التحديات التي تواجه الإسلام في العصر الحديث- تمهيد:
لا جدال في أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عمّا سبقه من حقب تاريخية،
ولعله لا مجال هنا للمقارنة نظراً لما طرأ على عالمنا المعاصر من تطورات،
وما جد فيه من متغيرات متسارعة، وما ظهر فيه من مخترعات باهرة لم تكن تخطر
على بال أحد من كُتّاب روايات الخيال العلمي.
فالواقع المعاصر فاق كل التوقعات.. إنّه عصر الثورة العلمية والتكنولوجية
وثورة المعلومات والإتصالات والإستنتساخ.. وكل يوم يشهد عالمنا المعاصر
مزيداً من الإكتشافات والمخترعات والمفاجآت، ويخلق ما لا تعلمون.
والسؤال هو: أين عالمنا الإسلامي من ذلك كلّه؟
ألا يعد جزءاً من هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي أصبح – كما يقال كثيراً – مثل قرية كونية صغيرة؟
ألا يتأثّر بكل ما يحدث في هذا العالم من متغيرات؟ وهل يستطيع أن يعزل نفسه عن ذلك كلّه؟
هل اكتفى عالمنا الإسلامي بدور المتفرج على ما يدور حوله من تطورات، وقنع
بدور المستهلك لما ينتجه عالمنا المعاصر من منجزات في مجالات العلم
والتكنولوجيا والترفيه؟
إنّ ما جد في العالم من تطورات، على جميع المستويات السياسية والإقتصادية
والإجتماعية والعلمية، يحمل معه تحديات كثيرة لعالمنا الإسلامي، فهل استعدّ
المسلمون لمواجهتها وبذل الجهد للتغلب عليها؟
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع، نودّ هنا أن نؤكِّد أنّ كل التحديات
التي تحيط بعالمنا الإسلامي ليست تحديات تواجه الإسلام بوصفه الدين الخاتم،
الذي تستطيع شريعته أن تواجه كل الظروف والمتغيرات في كل زمان ومكان لما
تمتاز به من المرونة والإعتدال. فالتحديات القائمة واللاحقة هي في حقيقة
الأمر تحديات للمسلمين، وليست تحديات للإسلام ذاته.
إنّها تحديات تواجه عقول المسلمين وقدرتهم على استيعاب تطورات العصر، والوعي بالزمن، والوعي بالتطور التاريخي.
والوعي بالزمن يعني وعياً بحركة الزمن من ماض إلى حاضر إلى مستقبل، وأنها
دائماً في صعود. فالتاريخ يسير إلى الأمام ولا يتراجع إلى الوراء. أمّا
الوعي بالتطور التاريخي، فإنّه يعني نقلة نوعية تشتمل على إضافة حضارية
يسجلها التاريخ. وحتى يكون هذا الوعي حاضراً في الأذهان، لابدّ من التغلب
على العقبات التي تعترض طريق هذا الوعي وتحجب عنه الرؤية الصحيحة والإدراك
السليم.
وهذه العقبات تمثل تحديات أمام الأُمم. والأُمم التي تدرك ما يدور حولها
بوضوح وتدرك متطلبات كل عصر، وتستجيب للتحدي وتتغلب عليه وتكون جديرة
بالحياة والبقاء. أمّا الأُمم التي تنهزم أمام التحدي، فإنّها تفنى وتطوى
صحيفتها في زوايا النسيان دون أن تقوى على التحرك نحو المستقبل.
إنّ التحديات التي تواجه المسلمين في عالم اليوم تحديات معقدة وفي حاجة إلى
إرادة قويّة وعزيمة صادقة لتجاوزها والسير صعوداً نحو مستقبل مشرق إن شاء
الله.
وعندما نتأمّل هذه التحديات، نجد أنها ليست كلها جديدة تماماً، فقد بدأ
بعضها في الظهور في النصف الأخير من القرن العشرين، بوصفة خاصة في العقد
الأخير منه، فقد حدثت في هذا العقد تطورات بالغة الأهميّة وعلى رأسها
انهيار الإتحاد السوفيتي السابق، وظهور القطب الواحد في العالم، وانتشار
الخوف غير المبرر من الإسلام في الغرب بوصفه العدو البديل أو الخطر القادم
الذي يهدد الحضارة العالمية، والترويج لنظرية صدام الحضارات ونهاية
التاريخ، والتطورات العلمية الجديدة مثل الإستنساخ وزراعة الأعضاء، وغيرها
ممّا قد يزعزع المعتقد الديني في عالم القرن الواحد والعشرين.
وإذا كانت هذه التحديات خارجية، فهناك بالإضافة إلى ذلك تحديات داخلية
عديدة، من أهمّها: التخلف الذي تعاني منه الأُمّة الإسلامية، وانتشار ظاهرة
الإرهاب في العالم الإسلامي على نطاق واسع، رغم أنها تعد ظاهرة عالمية.
