وردة مرحبا بك
عدد الرسائل : 72
الموقع : حضن الحبيــب تاريخ التسجيل : 09/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | ردا على نقاد نظرية التطور | |
ردا على نقاد نظرية التطورالجزء الاول كتب هذا الموضوع عالم مصري في البيولوجيا، مدرس في جامعة من جامعات مصر، امتنع عن نشر اسمه.. وفضل استخدام الرمز (كائن عديد الخلايا) ...اتفقت معه على تعديل الموضوع ليصبح بشكل مقالة بدلا من نقاش.
((دعونا نأمل أن السيد دارون مخطئ في وجود حلقة وصل بين البشر والقردة. ولكن إذا كان مصيبا، دعونا نأمل ألا يغدو ذلك معروفا للجميع. )) سيدة من العصر الفيكتوري
مقدمة الحديث عن التطور بوجه عام والداروينية بوجه خاص ذو شجون، فيبدو أنهما حالتان استثنائيتان في تاريخ العلم كله. قد لا تجد نظرية أو حقيقة علمية واحدة تم قبولها بدون ظهور معارضات وانتقادات لها، وهذا أمر طبيعي وظاهرة صحية كذلك. لكنك – في الجهة المقابلة – لن تجد مثل هذا الكم من الانتقادات الموجهة لأي نظرية كما هي الموجهة لنظرية التطور!! ويبدو أن انتقاد التطور هو اللعبة المسلية لأي كان، فمهما كانت درجة جهل نقاد التطور فإن هذا لا يثنيهم عن التصريح بمنتهى الوقار والثقة أن التطور نظرية فاشلة والداروينية فكرة عقيمة!! وفي معظم الأحوال تجد أن قراءة سريعة لمثل هذه "الانتقادات" لا تظهر لك إلا جهل أصحابها ليس فقط بنظرية التطور بقضها وقضيضها، بل بأبسط مبادئ وأساسيات علم الحياة (Biology). ناهيك عن أسس التفكير العلمي والاستدلال المنطقي!!، لتقف في حيرة من أمرك، ما المفترض أن تفعله والحال هكذا؟! وهذا كان يؤدي بي في معظم الأحوال للزهد في المشاركة في الحديث عن التطور، رافعاً شعار "دعهم يمرحون ولا تفسد عليهم متعتهم. أو بتعبير أحد الأصدقاء (من الأفضل السكوت في مجتمع يحرم الكلام و يستحب الثرثرة).
قد تجد من يسأل أو يستفسر عن ميكانيكا الكم أو النسبية العامة أو الخاصة ولا يورط نفسه في معارضة نظريات بهذا الثـقل نتيجة جهله بهم، لكنك في المقابل قلما تجد من يسأل عن التطور!! فالجهل بالتطور ليس دافعاً للسؤال بل للانضمام لصفوف نقاد التطور!! ويبدو أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا هي البساطة الظاهرية لفكرة التطور التي تجعل كل شخص "يظن" أنه يفهمها. والفكرة بالفعل – بشكل أو بآخر – تحمل قدر من البساطة (سنعود لهذه النقطة لاحقاً)، إلا أننا يجب ألا ننزلق في هذا المُنزلق كثيراً، فجحر الأرنب أعمق بكثير مما يبدو للوهلة الأولى، وعلينا دائماً أن نتذكر أن هذه الفكرة الموصوفة بالبساطة لم يستطع أن يكتشفها مفكرون بثقل نيوتن وجاليلو وديكارت وليبنتز وهيوم وأرسطو وظلت تقبع في الظلام حتى اكتشفها علماء الأحياء في العصر الفيكتوري. وحتى يومنا هذا، تبدو فكرة التطور مستعصية على الفهم في الثقافة الشعبية. لدينا حالة من الجهل واسع الانتشار بشأن حقيقة التطور، إضافة إلى التفكير المبني على التمني لا على الحقيقة والواقع – كنموذج صاحبتنا تلك من العصر الفيكتوري التي كانت تتمنى ألا يعرف أحد بما اكتشفه دارون في حالة صحته!! عندما تجمع هذا إلى ذاك، (الجهل و الموقف المسبق) تدرك مدى حساسية الموقف وأسباب حيرتي.
