تركيا و"مشكلة شمال سوريا" الكردية:
إجراءات إضافية لحماية الأمن القومي
|
عائلة سورية أمام معبر تركي أمس بانتظار العودة إلى سوريا (رويترز) |
|
|
|
|
|
|
محمد نور الدين
تضغط
التطورات المستجدة في سوريا على تركيا في ما يخص أكثر من عنوان. لكن
المتغيرات التي تشهدها منطقة شمال سوريا، حيث غالبيةٌ كردية، هي الأكثر
حساسية، إذ بدأ يظهر ما بات يعرف بمشكلة شمال سوريا، على غرار ما كان يعرف
بمشكلة شمال العراق.
وإذا كانت مشكلة شمال العراق انتهت إلى فدرالية
كردية، فإن الأتراك يخشون فعلا تطور الأوضاع في سوريا، بحيث لا يقتصر
الأمر على نيل الأكراد حكما ذاتيا في سوريا في المرحلة المقبلة، أو حتى
انفصالا، بل يمتد إلى احتمال تحول شمال سوريا إلى جزء من كردستان الكبرى
بعد أن يلتحق بكردستان العراق، في انتظار إلحاق جنوب شرق تركيا ومن بعدها
كردستان إيران.
وخوفا من هذا الموضوع، سارع رئيس الحكومة التركية
رجب طيب اردوغان الى ترؤس اجتماع امني تم خلاله بحث أنشطة حزب العمال
الكردستاني في سوريا. وذكر مكتب اردوغان، في بيان، ان "التطورات الأخيرة في
سوريا وأنشطة المنظمة الإرهابية الانفصالية في بلادنا وفي الدول المجاورة
تم تناولها خلال الاجتماع". وأضاف "تمت مناقشة الإجراءات الإضافية الواجب
اتخاذها على كل الصعد في ما يتصل بأمننا القومي"، من دون توضيح هذه
الإجراءات.
وذكرت وكالة "الاناضول" ان رئيس أركان الجيش التركي
الجنرال نجدت اوزيل ووزراء الخارجية احمد داود اوغلو والداخلية ادريس نعيم
شاهين والدفاع عصمت يلماز ورئيس الاستخبارات حاقان فيدان شاركوا في
الاجتماع الذي استمر اكثر من ساعتين.
وظهر أن الورقة الكردية يتم
استخدامها على نطاق واسع، من كل الأطراف. فعناصر حزب العمال الكردستاني
الذين يجدون غض نظر من الجانب السوري هم في موقع المسيطر على المدن
والمناطق التي لا وجود للجيش السوري فيها، بل رفع الحزب أعلامه وأعلام "حزب
الوحدة" الكردي التابع له في سوريا على تلال مقابلة للحدود التركية، الأمر
الذي استدعى من وزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو توجيه طلب إلى
الجيش السوري كي يعمل على إنزال هذه الأعلام.
وإذ يرى الأتراك في
هذه الخطوة استفزازا سوريا لهم، فإنهم يمارسون لعبة خطرة ذات حدين.
فبمواجهة الحضور القوي لحزب العمال الكردستاني يعمل الأتراك على جبهة إقليم
كردستان العراق، خصوصا أن أنقرة واربيل توصلتا إلى اتفاق تعاون وتنسيق
بينهما لمواجهة حكومة نوري المالكي. وأولى ثمار هذا الحلف هو استيراد تركيا
النفط الخام من شمال العراق مباشرة من دون موافقة بغداد، ما اعتبرته حكومة
المالكي انتهاكا للقوانين والسيادة العراقية. فإذا كان "رئيس" إقليم
كردستان مسعود البرزاني يخالف القانون العراقي فهو في النهاية طرف داخلي،
لكن أن تنتهكه الحكومة التركية فهذه مسألة تخص سيادة الدول، وتخالف الأصول
الدولية.
وجاءت الأنباء عن تدفق مقاتلي البشمركة إلى شمال سوريا
لتحرير بعض المناطق من يد حزب العمال الكردستاني لتضيف بعدا آخر على
العلاقات بين أنقرة وأربيل. وعلى ما يبدو لا تعارض تركيا هذا التحرك من
جانب البرزاني، إذ انه يبقى الأقرب اليها، بينما حزب العمال الكردستاني
والنظام السوري عدوان لها.