ويرتبط بذلك كله أيضاً الفهم الخاطئ للإسلام، والتفسيرات المغلوطة
لتعاليمه، وخطر الأصدقاء الجهال للإسلام الذين هم أشد ضرراً على الإسلام من
خصومه. وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل يُبيِّن موقف الإسلام من ذلك كله.
- التحديات الداخلية:
التغلب على التحديات الداخلية يعد المدخل الطبيعي للتغلب على التحديات
الخارجية، فترتيب البيت من الداخل يعني أن تكون له الأولوية، فضلاً عن أنه
من ناحية أخرى مرتبط بشكل وثيق بتحديات الخارج، بمعنى أنه إذا تعافى العالم
الإسلامي من أمراضه الداخلية وتغلب على تحديات الداخل، فإنّه يكون حينئذ
في وضع يؤهله للتغلب على التحديات الخارجية.
وفيما يلي نلقي بعض الضوء على أهم التحديات الداخلية:
أ) التخلف: يعد التخلف – الذي يسود المجتمعات الإسلامية – أخطر التحديات
الداخلية التي تواجه العالم الإسلامي. وهذا التخلف ليس تخلفاً على المستوى
المادي فحسب، وإنما هو تخلف شامل لشتى النواحي العلمية والفكرية والأخلاقية
والإقتصادية والإجتماعية والسياسية. ولا يغرن أحداً تلك القشرة الحضارية
الظاهرية في عالمنا الإسلامي. فالمسلمون اليوم – للأسف الشديد – ليسوا أكثر
من مستهلكين لمنجزات الحضارة المعاصرة وليسوا منتجين لها أو مشاركين فيها.
صحيح أنّ أسلافنا قد تركوا لنا رصيداً حضارياً ضخماً لازلنا نعتز به ونفخر،
ولكننا وقفنا عند هذا الحد ولم نبذل أي جهد حقيقي يضيف جديداً إلى ما
ورثناه عن آبائنا وأجدادنا. ورحم الله جمال الدين الأفغاني الذي قات ذات
مرّة: "إنّ الشرقيين كلما أرادوا الإعتذار عمّا هم فيه من الخمول الحاضر،
قالوا: أفلا ترون كيف كان آباؤنا؟"، ويضيف الأفغاني قائلاً: "نعم، لقد كان
آباؤكم رجالاً، ولكنكم أنتم أولاء كما أنتم، فلا يليق بكم أن تتذكّروا
مفاخر آبائكم إلا أن تفعلوا فعلهم".
إنّ حالة التشرذم المسيطرة على العالم الإسلامي تعد أكبر دليل على مدى
التخلف الذي تعانيه أُمّتنا الإسلامية في الوقت الذي يتجه فيه عالمنا
المعاصر إلى التوحد في تكتلات دولية قوية.
وعلى الرغم من أنّ عالمنا العربي قد سبق أوروبا في محاولته التوحد في إطار
الجامعة العربية، وعلى الرغم من تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بعد ذلك
بسنوات، فإنّ هذه الروابط العربية – الإسلامية لا تزال ضعيفة وغير مؤثرة،
في الوقت الذي قطع فيه الإتحاد الأوروبي خطوات عملاقة. فقد أصبحت هناك عملة
أوروبية واحدة، وتعاون اقتصادي قوي، وبرلمان أوروبي واحد، وتنقل حُر
للأفراد بين دول الإتحاد، وغير ذلك من مجالات أخرى كثيرة للتعاون.
ويحاول خصوم الإسلام نسبة التخلف في العالم الإسلامي إلى الإسلام، ويزعمون
أنه هو الذي يشد أتباعه إلى الوراء دائماً ولا يتيح لهم حرّية الحركة
للإنطلاق نحو آفاق التقدم. وهذا اتهام لا يستند إلى أي أساس لا من العلم
ولا من الواقع التاريخي. فالإسلام هو الذي دفع المسلمين في السابق إلى بناء
حضارة مزدهرة استمرت ما يقرب من ثمانية قرون. ويُعبِّر المرحوم مالك بن
نبي عن بطلان هذا الإتهام بقوله: "إنّ التخلف الذي تعاني منه الأُمّة
الإسلامية اليوم ليس سببه الإسلام، وإنما هو بالأحرى عقوبة مستحقة من
الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين".
وإذا كانت الحضارة لا تقوم إلا بالعلم، فإنّ الإسلام قد جعل العلم فريضة لا
تقل شأناً عن فرائض الصلاة والصوم والزكاة، وجعل مداد العلماء مساوياً
لدماء الشهداء، ووصف العلماء بأنّهم أخشى الناس لله، لأنّهم الذين يدركون
أسرار الخلق وجلال الخالق. وإذا كان الإسلام دين العلم والحضارة على النحو
الذي أشرنا إليه، فكيف وصل الحال بالمسلمين إلى أن تكون نسبة الأُمية لديهم
تصل إلى 5ر46% طبقاً لبيانات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
(الإيسيسكو)، وأن تصل هذه النسبة في أوساط النساء في بعض البلاد الإسلامية
إلى 60%.
