نشطاء حقوق الانسان يتظاهرون في الرباط ضد اللاعقاب (صورة الارشيف)
الاصلاحات الدستورية التي أدخلها المغرب، توجد على محك استمرار تجاوزات
حقوق الانسان. وسقوط ضحايا من نشطاء حركة 20 فيبراير يعيد قضية الافلات من
العقاب للواجهة والمخاوف من عودة ممارسات الماضي. تميز الربيع المغربي بإدخال توصيات هيئة الإنصاف
والمصالحة وتوسيع صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمن التعديلات
الدستورية. ورأي مراقبون في التجربة المغربية كنموذج للتغيير الهادئ في
محيط مضطرب تهزه الثورات. غير أن توالي سقوط ضحايا من نشطاء حركة 20 فبراير
الاحتجاجية وتعثر المساءلة في بعض الحالات يعزز مخاوف الحقوقيين من
استمرار الإفلات من العقاب.
وشاءت الصدف أن يجاور ضحايا الحاضر، شهداء ماضي الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان خلال المسيرة التي نظمتها الجمعيات الحقوقية يوم 30
أكتوبر/تشرين الأول تخليدا لـ"يوم المختطف". المسيرة التي نظمت وسط العاصمة
الرباط تحت شعار "مناهضة الإفلات من العقاب"، ارتبط فيها الماضي الأليم
بعدم الثقة الكاملة في حاضر ومستقبل احترام حقوق الإنسان بالمملكة.
قبلها بيومين تعرض كمال الحساني، الناشط في حركة 20 فبراير
و"الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين"، في بني بوعياش (شمال المغرب)
للقتل. في اليوم الموالي لهذا الحادث أعلن مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى
المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، استقالته من رئاسة هذه الجمعية الحقوقية
"احتجاجا على كل هذا العنف الذي تمارسه جهات غير معلومة تجاه المواطنين
عامة، وعلى الناشطين الاجتماعيين والحقوقيين خاصة".
"شهداء" 20 فبرايرمصطفى المانوزي رئيس منتدى الحقيقة والتنصاف (يسار الصورة) متحدثا إلى أمينة بوعياش والناشط الحقوقي خالد السفياني ألقي
القبض على قاتل كمال الحساني، وصرح الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف
بالحسيمة (سلطة الاتهام القضائية) بكون الجريمة "نتيجة تصفية حسابات"، وبأن
"القاتل والضحية ينتميان معا إلى جمعية المعطلين". أما حركة 20 فبراير
فأكدت أن الجاني ينتمي لما يسمى "البلطجية" الذين اعتادوا الاعتداء على
أعضاء 20 فبراير بتواطؤ مع السلطة. بدورها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
تصريحات الوكيل العام للملك "تأثيرا على مسار هيئة التحقيق".
قلق الجمعيات الحقوقية في المغرب ينبع من توالي سقوط الضحايا
في أحداث ترتبط بأنشطة حركة 20 فبراير، والهيئات التي تشارك مع الحركة في
رفع مطالب اجتماعية وسياسية. في هذا السياق تبنت الحركة ما أسمته "استشهاد"
محمد بودروة، الذي توفي عندما تدخل رجال الأمن لتفريق اعتصام كان يقوده
وأعضاء آخرين في جمعية للمعطلين بمدينة آسفي (غرب المغرب) قبل أسابيع على
وفاة كمال الحساني.
آسفي حبست، قبل ذلك بأسابيع، أنفاس المغاربة حين سقط فيها
"شهيد" آخر يوم 2 يونيو الماضي هو كمال العماري. المعطيات الأولية أظهرت
أنه توفي جراء عدم علاجه من إصابات تعرض لها أثناء تدخل أمني استهدف مسيرة
لحركة 20 فبراير بالمدينة.
حظ كريم الشايب لم يكن أفضل من حظ العماري، هذا الشاب توفي هو
الآخر جراء تعرضه للضرب من طرف قوات الأمن خلال مشاركته في مسيرة لحركة 20
فبراير بمدينة صفرو (وسط البلاد)، كما يظهر ذلك شريط فيديو بث على
الأنترنت.
