الملايين تحسم اليوم أسئلة الحوار والدستور ... ومبارك يستعد لرحلة علاج طويلة إلى ألمانيا
الطغيان يماطل مراهناً على تعب جماهير مصر
|
متظاهرون يشنقون دمية تمثل مبارك خلال محاكمة رمزية في ميدان التحرير أمس (أ ب) |
|
|
|
|
|
بدا امس أن الرئيس المصري حسني مبارك يتجه نحو
ارتكاب خطأ أخير قد يكون قاتلاً، عندما عاد إلى الصورة مجدداً ليؤكد انه لا
يزال الحاكم، ولا يزال المصدر الوحيد للقرار، حتى بوجود نائبه عمر سليمان
الذي نحي جانباً ولم يعرض التلفزيون المصري مشاهد عن حواراته مع معارضي
النظام، والتي استمرت امس وشملت مجموعات شبابية لم يعلن عن أسمائها ولا عن
انتماءاتها، لكنها لم تكن تمثل قيادات ثورة مصر، ولا جاءت من ميدان التحرير
الذي تعرّض لمحاولة حصار جديدة من جانب الجيش لفتح طرقاته ومكاتب مبنى
مجمع التحرير الشهير في وسطه، لكن المعتصمين صدّوها في ساعات الصباح
الأولى، قبل أن ينضم إليهم في ساعات بعد الظهر والمساء آلاف المتظاهرين
تعبيراً عن الإصرار على المطلب الشعبي العام بالتنحي الفوري لمبارك، الذي
ذكرت مجلة «در شبيغل» الالمانية انه يستعد لرحلة علاج طويلة إلى ألمانيا.
واوحت وقائع يوم امس أن مبارك شرع في شن هجوم سياسي وإعلامي مضاد على
الثورة الشعبية، سواء عندما ترأس اجتماعين حكوميين امس، وهو ما كان نادراً
في يوم واحد نظراً لوضعه الصحي، أو في انعقاد حكومته للإيحاء بأن الأزمة
انتهت وعادت الأمور إلى طبيعتها، برغم الاحتجاجات التي وضعت في قفص الاتهام
بأنها تعطل الدورة الاقتصادية والمعيشية للناس فيما النظام يعمل جاهداً
على تحريكها، علماً بان المتظاهرين اكتسبوا امس زخماً جديداً من عدد من
النقابات العمالية والقطاعات الاقتصادية التي نظمت مسيرات دعم في أنحاء
متفرقة من القاهرة وعدد من المدن الكبرى، وتعهدت بالانضمام إلى المعتصمين
في ميدان التحرير، في المسيرة المليونية المقررة اليوم، ويوم الجمعة الذي
بات يعتبر حداً فاصلاً للمواجهة مع النظام.
وأفاد معارضون من مختلف الأطياف أن قرار الهجوم المضاد صادر عن رغبة
بالتحدي، أو عن شعور بالاطمئنان إلى أن الأزمة بلغت ذروتها، وفي الحالتين
ثمة جهل فاضح من قبل النظام في حقيقة ما يعتمل في نفوس الجمهور ليس فقط من
غضب بل أيضاً من استعداد لخوض معركة كبرى تحرق الأخضر واليابس في البلد
كله، إذا كان هذا هو الثمن المتبقي لفرض خروج مبارك من السلطة، وإحداث
تغيير جذري في النظام وفي جميع مؤسساته.
وقالت مصادر معارضة إن الخطوات التي اتخذها النظام حتى الآن مهمة فعلا
لكنها ليست كافية، والاهم من ذلك انه أوحى امس انه مستعد للتراجع عنها في
أي لحظة، وإجهاض مسيرة التغيير التي لم تعد تملك من ضمانة للوصول إلى
أهدافها سوى الشارع، الذي يبدو أن مبارك يراهن على الوقت لإنهاكه وإفراغه
من المحتجين في مهلة أسبوع أو اثنين، علماً بان الناس مستعدة للبقاء فيه
طوال الأشهر السبعة المقبلة إذا لزم الأمر، مع أن أحداً لا يتوقع أن تطول
مدة بقاء مبارك في الرئاسة حتى انتهاء ولايته في أيلول المقبل.