فإذا انتقلنا إلى مجال التجارة والإقتصاد، نجد أنّ عالمنا المعاصر يتجه –
كما سبق أن أشرنا – إلى تكوين التكتلات الإقتصادية الكبرى والشركات
العملاقة المتعددة الجنسيات، وذلك في الوقت الذي نجد فيه أنّ حجم التجارة
البينية في العالم الإسلامي والعربي لا يتجاوز نسبة 8% من مجموع تجارته مع
بقية دول العالم، وذلك طبقاً لآخر التقارير الرسمية للبنك الإسلامي
للتنمية. وهذا واقع مؤلم، فهذا التخلف سيظل قائماً طالما ظلّ اعتماد العالم
الإسلامي في كل شيء – حتى في غذائه – على العالم الخارجي.
والمسلمون لديهم ثروات بشرية كبيرة وثروات مادية هائلة تتمثّل في البترول
والمعادن المختلفة التي لا يزال الكثير منها مطموراً في باطن الأرض،
ويعيشون في مناطق استراتيجية في العالم ولا ينقصهم إلا الإرادة القوية
والعزيمة الصادقة.
وقد يميل البعض إلى تفسير ما نقوله في هذا الصدد بأنّه لون من ألوان جلد
الذات، وليس هذا بالقطع ما نقصده. إنّنا في أمسّ الحاجة إلى نقد موضوعي
للذات، وهذا ما نفتقده في واقع الأمر. ونقد الذات الذي نقصده هو الخطوة
الأُولى على الطريق الصحيح.
إنّنا – نحن المسلمين – في أشدّ الحاجة إلى وقفة صادقة مع النفس نراجع فيها
مواقفنا ونتأمّل أحوالنا بكل صراحة وموضوعية. نحن في حاجة إلى أن نتحسّس
مواقع أقدامنا لنتأكّد بصدق ما إذا كانت الأرض التي نقف عليها ثابتة قويّة
أم أنها قابلة للإنهيار عند أوّل خطوة. وليس عيباً أن نواجه أنفسنا بعيوبنا
وأخطائنا، ولكن كل العيب أن نتجاهل ذلك كله ونكذب على أنفسنا معتقدين –
خطأ – أن كل شيء على ما يرام.
ب) ظاهرة الإرهاب: تعد ظاهرة الإرهاب من أخطر التحديات الداخلية التي
تواجه العالم الإسلامي. وقد شهدت الأعوام الأخيرة على وجه الخصوص تطور هذه
الظاهرة بشكل مخيف، إذ اتّجه الإرهاب إلى القتل والتدمير للأبرياء دون
تمييز بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، وتعدى ذلك إلى التمثيل بالقتلى دون سبب
مفهوم، وفي كثير من الأحيان تحت شعار إسلامي، وبصيحات الله أكبر.
وعواقب هذا الإرهاب مدمرة لقدرات الشعوب الإسلامية اقتصادياً وسياسياً
واجتماعياً، كما تمثل عقبة أمام تنفيذ الخطط التنموية في البلاد الإسلامية،
ولا شك في أنّ الإرهاب في العالم الإسلامي يتلقى الدعم والتخطيط من رؤوس
الإرهاب في الخارج، وبخاصة في الدول الأوروبية، التي وفّرت لهم على مدى
عقود الملاذ وحرّية الحركة، تحت مظلة الحماية المزعومة لحقوق الإنسان.
وفي تقديري أنّ مواجهة الإرهاب في العالم الإسلامي قد اتسمت بقصور شديد، إذ
نظر الكثيرون إليها على أنها صراع بين الإرهاب والحكومات. ومن هنا لم يظهر
الدور الشعبي في الصورة، وترك الأمر – في غالب الأحيان – للحكومات
بأجهزتها الأمنية. وذلك خطأ فادح، فخطر الإرهاب يمس الشعب كله بجميع فئاته،
ويمس مصالح كل فرد فيه، فالإرهاب يهدف إلى زعزعة استقرار المجتمع، وتهديد
أمن الوطن والمواطنين.
ومن هنا، فإنّ التغلب على التحدي الذي يمثله الإرهاب يجب أن يكون مسؤولية
المجتمع بأسره. فلم يعد مقبولاً ولا مقعولاً أن يعتمد الكل على المواجهة
الأمنية فقط، أو أن تتحمّل أجهزة الشرطة دون غيرها كل المسؤولية. إنّ الأمر
يتطلب وضع خطة قومية شاملة لمواجهة الإرهاب، تحدد فيها واجبات ومهام كل
جهة – حكومية كانت أم أهلية – ويتم تنفيذ ذلك عن طريق خطط فرعية خاصة
بمجالات عمل كل جهة، وذلك في إطار الخطة العامة.
