شهدت
سوريا، أمس، تظاهرات وصفت بأنها الأوسع منذ بداية الأزمة منتصف آذار
الماضي، فيما نقلت وكالات أنباء دولية عن نشطاء قولهم إن 34 شخصا قتلوا،
وأصيب العشرات في حماه، حيث أكدت السلطات حدوث عمليات تخريب واسعة، فيما
كانت تركيا تشير إلى أنها «ستكون على رأس الدول التي تتأثر بجو الفوضى في
سوريا، ولهذا فإنه من المستحيل بالنسبة لأنقرة ألا تبالي بالتطورات وتشجع
خطوات إيجابية مثل إعلان الرئيس بشار الأسد العفو العام».
وجاء تدهور
الوضع الأمني غداة قرارات الإصلاح التي اتخذتها القيادة السورية والتي من
بينها الى جانب العفو العام، تشكيل لجنة الحوار الوطني. اما الامين العام
للامم المتحدة بان كي مون الذي اعرب عن «صدمته» من سقوط الضحايا، فقد دعا
الى وقف العنف من اجل اطلاق حوار حقيقي وإصلاحات شاملة، في حين قال مصدر
اسرائيلي رفيع المستوى ان نهاية الأسد بتقديره ستتطلب «بضعة أشهر أو سنة
ونصف السنة».
وقالت مصادر سورية لـ«السفير» إن وزير الخارجية السوري
وليد المعلم سيزور أبو ظبي اليوم، لبحث العلاقات الثنائية والوضع في
المنطقة، وذلك بعد 3 أيام على زيارته بغداد.
وقال مدير المرصد السوري
لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، الذي يتخذ من لندن مقرا له، «قتل ما لا يقل
عن 34 شخصا في حماه برصاص قوات الأمن، لكن هذه الحصيلة قد ترتفع نظرا
لإصابة عدد من الأشخاص بجروح بليغة». وكان المحتجون دعوا إلى تظاهرات
أطلقوا عليها اسم «جمعة أطفال الحرية». كما أشار إلى سقوط قتيل في بلدة حاس
في محافظة ادلب.
وأعلن عبد الرحمن أن عدد المشاركين في التظاهرة في
حماه فاق 50 ألف شخص. وأضاف ان «التظاهرات هي الاضخم في سوريا منذ بدء
الاحتجاجات، بالرغم من قرار العفو الذي أصدره الاسد. هذا يدل على ان الشعب
لم يعد يثق بالنظام».
وقال ناشطون ان قوات الامن اطلقت النار «بشكل
مباشر» على المتظاهرين بالقرب من مقر حزب البعث في مدينة حماه، مشيرين الى
سقوط عشرات الجرحى. وقال احد النشطاء انه قبل اطلاق النار احرق المتظاهرون
مكتب حزب البعث في حماه، مشيرا الى انه لم يتضح كيف بدأ اطلاق النار.
في
المقابل، أعلن التلفزيون الرسمي السـوري عـن «مقتل ثلاثة مخربين خلال
اقتحامهم وحرقهم مبنى حكوميا في حماه وتصدي قوات الشرطة لهم». وتحدث
التلفزيون عن «حوالى 10 آلاف» متظاهر في حماه.
وأشار إلى أن «مسلحين
يقطعون الطرق في حمص ويحرقون مباني حكومية، واعتدوا على عناصر الشرطة».
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الفضائية السورية بثت أول من أمس
«اعترافات مجموعة إجرامية مسلحة قتلت المتظاهرين وقوات الأمن في حمص».
وتحدثت وكالة الانباء السورية عن تجمعات في محافظة ادلب (شمال غرب). اما التلفزيون فأشار الى اصابة 5 من عناصر الشرطة في دير الزور.
وقال
ناشط ان عشرات آلاف الأشخاص احتشدوا في معرة النعمان شمالي سوريا، فيما
قال آخر إن أكثر من 5 آلاف شخص تظاهروا في بانياس. وقال الناشــط الكردي في
مجال حقوق الإنسان حسن برو ان اكثر من خمسة آلاف شخص تظاهروا في القامشلي
وراس العين وعامودا.
وفي الجنوب، اطلقت قوات الامن النار في الهواء لتفريق تظاهرة في جاسم قرب درعا، كما ذكر ناشط في مجال حقوق الانسان.
في
هذه الاثناء، توقفت خدمة الانترنت في معظم المدن، وخصوصا دمشق واللاذقية،
بحسب ما ذكر سكان العديد من الاحياء في المدينتين لوكالة «فرانس برس». وقال
العديد من السكان ان «الانترنت مقطوعة» في دمشق. وأكد ناشط حقوقي «في
اللاذقية الانترنت مقطوعة» ايضا.
وذكرت وكالة انباء الشرق الاوسط ان
«الائتلاف الوطني لدعم الثورة السورية» سيعقد مؤتمرا موسعا في بروكسل اليوم
وغدا «لتنسيق جهود العاملين في الخارج ودعم الثورة السورية سياسيا
وإعلاميا وحقوقيا».
ردود فعل دولية
ونقلت وكالة «الاناضول» عن وزير
الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قوله، في مقابلة تلفزيونية، «نريد الأفضل
لسوريا، ولا نريد التدخل بشؤونها الداخلية». وأشار إلى ان تركيا ستكون على
رأس الدول التي تتأثر بجو الفوضى في سوريا، ولهذا فإنه من المستحيل
بالنسبة لأنقرة ألا تبالي بالتطورات وتشجع خطوات إيجابية مثل إعلان الأسد
العفو العام.
