- إنّ المال شبيه بحلقة حديديّة مُرّرت داخل منخرينا. يأخذنا إلى حيث يريد. إنّنا ببساطة قد نسينا أنّنا نحن من خلقناه. مارك كيناي في
قرية مزدهرة بغابة الأمازون، على مسافة عشرة أيّام سير من العالم
"المتحضّر" الّذي نعرفه، دخل تشامبي واشيكيا وشعبه غمار مغامرة صعبة
ومحفوفة بالمخاطر وليس لها مثيل : أن يتعلّم استخدام المال.
ورغم
أنّ تشامبي كان عمره خمسا وعشرين سنة إلاّ أنّه لم يتعامل حتّى ذلك الحين
مع المال إلاّ نادرا. فمنذ آلاف السّنين، عاش شعبه الأصليّ، الأشوار، دون
أن يلتجئوا إليه. وعلى مرّ القرون، كبرت أجيال من الأشوار وعملت لتلبية
حاجيات أهاليها، وبنت منازل وعاشت بشكل جماعيّ، حدث كلّ هذا دون أن يعتمدوا
مطلقا على أيّ نظام ماليّ. إنّ هؤلاء السّكّان الأصليين في تناغم كامل مع
المؤثّرات الغالبة في وجودهم : القوى الطّبيعيّة، علاقاتهم المتبادلة،
والغابة. ولكنّهم أبدا لم يتعاملوا مع المال. فقد كانت المبادلة على
الدّوام بديلا عنه. ومن البديهيّ أنّ كلّ شيء لدى الأشوار ملك مشترك بين
كامل المجموعة وأنّ كلّ فرد منهم يهتمّ بالآخر. فإذا تزوّجت ابنة طانطو من
ابن ناتام، تتضافر جهود الأصدقاء والجيران ليبنوا لهما منزلا. وإذا اصطاد
صيّاد مّا خنزيرا وحشيّا، تتمتّع القرية بأسرها بالوليمة. إنّ القوى
الطّبيعيّة تتحكّم في الحياة بحلوها ومرّها، وتقوم المعارك على الشّرف، ولم
يكن للمال أبدا دخل في أيّ شيء.
كبر
تشامبي في هذا المحيط، غير أنّ القدر أراد له أن يكون من الجيل الّذي
سيقوم بتغيير كلّ هذا. ففي بداية السّبعينات، أقام الأشوار أوّل اتّصال مع
العالم الحديث بعد تدخّل المبشّرين. وفي أقلّ من عشرين سنة، صارت أرضهم
القديمة هدفا للشّركات النّفطيّة ولمؤسّسات تجاريّة أخرى كانت تهدّد بنهب
أشجارها ونفطها الباطنيّ. في سنة 1995 استدعانا أنا وزوجي بيل زعماءُ
الأشوار لنشاركهم جهودهم الرّامية إلى حماية أرض السّكّان الأصليين ونمط
حياتهم. وهكذا تعرّفت على تشامبي هذا الفتى المحارب الأشواريّ.
بعد
بضع سنوات من لقائنا الأوّل، اختار شيوخ القبيلة وزعماؤها تشامبي ليأتي
إلى الولايات المتّحدة للدّراسة. كان إذن الأشواريّ الأوّل الّذي تعلّم
الإنجليزية، لغة التّواصل الضّروريّة للتّخاطب النّاجع مع الأجانب في إطار
العمل التّفاوضيّ أو لغايات تجاريّة. وبشكل متزامن، شرع تشامبي في استيعاب
اللّغة الأخرى الملازمة لأسلوب الحياة الغربيّ، لغة المال. فلقد تبيّن أنّ
معجمها ضروريّ للعيش في مجتمع، هو على نقيض مجتمعه، يندفع فيه أعضاؤه
ومكوّناته دون هوادة وفي الغالب وراء المال فقط.
