هشام مزيان المشرف العام
التوقيع :
عدد الرسائل : 1749
الموقع : في قلب كل الاحبة تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش تاريخ التسجيل : 09/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25
| | طور ثان من أطوار الأزمة الوطنية السورية؟ | |
حوار مجلة روا[b][b] قد لا ينقضي وقت طويل قبل أن يتبدى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري يوم 20/6 هو نقطة النهاية في طور أول من الأزمة الوطنية السورية، وبداية طور ثان، أقسى. الانطباع الذي يتولد من متابعة التطورات الجارية في البلاد يوحي بأنه أريد للخطاب أن يتضمن المشروع السياسي للنظام في مواجهة الأزمة، فيما سيتبعه في اليوم التالي استعراض قوة في الشارع عبر حشد الموالين في بعض المدن السورية، ثم في اليوم اللاحق مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السورية، يبدو أن الغرض منه إعادة التأكيد على ما تضمنه الخطاب، والإصرار على سردية جماعات المخربين، وإدارة الظهر للقوى الغربية، أوربا بخاصة. وقد نشرت في اليوم التالي للخطاب مسودة قانون أحزاب، وصدر مرسوم عفو جديد. فكأنما الغرض الجامع لهذه الخطوات إطلاق ديناميكية سياسية وقانونية وإعلامية، تتيح للنظام وضع نفسه في منتصف المشهد واسترجاع زمام المبادرة في الداخل، وقد انتزعته الانتفاضة طوال الأيام المائة الماضية. لكن هذه كله وجه واحد من وجوه استراتيجية النظام في مواجهة الأزمة الوطنية. وجهها آخر هو تصعيد مواجهة الاحتجاجات الشعبية إلى طور جديد، ربما يتمثل في سياسة "شارع ضد شارع"، أو مواجهة المحتجين بالموالين. وهو ما يبدو أنه وقع فعلا في حمص وفي حماة، وربما في الميادين في دير الزور. الأيام القادمة كفيلة بإظهار ما إذا كان توسيع نطاق المواجهة الداخلية على هذا النحو هو النهج المعتمد. لكن ما يرجح هذا الاحتمال في تقديرنا هو أنه مورس مرارا في أوقات سابقة، بما فيها هنا وهناك في مواجهة الانتفاضة الحالية. وهو أيضا احتمال متأصل في تكوين النظام المتداخل مع المجتمع الأهلي دون حدود واضحة تفصل بينهما. ثم أن من شأن تعذر التغلب على الاحتجاجات الشعبية بالأدوات الأمنية والعسكرية، مشفوعا باستنفاد وسائل النظام السياسية، أن يزكي هذا المخرج الذي يُحوِّل إلى صراع داخل المجتمع ما هو في الواقع صراع بين النظام وقطاعات متسعة من المجتمع. إذا صح هذا التقدير فإن الطور الثاني من الأزمة الوطنية السورية ربما ينفتح على النزاع الأهلي. تجنب هذه الاحتمال المقلق يقتضي شيئان. أولهما تحليل مختلف للأزمة من قبل النظام. التحليل الحالي الذي يتكلم على مخربين وتكفيريين ومؤامرات ليس مجرد تبرير للمعالجات العنفية دون غيرها، بل هو أيضا تحريض على الكراهية، يُخفِّض عتبة الاستعداد للقتل الوحشي من قبل محسوبين على قاعدة النظام الاجتماعية، دون أن تكون لهم صفة رسمية من أي نوع. هذا محقق في عدد غير قليل من الحالات. فإذا كان المحتجون خونة وضالعين في مؤامرات خارجية، فإن الشيء الصحيح هو قتلهم دون وساوس وترددات. وسيكون "الشبيحة" هم النتاج الطبيعي لهذه الخطاب، وهم مطبقو العلم السياسي الرسمي، الذي يستحق أن يوصف بأنه إجرامي، وليس محض انحياز إيديولوجي أو خطأ في التفدير، أو دعاية سياسية تجاوزت حدها. الشيء الثاني هو خطوات سياسية درامية، من