إن طريقة صياغة المقالة تتوقف على القارئ الموجهة له، هناك من لديه خلفية جيدة عن التطور واقتناع تام به، ومن ثمّ فهو ليس بحاجة لقراءة مقالة تدعم التطور. وعلى طرف النقيض هناك من "قرر" مسبقاً أن التطور نظرية غير سليمة، وليس لديه استعداد لقراءة فكرة مخالفة لمعتقده، ناهيك عن الاقتناع بها، وهنا أيضاً لا داعي لإنفاق الوقت فيما لا طائل منه. بين طرفي النقيض هناك من يمتلك حد أدنى من المعرفة العلمية تؤهله لتناول الموضوع ولكنه – لسبب أو لآخر – لا يقتنع بكون التطور أحد حقائق علم الحياة وحجر الذاوية به، وهذا هو المعني بمقالتي هذه. ولذا لا أجدني مضطرا لشرح ما هي نظرية التطور، نظراً لأني أخاطب شخص يعرفها تمام المعرفة (أفترض هذا جدلاً)، بل ولديه كذلك ما يعتبره "نقداً" لها. وسأكتفي في مقالتي الحالية بتفنيد بعض الأخطاء الشائعة في تناول التطور، بالإضافة لتوضيح بعض الأفكار التي أراها جوهرية فيما يخص التطور والداروينية، وسأرجئ التفاصيل العلمية المتخصصة إلى مقال آخر. فبالنسبة لي التطور ليس محل اتهام حتى أدافع عنه، (ومن لديه رأي آخر يسمعني ما عنده وسيأتيه الرد) أنا لا أزعم أن الأفكار والمعلومات التي سأقدمها ستكون جديدة، فالدوريات العلمية والمجلات المتخصصة بتبسيط العلوم لم تترك شيء خارج مجال التغطية. فقط سأحاول – قدر الإمكان – تقديم مجموعة من المعطيات والمعلومات تبدو لي على قدر من الأهمية لجعل القارئ أكثر تفهماً للتطور العضوي والداروينية. أي أن الغرض الأساسي لكل ما سأكتبه، هو دعوة كل قارئ ليخلق في نفسه، إن لم يكن حيزاً من الفهم والوضوح، فعلى الأقل حيزاً يكون فيه الجهل محصوراً، ومناطق العتمة محدودة. كما أدعوكم – وأدعو نفسي كذلك – للتفكير ملياً في الأسئلة المطروحة في هذا المقال قبل البحث عن إجابات لها، فيبدو أننا كثيراً ما نتوهم امتلاكنا إجابات ثم يثبت الزمن عدم فهمنا للأسئلة بعد. لا أجد شيء أنهي به مقدمتي الطويلة هذه، أفضل من تساؤل ألبير جاكار: " ما الذي تعنيه الإجابات عندما لا نكون قد استوعبنا فعلاً معنى الأسئلة؟! "
الشيء الوحيد "الثابت" في الكون بأثره منذ أن تشكل كوننا الواسع هذا قبل ما يقرب من 15 مليون عام(1) نتيجة الانفجار الكبير وهو يتغير بلا هوادة. في الدقائق الأولى للانفجار تكونت البروتونات والنيترونات والالكترونات والفوتونات وبدأت في الدخول في علاقات مختلفة وتكوين تشاركات جديدة، ليظهر الهيدروجين والهليوم. ومع توسع الكون وتكون الأفران الذرية العملاقة (النجوم) بدأت ذرات الكربون في الظهور ثم الأكسجين والسيلكون وباقي المعادن. ويستمر تجمع اللبنات الأولى للكون في تشاركات جديدة حتى تتكون تجمعات على درجة من التعقيد بحيث يصبح ثباتها غير مضمون، مثل اليورانيم، وتبدأ العملية العكسية في الحدوث، أي تفرق هذه اللبنات بعد أن تجمعت!! منذ نشأة الكون حتى وقتنا الحالي وهذا هو حال مكوناته الأولية، وسواء كانت العملية الجارية تجمع (تفاعلات اندماجية) أو تفرق (تفاعلات انشطارية) إلا أن المحصلة هي "التغير" الدائم. والنجوم بدورها ليست أشياء ثابتة، فبعد بضعة مليارات من السنوات على ميلاد النجم ستنتهي حياته سواء بانفجار مفاجئ، إذا كان حجمه كبير بما فيه الكفاية (مستعر أعظم supernova(. أو سينطفئ بالتدريج إذا كان صغير الحجم (قزم أبيض white dwarf) (شمسنا الصغيرة ينتظرها هذا المصير بعد مليارات قليلة من السنوات). وفي كلتا الحالتين سيلقي بأحشائه إلى الفضاء الواسع لتدخل في تفاعلات أخرى تنتج نجوم جديدة أو كواكب (حسب درجة حرارتها ... الخ) أو يندمج الغبار الناتج مع نجم قريب أو يؤثر نتيجة مروره بالقرب من كوكب ... الخ. تفاعلات واندماجات وانفجارات وإنشطارات، ... كواكب تولد وأخرى تموت، أنواع جديدة من الذرات تُخلق في باطن النجوم ثم تندمج وتتفاعل مع بعضها البعض ثم تتحلل لتعاود الكرهّ مرات ومرات. عالم صاخب إلى أقصى حد ومتغير إلى درجة مدهشة، بحيث يسوغ لنا القول أن الشيء الوحيد الثابت في هذا الكون هو أن "كل شيء متغير".