كان
تشامبي يسكن معنا، وكان يتابع دروسا في جامعة غير بعيدة عن منزلنا ويعمل
كثيرا ليتعلّم الإنجليزية. بالمقابل، كان يستوعب لغة المال حتّى عبر
الاستنشاق. بالفعل، حيثما كان تشامبي يسير، كان هذا النّظام من التّواصل
بدلالته يملأ الهواء، بدءا من المعلّقات والإشهار والإعلانات، وصولا إلى
ملصقات الأثمان الموضوعة على فطائر الحلوى في محلّ مرطّبات الجهة. ومن خلال
أحاديثه مع رفاق قسمه، حصل له علم بآمالهم وأحلامهم ومشاريعهم حالما
ينتزعون شهاداتهم، أو، كما كانوا يقولون فعلا»عندما سيعيشون في العالم
الحقيقيّ»، أي عالم المال. واكتشف شيئا فشيئا كيف تسير الأمور في أمريكا
الشّماليّة : عمليّا، كلّ شيء في حياتنا وكلّ قرار من قراراتنا / الطّعام
الّذي نستهلك، الثّياب الّذي نرتدي، مقرّات سكننا، المدارس الّتي ندرس
فيها، العمل الّذي نقوم به، المستقبل الّذي نحلم به، متزوّجين كنّا أو
عزّابا، آباء كنّا أو دون أبناء، حتّى المسائل العاطفيّة / محكوم بهذا
النّظام الّذي نسميّه مالا.
لقد
فهم تشامبي سريعا أنّه هو نفسه وشعبه سيربطون مستقبلا علاقة مع المال. لقد
اكتسب بالنّسبة إليهم دلالة. فإذا كان الأشوار يرغبون في المحافظة على
أمّتهم في الغابة الأمازونيّة فعليهم إذن أن يتأقلموا مع حقيقة أنّ أمّتهم
كانت تمثّل قيمة تقدّر بالمال في عيون بعض النّاس. هناك جماعات سكّانيّة
أصليّة أخرى في المنطقة كان لها اتّصال سابق بالمال، وكان الدّرس قاسيا.
فقد تخلّوا عن حقوقهم في أرضهم مقابل مبالغ ماليّة تبدّدت سريعا كما جاءت.
وفي آخر الأمر، فقدوا أراضيهم وموطنهم ونمط حياتهم والميراث العائد إليهم
منذ الأزل.
لقد سجّل الأشوار هذا
الدّرس. وعرفوا أنّ الصّعوبة الّتي كانت تواجههم تتمثّل تحديدا في استعمال
سلطة المال، بوضوح وتماسك، من أجل تحقيق هدفهم الأوّل : حماية الغابة
الاستوائية والتّصرّف في مواردها في سبيل ضمان مستقبل قابل للاستمرار
لقبيلتهم ولكلّ أشكال الحياة. كانوا يدركون بوضوح أنّ صلتهم الجديدة
بالمال، غير المسبوقة تاريخيّا، يجب أن تتقيّد تقيّدا كاملا بمبادئهم
الجوهريّة وبإخلاصهم للحياة وللأرض، وإلاّ فإنّ المال سيودي بهم دون ريب
إلى الخسران مثلما أودى بجيرانهم. إنّ التّحدّي بالنّسبة إلى هذا الشّعب
مازال وسيظلّ قائم الذّات اليوم، واضعا على المحكّ نسيج علاقاتهم
الاجتماعيّة والمبادئ الجماعيّة المشتركة الّتي تضمّ حضارتهم.
في
قلب موطنهم في الغابة الاستوائيّة، يزدهر الأشوار، يمتلكون كلّ ما يحتاجون
إليه، وتظلّ الحالة على ما كانت عليه منذ قرون عديدة بل منذ آلاف السّنين.
بالمقابل، يكفي أن يحيدوا ولو قليلا عن الغابة ويتوغّلوا في عالمنا حتّى
لا يعودوا قادرين على تأمين الطّعام ولا المأوى ولا البقاء لأنفسهم دون
مال، في أيّ مدّة زمنيّة. فليس المال حلاّ اختياريّا، بل العكس. ولقد كان
من حظّنا أنا وبيل أن كنّا شاهدين ومساهمين في الاتّصال الأوّل الدّالّ
للأشوار بالنّظام الماليّ. وبفعل ذلك بالذّات، تحفّزنا إلى إعادة تفحّص
علاقتنا وعلاقة مجتمعنا بالمال.
