ويعمل الباحثون في مصانع السيارات الرئيسية في
العالم ومصنعو محركات الديزل على معرفة ما إذا كانت التقانة
HCCI ستكون ذات جدوى من الناحيتين التقنية
والاقتصادية، آخذين في الحسبان مواصفات التلوث الحكومية المتزايدة الصرامة،
ومعرفة أن الوصول إلى تقانة خلايا الوقود العملية والمقبولة التكلفة (وبكميات
إنتاج ضخمة) لاتزال بعيدة المنال ولسنين قادمة. وهكذا فإن المحركات المعتمدة
على هذا النهج الجديد من الاحتراق يمكن أن تقوم بدور التقانة التي تصل بين
المحركات الحالية من جهة (سواء محركات الديزل ذات الانبعاثات المرتفعة أو
محركات المكابس التي تعمل بوقود الگازولين) وبين قطارات الغد الفائقة النظافة
التي تستمد طاقتها من خلايا الوقود، من جهة أخرى.
إن أحد الأدلة القوية على أن المحرك المتجانس الشحنة
والانضغاطي الاشتعال قد يكون الحدث الكبير التالي في صناعة السيارات، يتجلى في
الحضور الكثيف لجلسات التقنية الخاصة بالاحتراق HCCI
في المؤتمر العالمي الأخير لجمعية مهندسي السيارات (SAE)
المنعقد في مدينة ديترويت بالولايات المتحدة عام 2001. والدليل الآخر هو
الارتفاع الملحوظ في عدد النشرات التقنية التي صدرت عن هذا الموضوع، وذلك حسب
ما صرح به
[أستاذ الهندسة
الميكانيكية في جامعة ميتشيگان بمدينة آن آربر ومدير مركز أبحاث السيارات في
الجامعة ذاتها]. وأضاف: «في عام 1995، لم ينشر سوى عدد قليل من النشرات
المتعلقة بالتقانة HCCI، لكننا نشهد منذ ذلك
الحين ما يبدو أنه تزايد أُسِّي في عدد النشرات.»
وهناك مؤشر آخر إلى المكانة الرفيعة الجديدة للتقانة
HCCI يتمثل في الدعم البحثي المتزايد الذي تقوم
به وزارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت بتمويل هذه الدراسة
في عام 1997. إن «الشراكة من أجل جيل جديد من المركبات»، وهو اتحاد للبحث
والتطوير يضم مسؤولين حكوميين ورجال الصناعة وعلماء جامعيين ومهندسين متفرغين
لدراسة التقانة المتقدمة في صناعة السيارات، قد تمخض عن برنامج بحثي أكاديمي
يمتد على مدى أربع سنوات بكلفة قدرها ثلاثة ملايين دولار لدراسة عملية الاحتراق
الجديدة. وفي الوقت ذاته، قام رجال الصناعة بالتعاون مع الباحثين الأكاديميين
العاملين في هذا المجال بإعداد تقرير عن هذه التقانة لرفعه إلى الكونگرس
الأمريكي. ويلاحظ أن الاهتمام بالموضوع تعاظم أيضا في اليابان، حيث يقوم
المهندسون الرواد الذين استخدموا التقانة HCCI
بتسميتها باسم الاحتراق الجوي ـ الحراري الفعال؛ وكذلك الأمر في أوروبا حيث
تعرف باسم الاشتعال التلقائي المنضبط.
الاحتراق الخفيف النظيف (**)
يمكن أن ينظر إلى التقانة
HCCI على أنها تقانة هجينة تجمع المزايا الجذابة لكل من محركي الگازولين
والديزل التقليديين لتحقيق وفر جيد في الوقود وانبعاثات عوادم قريبة من الصفر.
