هناك
في المغرب انفجار جنسي يمكن ملاحظته على صعيد السلوكات والممارسات
اليومية. فالجنس في المغرب تجاوز حدود الإطار الزوجي في اتجاهين، اتجاه
العمل الجنسي واتجاه العلاقات الجنسية الغرامية والمتعوية. يمكن ترصد
الانفجار الجنسي في الجنسانية قبل الزوجية وفي الجنسانية خارج الزوجية وفي
العمل الجنسي.
توسعت فعلا رقعة النشاط الجنسي قبل الزواج إما تحت ضغط قوة الرغبة
الجنسية عند الشباب وإما باسم الحب أو تحت ضغط إيديولوجيا الاستهلاك
الجنسي باسم الصحة النفسية أو باسم التحرر. في هذا الإطار، تم تسجيل
محاولات "توفيق" بين الرغبة والتحريم من خلال ممارسات سطحية دون افتضاض،
أو من خلال ممارسات جنسية بديلة مثل الإتيان من الدبر و الجنس الفمي…
وكثيرا ما يقع الافتضاض عن غير قصد، فيتم اللجوء إلى الطب لإعادة عذرية
اصطناعية أو يتم تقبل فقدان العذرية كأمر عادي أو توظيفه في استراتيجية
بغائية، وذلك حسب المستوى التعليمي للفتاة وحسب موقعها في التراتب
الاجتماعي من حيث المهنة والدخل والانتماء العائلي.
من جهة أخرى، انتشرت العلاقات الجنسية خارج الزوجية المتعلقة بالأشخاص
المتزوجين، رجالا ونساء. من طرف الزوج، تحيل هذه الممارسة على الرغبة
الدفينة في امتلاك حريم وفي تعديد الشريكات الجنسيات (كبديل للحريم
المستحيل)، وعلى البحث عن متعة جنسية "غير محترمة" يصعب تحقيقها في الإطار
الزوجي المحترم. من طرف النساء أيضا، تختلف الدوافع، فهناك البحث عن لذة
لا تتحقق مع الزوج، وهناك بحث عن هدايا أو عن مال بشكل مباشر (في حالة
العوز)، كما أن هناك انتقام من زوج خائن في بعض الحالات…
أما العمل الجنسي، فتوسعت رقعته لتشمل الرجال أيضا (بحكم ارتفاع معدلات
البطالة في أوساط الشباب). وهكذا أصبح الشاب المغربي يوظف وسامته وقدراته
الجنسية (بمساعدة الفياغرا أحيانا) في كسب عيشه مع مغربيات ميسورات الحال
ومع سائحات أجنبيات. في معظم الحالات، تلجأ هؤلاء النساء إلى شراء الخدمة
الجنسية عند فقدان القدرة على الإغراء بفعل التقدم في السن. ونجد أيضا
الشبان الذين يمارسون عملا جنسيا مثليا مع الرجال إما لاعتبارات مادية
(كسب العيش أيضا) أو لاعتبارات نفسية (اتجاه مثلي يعطي لنفسه صبغة العمل
الجنسي لأنه غير قادر على تبني ذاته كاتجاه مثلي صرف). ولا حاجة للتذكير
بأن العمل الجنسي النسوي امتداد وتضخيم لسلوكات تقليدية وقديمة حين يكون
الزبون مغربيا. أما حين يكون الزبون أجنبيا، فهذه ظاهرة حديثة لها علاقة
بالرغبة في الهجرة أو بالسياحة الجنسية (وهو الشيء نفسه الذي يحكم العمل
الجنسي الرجالي مع الأجانب). لكن العمل الجنسي النسوي مع الأجانب غير
المسلمين يشكل أيضا ظاهرة حداثية لأن فيه خرق مزدوج للتحريم الديني، فهو
غير زوجي من جهة وما بين-ديني من جهة أخرى (لأن الشريك ليس مسلما). في
كلمة واحدة، أصبح البغاء سلوكا احترافيا/مهنيا أو ظرفيا، يشمل الفتيات
والفتيان، الأطفال من كلا الجنسين، النساء المتزوجات والمطلقات، التلميذات
والطالبات، العاملات والموظفات، الشباب المعطل من كلا الجنسين… إلى درجة
أن البعض بدأ يتحدث عن اقتصاد بغاء.
