ملاحظة لابد منها ، اولا عندما نستعمل اداة النقد فاننا نكون بصدد فكر وهذا لاينطبق على الدين ومنه الاسلام لانه كما هو معلوم عبارة عن ترهات وهراء طفولي وساطير وخرافات انتجها عقل بدائي في ماقبل الثقافة والتنوير حيث سادت الخرافة واسطورة وبالتالي لايمكن اعتبار هذا فكر
نقد الإسلام هو الطريق إلى الحل
يتسائل كثير من
المسلمين لماذا أكثر نقد اللادينيين المكتوب بالعربية موجه للإسلام، رغم
أنه من المعروف أن اللادينيين لهم معرفة أفضل عادة بالديانات السائدة في
دولهم والتي كثيرا ما تكون ديانتهم في مرحلة سابقة من عمرهم، وبما أنه مما
يجانب الحكمة أن ينقد المرء ما لا يعرفه جيدا إذا كان هنالك من يقوم بهذا
العمل أفضل منه فإن اللادينيين العرب والناطقين بالعربية ينقدون القرآن
والحديث أكثر من الكتاب المقدس الذي يُـترَك الجزءُ الأكبر من نقده
للادينيين الغربيين حيث سبقونا بذلك منذ قرون، كذلك فإن النقد هو وسيلة
للإصلاح وإصلاح فكر الأغلبية هو أهم بالتأكيد من إصلاح فكر الأقليات التي
لا نرى منها أي خطر على المسلمين الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وهنا بيت
القصيد وهو ضرر الإسلام على المسلمين وعلى غيرهم والذي يعطي لنقده أهمية
أكبر وهذا هو موضوع المقال الذي بين أيديكم.
إن
النقد هو ضرورة لتمحيص مختلف الأفكار والمعتقدات وتطويرها وغربلتها لتجاوز
السلبيات التي تحملها كما قد يكون وسيلة لنقض تلك الأفكار التي لا تصمد
أمامه ليتضح زيفها للجميع.
وهكذا يجب أن لا يقف النقد عند أي حدود لسبب
بسيط جدا هو أن معرفة الحقيقة أو "الحق" ليست كتابا نظنه منزلا يحل
مشاكلنا في كل زمان ومكان كما يعتقد بعض الناس بل إن مقياس الحقيقة الحق
هو مدى صمود أي فكرة أو اطروحة أمام النقد، فالأفكار والاطروحات التي تصمد
سواء أكانت قد وردت في كتاب (مقدس) أو على لسان زيد أو عمرو من الناس فهي
أفكار واطروحات قوية تستحق اهتمام الناس حتى يـُثبت أحد خطأها فيتم
تجاوزها إلى غيرها.
وأكاد أجزم أنه لا يوجد إنسان عاقل يملك شيئا من
الذكاء والجرأة على التفكير الحر يسمح لنفسه أن يؤمن بفكرة أو كتاب لا
يصمدان أمام النقد، أو يرضى لنفسه أن يعيش حياته كلها مؤمنا باكذوبة حتى
لو كان الدين أو الفهم السائد للدين هو هذه الاكذوبة، وسواء أكان هذا
المرء استاذا جامعيا أو معلمة في مدرسة أو ربما إرهابيا يفجر في العراق
ويقتل أبنائه من الشيعة لاعتقاده كفرهم ليقوموا هم بدورهم بالرد على السنة
الأبرياء بعد نفاد صبرهم وعجزهم عن الوصول إلى الإرهابيين الحقيقيين، إني
لا أظن أن الأول يرغب حقا في خلط العلم بالوهم حين يلقي محاضرة في جامعته،
كما لا أظن أن تلك المعلمة تود حقا أن تستخدم الوعيد من عذاب لا وجود له
لإرعاب الأطفال في مدرستها، كذلك لا أعتقد أن لذلك الجريء في التفجير
والقتل الجبان في التفكير مشكلة شخصية مع الشيعة أو أنه ودَّ حقا أداء ما
فعل لو علم أن لا أحد سيعطيه بعد موته حوريات يطفئن عطش الكبت الجنسي الذي
يعانيه في زمن لم يعد بقدرة المسلمين فيه التسرّي بنساء أعدائهم في الدين
بعد الحروب التي يعتبرونها "جهادا في سبيل الله".