ويمكن القول، بصفة عامة، إن محركات الاحتراق الداخلي تقع في أربع فئات تتحدد
بدرجة المزج ما بين شحنة الوقود والهواء في أسطوانة المحرك وبكيفية اشتعال تلك
الشحنة. يصنف محرك الگازولين المألوف ضمن المحركات ذات المزيج المتجانس الذي
يشعل بشرارة كهربائية لأنه محرك تشعل فيه شحنة الوقود والهواء الممزوجة جيدا
بوساطة شرارة من شمعة إشعال(1)، في حين أن محرك الديزل هو مثال على صنف
المحركات ذات المزيج غير المتجانس الذي يُشعل بالانضغاط، حيث يُرذ
sprayed الوقود ضمن أسطوانة المحرك خلال شوط
stroke المكبس الانضغاطي ويعمل التدفق المضطرب
turbulent flow على
مزج الوقود جزئيا مع الهواء إلى أن تؤدي درجة الحرارة الآخذة بالارتفاع إلى
إحداث الاحتراق. ويعد محرك الگازولين المباشر الحقن محركا غير متجانس يشعل
بالشرر، لأن الوقود المحقون فيه يمتزج جزئيا مع الهواء إلى أن يُشعَل بوساطة
شرارة. وأخيرا فإن النوع الرابع هو المحرك المتجانس الشحنة والانضغاطي
الاشتعال، وكما يدل اسمه يجري مسبقا في هذا المحرك مزج شحنة الوقود بالهواء
بصورة جيدة ومن ثم يضغط المزيج بمكبس إلى أن يشتعل تلقائيا.
ولما كانت كمية الوقود المحترقة داخل المحرك
HCCI منخفضة مقارنة بحجم الهواء، لذلك تبقى درجات
حرارة الاحتراق منخفضة نسبيا. ويؤدي ذلك إلى جعل المحرك ينتج فقط كميات صغيرة
من أكاسيد النتروجين. ونظرا لأن الشحنة تكون ممزوجة جيدا ولا تحوي كمية زائدة
من الوقود فإن الاحتراق لا يولد سوى كمية صغيرة من جسيمات الهباب. ويكون مردود
(كفاءة) efficiency المحرك عاليا لأن عملية
الاحتراق HCCI تسمح باستعمال نسب انضغاطية عالية
مماثلة للديزل (مولدة كَمًّا أكبر من الطاقة من وحدة الوقود المحترق)، وكذلك،
وكما هي الحال في الديزل، فإن محركات HCCI يمكنها
أن تواجه متطلبات الحمولة دون اللجوء إلى خنق (خمد) السَّحْب
intake throttling وبذلك تتجنب ما يسمى الفقد
بالتنفس breathing losses. أضف إلى ذلك أن
التصميم الهندسي الجيد لهذه المحركات يمكِّنها من حرق أي نوع من الوقود
الهدروكربوني أو حتى الهدروجين.
ويعكف مهندسو السيارات والباحثون في الاحتراق على
دراسة هذا الشكل البديل من محركات الاحتراق الداخلي لأن التشكيلات الدفعية
propulsion configurations المتوافرة حاليا ليست
مؤهلة لتحقيق متطلبات القوانين البيئية المستقبلية التي سوف تفرض قيودا صارمة
على انبعاثات العوادم المحتوية على غازات الاحتباس الحراري ـ وبخاصة ثنائي
أكسيد الكربون ـ والملوثات الأخرى بما فيها أكاسيد النتروجين والجسيمات وأحادي
أكسيد الكربون والهدروكربونات غير المحترقة. ويعمل محرك الگازولين عند حرارة
مرتفعة جدا ولا يتميز بالكفاءة في استهلاك الوقود مما يجعله غير قادر على تحقيق
الهدف المنشود، لأن عدم قدرته على الاقتصاد في الوقود يؤدي إلى إنتاج مفرط
لثنائي أكسيد الكربون، في حين يُنتج الاحتراق عند درجة حرارة مرتفعة، الكثيرَ
من أكاسيد النتروجين. وعلى عكس ذلك، يولد محرك الديزل المشهود له بالكفاءة في
الوقود الكثير من أكاسيد النتروجين، كما يؤدي إلى انبعاث كبير لجسيمات الهباب،
مما يجعله عاجزا عن تحقيق مستويات التلوث القياسية التي ستقر في المستقبل
القريب. وعلى الرغم من أن نظم المعالجة الحفزية اللاحقة تبعث الأمل في إمكانية
تنظيف انبعاثات العوادم من هذه المحركات التقليدية، فإن هناك الكثير من الشك في
إمكان إنجاز ذلك بكلفة مقبولة. وعلى الرغم من أن محركات الگازولين المباشرة
الحقن تعتبر أكثر توفيرا في استهلاك الوقود فإن مستويات انبعاث أكاسيد
النتروجين والهدروكربونات ليست أقل بكثير مما نجده في مثيلاتها من محركات
الگازولين التقليدية. ولذلك تتطلب، إذا ما بقيت على حالها، استخدام نظم معالجة
لاحقة معقدة لغازات العوادم، وهذه النظم بدورها تتطلب صنفا جديدا من الگازولين
المنخفض الكبريت لتجنب تسمم الحفّازات الموجودة فيها.
