الموقع : في قلب كل الاحبةتعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايشتاريخ التسجيل : 09/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25
17082012
نظرية الأوتار الفائقة
نظرية الأوتار الفائقة
أمضى ألبرت أينشتين عقداه الأخيران من الزمن محاولاً حل لغز كبير كان يؤرقه، وهو نظرية واحدة قوية تقوم بوصف كل مل يجري في الكون، وحتى أيامه الأخيرة كان اينشتين يمسك بمفكرة صغيرة يحاول فيها حل ذلك اللغز الكبير الذي شغله حوالي عشرين عام من حياته لأنه كان مقتنعا أنه على وشك حل أكبر الألغاز في تاريخ العلم. لكن الوقت لم يسعفه ومات قبل أن يحقق ذلك، والآن وبعد مضي أكثر من نصف قرن على ذلك، فإن العلماء يعتقدون أنهم يمسكون بحل ذلك اللغز الكبير، معادلة واحدة، نظرية واحدة تصف كل ما يجري في هذا الكون، نظرية تدعى نظرية الأوتار (string
theory) أو نظرية الأوتار الفائقة (superstring
theory) وإن اتضح أن هذه النظرية صحيحة فإن مفاهيمنا الاعتيادية عن الكون ووجودنا ستلقى صدمة كبيرة جداً.
تقول نظرية الخيوط الفائقة أننا نعيش في كون يلتقي فيه الخيال العلمي مع الحقيقة، كون يتألف من أحد عشر بعداً (لا أربعة أبعاد فقط)، وأكوان موازية لكوننا أقرب إلينا مما نتخيل، كون منظم يتألف تماما من (موسيقى) الأوتار، وبكل ما تقدمه تلك النظرية من آفاق، فإن الفكرة الأساسية للنظرية بسيطة بشكل مذهل، النظرية تقول أن ما هو موجود في هذا الكون من أصغر جزيء وحتى أكبر مجرة يتكون من عنصر واحد تماماً، خيوط مهتزة متحركة صغيرة جدا من الطاقة ندعوها أوتاراً. وكما أن وتر الكمان يستطيع أن يعطي تشكيلة كبيرة من العلامات الموسيقية بحسب درجة اهتزازه فإن الأوتار الفائقة التي نتحدث عنها تهتز بأشكال مختلفة معطية كل أشكال مكونات الطبيعة التي نعرفها.
بعبارة أخرى فإن الكون عبارة عن سيمفونية كونية عظيمة متمثلة بكل تلك النغمات التي تستطيع أوتار الطاقة إصدارها. لا تزال هذه النظرية في مرحلتها (الجنينية) إن صح التعبير، لكنها تكشف لنا صورة جديدة بشكل جذري عن الكون، صورة غريبة جدا وجميلة أيضاً.
ما هو مفهوم التوحيد الكوني . . . وما سبب الاعتقاد به؟
(Unification)
التوحيد هو صياغة قانون وحيد يصف كل ما في هذا الكون بواسطة فكرة واحدة، أو معادلة واحدة رئيسة، يعتقد العلماء أن هذه التوحيد موجود لأن فهمنا للكون أعطانا مجموعة من التفسيرات العديدة والتي تشير إلى الاتجاه نفسه، تقود إلى طريق واحد، إلى فكرة وحيدة لازلنا نبحث عنها يقول ستيفن وينبيرغ (التوحيد هو ما نسعى لتحقيقه، لأن هدف الفيزياء الأساسي هو أن نصف المزيد والمزيد من ظواهر الكون بطرق ومبادئ أبسط وأبسط)، أما مايكل غرين فيقول (إن قدرتنا على وصف الظواهر الهائلة العدد بشكل واحد بسيط هو خطوة خطيرة جدا في مفاهيمنا عن الكون ووجوده)
البداية... نيوتن
قبل أن يسعى أينشتين لهذا الهدف، فإن الرحلة نحوه بدأت مع أشهر الحوادث الفيزيائية في تاريخ العلم في يوم ما عام 1665 عندما كان هناك شاب يجلس تحت شجرة ورأى تفاحة تسقط من الشجرة. ومع سقوط التفاحة فإن اسحق نيوتن غير نظرتنا إلى الكون بشكل جذري عن السابق، وبكلمات العلم في ذلك الوقت فقد قال نيوتن أن القوتان الأولى التي جذبت التفاحة إلى الأرض والثانية التي تبقي القمر يدور حول الأرض هما في الواقع قوة واحدة، لقد وحّد نيوتن تلك القوتين في نظرية واحدة دعاها (الجاذبية) (كان توحيد القوى التي تعمل على الأرض والقوى التي تعمل في السماء "الكون والكواكب" توحيداً رائعا لنظرتنا إلى الكون) ورغم أن قانون نيوتن في الجاذبية عمره ثلاثمائة سنة فإن معادلاته دقيقة لدرجة نستخدمها للحصول على توقعات دقيقة جدا حتى في أيامنا هذه، في الواقع فإن العلماء لم يحتاجوا لأكثر من ذلك القانون لإطلاق الصواريخ الفضائية مثلاً وإنزال الإنسان على القمر.