في حين تبقى حالة الشبان الخمسة الذين عثر على جثتهم متفحمة
في وكالة بنكية بمدينة الحسيمة (شمال البلاد) الأكثر غموضا. عائلات الضحايا
الخمسة سبق لها أن أكدت في ندوة صحافية أن أبناءها تعرضوا للقتل يوم 20
فبراير الماضي، مكذبة بذلك الرواية الرسمية حول "احتراقهم عندما كانوا بصدد
نهب الوكالة البنكية"، ومستنكرة منعها من الإطلاع على تسجيلات الكاميرا
الموجودة في الوكالة البنكية لكشف الحقيقة.
إفلات من العقابأمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الانساناستبشر
الكثيرون خيرا، حينما سارع المجلس الوطني لحقوق الإنسان(هيئة مقربة من
القصر الملكي) إلى التحقيق في وفاة كمال العماري. اعتقد المتتبعون أن صفحة
جديدة فتحت في تعاطي الدولة مع انتهاكات حقوق الإنسان، عنوانها عدم الإفلات
من العقاب. غير أن المجلس لم يصدر أي تقرير في الموضوع، كما لم تتم بعد
إحالة أي متهم على القضاء.
وفي هذا السياق تجدد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مطالبتها
بـ"وضع حد للتماطل الذي طال التحقيق في قضية كافة شهداء حركة 20 فبراير
ووضح حد للإفلات من العقاب الذي يتمتع به المتورطون فيها". وتذكر
بـ"استمرار الإفلات من العقاب في قضية قتل الشهيد كريم الشايب بصفرو،
واستمرار الغموض وغياب الحقيقة في قضية شهداء الحسيمة الخمسة"، و"عدم تحريك
أي متابعات بشأن قضية شهداء الحركة كمال العماري ومحمد بودروة". كما سبق
للجمعية أن أشارت إلى "تعرض عدد من الشهود وأسرة كمال العماري، لضغوط بهدف
ثنيهم عن تشبثهم بشهاداتهم في القضية".
من جهتها تدعو أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق
الإنسان، إلى "عدم الخلط". تقول بوعياش في حوارها مع "دويتشه فيله": "إلى
حدود الساعة لا يمكن أن نقول إن هناك إفلاتا من العقاب في قضية كمال
الحساني، إذ اعتقل المتهم الرئيسي. أما في قضية كمال العماري فالملاحظ أن
التحقيق القضائي لم يبلغ مداه رغم فتح تحقيق وتشريح الجثة. إذن لا يتعلق
الأمر بعدم إعمال المسطرة القضائية ولكن بعدم تطور التحقيق وتحديد
المسؤوليات. مع الأسف ما يزال القضاء عاجزا عن السير إلى أبعد مدى في هذه
القضايا".
إرادة سياسية على المحكمظاهرة شهدتها الرباط يوم 30 اكتوبر للتنديد باستمرار حالة اللاعقاب في المغربغياب الحقيقة وعدم معاقبة الجناة في بعض قضايا من تسميهم حركة
20 فبراير بـ"الشهداء"، يأتي في ظل تطور مهم تجلى في تضمين توصيات
هيئةالإنصاف والمصالحة ومن ضمنها ما يتعلق بعدم الإفلات من العقاب، لنص
الدستور الجديد.
أمينة بوعياش تنبه قائلة "لا نعتقد أن هناك تراجعا في الإرادة
السياسية للدولة بخصوص احترام حقوق الإنسان. قبل أيام أدان القضاء ضابط
شرطة في العيون (جنوب المغرب) متهم بتعذيب مواطن. من مصلحة الحقوقيين تجنب
الاستغلال السياسي لهذه القضايا، لأنه لن يساعدنا في الضغط من أجل إعمال
مبدأ عدم الإفلات من العقاب".
المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف تحدث عن ضرورة وضع
استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب. من بين الأهداف التي يعتزم
المنتدى الضغط في سبيل تحقيقها من وراء هذه الاستراتيجية، يذكر مصطفى
المانوزي في حواره مع "دويتشه فيله": "تمكين الجمعيات الحقوقية من صفة
المطالب بالحق الجنائي في قضايا انتهاك حقوق الإنسان، ومن تقديم شكايات
مباشرة للقضاء. إضافة إلى تحسيس الدولة بأهمية المصادقة على المحكمة
الجنائية الدولية دون أن يكون لهذه المصادقة أثر رجعي يشمل الانتهاكات
الحاصلة في الماضي".