وأشار إلى ان اجتماع المعارضة السورية في أنتاليا قد يزعج
الإدارة السورية، لكن تركيا بلد ديموقراطي. وكرر ان بإمكان المجموعة
المؤيدة للأسد أن تجتمع على الأراضي التركية «وما من أحد سيمنع ذلك، بل
نريد أن تكون تركيا بلداً تجتمع فيه كل الأطراف وتتمازج فيه كل الآراء».
وأكد أن تركيا متفائلة على المدى الطويل، لكن مثل هذه الاضطرابات يمكن أن
تحصل.
وفي نيويورك، اكد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان تصاعد اعمال العنف بحق المتظاهرين في سوريا يثير «الصدمة».
وقالت
المتحدثة باسم الامم المتحدة فانينا ميستراتشي ان «الامين العام قلق بشدة
إزاء تصعيد العنف في سوريا الذي يعتقد انه اوقع ما لا يقل عن 70 قتيلا خلال
الاسبوع الماضي وحده، ما يرفع عدد الضحايا الاجمالي منذ منتصف آذار الى
اكثر من الف قتيل وعدد اكبر من ذلك بكثير من الجرحى وآلاف المعتقلين». وهي
اول حصيلة للقتلى خلال التظاهرات تصدر عن رئاسة الامم المتحدة.
وأضافت
ان بان كي مون يشعر «بقلق شديد إزاء استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق
الانسان، بما في ذلك التقارير المقلقة عن مقتل اطفال جراء التعذيب والرصاص
الحي والقصف. يجب اجراء تحقيق كامل ومستقل وشفاف في كل اعمال القتل».
وأشار
الامين العام للامم المتحدة الى اعلان الاسد عن عفو عام وإطلاق حوار وطني،
غير ان المتحدثة لفتت الى ان بان كي مون «يشدد على وجوب وقف القمع العنيف
الذي تمارسه قوات الامن والجيش فورا، من اجل قيام حوار حقيقي يشمل الجميع
ويقود الى اصلاحات شاملة وتغيير يدعو اليه الشعب السوري».
وفي باريس،
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو «على رغم الاعلانات
عن العفو ورفع حالة الطوارئ تستمر الانتهاكات الكثيفة لحقوق الانسان
والحريات وتتفاقم». وأضاف ان «سكان بضع مدن سورية، ولا سيما الرستن وتلبيسة
ودرعا، يواجهون في هذا الوقت اوضاعا غير انسانية: فهم محرومون من الماء
والمواد الغذائية والكهرباء والخدمات الصحية، ويتعرضون لعمليات قتل
واعتقالات عشوائية بما في ذلك في المستشفيات».
وأعلن ان باريس «تدعو
السلطات السورية الى وقف اعمال العنف الوحشية هذه، وتطبيق اصلاحات تتسم
بالمصداقية، وإجراء حوار سياسي وطني شامل. وتدعو شركاء سوريا إلى حشد
جهودهم للتنديد بالاعمال غير المقبولة التي يجب ان تتوقف».
وكان وزير
الخــارجية الفرنسية ألان جوبيــه قال، لراديــو «اوروبا 1»، «نحن في
أوروبا فرضنا بالفعل عقوبات (على سوريا) ونحن مستــعدون لتــشديدها إذا لزم
الامر. حين تستخدم أسلحة ثقيلة، مدافع ودبابات، لقمــع شعــبك تفقد
شرعيتك».
وفي لندن، قال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية اليستير
بورت، في بيان، «مرة أخرى، أثبتت الحكومة السورية ازدراءً مقيتاً للحياة
الإنسانية في وقت نزل فيه سوريون عاديون إلى الشارع لإحياء ذكرى أطفال
أبرياء قتلوا خلال الاضطرابات، من بينهم حمزة الخطيب (13 عاماً) الذي صدم
مقتله العالم بأسره».
وبعد أن أخذ علماً بإعلان الأسد عن عفو عام
وتشكيل لجنة «لإرساء أسس حوار وطني»، طلب بورت بأن تعقب هذا الإعلان «أعمال
ملموسة وتؤدي إلى إصلاحات في العمق»، وإلى أن «تحترم دمشق التزاماتها في
مجال حقوق الإنسان».
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر امني اسرائيلي رفيع
المستوى قوله ان «الاسد آخذ في الضعف. قد يستغرق الامر بضعة أشهر أو سنة
ونصف سنة، ولكن النظام لن ينجح على ما يبدو في الانتعاش. 40 سنة من حكم
عائلة الاسد في طريقها الى النهاية».
واعتبر المصدر الاسرائيلي ان
«الاسد فقد الشرعية في نظر أبناء شعبه، وعليه فإنه يبدو أن مصيره قد حسم.
في نهاية كل اسبوع تفاقم التظاهرات والقتلى وضعه. معضلته هي بين مزيد من
التنازلات للمتظاهرين، والتي ستفسر كضعف وتؤدي في النهاية الى تعاظم
المحاولات لإسقاطه، وبين اتخاذ وسائل اكثر عدوانية لقمع الاضطرابات،
والكفيلة بتسريع سقوطه».