لكن كانت هناك مشكلة.. فرغم أن قوانين نيوتن قامت بوصف ممتاز لقوى الجاذبية فإن نيوتن كان يعاني من مشكلة محرجة، فهو لم يملك أي فكرة عن كيفية عمل الجاذبية حقيقة وطوال المائتان وخمسون عاما فإن العلماء أشاحوا بوجههم عن ذلك السر كلما واجهوه.
النظرية النسبية
إلى أن أتى ألبرت أينشتين ليغير كل تلك
المفاهيم، فإلى جانب عمله كان دائما يبحث في سلوك الضوء ولم يعرف حينها أن أسئلته عن الضوء ستقوده لحل مشكلة نيوتن عن كيفية عمل الجاذبية، ففي عامه الـ 26 قام اينشتين باكتشاف مذهل، وهو أن سرعة الضوء هي حد السرعة الأقصى، سرعة لا يمكن لأي شيء في هذا الكون أن يتجاوزها، وبعد نشره لتلك الفكرة وجد أينشتين نفسه في مواجهة مع مشكلة نيوتن تماما في عدم فهم ماهية الجاذبية.
لشرح تلك المشكلة سنتخيل أن الشمس فجأة اختفت من مكانها . . . إن نتائج هذه الاختفاء من وجهة نظر نيوتن تعني أن الكواكب ستخرج عن مساراتها فور اختفاء الشمس لتسير في الكون متحررة من جاذبية الشمس، أو بعبارة أخرى فإن نيوتن اعتقد أن الجاذبية هي قوة تأثيرها فوري مهما اختلفت المسافة، لذا فسنشعر بشكل فوري باختفاء الشمس وجاذبيتها وستتأثر الكواكب بذلك بشكل فوري.
لكن أينشتين وجد مشكلة كبيرة في تلك النظرة ظهرت من فهمه للضوء، فهو يعرف أن الضوء لا ينتقل بشكل فوري بل يملك سرعة وهو بذلك يحتاج زمنا ليقطع مسافة معينة، في الواقع فإن الضوء يحتاج لثمان دقائق ليقطع الـ 93 مليون ميل من الشمس ويصل إلينا، وطالما أنه وجد أن لا شيء يمكن أن يكون أسرع من الضوء، فكيف لاختفاء الشمس أن يحرر الأرض قبل أن تصل الظلمة إلى الأرض بسبب اختفاء الشمس مثلا؟ بالنسبة لأينشتين فإن أي شيء في هذا الكون لا يمكن أن يسافر أسرع من الضوء، وهذا يعني أن فكرة نيوتن عن قوة الجاذبية كانت خطأ.
فإن كان نيوتن مخطئاً فكيف تبقى الكواكب في
مساراتها؟ كيف كانت حساباته صحيحة ودقيقة عن مسارات الكواكب؟ كان على أينشتين أن يحل تلك المشكلة، وبعد عشر سنوات تقريبا من جهده وجد الجواب في نوع جديد من التوحيد (unification) في نظرية النسبية العامة.
قال أينشتاين أن الأبعاد الثلاثة المكانية للكون والبعد الرابع (الزمن) مرتبطة ببعضها بنسيج كوني زماني-مكاني (أو يطلق عليه زمكان) وبفهمه للهندسة المكانية الزمانية للنسيج الكوني فقد استطاع أن يتحدث عن حركة الأشياء في ذلك النسيج. ومثل سطح الترامبولين المطاطي (الذي يقفز عليه البهلوان) فإن هذا النسيج الكوني يمكن لفه وتمدده وتقعره إذا وضعنا فيه أجساما ثقيلة كالكواكب والنجوم.. وهذا التغيير في النسيج الكوني وانحناءه يخلق ما نشعر بأنه جاذبية.
لشرح هذه الفكرة بشكل أكبر سنتخيل سطحا من المطاط كالذي يقفز عليه البهلواني. إن وضعنا كرة ثقيلة في وسطه فسوف يتقعر مشكلا إنحناءاً... وأي جسم سيسير قريبا من الكرة سيحني مساره وفقا لانحناء ذلك السطح.
مثال آخر.. في حلبات سباق السيارات وعند المنعطفات يكون الطريق مائلاً منحنياً لكن السائق يرى نفسه عمودي على ذلك الطريق. ونحن نقع في نفس الإحساس فالنسيج الكوني المنحني بسبب وجود الشمس يفرض على الأرض أن تسير وفق ذلك الميلان فتبدو أنها مشدودة للشمس بقوة الجاذبية. فكوكب الأرض لا يدور حول الشمس لأنها تطلق قوة لتمسك به. بل ببساطة لأنه يسير في منحنيات النسيج الكوني الذي تسببه الشمس.
ومع هذا الفهم الجديد فإن إعادة تجربة اختفاء الشمس ستعطي نتائج مختلفة.. لأن الأرض لن تفلت من مسار الشمس فور اختفاء الشمس، بل سيصل تأثير اختفاء الشمس إلينا بشكل موجة بعد ثمان دقائق على الأقل من اختفائها (قام أينشتين بحساب سرعة موجة النسيج الكوني ووجد أنها بسرعة الضوء تماماً، أطلق أينشتين على هذه الصورة الجديدة للجاذبية اسم النسبية العامة (relativity General)
ورغم ذلك الإنجاز الضخم فإن أينشتين لم يكن راضيا عن عمله بعد. فقد حاول جاهدا توحيد الشكل الجديد الذي أتى به عن الجاذبية مع القوة الأخرى الوحيدة المعروفة في ذلك الوقت وهي القوة الكهرمغنطيسية (
electromagnetism) هذه القوة الكهرومغناطيسية التي هي أصلا توحيد لما كان يعتقده العلماء قوتان مختلفتان (الكهرباء والمغناطيسية).