بالرغم من أن التغير هو القاعدة الثابتة في هذا الكون، إلا أن انطباعاتنا عن الكون تختلف تماماً. فمعظم الأشياء (أن لم تكن كلها) تبدو لنا ثابتة بطريقة رتيبة للغاية. الشمس تشرق كل يوم وتبدو بنفس المظهر كما هي منذ سنوات بدون أدنى تغير، وكذلك النجوم، وقس على هذا جميع الكواكب والأجرام السماوية. إلا أن انطباعاتنا هذه مضلله للغاية، فشمسنا الجميلة تحرق يومياً ملايين الأطنان من وقودها الذري وتحوله إلى طاقة تتشتت في الفراغ، ولا نلاحظ هذا بسبب حجمها المهول (بالنسبة لأحجمنا) وبعدها الشاسع عنا. وبالرغم من أن تغييرها اللحظي غير ملاحظ بالنسبة لنا إلا أنه من الخطورة والعظم بمكان بحيث سيتسبب في غضون مليارات قليلة من السنوات (وهي فترة زمنية قصيرة في عمر الكون) في اختفائها تماماً، وتحولها لشيء (أو أشياء) آخر لا يشبه ما نسميه اليوم "شمس" بحال. وما ينطبق على الشمس ينطبق على النجوم أيضاً، بل أن بعضها غير موجود الآن بالرغم من رؤيتنا لهُ!! ولن نعرف حالتها الفعلية الآن إلا بعد سنوات طويلة تتناسب طردياً مع المسافة بيننا وبينها. الكائنات الحية بدورها تخضع لهذا القانون الكوني .... "التغير"، بالرغم من أنها تستطيع "التحايل" عليه قليلاً ولكن تجاوزه مستحيل. فبالرغم من أن الكائن الحي (بغض النظر عن طريقة تكاثره) يستطيع إنتاج "شبيه" له، إلا أنه لا يستطيع أنتاج فرد آخر يتطابق معه، ومهما كانت درجة التشابه سيكون هناك اختلافات بينهما وفي كل جيل ينتج سيكون هناك مزيد من الاختلافات. وبالرغم من أن هذه الاختلافات تحدث بصورة عشوائية إلا أن استمرارها في التواجد ليس عشوائي بالمرة. تُرى ما تأثير تراكم هذه الاختلافات مع مرور الزمن؟
ما أودّ التأكيد عليه هنا هو بعض الأفكار البسيطة: 1- كل ما في الكون "يتغير" بلا أدنى استثناء. 2- مهما كان حجم التغير ضخم فأن هذا لا يعني أننا نستطيع إدراكه باستخدام حواسنا فقط دون الاعتماد على التحليلات العلمية الرصينة وباستخدام أجهزة القياس المختلفة.
التطور، تغير وليس ارتقاء من الأهمية بمكان التأكيد على أن التطور لا يعني بحال من الأحوال الارتقاء أو التغير نحو الأحسن أو الأفضل. فهذه إحدى المعلومات الغير سليمة واسعة الانتشار، فسؤال من قبيل: هل البنزين أفضل أم المازوت؟ ليس له أي معنى إلا بعد الإجابة عن سؤال آخر: هل المحرك ديزل أم لا؟ فالعلاقة بين المحرك والوقود هي التي تحدد الأفضلية، والوضع كذلك بالنسبة للكائنات الحية، فالكائنات الموجودة حالياً ليست "أرقى" من سابقتها بالضرورة، فقط هي الأكثر ملائمة للظروف التي وجدت فيها. المثال الشهير لفراشة البتيولاريا ( Biston betularia) يوضح هذا الأمر بجلاء، فكل من اللون الأسود والأبيض يمكن اعتباره أفضل من الآخر ولكن في بيئات مختلفة. للأسف الشديد نحن أعتدنا على عزل مختلف العوامل التي تؤثر في أمر ما ثم نُطلق حكما على كل عامل على حده، متناسين تماماً أن هذه العوامل تعمل مجتمعه.
"الإنسان أرقى الكائنات" .... "الإنسان حيوان مفكر" .... "الإنسان حيوان ناطق" .... "الإنسان حيوان ضاحك" .... "الإنسان كائن مُبدع" .... أعتدنا على سماع عبارات كثيرة بهذا المعنى. وهي لا تستند على حقيقة موضوعية بقدر استنادها إلى تحيزنا (المُبرر بالطبع) إلى جنسنا البشري، ببساطة نحن نبحث عما يميزنا. الأمر أشبه بشعار "كن فخور بصناعة بلدك"، فإذا كنت فرنسي فيجب عليك أن تعتبر السيارة البيجو هي الأفضل وتشتريها إما إذا كنت ألماني فستشتري السيارة المرسيديس بلا تردد، إذا كنت موضوعي فستنظر للأمر نظرة مختلفة تماماً. قبل اختيار السيارة "الأفضل" يجب عليك أولاً وضع قواعد التقييم بدون تحيز، أي لا يكفي أن تنتمي لبلد تنتج سيارات ذات شكل انسيابي لتعتبر أن هذا هو أهم الشروط الواجب أخذها في الاعتبار!! هناك كفاءة عمل المحرك ومستوى الآمان في السيارة وكفاءة استهلاك الوقود .... الخ، وكل شرط له أهميته النسبية التي تتوقف على الهدف من التقييم نفسه. على سبيل المثال، نحن لا نقول "الفيل حيوان بخرطوم" بل نكتفي بالقول أن الفيل حيوان، بالرغم من أن الـخرطوم شيء مميز للغاية بالنسبة للفيل فهو من الدقة بحيث يمكنه من التقاط ورقة شجر ومن القوة بحيث تمكنه من اقتلاع شجره بأكملها!! وبالمثل نحن لا نلقي بالاً إلى قدرة الكلب على الشم، أو قدرة الخفاش على تحديد مواضع الأشياء باستخدام الصدى، أو قدرة الفهد على الجري بسرعة تتجاوز الـ 120 كيلومتر في الساعة!! فقط نحن