إذا قُدّر لثورة الشعب المصري الحالية تحقيق هدفها الرئيسي برحيل الرئيس حسني مبارك طوعا أو كرها، فإن ذلك قد يكرس الآراء السائدة بأن الغرب يتخلى دوما عن حلفائه إذا ما تفجرت ضدهم براكين الغضب الشعبي ببلدانهم.
ومن شأن نجاح الانتفاضة المصرية في الإطاحة بنظام الرئيس مبارك الذي يحكم مصر منذ ثلاثة عقود أن يعيد إلى الأذهان سيرة حكام آخرين حظوا بدعم الولايات المتحدة والغرب قبل أن تتم التضحية بهم تحت ضغط الشعوب.
ويبرز في هذا الإطار شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي الذي حول بلاده منذ توليه الحكم عام 1949 إلى تابع مسلوب الإرادة للولايات المتحدة، ووظف كل إمكانيات إيران ومواردها في خدمة سياسة واشنطن وأهدافها الإقليمية والدولية قبل أن تتركه يواجه بمفرده مصير السقوط المحتوم.
فقد أغمضت كل الإدارات الأميركية التي تعامل معها الشاه عينيها عن ممارسات “شرطي الخليج” بحق شعبه طوال 38 عاما قضاها في السلطة، ووصف الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إيران الشاه نهاية 1977 بأنها واحة أمان في محيط متلاطم الأمواج، لكنه تناسى بسرعة هذا الوصف عند اندلاع الثورة الإيرانية, بل ذهب إلى حد إرسال موفد طالب بهلوي بالتخلي عن عرشه ومغادرة إيران.
وسدت الولايات المتحدة أبوابها في وجه حليفها السابق الذي لم يجد مكانا يعالج فيه من داء السرطان إلا في بنما، قبل أن يستضيفه الرئيس المصري الراحل أنور السادات في القاهرة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة طريدا وحيدا.
ماركوس ونوريغا والنميري
ولم يختلف تصرف واشنطن مع الشاه عما فعلته مع الرئيس الفلبيني المخلوع فرديناند ماركوس الذي ساهمت في وصوله إلى السلطة عام 1965، وسعى ماركوس طوال سنوات حكمه لرد جميل واشنطن فجعل بلاده وكيلا لها بجنوب شرق آسيا وملأ الأراضي الفلبينية بالقواعد الأميركية.
ولم يشفع كل ذلك لماركوس عندما ثار الشعب ضده عام 1986 بقيادة كورازون أكينو، ليرضخ في النهاية لطلب السفير الأميركي في مانيلا آنذاك ستيفن بوزورث بمغادرة البلاد، وهرب مع زوجته إيميلدا إلى هايتي حيث مات هناك.
وفي عام 1986 رفضت الولايات المتحدة استقبال الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري على أراضيها ليكون لاجئا سياسيا بعد ثورة السودانيين عليه، وتناسى الأميركيون ما أسداه لهم النميري من خدمات لا سيما دفنه المزعوم لنفاياتهم النووية في بلاده, ومساعدته في ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة.
وتكرر نفس السيناريو الأميركي مع الرئيس البنمي الأسبق مانويل نوريغا -الذي يمضي الآن عقوبة السجن 19 عاما في السجون الفرنسية، بعد قضائه سنوات بالسجون الأميركية بتهمة اغتيال معارضين سياسيين- الذي حرضته الولايات المتحدة عام 1983 على القيام بانقلاب تخلص فيه من الرئيس عمر توريخوس الذي أنهى النفوذ الأميركي في بنما وأمم قناتها.
وغضت إدارة الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الأب الطرف عن ضلوع نوريغا طوال فترة حكمه في تجارة المخدرات، لكن بوش الأب ما لبث أن أدرك أن حاكم بنما قد تحول إلى عبء على واشنطن فأرسل عام 1989 وحدة عسكرية أميركية اعتقلت نوريغا وجلبته إلى سجن أميركي.
مشرف وبن علي
وفي عام 2008 ترك الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أحد أبرز حلفائه وهو الرئيس الباكستاني برويز مشرف يسقط تحت وقع غليان الشارع الباكستاني, ليغادر مشرف السلطة دون أن يتحرك للأميركيين جفن وهو الذي حول باكستان إلى مركز متقدم للولايات المتحدة في العمل العسكري والاستخباري في حربها على ما يسمى الإرهاب.
ولم تمض سوى فترة قصيرة على رحيل مشرف حتى تخلت أميركا عن صنو له هو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي صاحب السجل الحافل في خدمتها داخل وخارج بلاده، وذكرت تقارير صحفية أن فرار الرئيس التونسي السابق جاء عقب إيعاز واشنطن لقائد الجيش رشيد عمار بترك بن علي يسقط.
وبين شاه إيران وبن علي تونس تخلى الأميركيون عن حكام حلفاء آخرين مغضوب عليهم شعبيا، من أبرزهم التشيلي أوغستو بنوشيه والكونغولي موبوتو سيسي سيكو والجورجي إدوارد شيفارنادزه والقيرغيزي عسكر أكاييف.