مع ذلك فإن أسئلة التفويض لنائب الرئيس والحوار مع المعارضة والتعديل
الدستوري ظلت معلقة في سماء مصر، من دون أن يتلقى الشارع إجابات واضحة
عليها، سوى أن النظام بدأ فعلاً في التضحية ببعض رموزه ووجوهه السياسية
والأمنية السوداء، لكنه لا يزال يعتبر نفسه قائماً ولا يزال يعتبر حزبه
فاعلاً ولا يزال يعتبر إعلامه مؤثراً، في ما يوحي بأنه غائب عن الوعي
تماماً أو أنه جاهز لارتكاب خطأ كبير، يشبه الخطأ الذي ارتكبه عندما انزل
خيوله وجماله إلى ميدان التحرير لمواجهة المتظاهرين فانقلب العالم كله ضده.
ومع دخول ثورة الشعب المصري أسبوعها الثالث، بدا أن طرفي الصراع ما
زالا متمسكين بمواقفهما، فالمتظاهرون استمروا في التدفق إلى ميدان التحرير
وشوارع باقي المدن المصرية للمطالبة بتنحي مبارك تحت شعار «الشرعية
الثورية»، فيما بدا النظام أكثر ميلاً إلى تقديم «التنازلات» على مراحل،
رافضاً إسقاط رئيسه تحت حجة «الشرعية الدستورية».
ميدان التحرير
وحتى مساء يوم أمس، كان آلاف المتظاهرين يتدفقون في ميدان التحرير،
استعداداً لتظاهرة مليونية جديدة اليوم، ستسبق تظاهرة مليونية أخرى يوم
الجمعة المقبل اختاروا لها اسماً جديداً هو «يوم الحسم»، فيما فضل آخرون أن
يطلقوا عليها اسم «يوم الزحف» للتلويح باحتمال الخروج بتظاهرات غاضبة
انطلاقاً من ميدان التحرير نحو مبنى التلفزيون الرسمي وحتى قصر الرئاسة في
مصر الجديدة.
ومنع المعتصمون، أمس، الجيش المصري من فتح أهم مجمع حكومي في ميدان
التحرير، رافضين بذلك عودة الحياة الطبيعية إلى هذا الشريان الحيوي في قلب
القاهرة الذي يحتلون جواره منذ أسبوعين. وخرج المتظاهرون من الميدان
وأقاموا حاجزين بشريين على طرفي المدخل الخلفي للمجمع الحكومي مانعين
الموظفين من الدخول إليه.
من جهة ثانية، ما زال المعتصمون يفترشون الأرض حول الدبابات المنتشرة
بين ميدان التحرير وميدان عبد المنعم رياض قرب المتحف لمنع الجيش من القيام
بخطوتين يخشيانهما: إما التقدم باتجاه الميدان وبالتالي فتح قسم منه على
الأقل أمام حركة المرور، أو التقدم باتجاه ميدان عبد المنعم رياض لإزالة
العوائــق التــي أقيمت لصد هجمات مؤيدي مبــارك، علماً بأنّ هذا المحور
كان قــد شــهد أشرس المواجهــات بين الطرفيــن ووقعــت فيه غالبيــة
ضحــايا المعتصمين.
وأعلنت حركة «شباب 6 أبريل» اعتزامها تنظيم تظاهرة حاشدة أمام مبنى
الإذاعة والتلفزيون بالتوازي مع الاعتصام في ميدان التحرير، احتجاجاً على
«الأكاذيب» التي يردّدها الإعلام الحكومي لتشويه صورة المعتصمين. وأوضحت
الحــركة أنهـــا تحضر لتحركات احتجاجيــة عديــدة خلال الفترة المقبلة،
مؤكــدة على أن «الاحتجاجات لن تتوقــف إلا إذا رحل الرئيس مبارك ونظــامه
كاملاً».