نـُقيم الكائنات بناء على مقدرتها العقلية، لا لشيء إلا لأننا نتفوق في هذا المجال، ثم نخلص إلى أننا "أرقى الكائنات"!!!! في حين أن التقييم بناء على القدرة على الجري مثلاً سيظهر أننا كائنات بدائية للغاية فأقصى سرعة يمكننا أن نجري بها هي 36 كيلومتر في الساعة وأين هذا من سرعة الفهد أو النمر التي تتخطى الـ 100 كيلومتر في الساعة!! ولو قمنا بالتقييم بناء على امتلاك الخرطوم لأصبحنا محل سخرية أفيال العالم أجمع، فأين خرطوم الفيل ذو القدرات المدهشة من هذه الأنف البدائية التي نمتلكها، والتي لا تقوى على فعل أي شيء بالمرة باستثناء سماحها بمرور الهواء وتنقيته من بعض الشوائب!! باختصار نحن نختار نظام التقييم الذي يثبت تفوقنا ثم نستنتج تفوقنا!! وبعد أن نتوصل – بمنتهى النرجسية واللاموضوعية – إلى أننا "أرقى" الكائنات الحية جميعاً، نبدأ في النظر إلى باقي الكائنات نظرة تصنيفية بناء على مدى تشابههم أو اختلافهم عنا، لنعتبر الكائن الأكثر مشابهة لنا هو الكائن الأكثر رقياً من غيره!! في الواقع لا يوجد سبب موضوعي يجعلنا نعتبر الإنسان أكثر رقياً من خيار البحر إلا بالمقدار نفسه الذي يجعلنا نعتبر البطيخ أكثر رقياً من الاثنين. فجميع الكائنات – والإنسان من ضمن – يتم تصنيفها في شجرة واحدة، ولا يوجد فرق حقيقي بين الإنسان وباقي الكائنات إلا ..... أننا نتبع هذا النوع دون غيره.
زيادة التعقيد ما بين الأنثروبي وشياطين ماكسويل في بداية القرن التاسع عشر قام سادي كارنو "Sadi Carnot" بصياغة المبدأ الثاني للثرموديناميك والذي يؤكد على تزايد الانثروبي "Entropy" في أي نظام مغلق، أو - بكلمات أقل تعقيداً – زيادة الفوضى والاضطراب في أي نظام معقد وبالتالي يحدث تلف محتوم وتتلاشى البنية المعقدة تماماً بمرور الوقت وينفرط عقدها. ويبدو أن التطور يتعارض تماماً مع هذا، فالتطور يجعل الكائنات تزداد تعقيداً بمرور الوقت وليس العكس؟! والأمر لا يقتصر على التطور فقط بل أن نمو جنين أو طفل يشمل زيادة تعقيد جسمه، وبالمثل تكون كوكب أو نجم هو أيضاً زيادة في التعقيد!! باختصار نحن نعرف العديد من المجموعات المادية المركبة القادرة على تعقيد نفسها بنفسها وهي تفعل ذلك بالفعل إذا ما ساعدتها الظروف فأين يكمن الخلل وما سبب هذا التناقض الظاهري؟!
على صعيد آخر هناك تجربة شهيرة تثبت خطأ مبدأ "كارنو"، وهي تعرف باسم مفارقة شياطين ماكسويل(2) والفكرة باختصار هي أن نملأ غرفة محكمة الإغلاق بغاز، ونفصلها إلى حجرتين أصغر (أ) و(ب) بواسطة حاجز مثقوب بثقب صغير، في البداية الضغط سيكون متساوي في الحجرتين وكما نعلم فالغاز ما هو إلا مجموعة من الجزيئات تتحرك باستمرار، وهذه الحركة قد تجعل الجزيئات تنتقل من القسم (أ) إلى القسم (ب) وبالعكس، والمنتظر أن تتساوى الجزيئات التي تتحرك في الاتجاه أ ب مع تلك التي تتحرك في الاتجاه ب أ وبالتالي يظل الضغط متساوي في القسمين (أ، ب) والنظام بأكمله يكون في حاله توازن. ولكن دعونا نتخيل أن شيطان يحرس الثقب، وعندما يرى جزيئة ستمر من (أ) إلى (ب) فإنه يسمح بذلك ولكنه لا يسمح بحدوث العكس، أي يمنع مرور الجزيئات من (ب) إلى (أ) عن طريق غلق الثقب أمامها. من الواضح أن هذه العملية على المدى الطويل ستؤدي لانتقال الغاز بأكمله إلى القسم (ب) وسيصبح القسم (أ) فارغ، أي ستنتهي حالة التوازن البدائية ويزيد الضغط في قسم على حساب الآخر، فكيف حدث هذا بالرغم من تناقضه مع مبدأ كارنو؟!
في الواقع لا توجد مفارقة بالمرة ولا يوجد تناقض، لأن عمل الشيطان يلغي الفرضية الأساسية التي يقوم عليها برهان زيادة الانثروبي، فالمبدأ الثاني للثرموديناميك ينطبق على بنيات معزولة بالفرض، وللأسف لم يتم دائماً توضيح هذه النقطة بشكل كاف، والتي بدونها لن يعود لمبدأ كارنو أي سند. أي أن السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الشروع في حل أي من المفارقات السابقة هو: هل البنية التي ندرسها معزولة؟ الإجابة في المعتاد لا بالتأكيد، فالبنية الوحيدة المعزولة فعلاً هي الكون نفسه، لكن المجوعة الشمسية والأرض والكواكب والنجوم التي تنشأ والكائنات الحية التي تتطور والطفل الصغير الذي ينمو .... الخ كل هذه المجموعات غير معزولة بالمرة بل هي مجموعات مخترقة تتلقى واردات من الخارج تساعدها في زيادة تعقيدها على حساب مصادر أخرى. فلا التطور يتعارض مع المبدأ الثاني للثرموديناميك ولا شياطين ماكسويل تلغي المبدأ الثاني.