أمّا ما يطلقه الإرهابيون من شعارات إسلامية، فإنها لا يمكن أن تخدع
عاقلاً، لأنّ الأديان كلها والإسلام بصفة خاصة يرفض العنف والقتل والإرهاب،
ويدعو إلى الرحمة والأخوّة والسلام.
والإسلام إذ يرفض العدوان رفضاً قاطعاً، فإنّه يعتبر قتل نفس واحدة كأنه
قتل للإنسانية كلها (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعاً) (المائدة/ 32).
ولا يجوز أن يغيب عن الأذهان أنّ الرحمة هي الهدف الأساسي للرسالة
الإسلامية، كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى مخاطباً نبيّه
عليه الصلاة والسلام: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء/ 107).
ج) الفهم الخاطئ للإسلام: إنّ الإسلام هو دين الإعتدال والوسطيّة، يكره
التطرُّف والغلو في الدين، ويدعو إلى التيسير على الناس والرحمة بينهم.
وعلى الرغم من تعاليم الإسلام الواضحة في هذا الشأن، فإنّ هناك اتجاهات
تُفسِّر الإسلام على هواها، وتريد أن تشده ناحية اليمين أو ناحية اليسار
بتفسيرات خاطئة تجعل منه إمّا ديناً جامداً منغلقاً متقوقعاً لا يقوى على
مسايرة الزمن، ولا يراعي متغيرات الحياة، وبذلك يشدونه إلى فهمهم السقيم
ويضيقون رحمة الله الواسعة، وإمّا أن يجعل منه فريق آخر ديناً دموياً
عدوانياً متعطشاً لسفك الدماء. وكلا الإتجاهين لا مكان له من الحقيقة، ولا
يعبر إلا عن الرؤى المريضة لمن يتحدّثون بها.
فالإسلام إذ يرفض الجمود والإنغلاق والتقوقع، فإنه من ناحية أخرى يرفض
رفضاً قاطعاً كل شكل من أشكال العنف والعدوان أو القتل والتخريب، ويُسمِّي
القرآن ذلك بأنه إفساد في الأرض يعاقب مرتكبوه بأشدّ العقاب في الدنيا
والآخرة: (أن يقتلوا أو يصلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا
من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (المائدة/ 33).
والفهم الخاطئ للإسلام يرجع إمّا إلى جهل أصحابه بجوهر تعاليم الدين، كما
هو الحال لدى الفريق الأوّل. أو خداع الجماهير برفع شعارات دينية لتحقيق
أغراض دنيوية، كما هو الحال لدى الفريق الثاني.
والأمر يحتاج إلى كشف يزيف التفسيرات الباطلة في كلتا الحالتين، وإبراز قيم
الإسلام السمحة التي تحض على الرحمة والتراحم والتسامح والعدل حتى مع
الأعداء.
وربّما يكون الفريق الأوّل حسن النية في مقابل سوء نية الفريق الثاني. ولكن
حسن النية قد يؤدي أيضاً إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها. فالصديق الجاهل
قد يكون أشدّ خطراً – دون أن يدري – من العدو العاقل، على الأقل لأنّ العدو
يسفر عن عدوانه، وبالتالي يمكن أخذ الحذر منه والإستعداد لمواجهته. أمّا
الصديق الجاهل المحسوب على الإسلام، والذي يبدي أشدّ الحرص على حمايته
بأسلوبه المتخلف، فإنّه بذلك يمثل عقبة في طريق التقدم ولا يستطيع أن يفهم
ما يدور حوله من تطورات، فضلاً عن عدم فهمه لجوهر الإسلام وروحه بوصفه
ديناً حضارياً إنسانياً بكل معنى الكلمة. وحتى يستطيع الإسلام أن يتجه بخطى
ثابتة وحثيثة نحو المستقبل، فلابدّ لأتباعه من التخلص من هذا المرض
المزدوج وذلك عن طريق الفهم المستنير للإسلام وتعاليمه، والكشف عن الوجه
الحضاري لهذا الدين الذي تتوافق تعاليمه مع كل زمان ومكان، وتثبت قدرته على
التطور ومواجهة متغيرات الحياة، وقدرته الذاتية على الصمود أمام التحديات.
وتاريخ الإسلام شاهد على ذلك.
وإذا اتضح لجماهير المسلمين أنّ الإسلام بريء من جهل أصدقائه ومن شذوذ مَن
يدعون أنهم يقتلون دفاعاً عنه، فإنّ ذلك من شأنه أن يُمهِّد السبيل للتغلب
على الصعاب والتحديات الأخرى الخارجية والتي تتخذ من الفهم الخاطئ للإسلام
من جانب هذين الفريقين ذريعة لوصم الإسلام بكل الرذائل.