اجتماعات النظام
وواصل نظام الرئيس حسني مبارك محاولاته لامتصاص الغضب الشعبي عبر إطلاق
الوعود بالإصلاح السياسي والتصدي للفساد، متجاهلاً المطلب الأساسي بتنحي
الرئيس. وعقد مبارك اجتماعين موسعين مع أبرز مسؤولي الدولة، لم يرشح شيئاً
عما دار فيهما، فيما عقدت حكومة أحمد شفيق اجتماعاً بكامل أعضائها، وذلك
للمرة الأولى منذ انطلاق الانتفاضة الشعــبية قبل أسبوعين.
وذكرت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» أن مبارك ترأس اجتماعاً ضم سليمان
ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور ورئيس محكمة النقض سري صيام. ولم تذكر الوكالة
شيئاً عما دار في الاجتماع، لكن يرجح أن يكون المجتمعون قد بحثوا مسألة
الدعاوى القضائية المرفوعة أمام محكمة النقض، والتي يمكن أن تبطل نتائج
انتخابات مجلس الشعب الماضية في 159 دائرة.
وذكرت الوكالة في وقت لاحق أن مبارك ترأس اجتماعاً آخر موسعاً ضم
سليمان وسرور وشفيق ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ووزير الدفاع محمد حسين
طنطاوي ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط ووزير الداخلية محمود وجدي ومدير
المخابرات العامة مراد موافي ورئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي، من
دون أن تذكر شيئاً عما دار في الاجتماع.
وعقدت الحكومة المصرية اجتماعاً اقتصرت قراراته على الشؤون الاقتصادية من دون التطرق مباشرة إلى الأحداث الأخيرة.
وأعلن شفيق في ختام الاجتماع أنه «تمّ تشكيل لجنة وزارية فاعلة ومؤثرة
للمتابعة الدقيقة جداً لكل متغيرات الموقف الاقتصادي لكي نكون قادرين على
مراجعة الأمر أولا بأول»، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على وضع خريطة طريق
للحوار مع المعارضة، مشيرة إلى أن مبارك سيبقى في منصبه للإشراف على
التغيير.
وفي اطار اتخاذ خطوات تستوعب موجة الغضب في الشارع المصري، أعلن وزير
المالية سمير رضوان زيادة مرتبات العاملين في أجهزة الدولة بنسبة 15 في
المئة على أن تسري الزيادة ابتداء من الأول من نيسان المقبل، مشيراً إلى
أنه تمّت الموافقة أيضاً على إنشاء صندوق بقيمة خمسة مليارات جنيه (850
مليون دولار) لصرف تعويضات للمتضررين كافة من الأحداث الأخيرة.
وأضافت أنها ستمضي قدماً نحو الإفراج عن النشطاء المعتقلين، وضمان حرية
الصحافة وإلغاء قانون الطوارئ، مشيرة إلى أنه تم تشكيل لجنة لدراسة
التعديلات الدستورية.
وفيما سعى نظام مبارك إلى الإيحاء باستعادة الهدوء، بعد نشر عناصر من
الشرطة في الشوارع وتخفيف حظر التجوال ساعة واحدة، فقد جنّد وسائل إعلامه
وعدداً من رموزه السياسية والفنية لدعوة المتظاهرين إلى العودة لمنازلهم
تحت شعار أن معظم مطالبهم قد نفذت.
من جهة ثانية، أفرجت السلطات المصرية عن مدير التسويق في شركة «غوغل»
وائل غنيم، الذي اختفى منذ تظاهرات «جمعة الغضب» في 28 كانون الثاني، ولم
يعرف عنه شيء منذ ذلك الحين، علماً بأنه المشرف على الصفحة الخاصة على موقع
«فيسبوك» بمجموعة «كلنا خالد سعيد»، إحدى الحركات التي أطلقت شرارة الثورة
المصرية.