المثال الخاص بشياطين ماكسويل يمكنه أن يقدم لنا نموذج جيد لفهم التطور. فالطفرات تحدث بصورة عشوائية (تماماً مثل حركة الجزيئات في الغرفتين) والانتخاب الطبيعي يلعب دور شيطان ماكسويل فهو يسمح للطفرات المفيدة فقط بالمرور إلى الأجيال التالية ويستبعد الطفرات الضارة وبالتالي يسمح بزيادة التعقيد باستمرار. ولكن هل يجب أن يكون "الشيطان" واعي لما يفعله؟! بكلمات أخرى هل يجب أن يكون هناك عقل مفكر حتى يزداد التعقيد في منظومة ما؟ دعوني أقص عليكم هذه القصة فهي تحمل بين طياتها إجابة هذا السؤال.
في أحد الضواحي الريفية القريبة من دنفر (تقع في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة) عام 1951، جاءت بلاغات غريبة من المزارعين(3) ، فالبعض لاحظ ظهور أمراض غير مفهومة لحيوانات المزرعة والبعض عانى من وفاة بعض حيواناته وطيوره الداجنة. أيضاً جاءت بلاغات عديدة عن اصفرار أوراق النباتات وفشل بعض المحاصيل في أكمال دورة حياتها بصورة طبيعية، كما أبيدت بعض المحاصيل عن أخرها، وجاءت أيضاً بلاغات عن إصابة بعض المزارعين بأمراض غير مفهومة. الأمر كان كارثة بحق، كان هناك وباء في المنطقة، لكنه وباء من نوع عجيب أصاب جميع الأحياء من نبات وطيور وحيوانات وبشر!! المهم، وبدون الاستطراد كثيراً، بدأت الجهات الفيدرالية في الولاية بالتعاون مع عدة شركات وعدة ولايات أخرى في بحث الأمر، وأتضح أن سبب كل هذا هو تلوث المياه بمادة4-dichlorophenoxy acetic acid تعرف اختصاراً باسم 2-4-D، الشكل التالي يوضح البنية الجزيئية لها C8H6Cl2O3، وهكذا أصبح الأمر مفهوم، فمادة مثل هذه بالكميات التي وجدت بها في المياه كافية لتفسير سبب هذه الكوارث، ولكن، تُرى من الذي قام بتصنيع هذه المادة بهذه الكميات المهولة وقام بتلويث المياه بها؟ وكيف وصل لهذه التكنولوجيا التصنيعية التي كانت جديدة في هذا الوقت؟ وما هو هدفه من إيذاء الناس وتدمير المحاصيل وتسميم الحيوانات والطيور بهذه الطريقة المرعبة؟!
2,4-dichlorophenoxy acetic acid
قبل أن أجيب عن التساؤلات السابقة، أودّ ذكر بعض المعلومات عن مادة الـ 2,4-d. هذه المادة تعتبر من الأوكسينات (auxin) (الأوكسينات هي منظمات نمو أو هرمونات نباتيه ينتجها النبات لتقوم بتنظيم معدل نموه)، ولم يبدأ تصنيعها إلا في عام 1941. كان هناك رغبة مُلحة للحصول على أوكسين نباتي فالاستخدامات التجارية له ستكون كثيرة للغاية، ولكن كانت المشكلة أن النبات ينتج هذه المواد بكميات قليلة جداً بالإضافة لأنها مواد غير ثابتة بالمرة وتتحل بسرعة واستخلاصها من النبات عملية شاقة للغاية وهي وأن كانت مفيدة في نطاق الأبحاث العلمية إلا أنها ستكون غير مجدية بالمرة للاستخدام التجاري، وبالتالي فقد حاول الكيميائيون تصنيعه بدلاً من استخلاصه من النباتات، ولم تكلل هذه المحاولات بالنجاح إلا في أربعينات القرن الماضي عندما تم تصنيع الـ 2,4-D لأول مرة وبتكلفة منخفضة نسبياً (مقارناً بالعائد الناتج من استخدامها). وبالفعل أصبح لها تطبيقات تجارية وعلمية عديدة، فهي تستخدم لتنظيم نمو النباتات حسب الرغبة والتحكم في مواعد الأثمار كما يمكن استخدامها بتركيزات عالية نسبياً لجعل النبات ينمو بمعدل سريع جداُ يؤدي لتدميره – وبالتالي تستخدم كمبيد للأعشاب الضارة – أيضاً أصبحت هذه المادة جزء رئيسي من كيماويات جميع معامل زراعة الأنسجة في أنحاء العالم(4)، باختصار إنتاج هذه المادة صناعياً كان إنجاز بشري رائع فتح أبواب عديدة لإنجازات ضخمة للغاية على الصعيد العلمي والتجاري.