ويبدو أن تقانات الدفع البديلة المتوفرة حاليا لا
تشجع على إرجاء البحث عن تقانة نقل للأفراد تتمتع بمواصفات بيئية واقتصادية
سليمة. فالسيارات الكهربائية لا تتصف في الوقت الحاضر إلا بمجال قيادة محدود
غير كاف، يقدر في أفضل الحالات بنحو 160 ميلا (272 كيلومترا) نظرا لمحدودية
قدرة البطاريات الكهروكيميائية على تخزين الطاقة. أضف إلى ذلك أن مدى ملاءمة
السيارة الكهربائية للبيئة يعتمد على نظافة الطريقة المتبعة في توليد الطاقة
الكهربائية. فمثلا يؤدي الاعتماد الواسع على حرق الفحم في محطات توليد الطاقة
إلى تخفيض نظافة المنظومة الكلية للسيارات الكهربائية بصورة كبيرة جدا. إن
المركبات الكهربائية الهجينة الحالية والتي تجمع ما بين محركات احتراق داخلي
صغيرة الحجم والبطاريات والمحركات الكهربائية، تعطي تلوثا أقل من السيارات
والشاحنات الحالية. ولكن يجب على شركات السيارات أن تخفض الأسعار بما يعادل
10000 دولار أمريكي للقطعة الواحدة لكي تجعل المركبات الكهربائية قادرة على
منافسة المركبات التقليدية من حيث الكلفة. ونتيجة لذلك، يبحث مهندسو السيارات
عن طرق لتحسين محرك الاحتراق الداخلي بحيث يكون بمقدوره نقل الصناعة في مرحلة
التحول المقبلة إلى الجيل التالي من منظومات الدفع الفائقة النظافة.
مسألة الحمولة(***)
لقد درس العديد من المخترعين والمهندسين الاحتراق
HCCI آخذين في الاعتبار الشروط الافتراضية
المختلفة خلال القرن الماضي. ويعتقد
[مدير مجموعة محرك الاشتعال بالشرر في مركز البحث والتطوير التابع للشركة
General Motors بمدينة وارن في ولاية ميتشيگان]
أن البحث الحديث في هذا النمط الفريد من الاحتراق كان قد بدأ في الواقع في
أواخر السبعينات، حيث أعلَن، في ذلك الوقت، فريق بحث يقوده من
الشركة Nippon Clean Engine في اليابان، أنهم
يدرسون ما دعوه الاحتراق الجوي ـ الحراري الفعال في محركات ذات شوطين. وكان
ناجت قد قال «بدلا من تفادي هذا النمط الطبيعي من الاحتراق، فإن أونيشي يقول
دعونا نحاول استثماره» وذلك عندما كان ناجت لايزال طالب دراسات عليا في مدرسة
للهندسة في أوائل الثمانينات. لقد تصدى هو وزملاؤه الطلبة للتحدي، ولكنهم سرعان
ما اكتشفوا أن أجهزة التحكم في المحرك لم تستطع في تلك الأيام أن تتدبر المهمة
الصعبة المتمثلة في ضبط عملية الاشتعال التلقائي عندما تتغير سرعة المحرك
وحمولته. وللأسف الشديد، بقيت هذه المشكلة من دون حل منذ ذلك الوقت.
ويبين [وهو
مدير بحث تنفيذي للشركة Daimler-Chrysler Liberty and
Technical Affairs في روتشستر هيلز بميتشيگان] أن
العملية HCCI تعمل بصورة جيدة حقا في المختبر
حينما تقاس بمقياس القوة الميكانيكية dynamometer
عندما تكون جميع مكونات المحرك في توازن حراري، ولكن عندما يضاف حمل ونحاول
تشغيل المحرك، كما يجب أن يكون عليه الأمر في الآليات، فإن العملية تتباطأ وتقف
بعد ذلك تماما. وإذا ما أضيف المزيد من الوقود لمواجهة الحمولة الزائدة فإن
المحرك يميل للبدء بالخبط (الطرق) knocking بصورة
خطرة جدا. ويذكر معظم خبراء HCCI كيف يمكن بسهولة
فقدان السيطرة على المحرك الذي يعمل بالنظام HCCI،
عندما يعطي ضجيج خبط هائلا يؤدي في النهاية إلى تخريب المحرك.