بالإضافة إلى ما سبق، لا بد من الإشارة إلى بروز المثلية الرجالية في
الفضاء العمومي، وإلى انتشار الصور الإباحية لمغربيات في إطار السياحة
الجنسية أو في إطار البورنوغرافيا… وهناك أيضا انتشار الممارسات الجنسية
بمختلف أشكالها في أماكن غير ملائمة وغير آمنة، وهو ما أسميته في كتابي
"سكن، جنس، إسلام" سنة 1995 "بالترقيع الجنس-المجالي"، ذلك المفهوم الذي
يشمل الآن ظاهرة "الجنس المتنقل"، أي الفعل الجنسي داخل سيارة ناقلة
للبضائع يقودها صاحبها للمدة المتفق عليها شوارع المدينة والتي تكفي
للشريكين لقضاء حاجتهما. تعوض تلك السيارة غرفة الفندق التي يتعذر
اكترائها لسبب العجز المالي أو تحايلا على رقابة شرطة الآداب.
ولا بد من التأكيد على أن كل المغاربة، بالمعنى السوسيولوجي، يشاركون
في إحداث هذا المشهد الجنسي المنفجر، في استغلاله وفي إنمائه. وأقصد "بكل
المغاربة" الجنسين معا، وكل الفئات العمرية وكل أماكن الإقامة
(مدينة/بادية) وكل الطبقات الاجتماعية وكل الفئات السوسيو-مهنية، دون
استثناء. وارد أن هناك اختلافات بين هؤلاء الانتماءات، لكن الاختلاف يكمن
فقط في الدرجة أو في الشكل، أي في تكرارية الممارسة أو في نمطها وطبيعتها
ومقاصدها. وتبلغ درجة النفاق إلى حد التنديد بالجنس غير المؤسساتي من طرف
مسؤولين وسياسيين وهم يمارسونه فرديا بشكل أو بآخر أو يستفيدون من عائداته
المالية المنتظمة داخل الاقتصاد غير المنظم. وقد أبانت الأبحاث
السوسيولوجية الجنسية المغربية، القليلة في الموضوع، أن ذلك النفاق يطال
بعض مدبري الحقل الديني، بل ويطال أيضا بعض الإسلامويين، المتطرفين منهم
والمعتدلين. والواقع أن النفاق يطال المجتمع المغربي برمته بحيث نجد كل
الشرائح الاجتماعية تفرز و"تنظم" السلوكات المذكورة من جهة وتندد بها أو
تبلغ عنها من جهة أخرى. فبعض الأسر متواطئة، وبعض المدن متواطئة أكثر من
غيرها، تحت ضغط الحاجة التي تفرض شيئا فشيئا تسليع الجسد ورسملته في سوق
جنسية واسعة، مالية ورمزية، وطنية ودولية.
قانون غير مطبقأمام الانفجار الجنسي الذي تزيد وسائل الإعلام الوطنية من بروزه، يمكن
تشخيص بعض المواقف وردود الفعل الرئيسية. من بينها الموقف الإسلامي
التقليدي، وهو موقف الفقهاء الذي يوظف مفاهيم الزنا والفاحشة والمنكر لنعت
كل الممارسات الجنسية غير الزوجية، سواء أكانت مثلية أو غيرية. وهو في ذلك
لا يميز مثلا بين علاقة جنسية مستقرة وطويلة الأمد أساسها الحب وعلاقة
جنسية لحظية أساسها اقتناص لذة عابرة مقابل أجر مالي. رغم الفارق الشاسع
بين الظاهرتين، فكلاهما "حرام" من منظور الفقيه، وفي هذا تبسيط خطير
للأمور. أما القانون الجنائي، فيتجنب هذا التبسيط ويميز بين الفساد
والبغاء، بحيث أنه يعرف الفساد كعلاقة جنسية غير زوجية بين عزاب دون
استعمال مال. لكن القانون الجنائي يمدد التحريم الفقهي عند تجريمه للفساد
والبغاء معا، غير آخذ بعين الاعتبار التطور الاجتماعي والتاريخي الذي يؤدي
إلى ربط علاقات جنسية غير زوجية وغير بغائية وإلى تسويتها الاجتماعية.
هناك تمديد للفقه حين يميز القانون بين الفساد والخيانة الزوجية، أي بين
زنا غير المحصن وزنا المحصن، وحين يجرمهما معا، ثم حين يخصص للخيانة
الزوجية عقابا أشد من عقاب الفساد. طبعا، لا يعمل القانون بالحدود وإنما
بالعقوبات الحبسية والمالية وهو في هذا الأمر أحدث قطيعة إيجابية مع
المنظور البدوي- الفيزيقي للعقاب (الجلد، الرجم…).