شأنها أن ترتفع لمستوى الأوضاع الدرامية في البلد وتغير الواقع والتوقعات العامة، وتضبط القاعدة الاجتماعية للنظام التي تعرض قطاعات منها إقبالا حماسيا على قتل خصوم النظام والمحتجين عليه. الوعود التي قدمها النظام أدنى بكثير من أن تحدث تغيرا ذا شأن في البيئة السياسية السورية. الواقع أنها موجهة نحو إعادة إنتاج النظام نفسه مع تغييرات شكلية محدودة، ضرب من تحديث التسلطية في أحسن الأحوال، أقصى ما يبلغه هو الوضع المصري قبل ثورة 25 يناير، دون أن ينصب أية حواجز في وجه الحكم الأبدي الوراثي، ودون أن يقيد أدواته الأمنية التي أوغلت في الإجرام في شهور الانتفاضة. لكن دون نقطة التحول هذه، يبقى كل شيء قابلا للتفريغ من أي مضمون. هذا يدركه النظام، ولذلك لا يكف عن تقديم "إصلاحات" تبقي جوهر النظام كما هو؛ وهو ما تدركه قوى الاحتجاج الشعبية، وتثابر على رفضه. فهل يحتمل أن يتأدى هذا ذلك إلى تفجر حرب أهلية سورية؟ في منطقتنا المشرقية التي تجمع بين التعقيد الاجتماعي الثقافي، وبين درجة عالية من التدويل، قلما تكون الحرب الأهلية مجرد صراع سياسي عنيف. يخشى دوما أن تشمل تطييفا للصراع السياسي، يضعف أي محتوى عقلاني له، ويعمل على تأبيده؛ وأن يجري تدويل الصراع، بما ينزع عنه طابعه الوطني ويغذيه أيضا بعوامل الاستمرارية. ومع التطييف والتدويل، ضروب وحشية من العنف قد تتفوق في شناعتها كل ما شهدنا حتى اليوم. علما أن العنف الذي مارسته السلطات ومليشياتها في الشهور الماضية لا يبدو شبيها بعنف الدولة، بل هو أقرب إلى عنف أهلي، مشحون بنوازع الانتقام والكراهية والإبادة. والواقع أن الانتفاضة السورية أظهرت وعيا حادا بوجوب تجنب هذه المحذورات الثلاثة. يعلم الجميع أن من شأن التطييف أن يحطم فكرة "الشعب السوري" الذي تعمل الانتفاضة على صنعه، وتؤسس شرعيتها عليه. ومن شأن العنف أن يدفع إلى الصدارة العضليين والمحاربين، ويهمش مئات ألوف الشبان والشابات والكهول الذي تشكل الانتفاضة لهم مدرسة للتعلم السياسي، وتدريبا لا نظير له على المشاركة والتعاون والتنظيم. ومن شأن التدويل أن يهمش الداخل الوطني، فيكون مفعوله معادلا لمفعول التسلطية الحاكمة التي اعتمدت في دوامها على عزل الداخل وتفكيكه. هذا يدركه طيف سوري واسع، يكاد يكون كله مشاركا في الانتفاضة بصور متنوعة. وعليه يعول في تجنب مخاطر النزاع الأهلي أو في تضييق نطاقها الزمني والجغرافي إن حصل أن جرى اصطناعها. الحرب الأهلية استمرار بوسائل أخرى لنظام تسلطي سلالي. ولذلك فإن بذل كل جهد ممكن لتجنب الصراع الأهلي المفتوح هو أيضا استمرار للانتفاضة، وجهد من أجل تغيير سياسي واعد فعلا بالديمقراطية. وإذا كان صحيحا أننا مقبلون على صفحة ثانية من صفحات الأزمة الوطنية السورية، وأن النزاع الأهلي هو الشبح الذي يجوب آفاق البلاد في هذا الطور الوشيك، وجب أن يشغل إبعاد هذا الشبح موقعا متقدما في سجل انشغالات الانتفاضة. والحال أننا لا نرى ما يبرر الاستهانة بقدرة السوريين على تجنب الاحتمالات الأسوأ، ولا نقر بقدر أو حتمية ما، يقضيان بأن نمر بنزاع أهلي. من شأن الاقتناع بالحتمية أن يتسبب بتحققها، بل أن "يريد" المحتوم. لكن الانتفاضة رهان على التغيير عبر الاحتجاج السلمي، وهذا الرهان يتضمن القدرة على تفادي الحرب الأهلية. [/b]ق الشباب[/b] | |
|