تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | يا نُخَبنا السياسية رفقا بالجماهير | |
قضايا ومناقشات المأزق السياسي والدستوري الذي تمر به مصر هو ناتج الانفصال بين مساري الثورة والسلطة منذ 11 فبراير 2011 وحتى تاريخه، فلا الثورة نجحت في استلام السلطة، ولا السلطة إستوعبت مطالب الثورة وعبرت عنها. انظر حولك ولن تجد رموز الثورة في السلطتين التنفيذية والتشريعية إلا كآحاد، طالع تشكيل المجلس الاستشاري والجمعية التأسيسية في صورتها الأولى وسوف تجد بالكاد بعض الوجوه التي طالعتك في الميدان أو التي لها تاريخ سياسي في التمهيد للثورة، تأمل خريطة الأحزاب السياسية ولاحظ كيف أن أكثر من عام مضى قبل أن ينجح حزب مصر الحرية في استيفاء أوراقه نتيجة العراقيل المنثورة على طريق تشكيل الأحزاب السياسية، وأخيرا إرجع إلى قائمة مرشحي الرئاسة وتبين من دخل منهم في التصفيات النهائية وإلى أي مدى يمثلون الطموحات الثورية. الفارق بين السلطة والثورة أن السلطة محافظة تميل إلى الإصلاح وتأخذ بمبدأ التدرج، أما الثورة فإنها بحكم التعريف ضد استمرار الوضع القائم لا تعرف التدرج ولا تؤمن إلا بالتغيير الجذري. لن أخوض كثيرا في أسباب هذا الفصام بين مساري السلطة والثورة، فقط للتذكرة فإن من تلك الأسباب: مغادرة الثوار الميدان فور إطاحة مبارك، الإدارة بالأزمات التي مارسها المجلس العسكري، انقسام الثوار وتشرذمهم، التفاهمات السياسية بين الإخوان والمجلس. لكنى معنية في هذا المقال بتحليل أثر الصراع السياسي بين النخب الموجودة في السلطة وتلك التي تحاول الوصول إليها، أثره على خلق حالة من الارتباك والتشوش العظيم لدى الجماهير وهي تجد الغموض يلف المستقبل أكثر فأكثر مع قرب المرحلة الانتقالية من نهايتها. وأعتبر ما جرى بعد النطق بالحكم في محاكمة القرن ذروة التعبير عن هذا الارتباك السياسي وتقزيما لدور الجماهير إلى مجرد أصوات انتخابية يتم التنازع عليها.***** وَظفَت كافة النخب السياسية محاكمة مبارك لأغراض انتخابية، وحملت على منطوق الحكم حملة شعواء، لكن بحكم اختلاف موقع تلك النخب من النظام السياسي (في داخله أو في خارجه) فلقد استخدمت حكم مبارك لتبرير الشئ ونقيضه في الوقت نفسه: الدعوة من جهة للذهاب للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتصويت لمرشح بذاته لأنه الوحيد القادر على إصلاح حال البلد ومن ضمنه حال القضاء، والدعوة من جهة أخرى لرفض استكمال المسار الانتخابي لأن القضاء الذي لم يحافظ على نزاهة نتائج الجولة الانتخابية الأولى لم يتورع عن تبرئة قيادات الداخلية من قتل المتظاهرين. وعبر اختيار محمد مرسي مرشح الإخوان للرئاسة التوجه لوسائل الإعلام فور انتهاء المحكمة مقابل إسراع حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح إلى ميدان التحرير لمخاطبة الجماهير، عبر ذلك عن طبيعة المسافة الفاصلة بين السلطة والثورة. وحتى عندما لحق مرسي فيما بعد بصباحي وأبو الفتوح في الميدان ظلت المسافة بين النخبتين على حالها. حكي لي صديق عن مشهد دخول مرسي للتحرير وكيف أفسح له شباب الجماعة طريقا ممتدا من مسجد عمر مكرم حتى الصينية الشهيرة فيما كان أبو الفتوح يمشي على الأرض هونا وحمدين معتصرا بين الحشود.في مؤتمره الصحفي تعهد مرسي فور انتخابه بتكوين فريق يجمع أدلة حقيقية تدين المتهمين بقتل الثوار وتخريب الوطن وإفساد السياسة، وتعهد وهذا خطير بتشكيل دوائر قضائية من خلاله وبواسطة المجلس الأعلى للقضاء لإجراء محاكمات عادلة وناجزة وسريعة. ووجه الخطورة هو التدخل الغليظ ممن يُحتمل أن يكون رئيسا للسلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية. ولإتمام دائرة دمج السلطات، هاجم أعضاء في مجلس الشعب محاكمة مبارك، وتعجب زعيم الأغلبية من دعوة وزيرة التضامن الدولى لاحترام أحكام القضاء (تعجب!!)