الإشكال الرئيسي هنا يكمن في الطابع الموسمي، الظرفي والانتقائي
لمتابعة الجنسانية غير الزوجية. تقوم السلطات من حين لآخر بحملات قمعية
تطهيرية، فتقوم باعتقالات واستنطاقات. والدافع الظاهر المحرك لتلك الحملات
هو بالطبع تطبيق القانون وحماية الأخلاق العامة وإظهار إسلام الدولة. إن
الحملات ضد الجنسانية غير المؤسساتية تتم في ظروف معينة وتستهدف أوساطا
معينة، وهو الشيء الذي يدفع إلى التشكيك في نواياها الرسمية المعلنة. إن
الحالات المجرمة والمتابعة قضائيا ما هي إلا الجزء الظاهر من الجبل
الثلجي، ثم إن هذه الحالات وصلت إلى درجة من التكاثر تعوق ضبطها ومتابعتها
كلها. من جهة أخرى، تستغل تلك الحملات من أجل مأسسة التدخل في الحياة
الخاصة، أي أن فرصة "الجنحة" الجنسية توظف للحط من قيمة الفرد ولتحسيسه
أنه ليس مواطنا حرا له الحق في حياة خاصة. تنقض السلطة على الفرصة لتحول
التعامل الاحتقاري مع الشخص "الجانح" إلى نموذج مرجعي للتعامل مع الإنسان
المغربي بشكل عام، وكأن هذا الإنسان جانح دوما. في إطار هذه العلاقة غير
المواطنة (بكسر الطاء)، يتحتم على "المتهم" ألا يوظف منطق حقوق الإنسان
والحريات العامة إذا أراد أن يخرج سالما من ورطة الجنحة الجنسية. ويتحتم
عليه الرجوع إلى المنطق الإسلامي، أي أن يعترف بالذنب وأن يبرر ذنبه كعمل
من وسوسة الشيطان. وطبعا، تظل الرشوة أسهل الحلول للتكفير عن الذنب أمام
سلطات تتأسلم بالمناسبة. بتعبير آخر، كثيرا ما تكون الحملات ضد الجنسانية
غير المؤسساتية وسيلة لإرهاب المواطن ووسيلة لابتزازه المادي أو/
والمعنوي. ويذهب البعض إلى أن موسمية وانتقائية الحملات التطهيرية لا تعكس
تخلي الدولة عن التزاماتها في حماية الأخلاق العامة، ولا تعكس إرادة
الابتزاز بقدر ما ترمز إلى نزعة علمانية ناشئة تتأثر إيجابيا وإن بخجل
بمنطق حقوق الإنسان. وهذا ما يفسر التناقض القائم بين نصوص قانونية متشددة
من جهة وبين ممارسات رقابية متسامحة فعليا (انتقائية وظرفية) من جهة أخرى.
في الانتقال الجنسيأمام الانفجار الجنسي، وأمام عدم تجريم كل السلوكات الجنسية غير
الزوجية، تفرض السيوسيولوجيا الإسلاموية العفوية تحليلها الخاص من خلال
مفاهيم الانحراف، أو الفتنة، أو العودة إلى الجاهلية. والواقع أن كل هذه
المفاهيم ذات الاتجاه الأخلاقي تقع في شباك السوسيولوجيا الوظيفية. ونعني
من هنا أن الانحراف والفتنة والنكوص مفاهيم اجتماعية تجد تنظيرها في
مفاهيم سوسيولوجية وظيفية هي الخلل والتفكك. فالقراءة السائدة للانفجار
الجنسي تجعل منه خللا وتفككا سلوكيا وقيميا.
مساهمة ورقتي هذه تكمن في إعادة النظر في القراءة الوظيفية-الإسلاموية
السائدة للانفجار الجنسي الذي يشهده المغرب. هل من الضروري أن نرى في
الانفجار الجنسي خللا وتفككا مجتمعيا؟ لماذا لا نري في ذلك الانفجار تمردا
ضد الأخلاق المضادة للجنس؟ لماذا لا نري في الانفجار الجنسي تجاوزا لفقه
ولقانون أصبحا متجاوزين بفعل التطور الاجتماعي وبفعل تغير النظرة إلى
الجنس؟ لماذا لا نري في الانفجار الجنسي معركة موضوعية ضد الفقه وضد
القانون، معركة في ذاتها، معركة غير واعية بذاتها بعد؟ لماذا لا نقبل فكرة
تراجع النموذج الزوجي في المغرب؟ لماذا لا نعير انتباها إلى تطبيع وسائل
منع الحمل خارج الزواج؟ إن الإقدام على الجنس قبل الزواج وخارجه، باسم
المال أو باسم الحب أو باسم المتعة، لا يمكن أن يعتبر خللا إلا إذا ظل
استثناء نادر الوقوع. أما وأن الإقدام على الجنسانية غير المؤسساتية أصبح
بنيانيا وقارا، فيعني أن القانون الفقهي المنظم للجنسانية أصبح مرفوضا
عمليا من طرف الفاعلين الجنسيين. وهم فاعلون ليست لهم القدرة الفكرية أو
التنظيمية (السياسية أو الجمعوية) للرفض المبدئي والصريح للقانون الفقهي
السائد. إن السلوكات والممارسات الجنسية غير الزوجية بكل دوافعها
وأشكالها، إلى جانب التحايلات والتواطؤات والترقيعات والإرشاءات
والارتشاءات والابتزازات ما هي إلا مؤشرات على معركة قائمة من أجل الحق في
الجنس، على صعيد اليومي، خارج المؤسسة الزوجية، أي ضد القانون وضد الفقه.