القوة الكهرمغنطيسية
من عدة عقود قبل أينشتين، لاحظ العالم الاسكتلندي جيمس ماكسويل أن التدفق الكهربائي يؤدي إلى نشوء قوة مغنطيسية تؤثر في المعادن، ومن خلال معادلات رياضية أربع وصل ماكسويل إلى صيغة واحدة تصف تلك القوتان كقوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية (electromagnetism) فكان كإسحاق نيوتن قد نقل العلم خطوة أقرب على طريق توحيد المعادلات التي تصف الكون، أينشتين أعجب كثيرا بالاثنين واعتبر أن ما قدمه هؤلاء العلماء خطوات مهمة جدا على طريق توحيد نظريات القوى التي تحكم الكون، وبعد خمسين عاما من نظرية ماكسويل فإن أينشتين اعتقد أنه إن استطاع أن يوحد فكرته عن الجاذبية مع فكرة ماكسويل عن الطاقة الكهرومغناطيسية فإنه سيصل إلى المعادلة الأم التي تصف كل شيء بذاتها وحدها.
مشكلة أينشتين
وعندما بدأ أينشتين بمحاولاته لتوحيد الفكرتين واجه مشكلة الفرق العظيم في شدتهما . . . فالقوة الكهرومغناطيسية أكبر بكثير من قوة الجاذبية الضعيفة . . . فنحن نستطيع تحطيم قوة الجاذبية كل يوم في حياتنا اليومية وبواسطة عضلات جسمنا مثلا (إن رفعنا أي شيء عن الأرض) لكن القوة الكهرومغناطيسية الكبيرة لا نستطيع تحديها بتلك السهولة . . . فهي التي تمنعنا مثلا من اختراق الأرض إن سقطنا من ارتفاع ما . . . فهي التي تعطي مقاومة المادة الكبيرة . . . مثال آخر... مهما حاولت أن تمشي داخل حائط فلن تستطيع أن تدخل فيه لأن القوة التي تمنعك بكل بساطة هي القوة الكهرومغناطيسية الموجودة في الشحنة السالبة على محيط الذرات التي تجمع جزيئات وذرات المادة وتربطها ببعضها بشكل متماسك.
نحن نعتقد أن الجاذبية قوة كبيرة رغم أنها أضعف قوى الطبيعة، لكن الكرة الأرضية بكل جاذبيتها عندما تجذب كرة فإن الكرة ترتد بكل بساطة بسبب القوى الكهرومغناطيسية التي تؤثر في بنية المادة بدلا من أن تغوص في الأرض، في الواقع فإن القوة الكهرومغناطيسية أقوى بمليارات المرات من قوة الجاذبية، لكننا لا نشعر بذلك لأنها تعمل على مستوى الذرات والجزيئات، وكانت تلك أصعب مهام أينشتين بسبب الاختلاف العظيم في شدة تلك القوتين.
ساءت الأمور أكثر بالنسبة لأينشتين عندما ظهرت تغييرات واكتشافات كبيرة في الفيزياء، تلك الاكتشافات على المستوى الذري تركت أينشتين عاجزا عن المضي في هدفه لأنه كان متمسكا بنظريته النسبية - والتي قدمت الكثير فعلا - وأهمل الاكتشافات والكشوف التي ظهرت في أيامه على المستوى الدقيق الذري. وفقدت أدوات أينشتين قدرتها على مجاراة تلك الاكتشافات ولم تستطع أن تساعده في توحيد القوتين (الجاذبية و الكهرومغناطيسية).
نظرية الكم (Quantum Theory)
في العشرينات من القرن الماضي قام مجموعة من العلماء بقيادة العالم (نيلز بور) بتقديم نظرة جديدة وغريبة للفيزياء، نظرة قلبت رؤية أينشتين لنظرية التوحيد رأسا على عقب، وجد هؤلاء العلماء أن الذرات ليست هي أصغر جزء في المادة . . . بل إنها تتكون من جزيئات صغيرة كالبروتونات والنيترونات ومحاطة بالإلكترونات وفي ذلك العالم الصغير من الذرة، فإن نظريتا أينشتين وماكسويل كانتا عديمتا الفائدة في شرح الطرق الغريبة التي تتصرف فيها تلك الجزيئات الصغيرة جداً.
فالجاذبية لا قيمة لها في تلك المستويات الدقيقة من الذرة والكهرومغناطيسية لم تنفع إطلاقا لشرح تلك القوى وتأثيرها في تلك الجزيئات. وبلا أي نظرية تصف ما يجري في داخل الذرة فقد ضاع العلماء وهم يبحثون هن شيء يستطيع وصف ما يجري داخل الذرة حتى آخر العشرينيات حين توصل العلماء إلى نظرية ميكانيكا الكم أو نظرية الكم (Quantum
Theory) والتي تقول بأن عملية ابتعاث (إصدار) أو امتصاص الطاقة من قبل الذرات أو الجزيئات لا تتم على نحو متواصل ولكن على مراحل، كل منها عبارة عن ابتعاث أو امتصاص مقدار من الطاقة يدعى الكم . . . كانت تلك النظرية مختلفة عن سابقاتها لدرجة غيرت نظرة العالم للكون تماماً.