جميعنا،
مثل تشامبي والأشوار، نقيم علاقة ملموسة بالمال، ولو أنّها بشكل خاصّ نصف
واعية ولم تتمّ إعادة النّظر فيها. وهذه العلاقة تؤثّر في مقاربتنا للحياة
وفي إدراكنا العميق لذواتنا وللآخرين. وسواء كانت عملتك الدّولار أو اليان
أو الرّوبية أو الدّرهم فإنّ المال يمثّل مسألة مركزيّة، محورا للإنسان
الحديث. هو هكذا بالنّسبة إليّ وإلى جميع النّاس الّذين عرفتهم مهما كانت
ظروفهم الماليّة.
الجميع يهتمّ
بالمال، والأغلبيّة الكبرى منّا تعاني من قلق مزمن بل من رعب بسبب ذلك : هل
سيكون لنا منه ما يكفي حقّا، أو هل سنكون قادرين على أن نوفّر منه كمّيّة
كافية؟ يزعم الكثير من النّاس أنّ المال ليست له أيّة أهمّيّة أو يقدّرون
على الأقلّ أنّه لا ينبغي أن تكون له. ويضع آخرون الاكتناز هدفا أوّل في
حياتهم. وسواء أكنّا نحوز منه على ما يكفي أو لا فإنّ هذا الانشغال : كم
لدينا منه، أو هل سيكون لنا منه ما يكفي، يهزّ قلوبنا هزّا. وحتّى حين
نحاول ألاّ يدوم انشغالنا به أو أن نتجاوزه فكلّما جرّبنا أن نحصل على
المال إلاّ واشتدّ طوقه علينا.
أصبح
المال الرّهان الّذي به يقيس كلّ واحد منّا كفاءته وقيمته كإنسان. ولو
أنّنا تجرّأنا في يوم ما على التّخفيف من حدّة سعينا وراءه فسوف تتملّكنا
الخشية من أن نخسر مكاننا بين المجموعة أو تفوّقنا. إذا لم نتجاوز الرّهط
على الصّعيد الماليّ أو على الأقلّ إذا لم نتوصّل إلى أن نكون على رأسهم
فسينتابنا شعور بأنّنا صرنا في ذيل المتسابقين وبأنّه يجب علينا اللّحاق
بهم. أحيانا قد تتّخذ اللّعبة منعرجا مشوّقا ولكنّها في مناسبات أخرى قد
تكون مرعبة، ذلك أنّ الرّهن مرتفع باستمرار، فإن لم نكن رابحين فإنّنا آليا
خاسرون.
حتّى حين يبدو لنا أنّ
اللّعبة تميل إلى صالحنا فإنّ الشّعور العنيد بأنّنا لم نعد متّصلين يظلّ
ماثلا فينا رغم كلّ شيء. هناك دائما مسافة بين تصوّرنا للحياة كما ينبغي أن
تكون وبين طريقة عيشنا تحت الضّغط اليوميّ للرّبح وللاستهلاك أكثر،
للادّخار أكثر، للكسب والامتلاك أكثر.
نعتقد
مخطئين أنّ الأغنياء يجدون في ثروتهم الطّمأنينة والحرّيّة، لكنّ هذا غير
صحيح. فهم يحتاجون على العكس من ذلك إلى مبالغ أكبر ليتوصّلوا إلى النّجاح
في اللّعبة داخل عالمهم، ولكنّها هي اللّعبة ذاتها على الدّوام. أنت على
سبيل المثال رئيس إدارة ارتفع دخلك في السّنة الفارطة إلى 7 ملايين دولارا،
فلو أنّ شريكك في لعبة الغولف تحصّل للتّوّ على عقد بعشرة ملايين دولارا
فأنت إذن خاسر في لعبة المال. كلّما ارتفعت الرّهانات الماليّة تكون
الخسارة محتملة ولا بدّ من مضاعفة الجهود للبقاء في المقدّمة. لا أحد يفلت
من لوازم المال العظيمة. وكلّ على امتداد حياته يتفاعل مع تقلّباته. سواء
في حياتنا الشّخصيّة أو العائليّة، في محيط العمل أو الصّحّة وسعادة الأمم،
يمثّل المال دائما نفس الشّيء : إنّه العنصر الأكثر تحفيزا في الكون،
الأكثر مكرا وإعجازا وعرضة للقدح ولسوء الفهم من بقيّة عناصر المجتمع
المعاصر.
