الشعب يريد.. ويفعل
عبد الله الدامون -
damounus@yahoo.com
- الشعب يريد..
- ماذا يريد؟
- يريد إسقاط الفساد..
- لكن حتى الفساد يريد..
- ماذا يريد الفساد؟
- يريد إسقاط الشعب..
ماذا سنفعل، إذن، أمام ثنائية الصراع هاته؟ فالفساد يعيش في هذه البلاد
منذ سنوات طويلة جدا، بل منذ قرون، وسيكون من الظلم أن نقرر فجأة طرده
وكأنه ليس مواطنا مغربيا. الفساد مثل غيره من السكان الأصليين لهذه
البلاد، وطرده بهذه الطريقة المهينة سيكون خرقا فاضحا للمواثيق والأعراف
الدولية.
ومنذ أن بدأت الدولة المغربية في التشكل، كان الفساد يتعايش بيننا وكأنه
جزء منا، بل إنه شقيقنا الذي رضع معنا من نفس الحليب. لنأخذ نموذجا من
القرن الخامس عشر مثلا. فأي مسؤول، وزيرا كان أو قايْد أو قاضيا أو أي
شيء، كان عليه أن يدفع لمن هو أعلى منه مرتبة لكي يصل إلى منصبه، وخلال
مزاولته لمهامه عليه أن يجمع الكثير من المال لكي يسترجع المبلغ الذي دفعه
من أجل المنصب، بل إن الولاء لمن عيّنه في منصبه يستمر إلى الأبد، وعليه
دائما أن يجمع لنفسه ولغيره. في تلك الأيام لم يكن لمسؤولين كثيرين رواتب
من الدولة، وكان يجب عليهم أن ينتزعوا أجورهم من جيوب المواطنين، فاعتاد
الجميع على ذلك، وصار الفساد مواطنا يتمتع بكامل الحقوق والواجبات.
نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، ومن يستطيع أن يقول إن الأوضاع
تغيرت؟ فالناس لا زالوا يدفعون للمسؤولين صباح مساء رغم أن الدولة تدفع
رواتب موظفيها، لكن تقاليد الفساد تقتضي أن نعيش في هذا القرن وكأننا
ننتمي إلى القرن الخامس عشر، يعني أن المواطن يجب أن يدفع للمسؤول بكل
الطرق الممكنة، المباشرة وغير المباشرة.
لندع الصفقات الضخمة والكبيرة التي تدور فيها الرشاوى بالملايير وبالفيلات
والأراضي والضيعات وأشياء أخرى، فهذا شيء لا يمكن للمواطن العادي أن يوقفه
فجأة، ولننظر حوالينا إلى الفساد الصغير الذي ينخرنا كل ساعة وكل دقيقة،
وسندرك أن جزءا كبيرا من الفساد الذي نحاربه نحن الذين نطعمه ونسقيه ونفرش
له مكانا وثيرا ينام فيه.
هناك موظفون صغار في السلطة يعودون كل مساء إلى منازلهم وفي جيوبهم آلاف
الدراهم. إنهم يعتبرون يومهم فارغا إذا لم يحصلوا فيه على خمسة آلاف درهم
أو ما شابه في عمليات البناء العشوائي، أما الذين يملؤون جيوبهم فهم
المواطنون البسطاء الذين يشاركون كل أسبوع في المظاهرات التي تطالب بإسقاط
الفساد.
الناس البسطاء في باب سبتة يدفعون كل صباح خمسة دراهم للرأس، وإذا حسبنا
أن 30 ألفا يدخلون عدة مرات في اليوم، فسندرك حجم الأموال التي يتم جمعها
من جيوب البسطاء في مكان واحد، وعلينا أن نتصور بعد ذلك كم من أموال
الرشوة الصغيرة تدور في هذه البلاد كل يوم، لنعرف أن ذلك هو ترسب قرون من
تقاليد الفساد التي ساهم فيها الجميع، الدولة والشعب. لنتصور أن كل
المواطنين البسطاء الذين يؤدون الجزية الصباحية في باب سبتة قرروا فجأة
التوقف عن ذلك. أكيد أن الأرض ستتزلزل تحت أقدام كبار الفاسدين، الذين
يصلهم نصيبهم كل يوم، وستتغير أشياء كثيرة... كثيرة جدا.
ماذا لو استيقظ كل مواطن في الصباح وقال مع نفسه: اليوم لن أدفع رشوة ولو
وضعوا عنقي تحت المقصلة، آنذاك سيحس الموظف المرتشي بأن راتبه لا يكفيه،
وسيقرر الاحتجاج على الدولة، والدولة التي تقول إن الميزانية لا تكفيها
ستقرر البحث في طريقة ضياع الأموال العمومية في الصفقات والمشاريع
الوهمية، وسيحس اللصوص الكبار بأن القضية حامضة، وأن المواطن الذي يدفع 20
درهما رشوة توقف أخيرا عن ذلك، وأن ذلك تسبب في رجة حقيقية في البلاد.
يجب أن نستمر في المظاهرات ورفع شعار «الشعب يريد إسقاط الفساد»، لكن قبل
ذلك يجب أن نفعل ما هو أهم، وهو المساهمة في إسقاط الفساد بالفعل لا
بالقول، وإذا لم نفعل ذلك وبقينا نهتف فقط، فيجب أن نتيقن بأن الذي سيسقط
هو الشعب وليس الفساد.