كانت نظرية أينشتين النسبية توضح أن الكون منظم ويمكن توقع أحداثه لكن نيلز بور اختلف معه في ذلك، باختصار في ميكانيكا الكم فإن كل شيء محتمل ولا شيء أكيد، مثلا . . . حسابات ميكانيكا الكم تظهر فعلا أن لدي فرصة في أن أسير عبر جدار إذا دفعته، لكن احتمال ذلك صغير لدرجة أنه علي أن أحاول لمدة زمنية تعادل اللانهاية لتحقيق ذلك، وفي العالم الصغير الذري فإن تلك الاحتمالات تحدث بشكل مستمر.
أينشتين قاوم فكرة أن أفضل ما نستطيع القيام به في هذا العالم هو حساب الاحتمالات، وقال قوله الشهير (الله لا يرمي النرد)، لكن التجارب اللاحقة كلها أظهرت أن أينشتين كان مخطئا وأن نظرية الكم استطاعت بدقة مذهلة وصف العالم على المستوى الذري، وإننا لكي نفهم أي حدث وكل ما يحدث على المستوى الذري أو الجزيئي فإننا نحتاج حتما لميكانيكا الكم، ولم تظهر أي ملاحظة أو مراقبة علمية على ذلك المستوى تعارض أي توقع تقدمه حسابات ميكانيكا الكم.
قوى أخرى جديدة
في الثلاثينات وبينما كان أينشتين في مهمته الصعبة للوصول لنظرية توحيدية فإن ميكانيكا الكم كانت تكشف المزيد من أسرار الذرات وجزيئاتها، اكتشف العلماء أن الجاذبية والكهرومغناطيسية ليستا القوتان الوحيدتان اللتان تحكمان عالمنا الفيزيائي. وبمراقبتهم لبنية الذرة اكتشف العلماء قوتان إضافيتان هما:
·
القوة النووية الكبيرة: التي تعمل كالغراء القوي الذي يجمع أجزاء النواة (البروتونات والنيترونات) بشكل محكم.
·
القوة النووية الضعيفة: التي تسمح بتحول النيوترونات إلى بروتونات مسببة الإشعاعات الذرية.
وكما أن أينشتين لم يستطع تفسير الأحداث على مستوى الذرات فإن نظرية الكم أيضا لا تقترب من قوة الجاذبية على مستوى الذرات، أو بكلمات أخرى فإن الجاذبية التي قدمها أينشتين تعمل بشكل ممتاز على مستوى الأجسام الكبيرة والكواكب بينما تفشل في المستوى الذري . . . بنفس الوقت فإن نظرية الكم هي نظرية على المستوى الذري لكن لا قيمة لها في الأحداث التي تجري على الأجرام والأجسام الكبيرة.
كان لا بد من نظرية تجمع الطرفين لأن الأجسام الكبيرة مكونة من المادة ذاتها المكونة منها الذرات، والكون بأكمله مبني من الجزيئات نفسها. فلا بد من قانون واحد يجمعهما، ببساطة لم يستطع أحد أن يجمع النسبية العامة وميكانيكا الكم في نظرية واحدة وفشلت كل المحاولات لوصف الجاذبية بلغة ميكانيكا الكم لعقود وعقود وأصيب معظم العلماء بالإحباط الشديد بسبب ذلك، فالقاعدة الذهبية للعلماء أن قوانين الطبيعة الصحيحة يجب أن تطبق في كل مكان وعلى كل ما هو موجود في الطبيعة. وهذا ما كان مستحيلاً بين النسبية ونظرية الكم.
بقي الطرفان (النسبية و نظرية الكم) يعملان بشكل منفصل بعد موت أينشتين . . . وحققا نتائج مذهلة في فهم الكون . . . لكن المشكلة أن هناك ظواهر كونية لا يمكن دراستها بإحدى النظريتان بل هي بحاجة لنظرية تجمعهما كأعماق الثقوب السوداء.
الثقوب السوداء
في عام 1916 قدم فكرة الثقوب السوداء عالم فلك ألماني يدعى كارل شوارتزشيلد، وبينما كان على الجبهة في الحرب العالمية الأولى قام بحل معادلات أينشتين بطريقة جديدة وغامضة، اقترح شوارتزشيلد أن كتلة كبيرة ككتلة النجوم إذا اجتمعت وتكثفت في مكان صغير جدا فإنها ستشوه النسيج الكوني وتحنيه لدرجة لا تسمح لشيء بالهروب من جذبه ولا حتى الضوء، وبقي العلماء يعتقدون أنها مجرد نظرية إلى أن رصدت الأقمار والتلسكوبات الثقوب السوداء فعلاً وتحقق توقع شوارتزشيلد فعلاً.
وهنا تكمن المشكلة، فإذا أردنا دراسة الثقب الأسود، هل نستخدم النسبية العامة لأن الثقب الأسود ذو كتلة هائلة (وزن كبير) أم نستخدم نظرية الكم (لأن الثقب الأسود صغير جدا بالحجم)؟
كان على العلماء أن يستعينوا بكلتا النظريتين بنفس الوقت، لكن عندما نحاول وضع النظريتين في تطبيق واحد فإنهما تنهاران وتعطيان نتائج منافية للواقع وهذا مستحيل لأن الكون يجب أن يتبع قوانين فيزيائية واضحة ومحددة. هنا أيضا تبرز أهمية وجود نظرية توحد قوانين الكون الفيزيائية.