لكن المباركة التركية هذه تدخل في إطار
التخبط الذي توجد فيه السياسة الخارجية التركية. فهي من جهة تعترف بإقليم
كردستان على انه كيان مستقل، بينما تعارض منح أكرادها أية حقوق، ولو لغوية،
أو بالحد الأدنى، فكيف بمطلب الحكم الذاتي أو الاستقلال عن المركز أنقرة.
وهي تعترف بإقليم كردستان بينما تعارض أي تقسيم لسوريا، خشية من دولة كردية
وأخرى علوية وثالثة سنية، وما إلى ذلك.
وإذا كانت الحسابات
التركية هي أن القضاء على الخطر الأكبر، أي حزب العمال الكردستاني والنظام
السوري، له أولوية، فإن الخطر على المدى البعيد على تركيا هو في أن تصبح
المنطقة الكردية من سوريا جزءا من كردستان الكبرى، تضم في مرحلة أولى شمال
العراق وشمال سوريا، وفي مرحلة ثانية ضم جنوب شرق تركيا إليها.
وفي
الواقع فإن مثل هذا الخيار قائم جدا في حال اتجه الوضع في سوريا إلى فوضى
شاملة وتقسيم. وهنا تبدو تركيا في مواجهة أخطار إضافية، وهو أن التقسيم
سيجر إلى دولة علوية قد يكون المسيحيون في سوريا جزءا منها. وهاتان
الدولتان الكردية والعلوية ستقعان على معظم الحدود التركية - السورية
الحالية، بحيث تجد أنقرة نفسها أمام ثلاث دول إلى جنوبها: كردية وعلوية
وربما سنّية ذات ممر ضيق إلى تركيا. وإذا ما لفتنا الى ان الدولة العلوية
ستكون محاذية للواء الاسكندرون التركي ذي الغالبية العربية والعلوية، وان
الدولة الكردية ستكون بمحاذاة المناطق الكردية في تركيا، لرأينا مدى
التداعيات التي سيسببها انفلات الأوضاع في سوريا على تركيا تحديدا.
وتركيا
ستكون حينها أو ربما قبلها أمام مخاطرة القيام بمغامرة عسكرية تهدف إلى
وضع المنطقة الكردية في سوريا تحت سيطرتها لمنع ضمها إلى كردستان العراق،
كما محاولة منع إقامة دولة علوية في الساحل السوري الممتد إلى الاسكندرون.
وهذا
الخيار ليس بالطبع بالسهولة التي قد يعتقدها بعض الأتراك. ولهذا السبب خرج
سميح ايديز امس في صحيفة "ميللييت" قائلا ان المشكلة في سوريا بالنسبة
لتركيا لم تبدأ بعد، بل المشكلة هي في مرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار
الأسد.
ويحمّل ايديز، الكاتب العلماني، السياسات السنّية لحكومة رجب
طيب اردوغان مسؤولية ما وصلت اليه هذه السياسة، من ارتباك عندما لم ير في
سوريا سوى رئيس علماني وعلوي متشدد يقتل السنّة، بينما كانت أخطار نشوء
الدويلة الكردية والعلوية، أو تغير المشهد العام في سوريا والمنطقة خارج
النظر.
وسيكون من نافل الأمور القول ان السياسات التركية، التي سعت
الى تغيير النظام في سوريا بالقوة عبر "الجيش السوري" الحر" واحتضانه
وتمويله وتدريبه وفتح الحدود أمامه، كما تأسيس أنقرة المجلس الوطني السوري،
هي سياسات مسؤولة عن الأخطار التي تحيق بتركيا، والتي تعد بصورة قاتمة لا
تخدم سوى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي عنوانه الأساسي: الفتنة المذهبية،
وتقسيم المنطقة الإسلامية إلى كيانات صغيرة عشائرية وعرقية ومذهبية، تشكل
تركيا واحدة من الساحات النموذجية لتطبيق مثل هذا المشروع في وقت لاحق، وإن
رأى قادة حزب العدالة والتنمية خلاف ذلك.
محمد نور الدين