- التحديات الخارجية:
وإذا كان الأمر كذلك وهو أنّ التحديات الداخلية مرتبطة بالتحديات الخارجية،
فإنّ علينا أن نُبيِّن أهم التحديات الخارجية وسبل التغلب عليها حتى يمكن
الإنطلاق إلى آفاق المستقبل بخطى ثابتة:
أ) الخوف من الإسلام في الغرب:
أثناء الحرب الباردة كان الغرب ما يزال في حاجة ماسة إلى المعاونة من جانب
الإسلام في صراعه مع الشيوعية، أو لنكن أكثر واقعية نقول: كان في حاجة إلى
مهادنة الإسلام. فالغرب يعلم علم اليقين أنّ الإسلام والشيوعية نقيضان لا
يجتمعان. ومن هنا، فقد كان من المفيد للغرب أن يتعاون مع الإسلام في هذا
الصدد. ولكن بعد أن انتهت الحرب الباردة وسقطت الشيوعية بسقوط الإتحاد
السوفيتي السابق في بداية التسعينات من القرن الماضي، لم يعد الغرب في حاجة
إلى الإسلام، فانتهت سياسة التعاون والمهادنة، لكن الأمر لم يقف عند هذا
الحد، بل راح الغرب يبحث عن عدو بديل للشيوعية، ولم يجد إلا الإسلام ليكون
هو العدو البديل، إذ يبدو أنّ الغرب لا يستطيع أن يعيش دون أن يكون له عدو،
فإذا لم يكن هناك عدو حقيقي فليتصور عدواً. وكان العدو المتصور هو
الإسلام.
وانتشرت في الإعلام الغربي فكرة الخوف من الإسلام، أو ما يطلق عليه
"إسلاموفوبيا". ولم يستطيع كبار المسؤولين في الغرب أن يخفوا هذا التصور،
فورد ذلك على لسان الأمين العام السابق لحلف الأطلنطي، وكان مايزال في
منصبه المهم، كما ورد على لسان أحد الرؤساء في الغرب.
وبدأ الحديث في الغرب عن الأُصولية الإسلامية، والإرهاب الإسلامي، والخطر
الذي يتهدد الحضارة الغربية من هذا الشر المدمر، والذي هو الإسلام في
زعمهم. واختلطت الأوراق وتاهت الحقائق وسط التدفق الإعلامي الغربي في هذا
التيار الجارف.
وقد ساعد على شيوع هذا التصور تزايد موجات العنف في بعض البلاد الإسلامية.
ومن المفارقات الغريبة أنّ الغرب نفسه هو الذي وفّر الملجأ والملاذ والدعم
وحرّية الحركة لرؤوس الإرهاب في العالم الإسلامي – كما سبق أن أشرنا إلى
ذلك - .
وهذا التوجه الغربي يعني عدم السماح بتطوير قدرات العالم الإسلامي
العسكرية، بل وحتى الإقتصادية والعلمية، رغم ما يغدقه الغرب من إمكانات
هائلة على إسرائيل، التي زرعها شوكة في ظهر العرب لتعوق أي طموحات في تطوير
قدراتهم، وتنمية بلادهم. ويعني أيضاً عدم السماح للعالم الإسلامي بأي نصيب
من المشاركة في رسم سياسة العالم عن طريق تمثيل العالم الإسلامي بمقعد
دائم في مجلس الأمن.
ب) صدام الحضارات:
ويرتبط بقضية الخوف من الإسلامي الترويج في الغرب لنظرية صدام الحضارات،
وأنّ هذا الصدام أمر حتمي. وبطبيعة الحال، يوضع في الحسبان في هذا التفكير –
بالدرجة الأولى – الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. ويستعيد
البعض ذكريات الماضي القريب والبعيد لهذا الصدام.
والهدف في النهاية هو ضرورة هزيمة الحضارة الإسلامية حتى تتمكّن حضارة
واحدة هي الحضارة الغربية بأن تكون لها اليد الطولى والسيطرة على العالم
كله، وتتأكد بصورة قاطعة فكرة العولمة التي سنتحدّث عنها بعد قليل. ولعل
ذلك كله يشكِّل مقولة نهاية التاريخ التي يتمّ الترويج لها أيضاً.