مشكلة الانفجار العظيم
(Big bang)
أحد المشاكل الكبيرة التي أوقفت العلماء عن فهم لحظة بداية الانفجار الكبير (وبالتالي ما سبق تلك اللحظة تحديدا) هو تضارب النظريات التي يعملون بها.
ففي جهة واحدة لديهم النظرية النسبية الدقيقة جدا عند استخدامها في الحسابات المتعلقة بالأجرام السماوية الكبيرة كالكواكب والنجوم، وفي الجهة الأخرى لديهم نظرية الكم التي تقدم أفضل وأدق الحسابات على المستوى الذري والجزيئي. لكن المعضلة تكمن في محاولة دمج هاتين النظريتين.
في لحظة الانفجار الكبير فإن كتلة صغيرة جدا اهتزت وانفجرت بشكل عنيف وخلال الأربعة عشر مليار عام بعد ذلك الحدث فإن الكون توسع من تلك الكتلة وتمدد وبرد . . . وتشكلت المجرات والكواكب والنجوم التي نراها اليوم، لكن إذا عدنا بالزمن إلى الوراء تدريجيا فإن الكون سيتقلص ليعود إلى ما كان عليه من حرارة وكثافة شديدتين، وليعود إلى الحجم الصغير جدا إلى أن نصل إلى نقطة بداية الزمن في الكون.
المشكلة أن قانونا الفيزياء اللذان يستخدمها العلماء سيضطرون لدمجهما (النسبية و الكم) وهما قانونان لا يتفقان ولا يعطيان نتائج صحيحة حتى هذه اللحظة، ويقف العلماء عاجزون عن فهم ما جرى في لحظة بداية الكون.
قد يتساءل أحد، ما أهمية أن يكون لدينا قانونان متعارضان في هذا الكون الكبير... ولم عليهما أن يتفقا؟ لم علينا أن نحصل على قانون واحد فقط؟ الكون بكل مكوناته يجب أن يكون وحدة متكاملة لأن العلم وبشكل مستمر يشير إلى ذلك ولو أنه لا يقوله صراحة. ونظرية الانفجار الكبير الآن قطعت مرحلتها
الافتراضية وصارت مؤكدة وهي تقول أن الكون بدأ من كتلة حارة صغيرة كثيفة جداً، نقطة واحدة.. هذه النقطة لا بد أن تخضع لقانون واحد فقط وليس لقانونين اثنين.
لماذا لا يتفق قانون الكم مع النظرية النسبية؟
الجاذبية على مستوى الأجسام الكبيرة تقوم بلف وحني الكون وتغيير شكل الفضاء تبعا لكتلة الجرم (الأرض أو الشمس أو غيرهم). لكن الشكل المنحني الواضح والحتمي والمحدد للكون على مقياس الأجرام الكبيرة ليس هو الشكل الوحيد للكون، فالكون يختلف تماما في المقاييس الصغيرة على مستوى الذرات والجزيئات ولفهم هذا الكون علينا أن نستخدم ميكانيك الكم. المشكلة أن ميكانيكا الكم عندما تقوم بوصف الكون على تلك المقاييس الدقيقة جدا فإنها تعطي صورة مختلفة تماما للكون. وكأننا نتحدث عن كونين مختلفين تماما.
عند تلك المقاييس الصغيرة في الكون فإن نظرية الكم تقول أن الكون يصبح فوضوي بشكل كبير (على عكس النظام الهادئ الواضح للمجرات والأجرام). هو عالم مضطرب بشكل كبير لدرجة أن لا معنى للمفاهيم التي نعرفها عن الزمان والمكان. فالمكان والزمان مشوهان بشكل كبير، لا يمكن معرفة إن كان هناك حدث قد حصل قبل آخر أو بعده.. فلا معنى للزمن فيه . . . لا يمكن معرفة الاتجاهات لأن لا معنى للمكان أيضاً، والزمان والمكان لأي حدث غير محدد بل محتمل فقط.
لمئات السنين اعتقد كل الفيزيائيون أن المادة في النهاية تتكون من أجزاء كروية صغيرة الحجم جدا.. ورغم الاكتشافات الحديثة نسبيا في علم الفيزياء (الذرات) و (الجزيئات) فإن الاعتقاد بقي أن تلك الجزيئات هي كرات صغيرة جدا من المادة تكون البروتونات والنيترونات (الكواركات) والضوء (الفوتونات) . . . الخ.
أتت نظرية
الأوتار الفائقة واستبدلت كرات المادة الدقيقة تلك بأوتار فكل جزئ صغير من المادة هو وتر من الطاقة يهتز بشكل معين يعطي صفات هذا الجزيء، وباختلاف الاهتزاز يختلف الجزيء، وهذه الأوتار الفائقة لم يتم حتى الآن رصد علمي اختباري لها بعد . . . وهذه مشكلة لأن أي نظرية غير مدعومة بالرصد تتحول إلى فلسفة لا علم.
