"شبّاك": احتفالمتابعون
عن بعد هم. المسافات التي تفصلهم عن بلدانهم لم تنقص من عربية هويتهم، ولم
يمنعهم البعد الجغرافي من متابعة ما يجري في تونس منذ ثلاثة أسابيع،
والحاصل في مصر اليوم.
أبطال قصتنا اليوم ثلاث شباب عرب مقيمين في لندن للدراسة. ثلاثتهم فضلوا
عدم الإفصاح عن أسمائهم، كل لأسبابه الخاصة والبديهية. سنطلق عليهم
الأسماء التالية: رامي، وهو من الداخل الفلسطيني، رشا وهي سورية، وربى وهي
عراقية مقيمة في الإمارات.
يعلل رامي الحماس لما يحصل في مصر. "هذه مصر!"، يقول بدهشة. "هي كتلة
قائمة بحد ذاتها، لها مكانتها عربياَ لأنها نقطة وصل بين الخليج والبلاد
الشام"، يشرح مبتسماً. ويستفيض بالحديث عن رموز مصر الثقافية والسياسية،
الضباط الأحرار، ام كلثوم، جمال عبد الناصر... قبل أن يعيده السؤال إلى
الواقع. "ماذا عن الوضع في البلد عندك؟". "عنّا..."، ينظر إلى شيءٍ ما
بعيد، مشيحاً بعينيه عن محدثه. تخفت الابتسامة تدريجياً. "محبط"، يقول.
"ما يجري في مصر يلقي الضوء على قرف السلطة الفلسطينية"، يعقب. يؤمن رامي
بأن الشعب الفلسطيني بأمس الحاجة إلى أن يثور ضد الظلم، "بس شو عمل
رئيسنا؟ راح أتضامن مع مبارك واتصل في"! تمر ثوان يشعر فيها رامي بالخزي.
لكن لم يغلبه الاحباط. "في ثلاثة اسابيع فقط استعدت تفاؤلي. تزعزعت ثلاثة
رموز للهيمنة الأميركية في المنطقة، بن علي، مبارك وسعد الحريري. "وهذا
عظيم"!
رامي ليس الوحيد الذي تذكر مرارة واقع بلده عقب انتفاضة الشعب المصري. ربى
أيضاً. "الوضع في مصر يذكرني بفظاعة الأحوال في العراق في الـ2003".الشعب
الذي تنتمي اليه ربى "لم يحظ يوماً بفرصة الانتفاضة بخياره. الشعب لم يختر
الثورة، بل أتته على متن الدبابات الأميركية"، تفيد. تتذكر وتحزن. ولكن
مثل رامي، هي أيضاً لا تسمح بأن يستولي عليها اليأس. "لكن تحديداً لهذا
السبب، أنا فخورة جداً بالمصريين. انه وقت مصيري للعرب لأن زمناً طويلاً
مر على شعورنا بالنصر وقد حان وقتنا". ترى ربى ان الحكومات الآن محكومة
إما أن تغير جدّياً لحفظ كرامات شعوبها أو "فليواجهوا غضب الشعب لأنه لا
عودة إلى الوراء".
عند رشا، الحكاية مختلفة. تستهل حديثها بتحليل رد فعل الشارع السوري على
الدعوة الى "يوم الغضب" في الخامس من شباط الجاري. "الارتباك. الشعب
مرتبك، الحكومة مرتبكة، الكل يريد الحديث ولكن الخوف يعلو كل كلام".
تتكلم بثقة عن شعبها. "الشعب السوري لطالما غض النظر عن ممارسات النظام
المستبدة اعتقاداً منه بأن لا نظام غيره يستطيع ان يحمي البلد من الحروب
الطائفية والأطماع الصهيونية ويحافظ على العلمانية"، لكن ثقة بشار الاسد
التي تعتبرها "شكلية" لا تعجبها. رغم ذلك، تحسم بأن "بشار على حق لأنه من
الصعب جداً تصور السوريين الذين لطالما اعتراهم الخوف يثورون". هي شخصياً
لا تصدق ذلك، بل تعجز عن تصوره حتى، "فأيام الثورة ولت من ذاكرة
السوريين"، على حد تعبيرها.
محير أمر رشا. هل يعني كلامها أنها راضية على واقعها؟ لم تتكلم عن مشاعرها
حيال ما يحصل في مصر. يأتي كلامها لقتل الحيرة والحسم. "أنا كمواطن ولد في
ظل هذا النظام فتحت عيني على لقب حافظ الأسد كـ"بابا" وثم بعده بشار الشاب
الطموح المنفتح و"القومي". لا أتخيل سوريا من دون هذا النظام". تصمت ثم
تعترف لنفسها قبل أن تقر لمحدثها: "ربما لا اريد ان أتخيلها من دونه،
خصوصا اذا كان البديل منافقين، أعداء للقومية وللمعنى الأصيل للـ"سورية"
كـعبد الحليم خدام، ورفعت الأسد أو الاخوان المسلمين. أفضل نظام بشار بكل
علله التي أصبحت جزءا من تقبلي للواقع ألف مرة على أن أرى حربا أهلية أو
أن نحكم من قبل ذيول صهيونية أو منافقين متعصبين"، تصرح بحزم.
تدرك جيداً بأنها ليست لوحدها في خندق الخوف هذا. "الخوف من التغيير يعتري
الشعب السوري والانقسام قد بدأ قبل يوم الغضب والضياع بين حب التغيير
للافضل والخوف من التغيير يعترينا جميعاً". هذا الخوف أنتج توقعاً لدى
ربى: "اليوم الموعود (يوم الغضب 5 شباط) لن يتحقق، ومن سيتجرأ للاقتراب من
مكان التجم
شباب عرب يرصدون مصر:
هذه حالنا في سوريا وفلسطين والعراق
ع سيعتقل شر اعتقال"، تقول بمزيج من الحسرة والقلق.
انتفاضة المصريين جعلتها تفكر بما سيكون "إن حصل التغيير". "شخصيا كنت
انوي هجرة البلاد بسبب صعوبة عملي كصحفية، لغياب مساحات حرية التعبير. كنت
خائفةً من العودة إلى البلاد بسبب "طولة لساني"... ولكن المشهد كله تغير
بالنسبة إليها الآن. "حياتنا كسوريين ستتغير جذرياً مع تغير النظام. وهذا
تحديداً ما يخيفنا.. المج لندني بـ"ربيع الثقافة العربية"