئ آلية تهدف إلى إبطاء الشيخوخة. بل إن تأثيرت إطالة الحياة للراپاميسين، أو بسبب تقييد الكالوريات، أو بفعل الطفرات الجينية التي تثبّط الهرمونات المحفزّة للنمو progrowth hormones، هي مجرد مصادفات من صدف الطبيعة - التي تؤثر فيما أطلق عليه «النمو الملتوي»(10) للتقدم في السن، وتجعله يقوم بعمله ببطء أكثر من المعتاد. وفي الواقع، يعمل مسار البروتين TOR إلى حد كبير كبرنامج للشيخوخة حتى وإن كان قد تشكّل لدعم عمليات النمو في المراحل المبكرة. ومع أن نظرية <بلاگوسكلوني> جديدة، إلا أن أحد العناصر الرئيسية الملهمة كانت فرضية رصينة اقترِحت عام 1957 من قبل الراحل ويليامز> [اختصاصي علم الحياة التطوري]. فقد وضع فرضية تقول إن الشيخوخة تحدث بفعل جينات ذات وجهين تكون مفيدة في بداية الحياة ولكن ضارة فيما بعد. وقد رجّح التطور مثل هذه الجينات (متعددة المظهر والعدائية) لأن - وكما يقول <ويليامز> - الانتقاء الطبيعي «يتحيز لصالح الصبا ضد الشيخوخة في كل مرة ينشأ فيها صراع مصالح». وينظر <بلاگوسكلوني> للبروتين TOR كمثال جوهري على مثل هذه الجينات. وكمثل العديد من النظريات الجديدة، فإن نظرية <بلاگوسكلوني> نظرية خلافية. إذ يرى بعض العلماء أنها تمنح البروتين TOR وزنا أكبر مما ينبغي، في حين يعتقد آخرون أن وجوها أخرى للبروتين TOR - مختلفة عن تحفيز النمو - هي الوجوه الجوهرية؛ فعلى سبيل المثال ينظر البعض إلى أن تثبيط البروتين TOR لعملية البلعمة الذاتية - التي تجدد مكونات الخلايا - على أنه التأثير الرئيس في عملية الشيخوخة. ولكن مازال بعض خبراء البروتين TOR يعتقدون أن النظرية معقولة، ويرجِع <هال> [من بازل] الفضل إلى <بلاگوسكلوني> «لأنه ربط بين نقاط لا يراها الآخرون»، وأضاف: «وأنا أميل إلى الاعتقاد بأنه محق.» البروتين TOR ومستقبل الطب(*******) إذا كان البروتين TOR دافعا رئيسيا للشيخوخة، فما هي خيارات نزع أنيابه؟ قد تمنع الآثار الجانبية للراپاميسين ترشيحه كعقار مضاد للشيخوخة في البشر، فبالإضافة إلى أمور أخرى، قد يرفع نسبة الكوليسترول في الدم ويسبب فقر الدم ويعوق التئام الجروح. قد يكون عقار آخر هو الميتفورمين metformin البديل، مع الحاجة إلى مزيد من الاختبارات لتقييم هذه الفكرة. فالميتفورمين هو أكثر الأدوية الموصوفة لعلاج داء السكري شيوعا – يتناوله الملايين لخفض گلوكوز الدم بأمان ولفترات طويلة. إلا أن آلية تأثيره غير مفهومة بشكل جيد، ولكن من المعروف أنه يثبط مسار البروتين TOR وينشط إنزيما آخر مرتبطا بالشيخوخة يسمى AMPK، والذي يحفز كذلك تقييد الكالوريات فيعزز بذلك رد فعل الخلايا للإجهاد. وقد تبين أيضا أن الميتفورمين يحاكي تأثير تقييد الكالوريات في مستويات نشاط الجين في الفئران، وتشير بعض الدلائل إلى أنه يمكن أن يطيل المدى الأقصى للعمر في القوارض. ومازلنا نبعد سنوات عن معرفة ما إذا كان بإمكان الميتفورمين أن يحاكي تقييد الكالوريات في البشر، ولكن تجرى حاليا اختبارات صارمة حول قابليته لإطالة مدى العمر في الفئران. إن تعزيز إطالة عمر الإنسان بقدر يتناسب مع تأثير الراپاميسين في مدى عمر الفئران يمكن أن يضيف من 5 إلى 10 سنوات في المتوسط إلى عمر الإنسان. وسيكون هذا تحسنا هائلا. وفي الحقيقة، ارتفع مدى العمر المتوقع في البلاد المتقدمة كثيرا خلال القرن الماضي، وعندما يتصل الأمر بموضوع الشيخوخة نكون مثل الرياضيين الأولمبيين الذين يحاولون باستمرار تحسين أرقامهم القياسية بمكاسب صغيرة – لقد ارتفع معدل مدى الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 50% خلال القرن العشرين، وارتفع خلال العقد الماضي بما هو أقل بقليل من 2%. وبما أننا خفّضنا معدل الوفيات المبكرة إلى أقل حد ممكن تقريبا، فإن الزيادة في معدل الحياة المتوقعة ستتطلب - عند هذه النقطة - صد أمراض الشيخوخة. والتزايد المطّرد في تكاليف طب الشيخوخة يشير إلى أن هذا طلب باهظ الثمن. ولكن العقاقير التي تبطىء الشيخوخة قد تتدبر الأمر بنفقات معقولة. وفي الحقيقة، ستعمل كأدوية وقائية يمكنها أن تؤجل أو تؤخر أمراض المراحل المتقدمة من أعمارنا - مثل فقدان الذاكرة وهشاشة العظام وعتامة عدسة العين والسرطان وفقدان كتلة العضلات وقوتها والصمم وحتى التجاعيد – مثل الأدوية التي تخفض الكوليسترول وضغط الدم التي تساعدنا الآن على مقاومة الذبحات القلبية التي تحدث في منتصف العمر. وسوف تضمن لنا هذه الأدوية الفترة التي نكون فيها ما نزال مفعمين بالحياة قبل أن نضعف ونموت. إلا أن تطوير مثل هذه العقاقير لن يكون سهلا. وأحد العوائق هو عدم وجود طريقة موثوقة لقياس معدل الشيخوخة في البشر، فوجود مقياس جيد سيمكّن الباحثين من اختبار الفعالية دونما حاجة إلى إجراء تجارب طويلة يتعذر القيام بها. إلاّ أن إيجاد أدوية آمنة مضادة للشيخوخة يستحق بذل كل جهد، حتى ولو لمجرد تعزيز شيخوخة صحية بصرف النظر عن إطالة العمر. فمن كان يظنّ أن قارورة تحوي زِبلا dirt غُرفت قبل خمسة عقود تقريبا قد يغدو يوما تربة خصبة لأبحاث يمكن أن تؤدي إلى مزيد من سنوات حياة جيدة؟ المؤلف
| David Stipp
| <ستيپ> كاتب في العلوم من مدينة بوسطن، تركز اهتمامه على علم الشيخوخة gerontology منذ أواخر تسعينات القرن الماضي. صدر كتابه حول هذا الموضوع «عقار الشباب: علماء على مشارف ثورة ضد الشيخوخة» The Youth Pill: Scientists at the Brink of an Anti-Aging Revolution في عام 2010. وهو «يدوِّن» حول علم الشيخوخة على الموقع الإلكتروني www.davidstipp.com. | | مراجع للاستزادة TOR Signaling in Growth and Metabolism. Stephan Wullschleger et al. in Cell, Vol. 124, No. 3, pages 471-484; February 10, 2006. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/16469695 Growth and Aging: A Common Molecular Mechanism. Mikhail V. Blagosklonny and Michael N. Hall in Aging, Vol. 1, No. 4, pages 357-362; April 20, 2009. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20157523 Rapamycin Fed Late in Life Extends Lifespan in Genetically Heterogeneous Mice. David E. Harrison et al. in Nature, Vol. 460, pages 392-395; July 16, 2009. Aging and TOR: interwoven in the Fabric of Life. Zelton Dave Sharp in Cellular and Molecular Life Sciences, Vol. 68, No. 4, pages 587-597; Febmary 2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20960025 (*)A NEW PATH TO LONGEVITY (**)TOR’S STORY (***)The Making of Supermice (****)TOR Story: A Jekyll and Hyde Molecule (*****)FINDING THE AGING LINK (******)AN ENIGMA UNRAVELS (*******)TOR AND MEDICINE’S FUTURE
(1) Easter Island (2) rapamycin (3) the National Institute on Aging (4) the sirtuins (5) antimicrobials (6) fungal inhibitor (7) encode (8) catalytic protein (9) Barshop Institute for Longevity and Aging Studies (10) twisted growth | |
|
الثلاثاء مايو 28, 2013 4:07 am من طرف سميح القاسم