تاريخ ونشأة نظرية الأوتار الفائقة
في أواخر الثمانينات وبينما كان فيزيائي شاب إيطالي يدعى (غابرييل فينيتسيانو) يبحث عن بعض المعادلات الرياضية التي تصف قوى النواة الكبيرة في الذرة وفي كتب الرياضيات القديمة التي يملكها وجد معادلة رياضية قديمة عمرها مئتا عام كتبها عالم سويسري يدعى ليونار أويل.
ذهل فينيتسيانو باكتشافه
أن تلك المعادلات التي اعتبرت لسنين عديدة مجرد فضول رياضي كانت تصف القوى الكبيرة في النواة فعلاً وقام باكتشافه الذي اشتهر به فيما بعد في وصف القوى الكبيرة التي تعمل في نواة الذرة، وكان ذلك ولادة نظرية الأوتار.
وبسبب هذا الاكتشاف وقعت تلك المعادلات في يد فيزيائي أمريكي يدعى (ليونارد سسكيند) اكتشف أن وراء الرموز الرياضية وصف لشيء أكثر من مجرد جزيئات، فالمعادلة تقدم متحولات تصف اهتزازات ووصف لخيوط، قام بدراستها أكثر ووجد أنها عمليا تصف خيوطا مهتزة مثل الخيوط المطاطية الحرة الطرفين، هذه الخيوط بالإضافة لصفاتها في التمدد والتقلص فهي تهتز بشكل دوراني أيضا حسب تلك المعادلة، المضحك أن سسكند عندما قدم بحثه للنشر تم رفضه لعدم أهميته واعتقد أن اكتشافه سيموت.
في تلك الأوقات كان العلماء مشغولين في اكتشاف الجزيئات وأنواعها الجديدة الدقيقة بالقيام بتعريضها لسرعات كبيرة و اصطدامها ببعضها لشطرها إلى جزيئات أصغر ودراسة نواتج تلك الانشطارات، كانت الاكتشافات كبيرة جدا وأنواع الجزيئات المكتشفة كبير، وقد أدى ذلك إلى استنتاجات كبيرة على مستوى الفيزياء أهمها أن قوى الطبيعة يمكن وصفها كجزيئات أيضاً.
مثلاً . . . القوة التي تنشأ بين جسمين هي عبارة عن جزيء (رسول) بينهما، وكلما انتقل بين الطرفين بمعدل أكثر كلما اقترب الجسمان من بعضهما أو بعبارة أخرى _ زادت القوة بينهما، أي أن تبادل الجزيئات هو ما يخلق ما نشعر أنه طاقة، وتم فعلاً تأكيد تلك النظريات باكتشاف الجزيئات المسئولة عن القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية (المسئولة عن تماسك النواة في الذرة) والضعيفة (المسئولة عن النشاط الإشعاعي الذري).
شعر العلماء أنهم اقتربوا من تحقيق حلم توحيد القوى الذي بدأه أينشتين، لأن تلك الجزيئات المسؤولة عن القوى الثلاث:
القوة الكهرومغناطيسية ،
القوى النووية القوية (المسئولة عن تماسك النواة في الذرة)
القوى النووية الضعيفة (المسئولة عن النشاط الإشعاعي الذري)) تبدأ بالتشابه في الخصائص في حال تطبيق حالة الانفجار الكبير أي أنها تنصهر في حرارة وكثافة الكون الشديد عند الانفجار لتصبح نوعا واحدا من القوى ودعي ذلك الشكل من الفهم بـ
الشكل القياسي للقوى (standard module) العالم ستيفن وينبيرغ.
لكن خلف ذلك النجاح برزت مشكلة كبيرة . . . فذلك الشكل القياسي للقوى استطاع أن يصف ثلاث فقط من القوى الرئيسية في الفيزياء مهملا القوة الرابعة (الجاذبية) لأنها كانت تعمل على مستوى مختلف عن العالم الدقيق للذرات.
في أواخر السبعينات كان العلماء المتبنون لنظرية الأوتار قليلون يعانون من مشاكل كبيرة في النظرية . . . فتلك
النظرية مثلا تنبأت بوجود جزيئات عديمة الكتلة تستطيع أن تنطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء (وهذا غير ممكن حسب أينشتين)، كانت أيضا تتنبأ بجزيئات بلا كتلة تماماً (غير مرئية وغير ممكن التحقق من وجودها)، كانت تحتاج لعشر أبعاد بدلا من الأبعاد الأربعة (ثلاث أبعاد للماكن وبعد زمني). كانت أيضا متضاربة النتائج الرياضية تعطي أرقاما تدل على خطأ معادلاتها.
إلى أن جاء العالم جون شوارتز الذي بدأ بوضع تعديلات للنظرية وربط النظرية مع الجاذبية وافتراض أن حجم تلك الأوتار أصغر بمائة مليار مليار مرة من الذرة وبدأت النظرية تأخذ شكلا صحيحا، والجزيء الذي لم يكن يملك كتلة كان بنظر جون شوارتز جزيء الجرافيتون (Graviton) أو الجزيء المسئول عن نقل القوة الجاذبية على مستوى نظرية الكم، وهو بذلك حل الجزء المفقود الذي قدمه ستيفن وينبيرغ في الشكل القياسي للقوى الذي كان يفتقد لوصف الجاذبية على هذا المستوى.