وقد سبق للفيلسوف الألماني المعروف هيجل – الذي توفي عام 1831 – أن أشار في
كتابه المعروف (فلسفة التاريخ) إلى أنّ الإسلام قد اختفى منذ زمن طويل من
أرض التاريخ العالمي – أي: لم يعد له تأثير في توجيه أحداث التاريخ – بعد
أن ركن إلى الإسترخاء واستسلم إلى السكون الشرقي -. وهنا – كما يحدث أيضاً
في الكتابات الغربية المعاصرة عن الإسلام – يتمّ الخلط بين الدين الإسلامي
وبين الواقع الحضاري المتخلف الذي تعيشه الأُمّة الإسلامية. وهذا الواقع
يمثل مرحلة عارضة في تاريخ المسلمين وليس حكماً أبدياً بالجمود والتحجر على
خمس سكان العالم.
وحقيقة الأمر أنه إذا كان البعض يتبنّى في الغرب نظرية حتمية صدام
الحضارات، فإنّ الإسلام كدين لا يرى ذلك أمراً حتمياً لا مفر منه، لأنّ
الصدام القائم بين البشر لا يقتصر على الصراع بين الحضارات. فهناك أيضاً
صراعات تقع بين البشر داخل الحضارة الواحدة، وما أكثر مثل هذه الصراعات في
عالمنا الذي نعيش فيه. وأوضح مثال على ذلك ما حدث في القرن العشرين من
حربين عالميتين داخل الحضارة الغربية راح ضحيتهما أكثر من ستين مليوناً من
البشر، الأمر الذي لا نظير له في التاريخ.
ولكن موقف الإسلام المبدئي الثابت يتلخّص في أنّ تعددية الأجناس في
المجتمعات البشرية – أو بمعنى آخر تعددية الحضارات واختلافها – لا يجوز أن
تكون مدخلاً للصراع والشقاق، وأن تمثل عائقاً أمام توحيد جهود الناس
وتآلفهم فيما بينهم. فالتعددية ينبغي أن تفتح الطريق أمام التعارف والتعاون
والتوحد. وهنا تكمن المهمة الإنسانية التي ينبغي على الإنسان حيثما كان
موقعه أو معتقده أن يتحمّل مسؤوليتها. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك بقوله:
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)
(الحجرات/ 13).
وهنا جعل القرآن الإختلافات بين البشر مدخلاً للتعارف والتآلف والتعاون لا
مقدمة للنزاع والشقاق والصراع. فنظرية الصراع الحتمي للحضارات مرفوضة
أساساً من الإسلام، الذي يقرر أنّ الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة،
وأنّ العدوان على نفس واحدة يعد عدواناً على البشرية كلها وليس على طائفة
معيّنة أو حضارة بعينها. ومن هنا، فإنّ التصور الإسلامي أوسع دائرة وأرحب
أفقاً وأعمق في إنسانيته من تلك التصورات العنصرية التي تسعى إلى إعلاء شأن
حضارة ما على غيرها من الحضارات والثقافات.
ج) العولمة:
ومنذ سنوات، ظهر الحديث عمّا يُسمّى بالنظام العالمي الجديد، وبخاصة بعد
انهيار الإتحاد السوفيتي السابق، وأصبح الحديث عن العولمة (Globalization)
أمراً مطروحاً. ولم يعد خافياً على أحد أنّ هناك تياراً جارفاً تقوده القوة
الأعظم في العالم يتمثل في الترويج للقيم والمعايير التي تعتمدها الحضارة
الغربية القائمة. وأنّ على الجميع في العالم أن يتواءم معها وأن يعتنق
مبادئها ونظمها إذا أراد لنفسه مكاناً في مسيرة العالم المعاصر.
وهذا يعني أن تسود حضارة واحدة بقيمها ومثلها، وأن يترسّخ مفهوم العولمة أو
القطب الواحد في الأذهان. وبذلك يختفي مفهوم التعددية الحضارية المتعارف
عليه منذ فجر التاريخ. ومن ثمّ يصبح الخضوع لنظام العولمة أمراً لا مفر
منه، ولا فكاك لأي دولة في العالم إلا أن تنضوي تحت لوائه، وإلا فإنّ الزمن
والأحداث سوف تتجاوزها.
ويعد نظام العولمة – بالمفهوم المشار إليه – من التحديات الكبرى التي تواجه
العالم الإسلامي في العصر الحاضر. فهل يمكن إخضاع الإسلام والمسلمين لهذا
النظام؟ حيث تختفي الحواجز الحضارية والثقافية في العالم الجديد؟
إنّ حقائق الدين الإسلامي وطبيعته ووقائع التاريخ تُبيِّن أنّ الإسلام لا
يمكن أن يذوب في أي نظام آخر، فله ذاتيته المستقلة وكيانه الخاص. ولكن هذا
التصور الإسلامي لا يتناقض مع أي كيانات أخرى، لأنّ التعددية الدينية
والحضارية قد كفلها الإسلام منذ أن قامت للإسلام دولة، وترسّخت هذه
التعددية في دستور المدينة الذي أعلنه الرسول محمّد (ص).