ويقول أسموس إن للمشكلة وجهين، الأول هو أن الاحتراق
HCCI يحدث بسرعة فائقة. إذ حالما تصبح حرارة
أسطوانة المحرك مرتفعة بصورة كافية فإن مزيج الوقود والهواء الممزوج مسبقا
يشتعل بأكمله فورا. ويوضح أسموس أن «الاستخدام العملي للمحرك يتطلب أن يكون
تحرير الحرارة بالاحتراق أكثر سلاسة، وأن يمتد على فترة أطول من الزمن.» ويفضل
المصممون، للحصول على كفاءة عظمى، أن تبدأ عملية الاشتعال عندما تكون زاوية
المرفق تساوي 10 إلى 15 درجة قبل أن يصل المكبس إلى النقطة الميتة العلوية
top dead center، ومن ثم يتابع ما تبقى بعد ذلك.
فإذا بدأ الاحتراق أبكر فإن الغاز الحار يتلامس مع جدران الأسطوانة مدة أطول من
اللازم فتضيع الحرارة وتنخفض الكفاءة، وإذا ما بدأ متأخرا فإن غازات الاحتراق
الحارة لا تتمدد بصورة كاملة وبالتالي لا يتمكن المكبس من إنجاز العمل الأعظمي.
مفهوم التهجين ـ يعد المحرك المتجانس الشحنة والانضغاطي الاشتعال (HCCI) هجينا من محرك الگازولين الذي يحدث فيه الاشتعال بالشرارة ومحرك الديزل الذي يحدث فيه الاشتعال بالانضغاط. يستخدم محرك الگازولين شحنة من الهواء والوقود الممزوجة مسبقا أي المتجانسة، توضع في الأسطوانة ثم تشعل بوساطة شمعة إشعال فتتولد واجهة لهب حارة تكتسح الشحنة بأكملها. أما في محركات الديزل فيحقن الوقود ضمن الأسطوانة أثناء الشوط الانضغاطي للمكبس، وهناك يمتزج جزئيا بالهواء (معطيا مزيجا غير متجانس) إلى أن تؤدي درجة الحرارة الآخذة بالارتفاع، بسبب الانضغاط، إلى اشتعال المزيج تلقائيا. يجب أن تجمع وحدة إنتاج الطاقة المعتمدة على HCCI، ما بين مفهوم شحنة الوقود والهواء الممزوجة مسبقا والمستخدم في محرك الگازولين وبين مفهوم الوقود المسخن بالانضغاط والتلقائي الاشتعال المستخدم في محرك الديزل، وذلك للحصول على عملية احتراق ذات درجة حرارة منخفضة وسلسة تعطي كفاءة عالية في حرق الوقود وانبعاثات منخفضة من أكاسيد النتروجين والهباب من العوادم. |
ويوضح آسموس أن الوجه الثاني لمشكلة
HCCI يتمحور حول واقع «عدم وجود حدث يبدأ
العملية، مثل حدوث شرارة أو حقن وقود، وهي الوسائل التي نستخدمها للتحكم في
توقيت حدوث الاحتراق في المحركات التقليدية. ولكي نتمكن من إبقاء العملية تحت
السيطرة عند حدوث تغيرات السرعة والحمولة، وهي شروط التشغيل التي يدعوها
المهندسون «العابرات» transients يجب على المحرك
أن يقوم بتعديلات سريعة جدا من دورة إلى التي تليها. وفي الوقت الحاضر، لا يعرف
أحد على وجه الدقة كيف يمكن أن ينجز ذلك بموثوقية وبكلفة يمكن تحملها. ويبين
آسموس «أنه من غير الواضح في حالة الاحتراق HCCI
ماهية الشيء الذي يمكن أن يُستخدم وسيلةً قوية ومتينة لتحديد أطوار الاحتراق.»