والآن نعود لهذا اللعين الذي قام بإنتاج هذه المادة ونحن في أشد درجات الدهشة. لو كان باع هذه المادة لحصل على ثروة طائلة وأفاد نفسه وأفاد البشر، بدلاً من إلقائها هكذا ليضيع ثروة من بين يديه ويدمر صحة البشر والحيوانات ويتلف الكثير من النباتات!!
في الواقع يا أعزائي من فعل هذه الفعلة لم يكن "يعي" أنه بفعلته هذه يؤذي الناس ولم يهدف إطلاقاً لإيذاء أحد بل أكثر من هذا، من قام بهذه الفعلة لم يكن يدرك ما يفعله على الإطلاق، باختصار شديد من قام بتركيب هذه المادة المعقدة هو أحد شياطين ماكسويل
بعد دراسات طويلة ودقيقة اتضحت تفاصيل القصة كاملة، ففي عام 1943 كانت ترسانة السلاح الكيماوي للجيش في روكي ماونتن (القريبة من دنفر) تقوم بتصنيع بعض المواد الحربية، ثم بعد 8 سنوات قامت بتأجير الموقع لإحدى شركات البترول الخاصة التي كانت تخطط لتصنيع بعض المبيدات الحشرية، بعد هذا بقليل جاءت البلاغات الغامضة. ولكن الجيش لم يكن ينتج مادة الـ 2,4-D وشركة المبيدات الحشرية لم تكن تنتجها أيضاً (في الواقع شركة المبيدات الحشرية لم تكن قد قامت بتغيير خطوط الإنتاج أو بفعل أي شيء بعد، فقط هي استلمت الموقع ثم بدأت البلاغات تأتي). الذي حدث كان كالتالي، أحواض النفايات الخاصة بالجيش التي كانت تستقبل المواد الكيمائية الفائضة من عمليات التصنيع الحربية، من كلوريدات وأملاح حامض الفوسفونيك وفلوريدات وزرنيخ وخلافة، لم تتحمل التفاعلات التي تحدث بين هذه الكيماويات فبدأت جدرانها بالتآكل مما سمح لهذه الكيماويات بالرشح إلى الخارج لتختلط بالمياه الجوفية وتحملها إلى مناطق أخرى وتحت تأثير الهواء والشمس بدأت الكيماويات تتفاعل لتنتج مركبات أخرى على أسطح الصخور وتبدأ في دورة أخرى من التفاعلات، وفي خلال ما يقرب من 8 سنوات تم تصنيع مادة الـ 2,4-d بكميات خرافية بطريقة تلقائية وبدون أدنى تدخل واعي. وانتقلت المادة مع المياه الجوفية إلى القرية المنكوبة لتسبب مأساة. مجموعة من العناصر البسيطة كلور Cl ، أكسجين O، ... الخ، بالإضافة لضوء الشمس والهواء والماء أدت لإنتاج مراكب على درجة عالية من التعقيد. هذا أحد الأمثلة على تكون تعقيد تلقائي بدون أدنى تدخل "واعي" أو موجه.
أحداث غير محتملة – أحدث يصعب التنبؤ بها "انفجار ... انفجار ... أنفجر تشالنجر"، هكذا صاح المعلق التلفزيوني عام 1986 وهو يعلن عن انفجار المكوك الفضائي تشالنجر بعد ثواني من إقلاعه. قبل كارثة المكوك الفضائي كان رقم التقدير الرسمي لاحتمال وقوع حادث لمكوك فضائي هو واحد في المئة ألف(5)، ولكن هذا لم يمنع تشالنجر من الانفجار! في الواقع، انخفاض احتمال حدث ما لا يعني أنه "غير محتمل" بل يعني – ببساطة – أنه حدث "يصعب التنبؤ به مسبقاً"، ولكن بمجرد حدوثه لا يكون هناك أي معنى للقول أنه حدث منخفض الاحتمال، فمن وجهة نظر إحصائية طالما وقع الحدث فهو يسمى "حدث مؤكد" واحتمال حدوثه 100% لأنه حدث بالفعل. إن مفهوم الاحتمالية هنا ليس له معنى كبير، هناك "ممكنات" أو "احتمالات" عديدة و"الواقع" ما هو إلا مفردة من ضمن تشكيلات عديدة لمجموع الممكنات كل منها يبدو انه "غير محتمل بشدة". ولكن لأن الواقع هو "مفردة" واحدة فقط لا غير من مجموعة تكاد تكون غير منتهية فأنه يبدو لنا مُدهش في تفرده. فيما يخص تشالنجر مثلاُ، كان من الممكن أن يصاب جميع ركابه بحاله إسهال مفاجئ قبل موعد الإطلاق نتيجة تناولهم بيتزا مسممة مما يستدعي تأجيل الإطلاق ليوم آخر لحين شفائهم، وتأجيل الإطلاق كان من الممكن أن ينقذ المكوك من الكارثة نتيجة أن يوم الإطلاق الجديد كان أكثر دفئاً وبالتالي لن يحدث شرخ في جدار المكوك نتيجة اختلاف درجات الحرارة ... الخ، هذا الاحتمال كان سيبدو مُدهشاً في تفرده أيضاً. كان من الممكن أن يحث آلاف الأشياء وكل منها "غير محتمل بشدة" ومع هذا فلا يوجد أي سبب للاستغراب أو للحديث عن معجزة ما عند حدوث أحد هذه الاحتمالات. فلنكن حذرين من الاستخدام المتسرع لمصطلح الاحتمالية، فاحتمالية حدث قادم يعتمد على الدقة التي أصفه بها، أي أنه ليس تابع فقط لطبيعة هذا الحدث بل للشكل الذي أوحي به كذلك، دعوني أطرح مثال على هذا:
تبعاً لمجلس توليد الكهرباء المركزي في بريطانيا فأن احتمال حدوث حادث كارثي في محطة نووية لتوليد الكهرباء هو واحد كل عشرة آلاف سنة(6). وكارثي هنا تعني كارثة بحجم تشيرنوبيل أو أكبر، بمعنى إطلاق كميات كبيرة من المواد المشعة في المحيط البيئي. ويبدو أن احتمال واحد كل عشرة آلاف سنة مطمئنا جداً، ولكن دعونا نلقي نظرة أقرب على هذا الرقم. هذا الرقم يعني أن كل مفاعل نووي يواجه احتمال حصول حادث كارثي في أي سنة يساوي 0.0001 سنوياً. وهناك في بريطانيا حوالي 40 محطة لتوليد كهرباء نووية، وبذلك يكون احتمال حصول حادث كارثي واحد في أي من هذه المحطات في أي سنة هو مجموع 40 احتمال، أي 0.004 واحتمال حصول حادث كارثي واحد على الأقل في بريطانيا خلال السنوات الـ 25 المقبلة هو 25 ضعف، أي 0.1 وهذا معناه أن هناك فرصة بنسبة واحد من عشرة. ويبدو هذا الرقم غير مطمئن بالمرة مثل القول "واحد كل 1000 سنة"، ولكن المسألة هنا ليست إلا مسألة اختلاف في طريقة التعبير عن الشيء ذاته. وعلى أي حال فالمفاعل الذري تشيرنوبيل انفجر دون أن يعبئ لا بالرقم الأول ولا بالرقم الثاني.
للأسف الشديد هناك سوء فهم متأصل عند البشر لما تعنيه الاحتمالات، والمثل الشائع لسوء الفهم هذا هو ما يعرف بقانون المتوسطات (law of averages) والذي يقول أن الصاعقة لا تضرب في المكان نفسه مرتين، وفي الحروب كثيراً ما يختبئ الجنود في الحفر التي تنتج عن سقوط القنابل على أساس أن احتمال سقوط قذيفة ثانية في نفس المكان هو احتمال نادر جداً. وللأسف لا الاحتمال الأول صحيح ولا الآخر، فبالنسبة للصاعقة فهي بالفعل تميل لأن تضرب نفس المكان، فالأسباب التي جعلتها تضرب في بقعة معينة ستجعلها تكرر الفعل ذاته. أما قذائف المدفعية وقنابل الطائرات فهي لا تتذكر المكان الذي سقطت فيه لتتجنبه في المرة الثانية، وبالرغم من أن احتمال سقوط قذيفتان في مكان واحد هو احتمال بالغ الصغر إلا أنه احتمال وارد. ربما كان أفضل توضيح لمدى خطأ قانون المتوسطات هو الدعابة التي تتحدث عن رجل كان يحمل معه دوماً قنبلة عند السفر بالطائرة على أساس أن احتمال وجود قنبلتين على نفس الطائرة هو احتمال بالغ الصغر لدرجة أنه قد لا يحدث أبدا.
"الاحتمالات" وسيلة لدارسة الأحداث قـبل حدوثها وليس بعد حدوثها بالفعل، فوقوع الحدث يعني – ببساطة – أنه كان من ضمن فضاء العينة أو بكلمات أخرى من مجموعة الممكنات المتاحة. وهم الغائية هناك تجربة بسيطة تظهر ما أعنيه بـ "وهم الغائية" بجلاء، التجربة تعرف باسم "لعبة الصندوق"، والأمر يتم كالآتي، نحضر صندوق ونضع به كرتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء. ثم نسحب واحده منهما كيفما أتفق ونرى لونها، ثم نعيدها إلى الصندوق ونضيف كرة ثالثة من نفس اللون. ثم نكرر هذه العملية باستمرار، أي سحب كرة ومعرفة لونها وإضافة كرة أخرى مثلها، وهكذا، وفي كل مرة نسجل نسبة الكرات لبعضها. في البداية ستكون نسبة الكرات 0.5 لكل منهما، ثم ستبدأ النسبة تتأرجح صعوداً وهبوطاً، ولكن مع الوقت سنلاحظ ظاهرة غريبة، وهي تقارب تكرار الكرات السوداء من رقم محدد جداً. أجريت هذه التجربة سابقا وحصلت على رقم 0.375. ترى، لماذا هذا الرقم بالتحديد؟ بدءاً من المرة الثانية والعشرين توقف تغير الرقم العشري الثاني، واستمر الرقم الثالث في التغير ليقترب حسيساً من 0.375، أمر محير للغاية ما الشيء المميز في هذه النسبة؟! في الواقع، لا يوجد أي شيء مميز لهذه النسبة بالمرة، ولو كان لدينا فرصة لتكرار التجربة مرة أخرى لاكتشفنا هذا عن طريق حصولنا على رقم مختلف تماماً، الشيء الوحيد الذي سيتكرر بنفس الطريقة هو هذا التقارب التدريجي نحو رقم محدد، يبدو للوهلة الأولى أنه مميز، وأن هناك "غاية ما" في الاقتراب منه إلا أن الأمر عشوائي تماماً. السبب ببساطة هو أنه بزيادة عدة الكرات يقل التباين(variance( في الصندوق، والتباين بدوره هو الذي يحدد التكرار في المرة القادمة. ففي البداية يكون التباين مقداره 0.5 (نصف الكرات تحمل لون مختلف) وتكرار الكرات متساوي وهناك فرصة متساوية لكل منهما في الظهور، ثم بعد أول دوره سينخفض التباين (كرتان بلون واحد وكرة واحدة فقط بلون مختلف)، وهذا سيقلل من احتمال اختيار الكرة ذات اللون المختلف، ولكن قد يحدث – بالصدفة وحدها – أن نختار هذه الكرة وبالتالي يزداد التباين مرة ثانية، ولكن في المرة التالية سنعود لنفس هذا الاختيار مرة ثانية. وأن عاجلاً أو آجلاً سيزيد تكرار لون من الاثنين مما سيؤدي لتقليل التباين والذي سيعمل بدوره على جعل لون من الاثنين يتغلب على الآخر ويحدث التقارب شيئاً فشيء من رقم محدد جداً ومميز جداً، يقع بين 0.1 و 0.999 ولكن من المستحيل توقع هذا الرقم قبل وقوعه، أضف لهذا أن أي رقم سيظهر ليس له معنى بالمرة، وتكرار التجربة سيظهر رقم أخر، ولكن وبمجرد ظهور رقم محدد فأنه يدهشنا بتفرده. من تعاقب الأحدث يظهر في كل مرحلة ممكنات جديدة من المنجزات السابقة، والتي ستصبح بدورها هي ممكنات اللحظة التالية. يقول ألبير جاكار(7) "علينا الحذر من خطأ شائع في التأويل: وهو وأن ملاحظة تتابع حوادث معينة، يعني قبول أنها كانت ضرورية، ثم البحث عن الآلية التحتية التي جعلتها ضرورية، في الحقيقة أن الذي تم، يصف لنا الوقائع المتعاقبة، من غير أن يضئ لنا كثيراً الممكنات."
ــــ هوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العمر المقدر للكون حالياً هو 13.4± 1.6 مليار عام، إلا أن الرقم يُغري بالتقريب لـ 15 مليار، تماماً مثل سرعة الضوء البالغة 299792 كيلومتر في الثانية والتي تقرب إلى القيمة المشهورة 300 ألف كيلومتر في الثانية لسهولة الاستخدام.
(2) أنتجت شركة Microsoft مجموعة من الألعاب عرفت باسم WEP أحد هذه الألعاب كان باسم "شيطان ماكسويل" (Maxwell's Maniac) حيث يمكنك أن تقوم بدور الشيطان اللعبة لطيفة للغاية، مُفيدة ومسلية في آن، يمكنك تحميلها من هنــــــــــا، فإذا لم تكن قد استفدت من هذه المقالة بأي شيء فعلى الأقل يمكنك أن تسلي نفسك قليلاً
(3) أنظر تفاصيل هذه القصة في: راشيل كارسون (1990). الربيع الصامت، ترجمة د. أحمد مستجير، مركز النشر لجامعة القاهرة، صـ 60 وما بعدها.
(4) إنتاج نباتات مهندسة وراثياً يتضمن بالضرورة زراعة النبات في مزرعة للأنسجة وبالتالي فأن معملنا الموقر ظل يدفع "قربان" سنوي لشركتي Sigma وAldrich نظير بضع جرامات من هذه المادة المدهشة، وحالياً أتحدت الشركتان تحت اسم Sigma- Aldrich بهدف مص دماء الباحثين ومازالت تجمع ملايين الدولارات نظير بيع هذه المادة ومواد أخرى مشابهة.
(5) في التحقيق الذي جرى بعد الحادث أوضح الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فينمان أن الحسابات الخاصة باحتمال الانفجار كانت غير دقيقة ولم تأخذ في الحسبان عدة عوامل مثل أن إطلاق المكوك في يوم بارد يزيد كثيراً من احتمال وقوع أحداث عديدة تزيد احتمال الانفجار ... الخ، إلا أن دقة الرقم لا تعنيني كثيراً الآن سواء كان 1 في المئة ألف أو أكبر أو قل، فالمحصلة بالنسبة لي واحد وهو أنه احتمال صغير نسبياً.
(6) لمزيد من التفاصيل حول الاحتمالات المذكورة أنظر، مقالة Ian Stewart في العدد 33 من: Inside Science تحت عنوان "Risky business". يمكنك الإطلاع على المقالة كاملة online هنا مقابل 5 دولارات، أو يمكنك أن تأتي لمنزلي وتقرئها مقابل ثلاثة دولارات فقط
(7) لمزيد من التفاصيل، أنظر آلبير جاكار (1996) إبتداع الإنسان. ترجمة د. إياس حسن، دار الكنوز الأدبية، بيروت – لبنان. تحت عنوان "الانتقاء الطبيعي" صـ 25 وما بعدها.
انتهى القسم الأول
القسم الثاني عن موقع هلوسات
| |
|