هذا الّذي نسمّيه مالاحين
نلقي على المال نظرة جديدة مجرّدة من آلاف السّنين من الأحكام المسبّقة
الثّقافيّة، نتبيّن بعض الملاحظات الجوهريّة. فهو ليس منتجا طبيعيّا، ولا
ينمو على الأشجار. ولا تهطل القطع النّقديّة من السّماء. المال هو بكلّ
وضوح اختراع بشريّ. هو نتيجة لما صنعته عبقريّتنا صناعة كاملة. لقد
اخترعناه ومازلنا نصنّعه. وطوال تاريخه الذي يعود إلى مابين 2500 سنة و3500
سنة حمل هذا الشّيء الفاقد للوعي أشكالا متعدّدة : أصدافا أو حصى أو سبائك
من المعادن الثّمينة أو أوراقا نقديّة أو أرقاما مضيئة على شاشة حاسوب.
كان تصوّره يرمي إلى تيسير مقاسمة الخيرات والخدمات ومبادلتها بين الأفراد
أو داخل جماعات من النّاس. وهو مازال يخدم هذه الغايات، غير أنّ السّلطة
الّتي أعطيت له في بعض الأوقات قد طمست دوره الوظيفيّ الأصليّ.
واليوم،
بدلا من أن نعتبر المال وسيلة لنموّنا الّتي نتحكّم فيها فإنّنا نعتبرها
بمثابة قوّة طبيعيّة، بمثابة السّلطة الّتي يتوجّب إيقافها. إنّ هذا الّذي
نسمّيه مالا، قطعا نقديّة كانت أو أوراقا ليست لها من خاصّيات ملازمة أكثر
ممّا لدفتر مذكّرات أو منديل جيب، قد صار له تأثير ساحق في وجودنا.
سلطة
المال هي ما نعطيها نحن إيّاه، ونحن قد منحناه امتيازا عظيما. لقد أذنّا
له بأن يتفوّق تفوّقا لا جدوى منه في حقيقة الأمر. ولو اكتفينا بالنّظر إلى
النّاحيّة السّلوكيّة، فإنّ مواقفنا تبيّن أنّنا قد أعطينا للمال قيمة
أكبر من تلك الّتي أعطيناها لأنفسنا، وأنّ دلالته أثمن من الحياة البشريّة.
فباسمه، مارس البشر وسوف يمارسون أعمالا رهيبة. قتلوا، استعبدوا الغير
وخضعوا بدورهم لوجود لا فرح فيه سعيا في طلبه.
باسمه،
قسا الجنس البشريّ قسوة لا توصف على أمّنا الأرض. لقد دمّرنا غابات
استوائيّة، وشيّدنا سدودا على أنهار انتزعنا منها أهلها، واجتثثنا السّكوا،
واقترفنا آثاما كبيرة في حقّ الجداول والبحيرات، ولوّثنا التّربة
بالنّفايات السّامّة المتأتّية من الصّناعة والفلاحة. أجزاء كبيرة بأكملها
من مجتمعنا تمّ تهميشها، الفقراء محبوسون في بيوت قذرة، معازل حضريّة
(غيتوات( تشكّلت، أمم بأسرها نُهبت من أجل يدها العاملة الرّخيصة، والآلاف
بل الملايين من النّاس، خصوصا الشّباب منهم، سقطوا في الانحطاط فصاروا
رهائن لتجارة المخدّرات، يضرّون بغيرهم ولا مستقبل لهم، ويعيشون حياة
الإجرام والعبوديّة والارتهان. لقد أبّدنا عادات قديمة جدّا تعطي للمرأة
مجالا أقلّ للوصول إلى المال وكذلك إلى السّلطة، وهكذا، تمّ إخضاع النّساء
وانحرفت انتظارات الرّجال وواجباتهم بسبب المزايا الّتي يحظون بها.
