ربط
العقيد الليبي الهارب والمختفي منذ أغسطس (آب) الماضي، معمر القذافي،
ظهوره على الملأ أمس، بقيام أنصاره أولا، بحرق مقرات ومؤسسات المجلس
الانتقالي الذي يدير ليبيا حاليا داخل البلاد وخارجها، وتفجير خطوط النفط
ومنشآته. جاء ذلك في أول بيان أصدرته أمس «التنسيقية العليا للانتفاضة»
التي أسسها القذافي برئاسته، ودعا فيه مؤيديه لـ«ليلة نار»، يتم فيها
القيام بـ«حرائق مدبرة لمراكز ومستودعات ومخازن ومؤسسات عمومية يستفيد
منها المجلس الانتقالي». كما عرض القذافي نصف مليون دولار لمن يختطف أو
يقتل مسؤولا من مسؤولي المجلس. ومن المفترض أن يكون قد تم البدء في تنفيذ
هذه الخطة منذ الليلة الماضية التي لم تسجل فيها أي حوادث من هذا النوع حتى
إعداد هذا التقرير. يأتي هذا في أعقاب دعوة القذافي أنصاره للخروج في
مليونية سلمية يوم الجمعة المقبل. لكن مصادر مطلعة كانت مقربة من نظام
القذافي، تحدثت عن وجود انقسام بين قيادات العقيد المخلوع، حول هذه
المليونية التي وصفتها بـ«الوهمية»، بسبب صعوبة تنظيمها في الواقع الليبي
الجديد. وعلى خلفية هذا الانقسام، حذرت جهة جديدة يرأسها القذافي، تطلق
على نفسها «التنسيقية العليا للانتفاضة»، من «نشر البعض لأفكار واقتراحات
لا تخدم الانتفاضة» المقرر لها بعد غد (الجمعة). وفي وقت لاحق من أمس،
وخلافا لما كان معلنا من جانب أنصار للقذافي نفسه حول مظاهرات الجمعة،
أصدرت «التنسيقية العليا للانتفاضة» برئاسة العقيد الليبي، بيانا قالت فيه
إنه في إطار «التحضير لانتفاضة 14 أكتوبر (تشرين الأول)، فإننا نحذر من
نشر البعض لأفكار واقتراحات لا تخدم الانتفاضة»، وإن تنفيذ هذه الانتفاضة،
لن يتم إلا بأمر شخصي من القذافي أو من المتحدث باسمه الدكتور موسى
إبراهيم، وذلك «في كلمة مسموعة أو مرئية» يمكن أن تبث «ليل الخميس -
الجمعة».
وقال البيان، إن «(التنسيقية العليا للانتفاضة)، تطلب من
جميع المناطق إعطاء إشارة الليلة بحرائق مدبرة لمراكز ومستودعات ومخازن
ومؤسسات عمومية يستفيد منها المجلس الانتقالي، بشرط أن تكون بعيدة عن
الأملاك الخاصة للمواطنين، بحيث لا يحدث أي ضرر لهم جراء ذلك، مع التركيز
على المجال النفطي الذي أوكلت مسؤولية التصرف فيه إلى مجلس من الخبراء
الأجانب مؤخرا». وقال البيان أيضا: «تؤكد (التنسيقية العليا للانتفاضة)
على وجوب التركيز في هذه الليلة، على المناطق النائية التي توجد فيها
أنابيب ومنشآت النفط، لأن ذلك سيصيب الدول الغربية في مقتل»، مضيفا «فلتكن
هذه الليلة (ليلة النار)، وليكن حجم ذلك دليلا على وفاء المنطقة
ومقاومتها واستعدادها لمواعيد التحرير»، مشيرا إلى أن «التنسيقية تؤكد أن
ظهور القائد معمر القذافي أو من ينوب عنه ليلة الخميس - الجمعة سيكون
مرتبطا بالنجاح في مثل هذه التحركات، فلن يكون يوم الجمعة إلا موعدا حقيقيا
للانتصار لا للدعاية الفارغة».
ومضى البيان يقول، إن إشعال تلك
الحرائق في ليبيا سيكشف للشعب الليبي عن أن الأمر لم ينته، و«هو ما سيرفع
من المعنويات ويدفع المترددين والخائفين نحو جبهة الشرف، وإن التنسيقية
ستعمل على التأسيس للعمل الفدائي الذي قد يقوم به فرد أو ثلة قليلة».
وجاء
في البيان أن «القيادة (القذافي) تعرض جائزة بنصف مليون دولار لكل من
يختطف مسؤولا كبيرا من أعضاء المجلس الانتقالي أو المكتب التنفيذي، ويقوم
بتسليمه حيا أو بتصوير استجوابه قبل تصفيته عن كل العقود والقرارات
والاتفاقيات السرية المدرجة في إطار التآمر على الشعب الليبي، ومنها حقيقة
رجوع اليهود إلى ليبيا وتفاصيل هذه الصفقة، مع صفقات أخرى نفطية وغيرها».
ومنذ
سقوط طرابلس في أيدي الثوار، أخذ أنصار القذافي يراهنون على الوجود في
المناطق الصحراوية النائية والمتباعدة في جنوب البلاد، وفي المدن صعبة
التضاريس وأشهرها بني وليد، انتظارا لانتهاء حلف الناتو من عمليات المؤيدة
للثوار. ولم تستبعد مصادر الثوار الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن
ينفذ فلول القذافي عمليات تخريب في بعض المناطق البعيدة مستغلين كبر مساحة
ليبيا التي تبلغ نحو مليوني كيلومتر مربع، لكنها استبعدت في الوقت نفسه،
قدرة القذافي أو أنصاره على تحريك أي مظاهرات موالية له.
وقبل بيان
تنسيقية القذافي بالأمس، والذي يعلن عنها للمرة الأولى، كان أنصار
للقذافي في الخارج والداخل، يتحدثون عن جدوى دعوة العقيد الهارب الأولى
بالخروج لمظاهرات يوم الجمعة المقبل. ومن بين من كانوا يعارضون مظاهرات
الجمعة الدكتور إبراهيم نفسه، المتحدث باسم العقيد الليبي، وفقا لما ذكره
مشعان الجبوري، صاحب قناة «الرأي» ومقرها سوريا، والتي بثت في السابق كلمات
مسجلة للقذافي وعدد من أنصاره.
وكان الجبوري قال إنه غير مؤيد
لمظاهرات الجمعة، وأضاف أنه يجد فيها «تهديدا لحياة وأمن من سيشاركون
فيها، وأعتقد أن الوقت غير مناسب بعد»، مشيرا في صفحته على «فيس بوك»، إلى
أن «من بين الشخصيات الموالية للقذافي التي تشاركه هذا الرأي: حمزة
التهامي ويوسف شاكير (مذيعان يعتقد أنهما حاليا خارج ليبيا)، وبعض
المجاهدين في المدن الليبية ممن نحن على صلة بهم، وسنحاول أن نقنع الأخ
القائد (القذافي) أن يؤجل دعوته للتظاهر السلمي إلى وقت آخر يكون أكثر
ملاءمة»