ونتيجة لذلك كله
لا أرى حقا أي سبب وجيه لتخوّف المسلمين من نقد الدين، فإما أن يثبت عند
أحدكم أيها المسلمون صمود الدين أمام النقد فتزدادون يقينا أو تكتشفون
خطأه فتتوقفون عن الإيمان بالوهم ووعيد الأطفال بالنار أو قتل الأبرياء
المخالفين لهم بالدين أو حتى المذهب، وكلها امور مستقبحة يذم فاعلها ويمدح
تاركها.
يمكن أيضا أن يحرّك نقد اللادينيين مياه الفكر الراكدة منذ
قرون في الإسلام ويساعد على جعل عامة الناس الذين يسلمون عقولهم لرجال
الدين التقليديين أكثر تقبلا لنقد المسلمين للفهم السائد لذلك الدين فينتج
له فهما جديدا يحاول أن يتجاوز نقد اللادينيين بواسطة إعادة قراءة
المسلمين للاسلام لتصييره دينا أكثر عدلا وتسامحا مع الآخر المخالف كما
يفعل كثير من المثقفين والمفكرين المسلمين اليوم أذكر منهم نصر حامد أبو
زيد و أحمد صبحي منصور و محمد شحرور و خالد منتصر و جمال البنا على سبيل
المثال لا الحصر.
ولأن الاسلام السائد يتدخل في كل صغيرة وكبيرة
ولكون المسلمين هم وحدهم في العالم لا زالوا يخشون فصل الدين عن الدولة
فإن نقد الإسلام والقراءة التقليدية لهذا الدين يكتسب أهمية خاصة ويعتبر
حقا مشروعا لكل من يؤيد فصل الدين عن الدولة إذ إن دخول الدين في الدولة
يعني ضمنا دخول الدين في الدعاية الانتخابية للاسلاميين سواء قصدوا ذلك أو
لم يقصدوا وبالتالي كان من حق اللادينيين إدخال نقد الدين في الدعاية
الانتخابية للعلمانيين حتى لو كانوا مؤمنين بالدين.
إن الإسلام
التقليدي مسؤول إلى حد كبير عن القتل والتهجير الذي حصل لأبناء وطني
العراق في السنوات الماضية، وأظن أنه كان على المسلمين عموما وعلى
العراقيين خصوصا أن يتعلموا من الأخطاء التي وقع فيها غيرهم فإن الحروب
الدينية التي جرت في اوربا(1) في القرن السادس عشر قد ولدت احترام الحرية
الفردية والتسامح بين الناس والدعوة للتخلص من فكرة "الحق الالهي للملك"
واستبدالها بفكرة "العقد الاجتماعي" والذي يكتسب شرعيته من رضا الناس
بالحكم كما افترض الفلاسفة الانكليز مثل توماس هوبز وجون لوك (2) والفرنسي
جان جاك روسو والألماني إيمانويل كانط (3).
وليس من الغريب أن يؤدي
رفض فصل الدين عن الدولة والاعتقاد بوجوب الحكم بما "أنزل الله" إلى
الصراع بين الفرق التي يعتقد كل منها تمثيلها ما يدعى بـ"الاسلام الصحيح"
دون أن يتسائل أتباعها إن كانوا يستطيعون أن يؤكدوا فعلا أحقية تمثيلهم
للإسلام الذي لا نعرف أصلا مدى التحريف الذي وقع في نصوص أحاديث نبيه وآل
بيته التي رُويت ثم دوّنت تلك الروايات عبر القرون.
وحين يحاول
العلماني إقناع المسلمين بفصل الدين عن الدولة فغالبا ما يواجهه المسلم
بجدار الدين نفسه، فيبدأ العلماني محاولته لاقناع المسلم دون جدوى بعدم
تعارضه مع فصل الإسلام عن الدولة، وللأمانة فإني شخصيا لم أستطع الإعتقاد
أيام إسلامي ولا بعد تركي للاسلام بإمكانية مثل هذا الفصل، والحل الوحيد
برأيي هو نقد الإسلام لتبيين مدى عجز النصوص القرآنية والحديثية أمام
النقد لكي يتشجع المسلمون على إعادة النظر جذريا في تقييمهم لمدى أهمية
تلك النصوص الدينية ولما يمكن أن تعطيه لهم حقا في القرن الحادي والعشرين.