رغم ذلك لم يحظ البحث مرة أخرى بالاهتمام وبقيت النظرية في الظلام وبقي يعمل فيها ويؤمن بها عالمان اثنان من مجتمع العلماء الفيزيائيين هما جون شوارتز ومايكل غرين، وصل هذان العالمان في أوائل الثمانينات إلى حل المشاكل الرياضية في النظرية وبدأت النظرية تصف القوى الثلاثة الأخرى إلى جانب الجاذبية وهي القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية (المسئولة عن تماسك النواة في الذرة) والضعيفة (المسئولة عن النشاط الإشعاعي الذري)، وقاد هذا الاكتشاف المذهل العلماء إلى التهافت على النظرية بالمئات وحظيت النظرية أخيرا على الاهتمام وتم تسميتها
نظرية الكل (The Theory Of Everything).
استطاعت النظرية وصف كل مكونات الطبيعة بشكل واحد مذهل فالبروتونات والإكترونات والنيوترونات التي تتكون منها الذرات تتكون من
أجزاء أصغر هي الكواركات (quarks) تلك الكواركات التي كان يعتقد أنها مادة هي وبحسب نظرية الأوتار عبارة عن أوتار أو خيوط صغيرة جدا من الطاقة مهتزة بعدة اتجاهات وطرق، كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة، فهو كحجم شجرة بالنسبة لحجم كوكب الأرض.
وكل اهتزاز معين لتلك الأوتار يعطي الجزيء خصائص مختلفة . . . فقد يشكل الاهتزاز جزيئا مكونا لذرات المادة أو الطاقة أو الجاذبية، إلكترونات أو جزيئات ألفا أو بيتا..الخ... أي أن كل ما في هذا الكون من مادة أو طاقة أو شحنات هي في الواقع أوتار لكنها مهتزة بطرق مختلفة، والفرق الوحيد بين الجزيئات التي تعطي مادة الخشب والجزيئات التي تعطي طاقة الجاذبية هو طريقة اهتزاز تلك الأوتار فقط، كانت نظرية الأوتار الفائقة حلقة الوصل بين ميكانيكا الكم والنظرية النسبية لأنها تفسر وتلغي الفروقات بينهما بناء على طبيعة الأوتار وخصائصها، والكون الفوضوي على المستوى الذري يصبح أقل فوضوية وأقرب إلى الكون الكبير على مستوى الأجسام الكبيرة، وهو نصر كبير على مستوى الفيزياء والرياضيات والكون للعلماء بآن واحد.
نظرة إلى عالم الأوتار الفائقة
حتى تصح نظرية الأوتار الفائقة، وتحقق الخواص التي تقدمها لنا لفهمنا للمادة والجزيئات فإن هذه النظرية احتاجت إلى تطبيق فكرة أشبه بالخيال العلمي لكنها ممكنة . . . فهي بحاجة لأبعاد إضافية في الكون ولا تكفيها الأبعاد الأربع المعروفة (ثلاثة أبعاد لمكان وبعد للزمان)، وهذه أغرب وأهم نتائج تلك النظرية، نحن نتذكر أن الأبعاد الثلاث المكانية هي ما يمكننا رؤيته وما يحتاج إليه عقلنا للفهم والاستيعاب خلال حياتنا اليومية، لكن لا يوجد مانع علمي أو رياضي من وجود أبعاد أخرى لا ندركها بحواسنا المجردة، المذهل أكثر أن تلك الأبعاد أقرب إلينا مما نتصور، لكننا لا ندركها لصغر حجمها، سنذكر مثالا يوضح ذلك.
إن نظرنا لعمود من الكهرباء من مسافة بعيدة نسبيا فسيبدو لنا كخط مستقيم (له بعدين اثنين فقط) لكن كلما اقتربنا من العمود فإن بعدا ثالثا سيظهر له (السماكة)، وحتى تشكل الأوتار الفائقة تلك التشكيلة الكبيرة من الجزيئات والخصائص المختلفة لها فإن عليها أن تهتز في فضاء يملك أكثر من ثلاثة أبعاد، في الواقع فإنها تحتاج لتسع أبعاد مكانية إضافة إلى البعد الزمني والنتيجة عشر أبعاد. تلك الأبعاد الصغيرة أقرب ما يمكن تخيلها إلى سطوح متداخلة على مستوى صغير جدا كالشكل الموضح.
تنظيم النسيج الكوني
قبل أينشتين فإن العلماء كانوا يعتقدون أن الكون ثابت الشكل، لكن نظرية أينشتين النسبية تقول أن الكون عبارة عن نسيج يمكن حنيه وثنيه . . . فإذا تخيلنا أننا نسير على أرض مستوية لنقطع مسافة ما فإننا بثني تلك الأرض يمكننا الوصول إلى هدفنا بشكل أسرع . . . قدم اينشتين فكرة انحناءات الكون وتشوهات النسيج الكوني بما يعرف بـ (wormholes) أو الطرق الدودية، وهي طرق مختصرة للوصول إلى أجزاء قصوى من الكون بسرعة فائقة وزمن قصير (بشكل نظري فقط).
