عادل العامل
(1)
في لقاءٍ أُجري في غوغل عامً 2004، انتقل النقاش إلى رسالة
ألكترونية e-mail كانت الشركة قد تلقَّتها من معجبٍ في كوريا الجنوبية. و
قد وجه سيرجي برين، و هو من مؤسسي غوغل، الرسالة إلى مصلحة للترجمة
الأوتوماتيكية سبق أن أذِنت الشركة بها. و كانت الرسالة تقول إن غوغل هو
محرك بحث مفضّل، لكن نتيجة الترجمة كانت كلاماً غير معقول. فقال السيد برين
عندئذٍ إن غوغل ينبغي أن تكون قادرةً على أداءٍ أفضل. و بعد ست سنوات،
تعالج خدمتها Google Translate المجانية 52 لغة، أكثر من أي نظام مماثل، و
يستخدمها الناس مئات الملايين من المرات في الأسبوع لترجمة صفحات شبكة
الانترنيت و نصوصٍ أخرى، كما يقول ميغيل هيلفت في مقاله هذا.
" فما
تراه على Google Translate هو حالة من حالات الفن " في ترجمات الكومبيوتر
التي هي غير محددة بمجال موضوع خاص، كما قال ألون لَيفي ، و هو بروفيسور
بحوث مساعد في معهد تكنولوجيات اللغات في جامعة كارنيجي ميلون.
و قد
التقت مساعي غوغل للتوسع إلى ما وراء البحث في الشبكة بنجاحٍٍ مزيج.
فمشروعها الخاص بالكتب الرقمية digital قد تم تعلق قضيته في المحكمة، أما
تقديم شبكتها الاجتماعية، Buzz ، فقد أثار مخاوف الخصوصية. و يشير هذا
النموذج إلى أنها يمكن أن تخطيء الخطى عندما تحاول أن تتحدى تقاليد العمل و
الأعراف الثقافية. لكن ارتفاع غوغل السريع إلى الصفوف العليا من عمل
الترجمة هو أمرٌ من الأمور المذكّرة بما يمكن أن يحدث حين تُطلق غوغل قوتها
الكومبيوترية الشرسة على المشاكل المعقدة.
إن شبكة مراكز المعطيات التي
تقيمها لبحوث شبكة الانترنيت يمكن أن تكون، عند الدفع بها معاً، أكبر
كومبيوتر في العالم. و تستخدم غوغل هذه الآلة لدفع القيود على تكنولوجيا
الترجمة. و قد قيل في أوائل آذار الماضي، على سبيل المثال، إنها كانت تعمل
على ربط أداة الترجمة لديها مع تحليل الصورة، سامحةً بذلك للواحد بالتقاط
صورة هاتفية خليوية cellphone لقائمةٍ باللغة الألمانية، مثلاً، و الحصول
على ترجمة انكليزية فورية. و كما قال تيم أوريلي، المؤسس و الرئيس التنفيذي
للناشر التكنولوجي أوريلي ميديا " إن ترجمة الآلة واحدة من أفضل الأمثلة
التي تبيِّن الرؤية الستراتيجية لغوغل ، فهي ليست بالشيء الذي يأخذه أي
شخصٍ آخر بجدية بالغة. لكن غوغل تفهم شيئاً ما بخصوص المعطيات لا يفهمه أي
شخص آخر، و هي ترغب في جعل الاستثمارات ضرورية لمعالجة هذه الأنواع من
المشاكل المعقدة أمام السوق ". لقد ظل خلق آلة للترجمة يُنظر إليه لزمنٍ
طويل على أنه أعسر التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي. و لعقودٍ عدة، حاول
علماء الكومبيوتر استخدام طريقة قائمة على قواعد لتعليم الكومبيوتر القواعد
اللغوية المتعلقة بلغتين و تزويده بالقواميس الضرورية. و يتضح من ذلك أن
هذه التقنية، التي تتطلب مقادير هائلة من المعطيات و كميات من القدرة
الكومبيوترية horsepower، هي على مرام غوغل تماماً. و يقول فيك غَندوترا،
نائب رئيس للهندسة في غوغل : " إن بنيتنا التحتية ملاءَمةٌ جيداً جداً
لهذا. و يمكننا أن نتخذ مقارباتٍ لا يستطيع الآخرون حتى أن يحلموا بها ".
(2)
إن
أنظمة الترجمة المؤتمَتة ( أو الآلية ) Automated ( أي المشغَّلة
أوتوماتيكياً ) بعيدة الآن عن كونها كاملة، و حتى أنظمة غوغل لن تجعل من
الممكن الاستغناء عن المترجمين البشر في أي وقتٍ قريب. و يقول الخبراء إن
من الصعب جداً على الكومبيوتر تفكيك الجملة إلى أجزاء، ثم ترجمتها و إعادة
جمعها.