، ودعا لمرشح جماعته معتبرا أن من يتصور أن الشعب سيسكت على تهيئة المسرح السياسي لمرشح بعينه (يقصد أحمد شفيق) يكون واهما.ومن داخل ميدان التحرير أطلق حمدين وأبو الفتوح وأيضا خالد على الدعوة القديمة- الجديدة لتكوين مجلس رئاسي لمدة عام يتم فيه وضع الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وبدء المرحلة الانتقالية من المربع صفر. ولأن وصف «المدنية» يجري كثيرا على ألسنة الجميع هذه الأيام رفضا أو قبولا، أضيف هذا الوصف إلى اقتراح المجلس الرئاسي ليصبح مجلسا رئاسيا مدنيا. وهكذا اجتمعت النخبة الممسكة بالسلطة والنخبة التي تمثل روح الثورة على رفض منطوق حكم مبارك وعلى التمسك بتطبيق قانون العزل السياسي، لكنها اختلفت حول الموقف من العملية الانتخابية ومن المجلس الرئاسي المدني لأن الأولى تحافظ على الوضع الراهن أما الأخرى فترفضه جملة وتفصيلا. جاءت مشاركة الإخوان في ميلونية «العدالة» أول أمس بحجم ما يتفقون فيه مع ثلاثي حمدين وأبو الفتوح وخالد علي وليس بحجم الوزن الحقيقى للجماعة في الشارع المصري.الصراع بين السلطة والثورة مفهوم لكنه يُنبئ بعدم استقرار لأمد غير معلوم، ويلقي على المواطن العادي بسيل من الأسئلة المقلقة على مستقبل النظام السياسي الجديد ومن قبيلها: هل يجوز تطويع القانون للأغراض الانتخابية خاصة وأن مختلف النخب السياسية كانت لديها فرصة طيلة قرابة العام ونصف لتضغط من أجل وضع قانون للعزل السياسي وتنجح كما نجحت من قبل بالضغط لحل الحزب الوطني ومحاكمة مبارك وإلغاء الطوارئ؟. هل يمكن أن نطالب بمعايير للجمعية التأسيسية أو لأي تشكيل مؤسسي ونتجاهل وضع معايير لتكوين الفريق الرئاسي لأننا لو أعملنا معيار الثورية كان يجب ضم أبو العز الحريري ولو طبقنا معيار الأصوات الانتخابية كان يجب إدخال عمرو موسى؟. هل يمكن لأي أحد مستقبلا أن يدافع عن شرعية الصناديق الانتخابية طالما لا نحترم نتائجها التي لا ترضينا بالضرورة؟. هل يمكن أن نطمئن إلى قيام نظام سياسي يحترم فصل السلطات فيما كل شئ ينبئ بأننا سائرون في اتجاه دمج أكيد للسلطات؟. السؤال الأخير غاية في الخطورة، وهو السبب المباشر في دفع المستشار حسام الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء لتحذير الكافة ومجلس الشعب بخاصة من عدم احترام القضاء.***** يترك إذن صراع السلطة والثورة الجماهير التي لا تنتمي أيديولوجيا إلى أي الطرفين في حيرة من أمرها. ويضعها في مواجهة العديد من الخيارات التي لا تستطيع أن تتخذ فيها رأيا قاطعا لأن كل طرف يدافع عن موقفه بعدد معتبر من الحجج والأسانيد، فلا تعرف الجماهير هل تختار المقاطعة أو المشاركة، المجلس الرئاسي الذي يكون أعضاؤه متساوين أم الفريق الرئاسي المكون من رئيس ونائبين بصلاحيات الأرجح أنها هزيلة. ويشغلها هذا الصراع في هذا التوقيت القاتل عن القضية الأكبر والأهم والأجدر بأن نشتغل عليها جميعا ولا نتنازل فيها لأحد: قضية الدستور. مثل غالبية الشعب المصري لا يرضينى المسار الانتقالى الذي شارف على الانتهاء وفي أيادينا قبض ريح، أكيد لست مع مسار السلطة الحالي، لكن السير في مسار الثورة الثانية بينما أن كثيرين دفعهم التبرم من الثورة والثوار إلى التصويت لأحد رموز النظام السابق بهذه الكثافة مع كل التقدير لحجم الخروقات الانتخابية التي ما كان سيسكت عليها الإخوان لو أنها فارقت الواقع بشكل ملموس. أقول السير في مسار الثورة الثانية في هذا التوقيت لن يأتي بنتائج أفضل.لتبدأ أولا القوى الثورية بتوحيد جهودها ورص صفوفها، ولتضع خطة عمل للوصول إلى كل مواطن على أرض مصر وتنقل ساحتها من شبكات التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع، ولتحافظ على الثورة مستمرة حتى تتشكل الكتلة التاريخية اللازمة لإشعال ثورة جديدة أو تصحيح مسار ثورة يناير، وعندها فلن تنتظر الثورة إذنا من أحد وستكون تجربة ثورة يناير تجربة مُعلمِة. | |
|
الأحد أكتوبر 21, 2012 2:15 pm من طرف جراح