وقد كانت الحضارات في البلاد التي دخلها الإسلام روافد أثرت الحضارة
الإسلامية. فالإسلام يعتبر الحضارات إنجازاً إنسانياً، وإضافات للتراث
الإنساني الذي هو بطبيعته أخذ وعطاء. ولا توجد أُمّة عريقة في التاريخ إلا
وقد أعطت كما أخذت من هذا التراث. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ هدف نظام
العولمة يعد مناقضاً لطبيعة الأُمور. فلا يمكن أن تذوب السمات الحضارية
الأساسية للشعوب التي لها بصمات حضارية لا تمحى في سجل التاريخ.
والإسلام إذ يقر التعددية الدينية والحضارية، فإنه من ناحية أخرى يقر في
الوقت نفسه بأنّ هناك قواسم مشتركة بين كل الحضارات. وهذه القواسم المشتركة
تعد المدخل الحقيقي للتعاون بين الحضارات وليس الصراع فيما بينهما. ومن
هنا كان تأكيد القرآن الكريم على أنّ الإختلافات بين الشعوب لا يجوز أن
يكون عائقاً أمام التعارف والتآلف والتعاون بين الأُمم والحضارات، كما سبقت
الإشارة إلى ذلك في الآية الكريمة: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).
ومن ذلك يتضح أنّ الإسلام سيقف صامداً أمام كل محاولة لتذويبه في أي حضارة
أخرى أو في أي نظام عالمي جديد. ولكنه في الوقت نفسه سيظل دائماً على
استعداد لأن يكون شريكاً لأي نظام عالمي يسعى إلى خير الإنسان وتقدمه
وازدهاره.
د) التطورات العلمية الحديثة:
وبالإضافة إلى هذه التحديات المشار إليها، نجد أنّ هناك تحدياً آخر يتمثّل
في الإنجازات العلمية المتلاحقة على الأرض وفي الفضاء، والتي تسارعت خطاها
على نحو مذهل ووصلت الآن إلى إتمام استنساخ كامل لبعض فصائل الكائنات
الحيّة، ولعل السنوات القليلة القادمة ستشهد استنساخ البشر رغم المعارضة
القوية لذلك في كثير من بلاد العالم.
ويعد العلم بصفة عامة سلاح العصر، فمن يملك العلم يملك القوة، ومَن يملك
القوة يستطيع أن يفرض نفسه في عالم اليوم. أمّا الدول التي لا تملك العلم،
فإنّها تقنع بأن تكون تابعة ومستهلكة لمنتجات الآخرين (وزبوناً دائماً في
"سوبرماركت" الأقوياء).
فأين موقف الإسلام والمسلمين من ذلك كله؟ وهل استعدّ المسلمون للمشاركة
الجادة في الجهود العلمية؟ وهل هناك أمل في أن يحتل المسلمون مكاناً في
الخريطة المؤثرة للقرن الحادي والعشرين؟
لا شك في أنّ التوجهات الفكرية والدينية في أي أُمّة لها تأثيراتها البالغة
في المواقف الحاسمة التي تتخذها الأُمم، والتي تحدد مصيرها ومكانها على
خريطة العالم. وإذا نظرنا إلى موقف الإسلام من العمل وتطوراته – وهذا
الموقف الديني ينبغي أن يكون له تأثيره على توجهات المسلمين - ، فإنّنا نجد
أنّ الإسلام ينفرد بين الأديان المختلفة بجعله العلم فريضة من فرائض
الإسلام، لا تقل في أهميّتها عن فرائض الصوم والصلاة والزكاة، لأنّ العلم
هو السبيل إلى إعمار الكون. وإعمار الكون في الإسلام يعد من الأوامر
الإلهية التي ينبغي تلبيتها على المستويين المادي والمعنوي، كما جاء في
القرآن الكريم: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (هود/ 61)، أي: طلب
منكم عمارتها وصنع الحضارة فيها.
والإسلام بذلك يساند العلم ويدعم مسيرته. ولا يمكن أن يكون هناك تعارض بين
الإسلام وحقائق العلم بأي شكل من الأشكال. ومجال العلم في الإسلام غير
محدود، فهو يشمل السماء والأرض وما بينهما. فليس هناك قيود ولا سدود في
الإسلام تقف في طريق التقدم العلمي مادام ذلك في مصلحة الإنسان، وهذه
المصلحة تحوطها القيم الأخلاقية بسياج يحميها من سوء الإستغلال. وكل تقدم
علمي هو في الوقت نفسه دعم للدين من المنظور الإسلامي لأنه يُبيِّن قدرة
الخالق. ومن أجل ذلك، أكّد القرآن على أنّ العلماء هم أخشى الناس لله لأنهم
أقدر الناس على معرفة أسرار الخلق وجلال الخالق.