وقد
نبه الدكتور محمد أركون أن الفيلسوف الفرنسي غوستون باشلار "كان يتحدث عن
ضرورة تدمير المعرفة الخاطئة أو تفكيكها قبل تأسيس المعرفة الصحيحة"(4).
ورغم
أن مشروع أركون يتحدث عن "نقد العقل الاسلامي" كما يسميه وليس نقد دين
الاسلام فإن فكرة التخلص من المعرفة الخاطئة قبل محاولة الاصلاح هي ما أود
لفت النظر إليه هنا حيث أرى ضرورة النقد بكل درجاته ابتداءً بنقد الدين
ذاته وتحدي مزاعم مصدره الإلهي وانتهاءً بنقد المسلمين للقراءة السائدة
وإصلاح ما يمكن دون الخروج عن حدود النصوص الاسلامية التي تعتبر متواترة
مرورا بمقترحات إصلاح الفكر الاسلامي التي تنحى منحى وسطيا في النقد لكي
يتوفر للشباب المسلم طيفا عريضا من الآراء يوسّع افق رؤيتهم للدين ويمنحهم
حرية أكبر في الاختيار من بين الاطروحات البديلة عن الاسلام بقرائته
التقليدية التي تحمل من العدوانية وجمود الفكر الشيء الكثير.
أدناه بعض الأمثلة التي أراها تجعل مِن نقد الاسلام أمرا لا غنى عنه:
1- إشكالية الولاء لأبناء الدين والمذهب والبراء من أبناء الوطن المخالفين في العقيدة الدينية.
المفهوم
الحديث لكلمة "الوطن" لا أصل له في اللغة التي نزل بها القرآن، وقد استقر
الدين الاسلامي على أن العلاقة بين أبناء البلد الواحد ليست علاقة تكافؤ
بل إن على أهل الكتاب أن "يعطوا الجزية وهم صاغرون" أما غيرهم فاختلف
الفقهاء هل يجب قتلهم أم يجوز أخذ الجزية منهم!
ولما كان الاسلام
التقليدي قد أقر حكم الردة، واختلف الناس في الاسلام إلى مذاهب فليس غريبا
أن يتقاتلوا فيما بينهم بسبب صراعات علي مع عائشة ومعاوية وما تلاها من
صراع الأبناء على الملك لأن هؤلاء لا يزالون يعيشون في القرون الوسطى ولا
يعنيهم العالم الحديث في شيء سوى أن أجسادهم قابعة فيه!
لكن الاسلاميين
المعاصرين حاولوا إيجاد أي نص إسلامي يشير إلى ضرورة ولاء المسلم لوطنه
فلم يجدوا إلا حديث "حب الوطن من الإيمان" وهو موضوع لا أصل له باتفاق
المحدّثين.
ثم التفتوا يمينا وشمالا فقالوا صحيح إن القرآن والسنة لم
يذكرا الوطن لكن لفظ "الديار" في القرآن يشير إلى الوطن حيث جعل القرآن
الإخراج من الديار سببا للقتال، كما ذكروا أن محمدا قد قال عن مكة "لولا
أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" لكن كل ذلك لا علاقة له بمفهوم الوطن الحديث
حيث يغيب العنصر الأساس وهو الإنسان "المواطن" فالوطن ليس أرضا تحبها فحسب
بل أناسا تربطك بهم المصالح المشتركة والمصير المشترك وتتساوى معهم أمام
القانون في وطنك وتدافع عنهم في المهجر حيث تغيب أرض الوطن، والإسلام لم
يعرف شيئا من ذلك بل إن محمدا قد حارب أهل وطنه "مكة" في سبيل الإسلام كما
إنه لم يحب أرض مكة لأنها وطنه بل لأنها "أحب أرض الله إلى الله" حسب
الحديث!.
2- إشكالية الحدود الهمجية.
كم من مسلم لا يجرؤا
على ذبح دجاجة تراه يؤيد رجم الزاني المحصن وقتل المرتد لأن رجال الدين قد
أخبروه أن نبيه قد أوجب ذلك؟! كم منهم يود حقا أن يُجلد انسان على الملأ؟!
