عد أن تم ترويض شعوب الشرق و دُجِنَّ ثواره بسوط السلطة و ميوعة الأحزاب التقليدية في سيرك عربي كان الرئيس في قصره والسكرتير في حزبه مُهَرجَّينِ لحين موتهما الرسمي . استغل المُتأسلمين المُسَّيسين من أخمص أقدامهم لوساخة عمائمهم ، الفراغ الفكري والسياسي و طرحوا فكرة المُنتَّظر أفيونا والمفخخة طريقا صوب تجمع العاهرات . أي أفيون قدسوه بنَّصٍ ؟ وأية امرأة تقبل بإرهابي يفجر الطفولة والأنوثة إن لم تكن عاهرة وان كانت بجوار المطلق . قالوا:- إن الشعوب العربية عاقرة وحملهم الثوري كاذب و إن الجماهير التي هدمت جدار الفصل والوصل البرليني لتهزم سلطة الحزب الذي قال أنا والطبقة توأم قد أصابت نصف الحقيقة بنصف الثورة بإزاحة أنصاف الاشتراكيين. فأي قول وهندسة للكلام يتشكل في فوضى الحدث المنتظم مع صيرورة التاريخ في فضاء عربي يشهد تهدماً لجدار الرمل الذي فصل مدنه وجعل من شعوبه أعراباً في عصر العولمة؟ .
فوضى الحدث في تونس الخضراء ومصر الحمراء ينتظم بحكم الجدل الاجتماعي لان القرامطة الجدد و أصحاب صاحب الزنج اكتشفوا حبرا جديدا للثورة بعد أن جف الحبر السري الذي اكتشفه البلاشفة الروس ،انه اليسار الجديد، اليسار الالكتروني كما وصفهم الكاتب والإعلامي اليساري رزكار عقراوي ، يسار يتجه صوب السماء ليقتحموه بعد أعلنت الرأسماليات وتوابعها عن حكوماتها الالكترونية للقمع في فضاء الكتروني حيث السوق وهم و التجارة الكترونية والإنتاج اسمي و أحلام البشر محفوظة في ديسك الكتروني يحفظ البصمات ويحدد القرارات . في ظل هكذا متغيرات بنيوية هناك حاجة لإعادة النظر في الكثير من مفاهيمنا ، كدور الفرد في التاريخ، مفهوم الحزب وعلاقته بالطبقة، الثورة والبؤرة الثورية، الثوار وكاريزما المناضلين، مفهوم الخندق وحدوده، النضال الاممي ومركزه .
من أين ننطلق ؟ وهل هناك غير ساحة الميدان المصرية الذي سمع زعيم الشعب الكوردي عبد الله اوجلان صوت شبابه رغم سجنه الانفرادي في جزيرة ايمرالي المعزولة عن العالم حينما قال ( على أهالي ديار بكر أن ينزلوا لميدان المدينة ، مليونية، مستمرة، كما في مصر لنفرض السلام الكوردي على جنرالات الحرب في أنقرة) .
لقراءة الحدث وإعادة تصوراتنا عن مفاهيم الصراع لن نبتعد عن ساحة الثورة، ساحة رسمت فيها امرأة مصرية بسيطة صورة الحدث التي لم تكن مرئية حتى للمخابرات الأميركية التي اعترفت بفشلها وعدم قدرتها على التنبؤ بالزلزال التونسي والمصري ، قالت بعفوية القصيدة مع احمد فؤاد نجم ( اُقَّبل أحذية شبابنا الذين أطلقوا الثورة واعتذر منهم لاني كنت أتصورهم مشغولين بأمور تافهة ). الحدث المصري وقبله التونسي أطلق الجيل الجديد للثوار، ثوار لم يستوعبهم الأحزاب التقليدية ولم يبحثوا عن بؤرة للثورة، ثوار لهم كاريزما مختلفة ليست بالضرورة أن تكون معبقة ببارود الكفاح المغواري. الثوار الالكترونيون اكتشفوا الحقائق كلها لأنهم دخلوا بقعة وان كانت غير مرئية فهي تروي المخفي والممنوع، شاهدوا الصندوق الأسود للرأسماليات العالمية وسياساتها القذرة بعد أن أطلق جوليان آسانج موقع ويكيليكس ،سمعوا عن فتاة سويدية لم تتجاوز عمرها ستة عشر عاما حينما أطلقت تحذيرا عن تصاعد الفاشية من خلال شبكة الفيس بوك ليجتمع بعد ساعات عشرات الآلاف من السويديين الذين اكتسبوا المناعة ضد الثورة ،شاهدوا المتظاهرين الإيرانيين وتعاملهم مع التويتر لكشف قمع الآيات الشيطانية الحاكمة في طهران. اكتشفوا الأشكال الجنينية للنضال الاممي الالكتروني بعد أن سمعوا بان أنصار جوليان آسانج شلوا حركة البنوك الغربية بعد اعتقال آسانج الذي امتلك كاريزما الثورة الالكترونية، تواصلوا فما بينهم رغم حدود الإقطاعيات العربية وجندرمة الملوك الذين يحكمون باسم الجمهوريات الموروثة . انطلقوا بعيدا ولم ينتظروا خطاب الساسة ومفردات السياسة. لم يهرول الأحزاب التقليدية فحسب بل و تحاول الثورة العملية والتكنولوجية أن تكتشف وتطور نفسها من خلال الثورة ، فمثلما كانت الحروب تطور التكنولوجية ، فان ساحة الميدان تفرض نفسها وأسئلتها على تكنولوجيا الاتصال فيقوم غوغل بفتح طريق جديد للتواصل مع التويتر عبر الهاتف الأرضي.
السؤال الذي طرحه ميدان التحرير هو قدرة الشباب واليسار الالكتروني بعد تحريكهم للجماهير على استلام السلطة وعدم فسح المجال للأحزاب التقليدية أن تصادر الحدث التاريخي. ديمومة الثورة في ميدان التحرير فرض على اليسار الالكتروني أسئلة ومهام لا يمكن حلها إلا من خلال ( الأممية الأولى لليسار الكتروني) . للحوار والحواريين المتمدنين مهام في جدل الضرورة الذي انطلق بمقدمات الكترونية لان الامبريالية ليست نمر من ورق كما قال الزعيم الصيني ماوتسي تونغ فقد تحولت إلى نمر الكتروني .