وكان لافتاً، أن الأمين العام الجديد للحزب الوطني الحاكم حسام
البدراوي أصرّ على اصطحاب غنيم بسيارته الخاصة إلى منزل عائلته بعد الإفراج
عنه من أحد سجون وزارة الداخلية.
وفي مقابلة مع محطة محلية، قال غنيم إنه قبل بأن يوصله البدراوي في
سيارته تقديراً لشخصه وليس بسبب موقعه للحزب الوطني. وأضاف غنيم أنه طلــب
من البدراوي أن يستقيل من الحزب، لافتاً إلى أنه أبلغه بتطلعه إلى عدم رؤية
شعار الحزب الوطني في مصر.
واشنطن
وفي واشنطن، بدا أن الإدارة الأميركية بدأت تخفف من حدة لهجتها تجاه
مبارك، بعدما كانت دعته مرات عدة إلى البدء «فوراً» بعملية انتقالية، إذ
اعتبر الرئيس باراك اوباما أن العملية السياسية في مصر تحرز «تقدماً»، وذلك
غداة انطلاق حوار بين السلطات المصرية وممثلي المعارضة.
ورداً على ســؤال لــدى خروجه من غرفة التجــارة الأميــركية في
واشنطن، حيــث ألقى خــطاباً، قال اوباما «بالتأكــيد، على المصريين
التفــاوض على مسار ما، وهم يحرزون تقــدماً» في هذا الإطار.
وجدد البيت الأبيض دعوته أي حكومة مصرية مقبلة إلى احترام «الاتفاقات
والالتزامات» الحالية، في إشارة إلى معاهدة الصلح التي وقعتها مصر
واسرائيل.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس، رداً على سؤال حول احتمال
مشاركة جماعة «الإخوان المسلمين» في الحكومة المصرية المقبلة، إن الولايات
المتحدة «ستكون شريكاً» لحكومة مصرية «ونتوقع أن يحترم ذلك الشريك بشكل خاص
الاتفاقيات والالتزامات التي أبرمتها الحكومة المصرية وبالتالي الشعب
المصري».
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي إن «السؤال
الذي يبــرز الآن، هو ما إذا كانت مصــر اليــوم مستعدة لإجراء انتخابات
تنافــسية ومفتوحة بالنظر إلى الماضي القريب حين لم يكن من الممكن، وبكل
صراحة، وصف تلك الانتخابات بالحرة والنزيهة».
وتابع «اعتقد أن (إجراء الانتخابات) سيكون تحدياً صعباً»، مشيراً إلى
أن واشنطن تريد «انتقالاً منظماً» للسلطة في مصر، لكنه لم يفصح عما إذا
كانت الإدارة الأميركية ترى ضرورة في أن يبقى مبارك رئيساً حتى ذلك الحين.
«در شبيغل»
في هذا الوقت، ذكر موقع مجلة «در شبــيغل» أن مبارك قد يغادر مصــر
لإجراء «فحوص طبــية طويلة» في ألمانيا، متحدثــاً عن مناقشــة هذا الخيار
عملــياً. وأوضحت «در شبيــغل» أن «الأفكــار حول زيارة طبية يقــوم بها
مبارك لألمانيا باتت ملموسة أكثر مما كــنا نعتقد حتى الآن» موضحة
«مشــاورات تمهيدية تجري مع المستــشفيات الملائمة ولا سيما عيادة ماكس -
غرونديغ في بول في منطقة بادي - فورتنبرغ» في جنوبي غربي ألمانيا، وذلك
نقلاً عن مصادر في هذه العيادة.
وخضع مبارك في آذار العام 2010 لعملـــية استئصال المرارة وإزالــة ورم
حميــد من الإثني عــشر في عيــادة هايدلبرغ فــي جنــوبي غربي ألمانيا،
وأوكل صلاحياته آنذاك إلى رئيس الوزراء احمد نظيف.
(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أب، د ب أ، أ ش أ)