سميرة السليماني: الحزن يجلب لهن الماء.. والشعر الجميل أيضا! عبدالله السمطي
مواضيع ذات صلة
انطولوجيا بالانجليزية لشعر الطالبان: ارهاب الكلمات
برنار هنري ليفي: حمص اليوم هي بنغازي أمس
حوار مودة بين الفن الألماني القديم والمعاصر
غيرنيكا... اللوحة المحاربة
كاتب أرمني يقدم مسحا لتاريخ شعب تمكن من الصمود
لقاء وحيد مع توفيق الحكيم
عبدالله السمطي من الرياض: حالة
جمالية جديدة في فضاء قصيدة النثر السعودية تقلنا إليها الشاعرة سميرة
السليماني في ديوان شعري أقل ما يقال عنه أنه ديوان مباغت في المشهد
الشعري الراهن، حيث يحمل تجربة شعرية تستحق القراءة وتستحق عناية الدارسين.
تقلنا كتابة سميرة السليماني الشعرية في ديوانها: "والحزن يجلب لهن الماء"
(دار أثر، الدمام، الطبعة الأولى 2012) إلى عوالم أكثر طزاجة وحيوية،
فالحقول الدلالية التي تقدمها قصيدتها حقول واقعية ملموسة، تترى على
الأرض، وتتفجر في شوارعها وجدرانها وشرفاتها، وفي وجوه الناس، وتعبر عن
ذات شاعرة لها تماسها مع الأشياء والوقائع والتفاصيل اليومية. فالقصيدة
لدى الشاعرة ليست قصيدة معرفة بقدر ما هي قصيدة واقع وحس مرهف بما هو يومي.
مصدر الاختلاف الجمالي الذي يميز الشاعرة يتمثل في أنها تكتب قصيدة مبدعة حقا، تعلي فيها من شأن المخيلة الطليقة حيث
تتداخل
الكلمات لدى الشاعرة سميرة السليماني في تراكيب سياقية جديدة غير مألوفة
وغير متوقعة، ومدهشة. تثير هذه التراكيب لدى القارىء بداهة أمرين:
- الأول: صدمة العبارة الشعرية التي تخرج عن نطاق المتوقع أو المألوف شعريا، خاصة في ابتكار التراكيب المدهشة.
- الثاني: إثراء الحالة الوجدانية وتعميقها بشكل شديد العمق، موغل في ابتداع معانيه، وموغل في غنائيته أيضا.
الشاعرة مسكونة بالغنائية في قصيدتها، تذكرنا بقصيدة الماغوط الراكضة في تقاسيم الطبيعة وموسيقاها وبدائيتها وفطرتها.
ويتشكل الديوان من (30) قصيدة، لها طزاجتها الرائعة المختلفة، فلأول مرة
أجد ديوانا أول على هذا المستوى من النضج الجمالي في اختيار العناوين
والكلمات والصور والتراكيب الشعرية خاصة في مجال قصيدة النثر.
تستهل الشاعرة ديوانها بقصيدة:" أيام خلف ظهرها الورد" وتبدأ بالقول:
يسألني عن عادتي في الكتابة .. عن البطاقة البريدية الجديدة، عن الشريط
الإخباري والورق المجعد، عن أباريق القهوة الساخنة الآن الباردة بعد منتصف
الليل ... وأجيب إذا اتسخ العالم من الخارج .. ألسع نفسي في الظلام "
وتشكل الكتابة عن الكتابة أفقا جماليا ثريا لدى سميرة السليماني، فأغلب
القصائد تتضمن من وجهة دلالية تعبيرات عن صور الكتابة، وماهيتها:" وحدها
الكتابة التي ضربت معها مواعيد كثيرة للحب" " لماذا أتعلم الكتابة؟ لأنتقم
لنفسي" " أخلصت لنفسي بالكتابة، ونسيت بأن العشب أصفر في الخارج، في تاريخ
الميلاد، أنا أكبر وأكتب" .
ومن الكتابة إلى التأمل في الأشياء وإقامة علاقات وساقات جمالية متعددة
معها، التأمل تدريب للحواس، وهو يضفي على القصيدة نوعا من العمق، ونوعا من
حضور السؤال:" هناك طين وماء، وحزمة وعد متأخر، وشفاه خرج الفقاقيع، هناك
فوضى في الحي الخلفي من الحياة، صوت المذياع لا ينام، والأقداح تعبت من
السهر في الخارج" .
وتهيمن على نصوص الديوان رؤية ساخرة من الأشياء، وساخرة أحيانا من رؤية
الآخر، ومن العلاقات الوجدانية المألوفة، التي قد يمهرها قدر من الكذب
ويعجل بانهيارها، والتي ينكس عندها الحب أحيانا في مقابل الوطن:" يا سعادة
الحب.. فكر في أن نتشابك من جديد، أن نتراحم على قطعة أرض كانت وطنا" .
الحلم أيضا له حضوره في ديوان الشاعرة ، ويتجلى ذلك في مشاهد متعددة، وفي
نص بعنوان:" خيط" تكسر حدة الحلم الوجداني بحلم عبثي، انتهى لكنها تسترجعه
ثانية:" أعتقد أن الأمل أبلى بلاء حسنا حتى مات، والحلم داسته سيقان
الشمس، فلم يعد بإمكاني الحصول على النسخة الأصلية منه، كان من المقدر أن
أركض خلف شارع يدور وأبحث عن ميدان هارب وعاشق صافح امرأة يحبها واشتعل" .
إن ديوان سميرة السليماني ديوان منجز ومتحقق جماليا لدى شاعرة تستشرف
البداية بقدر من الجرأة، وبقسط من التعايش الجمالي مع الكلمات، وبنوع من
إنعاش التجربة اليومية والهروب بها إلى صور مختلفة، وتراكيب دالة متنوعة.