أليس هذا الشاب أو تلك الشابة مرغمين على ذلك الاعتقاد لأنهم لم يجرؤوا
على تغيير آرائهم التي فرضها عليهم أهلوهم أو مجتمعهم قسرا؟ ألا يحتاجون
إلى المساعدة للخروج من تلك الهمجية التي سادت مرحلة سابقة من التأريخ؟
أليس من حق هؤلاء الشباب أن يكونوا أبناء زمانهم وأن يعيشوا تحت ظل قوانين
رحيمة تسعى إلى معاقبة المسيء لغيره فقط وبأساليب تهدف إلى الإصلاح لا
الانتقام ولا التدخل في حياة الإنسان وعلاقاته الشخصية!
حقيقة لا أرى أنه من الممكن أن يصلح حال هؤلاء الشباب دون أن يسمعوا الرأي الآخر الناقد للدين صراحة!
3- إشكالية رفض حرية الفكر والتعبير وجمود الفكر ومنع كهنوت الاسلام للاصلاح الديني.
ما
يحصل اليوم من مزاعم الاعجاز العلمي يجعل كثيرا من شبابنا لا يدري ما هو
العلم وما هو الدين ولا يفرّق بين الحقيقة و الإيمان ولا يعرف تغيّر معنى
المصطلح عبر العصور ولا يدرك أن النظرية العلمية تثبت وتقوى كلما ازدادت
أدلتها وصدق تنبؤاتها وليس كلما اقتربت أو ابتعدت عن القرآن والسنة.
وحين
يود أحد تغيير هذا الوضع يجد محاربة من الاسلاميين أعداء الفكر، ولا تقتصر
هذه المحاربة على اللادينيين بل تمتد إلى المفكرين والمثقفين المسلمين مما
يعيق الإصلاح من داخل الدين أيضا، فبالإضافة إلى القواعد الفقهية التي
يفرضها الفقهاء وتقريرهم للأدلة الشرعية حسب رأيهم وإيجاب الأخذ بالسنة،
فإنهم يفرضون آرائهم على المفكرين بواسطة ما يدعى "الاجماع" الذي يمكن
اعتباره كهنوت الاسلام التقليدي فهو في الواقع يمنع مخالفة اتفاق جماعة
منهم في أي عصر من العصور بعد وفاة نبي الاسلام إذا اجتمعوا على حكم شرعي
كما يرى جمهورهم مستدلين بقراءات متعسفة لبعض النصوص القرآنية مثل "ومن
يشاقق الله والرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
نوله ما تولى ونصله جهنم" أو قوله "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" أو بخبر ظني
الثبوت نصه "لا تجتمع أمتي على خطأ" وفي رواية "على معصية" رغم أن دلالة
الحديث لا تعني أن الحكم الذي يجمع عليه الفقهاء وحدهم هو الصحيح بل إن
الحكم الذي يُتـَّفق عليه ليس خطأ لا أن كل ما سواه خطأ كما إن الاجتماع
لا يخص فقهاء الدين وحدهم حسب نصوص القرآن والحديث بل بـ "المؤمنين" أو
"الامّة" عامة لكنهم خصّصوا ذلك الحق لأنفسهم تشريفا لها وامتهانا للعوام
من الناس وضمانا لانقيادهم للفقهاء رغم زعمهم عدم وجود رجال دين في
الإسلام!.
أما قول القرآن "وما أرسلنا مِن قبلك إلا رجالا نوحي إليهم
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فقد عنى سؤال أهل مكة لأهل الكتاب
عن الأنبياء السابقين ليخبروهم أكانوا رجالا أم ملائكة وهو سؤال عن أمر
محسوس لا سبيل لهم إليه دونه وليس أمرأ معقولا أو اجتهاديا كما استخدمه
الفقهاء بدعوى أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" وهي قاعدة اخترعوها
ليطبقوا النصوص الدينية المتناهية القديمة على قدر أكبر من الوقائع
الجديدة عوضا عن الإعتراف بعدم وجود نص ديني يصلح للحكم في تلك الوقائع
الكثيرة المستجدة في الحياة حيث لا يعترفون بذلك عادة إلا أن يحكموا
باختراع آخر لهم هو القياس الفقهي.
هذه مجرد أمثلة قليلة من أضرار الايمان بالإسلام التقليدي.
ببساطة أظن أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة غير مجدية دون نقد الإسلام.