ويتفق ناجت مع ما تقدم من رأي ويقول «إن فوائد
الاحتراق HCCI واضحة، ولكن الصعوبة تكمن في
التحكم فيه. وحتى الآن، فإن المسألة هي كيفية تنفيذ التقانة. وقد قمنا بتجربة
جميع أنواع مفاهيم التحكم التي كانت تعد في السنوات العشرين الماضية رفيعة
المستوى. وإذا ما قيست بتقانة خلايا الوقود، فإن هذه التقانات، والكلفة
الإضافية لتطبيقها ربما لا تعطي أملا واعدا للتوسع في استعمالها.»
إن تقانات التحكم في المحرك هذه، والتي لم تقر حتى
الآن، تتضمن عناصر عدة، مثل تشغيل صمام متغير variable
تنقل فيه البقايا الحارة ـ الجمرات الناتجة من الاحتراق السابق ـ إلى الأسطوانة
للتحكم في أطوار دورة الاحتراق التالية. وترتكز نظم توقيت صمام متغير على سلاسل
صمامات عديمة الكامة camless valve
trains تعمل بمشغِّلات
actuators كهرمغنطيسية أو كهرهدروليكية أو كهرإجهادية بدلا من الكامات
cams الميكانيكية. ولكي نتمكن من الحصول على
الميز resolution اللازم لمعدل تجاوب الدورة ـ
إلى ـ الدورة يجب أن تتحرك الصمامات بسرعة عالية جدا، وهي عملية يصعب الحفاظ
عليها طول حياة المحرك.
ويقول إن
هناك إمكانية أخرى تتمثل في استعمال نظم النسب الانضغاطية المتغيرة التي تتضمن
تغيير حجم غرفة الاحتراق، وبالتالي نسب الانضغاط على الحذّافة
fly. ويمكن أن يتحقق هذا الأمر بفتح صمامات
المحرك وإغلاقها في الوقت المناسب أو بتركيب مكابس تغير ارتفاعها بأسلوب
الأكورديون accordion استجابة لتغيرات الضغط، وهو
مفهوم ثوري تجري حاليا دراسته في جامعة ميتشيگان بالتعاون مع الشركة
Ford للسيارات والمؤسسة
Mogul الفدرالية.
وهناك مقاربة أخرى يبحثها العديد من الباحثين هي
إضافة قليل من عدم التجانس (تغير في الكثافة ودرجة الحرارة بتغير الموقع) إلى
مزيج الوقود والهواء لإطالة أمد الاحتراق. ويعلق أسانيس فيقول «إن ذلك كمن يلعب
مع الشيطان، فأنت تتخلى عن قليل من التجانس [رافعا بذلك إنتاج الملوثات] لكي
تحصل على انطلاق حرارة أكثر سلاسة.»
ويقول ناجت «إن المشكلة في هذه المفاهيم المتقدمة
أنها تدخل سلسلة كاملة من التعقيد الميكانيكي وقضايا الكلفة، حيث يؤدي استعمال
تقانتين غير مقرتين إلى صعاب تعادل مربع الصعاب الناجمة عن المشكلة الأصلية،
علاوة على أن كلفة دمجهما في رزمة قابلة للتطبيق قد تكون مرتفعة جدا.»
محرك ضوئي ـ يسمح جهاز مختبري خاص في المؤسسة Lotus الهندسية بإنكلترا، للباحثين برؤية ما يجري داخل أسطوانة محرك اختباري عند حدوث الاحتراق HCCI أو ما يسمى الاشتعال التلقائي المحكوم. |
التعامل مع الأحمال الكبيرة والتهجين(****)
هناك أمر آخر يشغل البال ويجب الإشارة إليه
حتى في حال التغلب على جميع العقبات السابقة، وهو أن الاحتراق
HCCI مناسب فقط للأحمال والسرعات الخفيفة
والمتوسطة لأن مزيج الوقود والهواء يجب أن يكون مخففا (بمعنى أن يكون جزء
الوقود منخفضا مقارنة بحجم الهواء) للحصول على الانبعاثات المناسبة. ولكي
يستطيع المحرك التعامل مع أحمال أعلى وسرعات أكبر يجب إضافة المزيد من الوقود
إلى المزيج، ولكن هذا يرفع درجات حرارة الاحتراق ويقضي على الكثير من الفوائد
البيئية المنشودة. ولذلك ربما لا يستعمل الاحتراق HCCI
إلا في ما يسميه المهندسون المحركات الثنائية المنوال
dual-mode. فإذا ما طُبِّقت على المحرك حمولة كبيرة، فإن المنظومة تتحول
من النمط HCCI ذي الاشتعال التلقائي إلى الاشتعال
بالشرارة (كالمحركات التي تعمل على وقود الگازولين) أو إلى نمط حقن الوقود
المعياري (كمحركات الديزل).
