رأي القدس
2011-10-16
كشف
الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد امس في مقر الجامعة
العربية، وبناء على طلب من دول مجلس التعاون الخليجي، ان مركز الثقل
السياسي، ودائرة صنع القرار العربي قد انتقل الى هذه الدول، وباتت هي التي
تجلس خلف عجلة القيادة في العمل العربي المشترك.
الهدف من هذا الاجتماع
كان بحث الاوضاع في سورية في ظل تفاقم الازمة الداخلية، وتصاعد ارقام
الضحايا الذين يسقطون يومياً برصاص قوات الامن والجيش السورية، ووصولها الى
اكثر من ثلاثة آلاف قتيل، وهو رقم مقلق بكل المقاييس في رأي الكثيرين، بمن
في ذلك الامين العام للامم المتحدة بان كي مون نفسه.
من الواضح ان
النظام السوري مصر على المضي قدماً في استخدام الحلول الامنية الدموية،
وبات غير عابئ بكل الدعوات التي تطالبه بالبدء فوراً باصلاح حقيقي يلبي
مطالب الشعب المشروعة في استعادة كرامته وحقن دمائه وتحقيق التغيير
الديمقراطي، ومن الواضح ايضاً ان الانتفاضة السورية المستمرة طوال الاشهر
السبعة الماضية، ما زالت في ذروة قوتها، ولم ترهبها الآلة القمعية الجبارة،
مما يعني ان البلاد مقدمة على أحد خيارين الاول: هو التدخل الخارجي،
والثاني: هو الحرب الاهلية الطائفية.
المندوب السوري في الجامعة العربية
اعرب عن خشيته من ان يكون الهدف من تحرك وزراء الخارجية العرب والدعوة
لانعقاد اجتماعهم الطارئ هو تطبيق لاجندات غربية، لان الاجتماع تزامن مع
التحرك الامريكي في مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات على سورية، وسواء صحت
اتهاماته او لم تصح، فان الخناق العربي على الاقل بات يضيق على عنق النظام
السوري، وباتت هناك جبهة عربية تتبلور ضده، ابرز اركانها دول الخليج العربي
وبعض الدول المتحالفة معها مثل الاردن والمغرب، مما سيعيد عزلة سورية
عربيا الى جانب عزلتها الدولية المتنامية.
واذا صحت الانباء التي تفيد
بان اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الطارئ قد يتمخض عن تشكيل لجنة
برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس وزراء ووزير خارجية قطر تذهب الى
سورية للقاء الرئيس بشار الاسد وتطالبه بتطبيق مبادرة الاصلاح التي حملها
اليه الدكتور نبيل العربي قبل ستة اسابيع بتكليف من اجتماع سابق لوزراء
الخارجية العرب، وتمهله بضعة اسابيع وتقترح حواراً بينه وبين المجلس الوطني
السوري الانتقالي، فان هذه 'وصفة' خطيرة قد تؤدي الى عقوبات وخيمة على
صعيد العلاقات السورية الخليجية على وجه التحديد.
الرئيس السوري بشار
الأسد رفض لقاء الأمين العام للجامعة العربية لانه يحمل مقترحات بالاصلاح
بحجة انه لا يقبل املاءات خارجية، وكان لافتاً ان مندوب سورية تحدث بالأمس
عن مبادرة سورية لإصلاح الانظمة العربية وتدعيم حقوق الانسان والديمقراطية
والانتخابات الحرة فيها.
صحيح ان الرئيس السوري تراجع عن موقفه، واستقبل
الأمين العام للجامعة بعد تلكؤ، ولكنه سيجد ان اي عرض بالحوار مع المجلس
الانتقالي المعارض هو تحد بل استفزاز له، لانه يعتقد 'وهو مصيب' ان هناك
توجهاً عربياً، وخليجياً بالذات، للاعتراف بهذا المجلس كممثل شرعي لسورية
على غرار ما حدث لنظيره الليبي، ومن هنا فانه سيكون من المفاجئ لنا اذا ما
قبل اللقاء مع هذه اللجنة.
العلاقات السورية الخليجية تتجه نحو التصعيد
وربما المواجهة السياسية وربما الامنية ايضاً، وليس صدفة ان هذا الموقف
الخليجي القوي تجاه النظام السوري الذي يحاول ان يلبس ثوباً عربياً شرعياً،
يتزامن مع اتهامات امريكية صدرت عن الرئيس باراك اوباما نفسه، لايران
بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وتفجير سفارتي اسرائيل والسعودية
في بوينس ايريس عاصمة الارجنتين.
المنطقة العربية قد تكون في حالة
انزلاق متسارعة الى حرب اقليمية بمشاركة اطراف دولية، وهي حرب ستكون سورية
وايران وحلفاؤهما (حزب الله وحماس) احد أبرز ميادينها وساحاتها.
فمن
يتابع الحرب الكلامية الامريكية الايرانية، والسورية الخليجية، والدور
الاعلامي في تأجيج أوارها، يخرج بانطباع ان هناك 'شيئاً ما' يطبخ للمنطقة.
الأمر
المؤكد ان النظام السوري يقف امام المرحلة الأكثر حرجاً وخطورة في تاريخه
وخياراته في مواجهة العزلة والتحريض والتضليل التي تحدث عنها مندوبه في
الجامعة العربية أمس، تبدو 'انتحارية'. فالخناق يضيق عليه من الأشقاء قبل
الاعداء على الصعيدين السياسي والدبلوماسي على الأقل. وليس غريباً ان يكون
هذا الخناق مقدمة او تمهيدا لخيار عسكري اكثر ضراوة وخطورة.