سيعتبرونكم مجموعة أطفال تافهين. سينزعون عنكم أي رغبة في الحياة
وسيقولون إنكم قطعان من الخراف الضالة. سيعتبرونكم أعداء الوطن. سيربطونكم
بأجندات خارجية جزائرية وفارسية وصومالية. سيقولون إنكم عملاء لكنائس
ومخططات فضائية لزعزعة استقرار البلد.
سيكتبون الكثير من الكلام الغبي عنكم. سيهددون سلامتكم الجسدية.
وسيتعقبون اتصالاتكم الهاتفية. سيبحثون في سجلاتكم القديمة بمواقع الأنترنت
عن صور مع فتيات جميلات أو قنينات نبيذ ليثبتوا أنكم متسكعون فوضويون
وحقيرون. سيعمل المقدم والقايد وعنصر الاستعلامات العامة مطولا في الأيام
القادمة لمعرفة عدد خطواتكم وكيف تمشطون شعركم والأماكن التي تفضلون الذهاب
إليها، وسيسبونكم كثيرا في خاطرهم. سينظر إليكم بعض جيرانكم باحتقار
وسيرددون عباراتهم المسكوكة كأسطوانات تنتمي إلى عصر المولى اسماعيل:
"واكلين شاربين وبخير". ستكونون أنتم محاصرين بكل هؤلاء وهو ينصبون لكم
محاكمات في العلن، ولن تهتموا لكلماتهم. سيتحدثون عنكم في المقاهي
والمنازل وفي الشارع وفي البارات والسجون وفي المكاتب المكيفة بالسوء.
سيخرج وزراء ليعلنوا أنكم تتقاضون أجورا من جهات معلومة لإشعال النار في
البلد، التي تعيش حسبهم ظرفية لا تسمح بأي حركة احتجاجية. سيجلسون أمام
الكاميرات ليخبروها أن كل شيء على ما يرام وأنكم مجرد مرضى نفسيين ومدمني
أنترنت جبناء يخفتون وراء حواسيبهم. قد يتخلى عنكم الأقرب إليكم في لحظة
ما. في حين سيعدد آخرون المنجزات العظيمة التي تراكمت في البلاد، ولا
ترونها بعيونكم الحاقدة.
أما أنتكم فستكونون قطرة بنزين صغيرة على
الأرض. شيء أسود يشبه الظل ولا يظهر. ستتقدمون بطيئين على تراب الأرض. وكل
خطوة ستجعلكم أكبر. ستلتصق بكم أطياف غريبة ومهمشة ولا تنظر إليها عدسات
الكاميرات الرسمية حتما. ستكبرون وستبشرون بغد أفضل. ستشتعل فيكم نار
الغضب. ستتحول إلى كلمات وشعارات ومطالب. قد تخفقون وقد تنجحون. لكن عميقا
داخلكم سيكبر شيء آخر أهم. الرغبة في التغيير. ستعرفون أن لكم صوتا. أن
البكم الذي كان قدر أجيال سبقتكم ليس قدركم. وأن عليكم الصراخ بصوت عال نحن
هنا. ستكتبون تاريخكم بيدكم. سيصير وعيكم بواقعكم أكثر حدة، وستنتفض في
عروقكم كلمات الكرامة والحرية والعدالة. ستنفضون عن هذه الكلمات الغبار
الذي تراكم عليها في قواميس آبائكم. لن تقبلوا بعدها أن يطأ أحدهم على
أعناقكم، ولا أن تعاملوا كأبناء سفاح. لن تبقوا أشياء وستصيرون آدميين
حقيقيين.
إذا أخفقتم ستحفرون عميقا في قلوب الذين سيأتون بعدكم
معاني الكلمات إياها. ستبنون مستقبلكم بأياديكم ولو تعرضتم لكل الطعنات.
ولن تتوقفوا في منتصف الطريق. لأن جذوة الحرية اشتعلت فيكم. ستكونون الوطن.
أنتم الوطن.