ويلاحظ ناجت أن أكثر تطبيقات التقنية
HCCI وضوحا قد يتمثل في المركبات الهجينة التي
تعمل بالكهرباء وتستهلك القليل من الوقود، والتي تجمع ما بين محرك احتراق داخلي
ومحرك كهربائي وبطارية. فعند استعمال محرك احتراق داخلي في التشكيل الهجين،
سواء كان من النمط HCCI أو لا، فإنه يعمل ضمن مدى
أصغر من الحمولة والسرعة. ولما كان ذلك يتوافق مع التقانة
HCCI ذات الاحتراق النظيف فإن التطبيق الذي نحن
بصدده قد يكون الحل الأمثل للتشكيل الكهربائي ـ الهجين. ويعلق ناجت على ذلك
فيقول «ومع ذلك، ليس من الواضح أن التقانة HCCI
ستشكل المحرك الهجين الأمثل، لأنه حتى المحركات الهجينة، تعمل ضمن مجال من
الحمولة والسرعة كبير إلى حد ما، ولذلك فإن على المحرك أن يستجيب لأي متطلبات
تخص زيادة الحمولة.» ويعود سبب ذلك إلى أن سعة تخزين البطاريات المعروفة في
الوقت الحالي ليست على درجة من الكبر تكفي لتوفير القوة اللازمة للتسارع وصعود
المرتفعات الجبلية، حينما يصبح ذلك ضروريا.
ومن الواضح أن العقبات التقنية التي ينبغي
التغلب عليها لم تستطع تقليل الحماس المشهود للتقانة
HCCI عند معظم جمهور المهندسين. ولكن بعض المراقبين يتساءلون عما إذا
كانت التقانة HCCI ستثبت أنها حقا الحل الذي طال
البحث عنه لمأزق البيئة والاقتصاد. ويقول ناجت «تركز صناعة السيارات كل بضع
سنوات بحماس شديد على تقانة محركات معينة باعتبارها الحدث الكبير التالي الذي
سيحل المشكلة.» أما الخبراء الأقل تفاؤلا الذين حضروا جلسات المؤتمر الأخير
لمهندسي السيارات فقد أطلقوا على HCCI اسم أحدث
المحركات الأنيقة.
ويوضح ناجت ذلك بقوله «في منتصف الثمانينات
جرى التركيز على المحرك ذي الشوطين الذي لم يحالفه الحظ. وفي عام 1999 ظهر محرك
الگازولين ذو الحقن المباشر الذي، على الرغم من نجاحه النسبي، لم يكن الدواء
الفعال لجميع العلل.»
ويتوقع الكثير من باحثي المحركات أن وحدات إنتاج
الطاقة المعتمدة على HCCI ستكون محركات السيارات
الأولى التي ستصمم «من الداخل إلى الخارج». وبتعبير آخر ستصمم باستخدام تقنيات
النمذجة الحاسوبية المتقدمة. وسيكون المهندسون قادرين على استكشاف الحركيات
الكيميائية لتأكسد الوقود وظواهر ميكانيك الموائع المرتبطة بالمزج والاحتراق
والتي تتحكم في التقانة HCCI، وذلك قبل اعتماد
تصميمٍ ما للمحرك. ومع ذلك فستكون هناك حاجة إلى الكثير من العمل التجريبي
التقليدي الجيد الذي يجري على محركات اختبارية قبل تطوير محرك عملي وبتكلفة
يمكن تحملها.
ويخلص ناجت إلى القول «إنه من المبكر الإعلان عن
نجاح التقانة HCCI، فهي تقانة محفوفة بالأخطار،»
ومع ذلك يتفق معظم المهندسين على أنها تستحق البحث والدراسة في الوقت الذي نسعى
فيه إلى الحصول على احتراق أنظف.
الخميس نوفمبر 07, 2013 3:56 pm من طرف بن عبد الله