نادرا
ما يمثّل المال فضاء لحرّيّة حقيقيّة، أو لفرحة أو صفاء، ورغم ذلك، نقبل
عموما بأن يسيّر مبادئ حياتنا ونجعل منه العامل الحصريّ فيما نتّخذه من
قرارات تتعلّق بالعمل والحبّ والعائلة والصّداقة. لا شيء نقبله بحذافيره
كما نقبل بسلطة المال وسطوته وبمقتضيات إدراكنا له. نحن نشكّك في المسلّمات
المتعلّقة بكلّ نواحي وجودنا الأخرى تقريبا، بالنّوع والدّين والسّياسة
والتّعليم والجنس والعائلة والمجتمع. مقابل ذلك، نحن نرضى بأن يكون المال
المعيار الوحيد الّذي من خلاله نقيس لا فحسب القيمة الاقتصاديّة بل أيضا
أهمّية وقيمة كلّ شيء وكلّ واحد في هذا العالم. إنّ المال هو المؤشّر
الرّئيسيّ وأحيانا الوحيد الّذي نستعمله لكي نقيس به مدى النّجاح
الاجتماعيّ.
كلّنا، على الصّعيد
الشّخصيّ والخصوصيّ، اغتاب بعضنا البعض وقزّم بعضنا البعض بسبب المال،
كلّنا استفدنا من الآخرين، كلّنا قمنا بأعمال ذميمة من أجل الحصول على
المال أو الحفاظ عليه، أو على السّلطة الّتي نظنّ أنّنا اشتريناها معه. لقد
صمتنا جميعا لنتجنّب الدّعاوى أو اللّقاءات المزعجة الّتي قد يجرّنا
إليها. عندما استُخدم المال للحكم أو للعقاب، للهروب العاطفيّ، للهيمنة أو
لتعويض الحبّ، عانت من ذلك علاقاتنا الإنسانيّة. في داخل العائلات الواسعة
الثّروة، أصيب الكثيرون بداء النّهم واللاّمبالاة والتّعطّش إلى التّحكّم
في الآخرين. وقد حرمهم هذا الوجود المتميّز من خوض التّجربة الأساسيّة
الّتي تشكّلها المبادلات الإنسانيّة العاديّة ومن إقامة علاقات اجتماعيّة
أصيلة. عندما يقلّ المال يمكن للصّراع في سبيل الحياة أن يصير الدّافع
الّذي ينخر التّقدير الذّاتيّ والطّاقة البشريّة الجوهريّة الكامنة لشخص ما
أو لأسرة أو حتّى لمجتمعات أو ثقافات بأسرها.
إننّا
ننتمي إلى مجتمع هويّته المال، ونحن نستمدّ علاقتنا الأولى به من هذه
الثّقافة، أكانت قد تأسّست بدءا على الفقر في بلد مثل الموزمبيق أو
بنغلاديش أو قامت على مجتمع الثّروة والرّخاء مثل الولايات المتّحدة أو
اليابان. منذ نعومة أظافرنا نتعلّم المكانة الّتي يحتلّها المال ونقيس
نفوذه على أسرتنا ومجتمعنا ووجودنا. ويرتسم التّفريق بين من يكسبون منه ومن
لا يكسبون في أذهاننا بكلّ وضوح. وندرك ما يقدر آباؤنا على القيام به وما
لا يقدرون من أجل اكتسابه أو للحصول على الأشياء الّتي يسمح باقتنائها.
إنّنا نلاحظ أنّ المال يقولب وجهة النّظر الشّخصيّة مثلما يقولب الرّأي
العامّ.
في مجتمع الاستهلاك
الأمريكيّ هذا، حتّى الأطفال هم فريسة لهذه العلاقة القاسية بالمال. فهم
كبروا مثلنا، ولكن بشكل أكثر بروزا اليوم، تحت سطوة وسائل الإعلام والقيم
الشّعبيّة الّتي تؤجّج شهيّة الاستهلاك الجشعة، بغضّ النّظر عن العواقب
الشّخصيّة أو البيئيّة. وبعد وجود بأكمله يحوم حول هذه التّجارب غير
المجدية على ما يبدو، صار إدراكنا للمال خاضعا لانحرافات خطيرة. فالمسائل
الماليّة الشّخصيّة، وكذا مسائل قابليّة الحياة والعدالة الاجتماعيتين
الّتي تقع في قلب الاقتصاد البشريّ والبيئة، تستمدّ جذورها بالتّأكيد من
تربة علاقتنا بالمال ومن هذه الثّقافة الّتي فيها ولدنا وانتهينا بالقبول
بها وكأنّها أمر طبيعيّ.
الجمعة أكتوبر 28, 2011 11:08 am من طرف سبينوزا