الإسلام ومقتضيات العصرمن بين
جميع الأديان والمذاهب لا يوجد مذهب أو دين تدخل في الشؤون الحياتية للناس
كما تدخل الإسلام. إنّ الإسلام لم يكتف في مقرراته بمجموعة من العبادات
والأذكار والأوراد ومجموعة أخلاقيات وإنّما قام بالإضافة إلى بيان علاقات
العباد بربهم. بتوضيح الخطوط الرئيسة للعلاقات الإنسانية وحقوق وواجبات
الأفراد تجاه بعضهم البعض. لذا فإنّ مسألة الإنسجام مع العصر فيما يتعلق
بالإسلام بمواصفاته هذه، مسألة واردة.
ومما يلفت النظر انّ الكثير من العلماء والكتاب الأجانب، قد درسوا الإسلام
من حيث قوانينه الإجتماعية والمدنية واقروا انّ القوانين الإسلامية مجموعة
من القوانين الراقية، وأشادوا بميزة هذا الدين لحيويته وقابلية قوانينه
للإنسجام مع التقدم العصري.
قال برنارد شو الكاتب الإنكليزي المتحرر المعروف: "لقد كنت دائماً أكن غاية
الإحترام لدين محمد (ص) بسبب حيويته العجيبة، وفي رأيي انّ الإسلام هو
الدين الوحيد الذي يملك الإستعداد للتلاؤم ولتوجيه الحالات المتنوعة والصور
الحياتية المتغيرة ولمواجهة العصور المختلفة، وأنني لأتنبأ – وان علامات
هذه النبوءة قد ظهرت منذ الآن – أن دين محمد (ص) سيكون محل قبول أوربا
غداً".
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى – نتيجة للجهل أو التعصب – قد رسموا لدين
محمد (ص) صورة قاتمة، فقد كانوا يعتبرونه عدواً للمسيحية. لكنني قد اطلعت
على أمر هذا الرجل فوجدته اعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدواً
للمسيحية بل انّه يجب أن يسمى منقذ البشرية. وفي رأيي انّه لو تولى أمر
العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو
البشر إليهما".
والدكتور شبلي شميل العربي اللبناني، المادي المذهب، قام بترجمة كتاب أصل
الأنواع لداروين إلى اللغة العربية لأوّل مرّة مع شرح (بوخنر) الألماني
وجعله في متناول أيدي الناطقين باللغة العربية. بقصد محاربة العقائد
المذهبية.
انّه بالرغم من ماديته إلاّ أنّه لا يخفي إعجابه بالإسلام وما بناه من
عظمة، وكان على الدوام يعد الإسلام مبدأً قابلاً للتطبيق في كل زمان.
هذا الرجل كتب مقالة تحت عنوان (القرآن والعمران) في الجزء الثاني من كتابه
فلسفة النشوء والإرتقاء والصادر باللغة العربية. هذه المقالة هي رد على
أحد الأجانب الذين زاروا البلاد الإسلامية وعد الإسلام مسؤولاً عن تأخر
المسلمين. يسعى شبلي شميل من خلال هذه المقالة إلى إثبات ان سبب تأخر
المسلمين هو الإنحراف عن تعاليم الإسلام الإجتماعية لا الإسلام، وان أولئك
الغربيين الذين يهاجمون الإسلام اما انّهم لا يعرفونه أو انهم سيّئو النية
يريدون أن يشوهوا صورة القوانين والمقررات الإسلامية في أنظار الشرقيين
ويضعوا طوق العبودية في أعناقهم.
وفي عصرنا أصبح التساؤل حول ما إذا كان الإسلام ينسجم مع العصر أو لا أمراً
عاماً. وحين اتصلت بمختلف طبقات المجتمع وخصوصاً الطبقة المثقفة والمطلعة،
لم أجد موضوعاً يسألون عن أكثر من هذا الموضوع بالذات.
المصدر: كتاب نظام حقوق المرأة في الإسلام