وعلى المستوى الذري وحسب صفات نظرية الكم فإن النسيج الكوني معرض للتمزق والتغير بشكل كبير جدا أيضاً بسبب الاختلافات الشديدة في المكان والزمان التي تسببها فوضى الجزيئات، بوجود تلك الفوضى فإن النسيج الكوني معرض للتمزق بشكل دائم، وذلك يسبب كوارث زمانية ومكانية أكبر مما نتخيل، هنا تأتي الأوتار لتنظم ذلك النسيج الفوضوي فتهتز عبر النسيج الكوني الممزق لتقوم بإصلاحه وترميمه. وهذا ما يجعل النسيج الكوني مستقر نسبيا على المستوى الدقيق. فلا يمتد التمزق للنسيج الكوني ويسبب كارثة كونية.
البعد الحادي عشر وأهميته
رغم الأهمية الكبيرة التي وصلت إليها نظرية الأوتار الفائقة فإنها كانت تعاني من مشكلة كبيرة تحديدا في أواسط الثمانينات من القرن المنصرم... لأنها لم تكن نظرية واحدة بل خمس نسخ من النظرية.. وكانت تلك مشكلة كبيرة فالعلماء في النهاية يبحثون عن نظرية واحدة تصف الكون لا خمسة نظريات، إلى أن أتى العالم إدوارد ويتن (Edward witten) وقام بجعل تلك النسخ الخمس في شكل نظرية واحدة أطلق عليها اسم نظرية إم (M_theory) لكنه اضطر لإضافة بعد جديد وصارت النظرية بأحد عشر بعداً، وحتى تقوم الأوتار الفائقة بالاهتزاز بالشكل الكافي فإنها تحتاج لأحد عشر بعداً . . . كان البعد الإضافي الذي أضافه العالم إدوارد ويتن ذو نتائج خطيرة على النظرية، فذلك البعد يسمح للوتر المهتز بالتمدد والاهتزاز بمساحة كبيرة جدا تصل إلى حجم الكون نفسه مشكلا غشاءا تمت دعوته بالـ (membrane) أو اختصاراً (brane) هذه الفكرة قادت إلى استنتاج أننا نعيش على غشاء كوني سببه اهتزاز الأوتار، وأننا نعيش في كون موجود على غشاء في كون آخر ذو أبعاد أكثر وكأننا موجودون في شريحة من كون مؤلف من عدة شرائح (أغشية) (membranes) هذا قد يعني أيضا أن تلك الأبعاد والعوالم قد تكون ملاصقة لنا وحولنا في كل مكان لكننا لا نستطيع الإحساس بها لأن جزيئاتنا لا تستطيع اختراق الغشاء الذي نعيش عليه بكل بساطة.
مشكلة النظرية في الوقت الحاضر...
النظرية ورغم سلامتها وقوتها الرياضية التي تفسر العديد من الظواهر التي احتار بها العلماء إلا أنها تملك مشكلة مهمة فهي بالإضافة لكونها تحتاج لكثير من الافتراضات... فلا يمكن التحقق من وجود الأوتار في المختبر حالياً لصغرها الشديد... وهذا يضعها في خانة فلسفية لا علمية، فالعلم مبني على الاستقراء والملاحظة والقياس، لكن هذا لا يمنع العلماء الآن من السعي للتحقق منها. وبرأي العلماء، هناك بوادر أمل، فإذا كانت الأوتار موجودة منذ بدء الكون فلا بد أنها تركت أثرا على محتويات الكون من نجوم أو كواكب، وتمدد هذا الأثر بتمدد حجم الكون وتلك فكرة يتم التقصي عنها.
وسيلة أخرى للتأكد تكمن في مختبران وحيدان في العالم للشطر الذري الأول يدعى (fermilab) في ولاية إيلونويز الأمريكية... والثاني هو مختبر (cern) في سويسرا وهو أكبر بكثير من المختبر الأمريكي لكنه قيد الإنجاز وسيدخل العمل في عام 2007). هذه المختبرات تقوم بدراسة الجزيئات عن طريق تسريع ذرات الهيدروجين بعد فصلها عن الكتروناتها إلى سرعات تقارب سرعة الضوء، ثم تسييرها باتجاهات معاكسة لتحقيق اصطدامها ومشاهدة الجزيئات التي تخرج منها. فإن استطاع العلماء مشاهدة جزئ الجاذبية (Graviton) وهو يختفي بعد الاصطدام مباشرة أو بكلمات أخرى يخرج من الغشاء (membrane) الذي نعيش فيه إلى كون آخر فذلك يعني أن توقعات نظرية الأوتار الفائقة عن الجاذبية كانت صحيحة.
ختاما
كثيرا ما عمل العلماء على نظريات انتهت بالفشل، وكثيرا ما أنفق العديد الوقت على نظريات لم تثبت صحتها تماماً، ونظرية الأوتار الفائقة ليست استثناءاً... لكن العلماء مؤمنون بأنها تقدم تفسيرات منطقية لظواهر محيرة في السابق، وهم يعتقدون أن أناقة تلك النظرية علميا ستقودهم إلى العديد من الإجابات عن هذا الكون ومن أين أتى. يقول ستيفن وينبيرغ
(لا أعتقد أن نظرية بتلك القوة الرياضية التي تملكها نظرية الأوتار الفائقة في تاريخ العلم باءت بالفشل تماما، لا بد أن تقدم هذه النظرية شيئا لمعارفنا يوما ماً. والكل هنا يعمل عليها بجد كبير