مساء الخميس الماضى كنت أتفق مع ما طرحه الرئيس مبارك من تعديل ست مواد من
الدستور، ونقل صلاحياته لنائبه، تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية تعددية حرة،
تأتى برئيس جديد يشرع فى تنفيذ ما أراده الشعب المصرى من تغييرات سياسية
واجتماعية أكثر من مهمة، مثل كتابة دستور جديد، واستحداث قوانين جديدة تطلق
حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات.. إلخ.
وبنيت قناعاتى على تخوفات مشروعة من أن عدم قبول هذا الطرح قد يقودنا إلى
بدائل أصعب مثل انقلاب عسكرى أو سيادة حالة من الفوضى قد تستمر طويلا، أما
وأن الثورة قد اكتملت مساء الجمعة، وقرر الرئيس التخلى عن الحكم، وتولى
المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد، فقد سقطت الجمهورية الأولى
التى بدأت منذ عهد الرئيس محمد نجيب، مرورا بالرؤساء جمال عبد الناصر وأنور
السادات وحسنى مبارك، وبالتالى سقطت المؤسسات الدستورية مثل مجلسى الشعب
والشورى والحكومة.
بدأت الجمهورية الثانية مساء الجمعة بمجلس عسكرى انتقالى، لكن هذا لا يعنى
أننا انتقلنا مباشرة إلى كل ما أراده الشعب من طموحات، فما تحقق حتى الآن
هو انهاء جمهورية، والمرور فى مرحلة انتقالية تسبق الجمهورية الثانية، التى
لا نزال بحاجة إلى الكثير والكثير من الخطوات.
وإذا كانت الثورة الشعبية قد قضت على الجمهورية الأولى القائمة على حكم
الفرد، والحزب الواحد، من هيئة التحرير إلى الحزب الوطنى، فإنها فى نفس
الوقت كتبت شهادة وفاة الحياة الحزبية التى كانت قائمة قبل الجمعة 11
فبراير، صحيح أن بعض الأحزاب شاركت فى الثورة بشكل رسمى أو رمزى، أو أيدت
مطالبها، لكن الجسم الأكبر جاء من خارج هذه الأحزاب.
ولعل أهم تحديات الجمهورية الثانية العاجلة الانطلاق إلى حياة حزبية سليمة
وحقيقية، وحين تجرى لقاءات ومشاورات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعتقد
أن المطلب الأول الذى يجب بحثه بمنتهى السرعة هو حرية تكوين الأحزاب، عبر
مرسوم مؤقت يصدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحدد القواعد المنظمة
للأحزاب، وطرق إشهارها.
من أهم الخطوات التنفيذية المرتقبة فى الجمهورية الثانية انتخاب رئيس
للجمهورية، ثم مجلسى الشعب والشورى، ولا أتصور أننا يمكننا إجراء هذه
الانتخابات دون وجود أحزاب قوية وفاعلة فى الشارع تعبر عن رأى الجماهير
وتتمتع بعضوية فاعلة، وليست مجرد أحزاب هامشية أو صغيرة.. لذلك يجب الشروع
فورا فى إصدار المرسوم العسكرى الخاص بتشكيل الأحزاب حتى تستطيع بناء
قواعدها وهياكلها والاستعداد الجدى للاستحقاقات الانتخابية الرئاسية
والتشريعية المقبلة.
أما على رأس التخوفات الكبيرة فى الجمهورية الثانية فيأتى انتشال الاقتصاد
المصرى الذى كان يترنح منذ الأزمة المالية العالمية والكساد الكبير الذى
ضرب العالم عام 2008، وأضيف إليه الآن الخسائر المباشرة الناتجة عن تعطل
الأعمال طيلة ثلاثة أسابيع، وعمليات السلب والنهب التى حدثت، وانهيار
البورصة، وتوقف حركة السياحة تماما، وتراجع إيرادات قناة السويس، إضافة إلى
أننا مقبلون على موجة تسريح عمالة كبيرة من الشركات الخاصة التى ستعيد
هيكلة أنشطتها فى مصر فى ضوء ما بها من تطورات وعدم وضوح صورة المستقبل
القريب.
لست خبيرا اقتصاديا، ولا يمكننى وضع روشتة لانتشال الاقتصاد من عثرته
الحالية، لكن حين قامت الثورة كانت نسبة من هم تحت خط الفقر 42% من
المواطنين، وعلى كل من يدير البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية التحرك سريعا
قبل أن تتفاقم وتتزايد معدلات الفقر والبطالة لأن ذلك قد يمثل خطرا كبيرا
على الثورة، وعلى الجمهورية الثانية التى لم تبدأ بعد.