غير أن خدمة غوغل جيدة بما فيه الكفاية لنقل جوهر مادةٍ خبرية، و
أصبحت مصدراً سريعاً للترجمات بالنسبة لملايين الناس. " فإذا كنتَ بحاجةٍ
إلى ترجمةٍ استقرابية، أو صالحة لتمشية الحال rough-and-ready، فغوغل هو
المكان المناسب للذهاب إليه "، كما قال فيليب ريسنِك، خبير في ترجمة الآلة و
بروفيسور زميل في اللغويات بجامعة ميريلاند، كلية بارك.
و كما هي حال
منافساتها في هذا المجال، و أجدرها بالذكر ميكروسوفت و I.B.M. ، فإن غوغل
قامت بتغذية آلة ترجمتها بنسخ من محاضر جلسات الأمم المتحدة، التي يترجمها
أشخاص إلى ست لغات، و تلك الخاصة بالبرلمان الأوروبي، التي تُترجَم إلى 23
لغة.و تُستخدم هذه المادة الخام للتدريب على أنظمة تتعلق باللغات الأكثر
شيوعاً.
لكن غوغل قامت بصقل نص شبكة الانترنيت، بالإضافة إلى المعطيات
المأخوذة من خطة تفحص الكتب لديها و من مصادر أخرى، من أجل الانتقال إلى ما
بعد تلك اللغات. و قد قامت، بالنسبة إلى اللغات الأكثر غموضاً، بإطلاق "
أداة تزويد tool kit " تساعد المستخدمين بالترجمات ثم تضيف تلك النصوص إلى
قاعدة بياناتها الكومبيوترية. إن ما تقدمه غوغل يمكنه أن يؤثر في مبيعات
برامج الترجمة المشتركة من شركاتٍ مثل I.B.M.. لكن الترجمة المؤتمتة لا
يُحتمل أبداً أن تكون ذات مردودٍ مالي كبير، في الأقل ليس بمقاييس العمل
الإعلاني في غوغل. و مع هذا، فإن مساعي غوغل يمكن أن تثمر بطرقٍ متعددة.
و
لكون إعلانات غوغل إنترنيتية كلّياً، فإن كل ما يجعل الأمر أسهل على الناس
لاستخدام الشبكة يحقق نفعاً للشركة. و باستطاعة النظام أن يؤدي إلى
تطبيقات أو استخدامات جديدة مهمة. و قد أعلنت الشركة في أوائل آذار الماضي
أنها سوف تستخدم تمييز الكلام لإيجاد تعليقات على أشرطة فيديو يو تيوب
YouTube باللغة الانكليزية، يمكن عندئذٍ ترجمتها إلى 50 لغةٍ أخرى. و قد
صرح فرانز أوتش، و هو عالم في غوغل يقود فريق ترجمة الآلة، قائلاً " إن هذه
التكنولوجيا يمكنها أن تجعل عائق اللغة يزول، و سوف تسمح بالتالي لأي شخص
بالاتصال مع أيٍّ شخصٍ آخر ". و أضاف السيد أوتش، و هو باحث ألماني عمل
سابقاً في جامعة كالفورنيا الجنوبية، أنه كان متردداً في الأول في الانضمام
إلى غوغل، خوفاً من أنها ستعامل الترجمة كمشروعٍ جانبي. و قد دعا لاري
بيج، المؤسس الآخر لغوغل، إلى طمأنته. و قال السيد أوتش مستذكراً ذلك " لقد
قال بشكلٍ أساسي إن هذا أمرٌ مهم جداً بالنسبة لغوغل ". و قد وقّع السيد
أوتش العقد في عام 2004 و سرعان ما كان قادراً على وضع وعد السيد بيج موضع
الاختبار.
و في الوقت الذي تستخدم فيه أنظمة ترجمة كثيرة مثل غوغل ما
يصل إلى بيليون كلمة من النصوص لخلق نموذج للّغة، فإن غوغل فعلت ما هو أكبر
بكثير : عدة مئات من بلايين الكلمات الانكليزية. " و تُصبح النماذج أفضل و
أفضل كلما عالجتَ نصوصاً أكثر "، كما قال السيد أوتش. و كان لهذا الجهد
مردوده. فقد فازت غوغل في مسابقةٍ بإدارة الحكومة تختبر أنظمة ترجمة
مطوَّرة. و توالت بعدها تطوبرات غوغل في هذا المجال، و منها على سبيل
المثال نظام البحث بواسطة الصوت، و خدمة تُدعى Goggles تقوم بتحليل الصور
الهاتفية الخليوية، ملائمةً إياها لقاعدة بيانات أكثر من بيليون صورة
أونلاين، بما في ذلك صور شوارع التُقطت لخدمتها المعروفة بـ " مشهد الشارع
Street View