سورية والعودة الى العصر الحجري
رأي القدس
4/20/2010
باتت سورية من ناحية، و'حزب الله' من الناحية الاخرى،
الشغل الشاغل للحكومة الاسرائيلية والمسؤولين فيها، فتارة يهدد افيغدور
ليبرمان وزير الخارجية باسقاط النظام والاطاحة برئيسه وعائلته، وتارة أخرى
يرسل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء رسالة تحذير الى دمشق بانه سيعيدها الى
العصر الحجري في حال تعرضت اسرائيل لهجمات صاروخية من 'حزب الله'.
هذه
التهديدات لسورية و'حزب الله' تعكس حالة من الهلع في الاوساط الاسرائيلية
من جراء وجود ترسانة هائلة من الصواريخ من مختلف الاحجام والأوزان والأبعاد
لدى الطرفين، بعضها قادر على حمل رؤوس كيماوية وبيولوجية.
فاذا كانت
الحكومة الاسرائيلية قادرة على اعادة سورية الى العصر الحجري، فما الداعي
للحديث المتواصل واطلاق التصريحات وبعث رسائل التحذير عبر هذا الطرف او
ذاك. فهناك مثل عربي يقول 'ان الذي يريد الضرب لا يهدد' .. اي يضرب مباشرة.
وربما
يفيد التذكير بأن الولايات المتحدة استخدمت اسلوب التهديد نفسه مع العراق
عام 1990، وبالتحديد عندما اجتمع جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي مع
نظيره العراقي طارق عزيز (فك الله أسره) في جنيف، حيث ترك الاول رسالة
للثاني تحذر من تدمير العراق بالكامل واعادته الى العصر الحجري.
حكومة
جورج بوش الاول دمرت العراق فعلاً، وتعمدت قصف جسوره وبناه التحتية،
وارتكبت مجازر ضد القوات العراقية المنسحبة من الكويت، ولكن العراق لم يعد
الى العصر الحجري، واستطاعت الحكومة العراقية برئاسة الرئيس الشهيد صدام
حسين اعادة بناء اكثر من 130 جسرا جرى تدميرها، وأعادت جميع امدادات الماء
والكهرباء بعد عام واحد من الحرب رغم الحصار الخانق، وهو ما لم تفعله
حكومات 'العراق الجديد' طوال ثماني سنوات منذ توليها الحكم، فما زالت
الكهرباء مقطوعة، وامدادات المياه النقية معدومة.
العراق لم يعد الى
العصر الحجري، ولكن امريكا هي التي اهينت كرامتها، وتمرغت سمعتها في اوحال
نهري دجلة والفرات، وخسرت ما يقرب من 900 مليار دولار، واربعة آلاف جندي
قتيل، وقررت الانسحاب مع نهاية العام المقبل معترفة بهزيمتها.
لا نشك في
ان اسرائيل تملك قوة تدميرية جبارة بفعل الدعم العسكري الامريكي المتواصل
لها، وصمت العالم على برامجها النووية التي تهدد المنطقة بأسرها. ولكن
الزمن الذي كانت تستخدم فيه هذه القوة الجبارة ضد البلدان العربية ولا
يتعرض فيه عمقها لهجمات انتقامية قد ولى الى غير رجعة.
حرب صيف عام 2006
في لبنان لقنت اسرائيل درسا مؤلما، تمثل في صمود استمر اكثر من ثلاثة
وثلاثين يوما لم تتقدم فيه الدبابات الاسرائيلية مترا واحدا داخل الاراضي
اللبنانية، ومن تقدم منها تحول الى كومة من الحديد الصدئ بفضل القتال
البطولي لرجال المقاومة.
'حزب الله' اطلق اربعة آلاف صاروخ في العمق
الاسرائيلي، أدت الى نشر الرعب في صفوف المستوطنين، وهروب مليون منهم الى
الجنوب بحثا عن الأمان، وهناك اربعون الف صاروخ اخرى تنتظر الضوء الاخضر
للانطلاق لتضرب تل ابيب هذه المرة، في حال تجرؤ القيادة الاسرائيلية على
اعلان الحرب على سورية او لبنان او الاثنين معا.
سورية يمكن ان تعود الى
العصر الحجري، وستظل سورية، ولكن اسرائيل اذا عادت الى العصر الحجري لن
تبقى اسرائيل، وستكون نهايتها الى الابد. فالقنابل النووية الامريكية لم
تمح هيروشيما ونغازاكي من الخريطة، وبقيت اليابان، بل وتحولت الى قوة
اقتصادية عظمى في اقل من ثلاثين عاما.
التهديدات الاسرائيلية لم تعد
تخيف احدا، بل اصبحت تعكس حالة من الذعر في اوساط مطلقيها، وتكشف عن انهيار
نفسي في صفوفهم وخوف اكيد من المستقبل، وهو مستقبل غير وردي في جميع
الاحوال.