وقضية الإستنساخ إذا كان فيها مصلحة للإنسان في مجال النبات أو الحيوان،
فلا يستطيع عاقل أن يرفضها بإسم الدين. أمّا الإستنساخ في مجال الإنسان،
فإنه إذا اقتصر الأمر على استنساخ أعضاء معيّنة تنفع الإنسان وتقضي على
كثير من آلامه، حينما يحتاج إلى عضو بديل عن عضو انتهت صلاحيته، فليس هناك
من جانب الدين ما يمنع من ذلك.
أمّا الإستنساخ الكامل للإنسان، فليس هناك اتفاق على أنه يحقق مصلحة واضحة
للإنسان، بل العكس هو الصحيح، وهو أنه ستترتب عليه مشكلات عديدة على
المستويات الدينية والأخلاقية والقانونية والإجتماعية وغيرها.
إنّ المشكلة – إذن – ليست بين الإسلام والتطورات العلمية، ولا يمكن أن تشكل
هذه التطورات تحدياً للإسلام. إنما المشكلة في مدى انسجام المسلمين مع
تعاليم الإسلام المشار إليها ومدى ملاحقتهم للتطورات العلمية، ومشاركتهم في
البحث العلمي مشاركة جادة يستطيعون من خلالها أن يعبروا إلى المستقبل في
ثبات وثقة. فالمسلمون لا تنقصهم الإمكانات المادية أو البشرية، وهم ليسوا
أقل ذكاء من غيرهم، فالله قد أعطى العقل لكل الناس، وكما قال الفيلسوف
الفرنسي الشهير ديكارت: "إنّ العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس".
فهل يقبل المسلمون التحدي ويتحرّكون بخطى سريعة نحو آفاق العلم الواسعة
ليثبتوا وجودهم وإسهامهم في مسيرة التقدم العلمي ليكونوا مؤهلين وجديرين
بالدخول إلى عالم المستقبل لكي يحتلوا فيه مكانهم اللائق بهم ويثبتوا
وجودهم عن طريق الأفعال وليس فقط عن طريق الأقوال؟ إنّ هذا ما سوف تكشف عنه
السنوات القادمة إن شاء الله، وإنّ غداً لناظره قريب.
- خاتمة:
وقبل أن نختم حديثنا عن الإسلام وتحديات العالم، نودّ أن نؤكِّد مرّة أخرى
أنّ هذه التحديات ليست في حقيقة الأمر تحديات للإسلام كدين، وإنما هي
تحديات لأفهام المسلمين. فإذا ارتفعت هذه الأفهام إلى مستوى الأحداث وأدركت
مقتضيات العصر، فستجد أنّ الإسلام من أشد أعوانها على التغلب على كل
التحديات. فالإسلام دين للحياة بكل معنى الكلمة، وهو صالح في جوهره لكل
زمان ومكان، ومتوائم مع طبيعة الإنسان.
أمّا إذا قصرت همم المسلمين وأفهامهم عن استيعاب تطورات العصر ومتغيرات
الحياة، فإنّها ستكون أيضاً قاصرة عن فهم طبيعة التعاليم الإسلامية، وغير
مدركة لما تشتمل عليه من مرونة. وهذه الأفهام السقيمة هي التي تجمد
الإسلام، وتريد أن تشده إلى تخلفها الفكري وتحجرها العقلي وجمودها الديني،
ومن ثمّ تكون أخطر على الإسلام من أي تحديات خارجية.
وينبغي على المسلمين أن يدركوا أنهم إذا أرادوا لأنفسهم الحياة، فإنه ليس
أمامهم – في القرن الحادي والعشرين – خيار آخر غير خيار العلم والتقدم
والحضارة، وأي طريق آخر سيستمر في جذبهم إلى التخلف والجمود، وينتهي بهم
إلى أن تتجاوزهم الأحداث وينساهم التاريخ. فالقضية – إذن – قضية مصير: إمّا
أن يكونوا أو لا يكونوا.
والأمل معقود على أن رصيد المسلمين الحضاري وتاريخهم المجيد في مضمار العلم
والتقدم سيحفز همهم ليستعيدوا أمجاد أسلافهم، ويكونوا جديرين بالإنتساب
إليهم.
وخلاصة القول: أنّ الإسلام بمبادئه السامية وتعاليمه الواضحة وقوته
الذاتية، قادر على تلبية متطلبات الحياة المعاصرة ومواجهة التحديات الحاضرة
والمستقبلية. ولم يكن الإسلام – ولن يكون – سبباً في تعطيل مسيرة التقدم
في العالم الإسلامي على جميع المستويات.
ومن هنا يمكن القول بأنّ الإسلام مؤهل بكل المقاييس لمواجهة تحديات العصر
الحديث، ومؤهل للتعاون باستمرار مع كل القوى المحبة للسلام والتقدم في
العالم من أجل خير الإنسان وسعادته في كل زمان ومكان