إنها مطالبة بعلمنة القانون الجنائي المنظم للجنسانية، مطالبة غير واعية
بذاتها من أجل تحرير العلاقات الجنسية من أسر الزواج، وفي حالات تتكاثر،
من أسر الجنسانية الغيرية. في كلمة واحدة، يمكن القول أن المغرب في طور
الانتقال الجنسي، بمعنى أن ما يبدو خللا هو في الواقع معالم نسق جنساني
جديد تظهر في الأفق، معالم نسق جنساني حداثي، يفك الارتباط بين الجنسانية
والأبيسية، بمعنى أن الارتباط بين الجنسانية والزواج والغيرية لن يظل
حتميا و"طبيعيا". إن الجنسانية المغربية الراهنة تسير في هذا الاتجاه،
نتيجة لتطور الواقع وتغيره، نتيجة لسياسة جنسية معولمة أكثر فأكثر، سياسة
تفجر الطابع المحافظ للقانون الفقهي.
محركو العلمنةبقي أن أضيف شيئا جديدا لهذه القراءة الجديدة للجنسانية المغربية
الجديدة، ويتعلق بالارتقاء بالمعركة الجنسانية إلى مستوى الوعي بذاتها. إن
الفاعل الاجتماعي "العادي" يخرق القانون يوميا ويصارعه يوميا لكن معركته
اليومية مشوبة بالشعور بالإثم والندم لأنه لم يستوعب بعد الحق في الجنس
كأحد حقوقه الإنسانية الأساسية، ولأنه يجعل من احترام المحظورات الدينية
تعبيرا عن إيمانه وعن إسلامه. ليس باستطاعة الفاعل الجنسي "العادي" أن
يستوعب بعد ضرورة الفصل بين الإيمان والقانون، وأن يطالب صراحة، بمفرده
وكفرد عادي، بعلمنة الجنس، أي بعدم إخضاع الجنس إلى القانون الديني.
وبالتالي لا بد من إدراج مطلب علمنة الجنس في أجندا أحزاب اليسار وفي
برامجها، ولا بد للمجتمع المدني أن يصبح مجتمعا مدنيا حقيقيا، أي لا بد من
السماح بتأسيس جمعيات تدافع عن الحقوق الجنسية للمثليين ولغير المتزوجين.
على هذه الجمعيات أن تطالب بحذف الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يجرم
المثلية والفصل 490 الذي يجرم الفساد (أي العلاقة غير البغائية بين غير
المتزوجين).
إنها قوانين مخالفة لحقوق الإنسان. إن حذف هذه الفصول لن يمنع أحدا من
رفض المثلية والعلاقات الجنسية قبل الزوجية وعدم ممارستها، لكن ينبغي أن
يظل هذا الرفض رفضا فرديا وشخصيا لا يتعدى نطاق الحياة الخاصة. أما
القوانين المتعلقة بالعنف الجنسي (إزاء القاصرين وإزاء المرأة) وبالعمل
الجنسي، فلا بد من الاحتفاظ بها لأنها مطابقة تماما لمنطق حقوق الإنسان.
ينبغي أيضا السماح بتأسيس جمعيات تدافع عن حرية التدين… وعلى الجمعيات
المتواجدة في الساحة، المهتمة بقضايا حقوق الإنسان والمرأة والسيدا أن
تساهم في هذه المعركة حتى تبرهن على أن وجودها دليل على وجود مجتمع مدني
يرفض أن تستمد القوانين من مصادر دينية.
إن المعركة الجنسية اليومية التي يخوضها المجتمع ضد القانون الفقهي
المضاد للجنس غير الزوجي ظاهرة تاريخية إيجابية، وهي مبادرة تخلفت عنها
النخب السياسية والجمعوية والمثقفة لحد الآن. آن الأوان لتأطير معركة
المجتمع الجنسية، سياسيا وجمعويا، حتى تغدو معركة واعية بذاتها وتقطع
أشواطا إضافية في مسلسل الانتقال الجنسي نحو جنسانية أفضل.