استراتيجية ايران الذكية 'نعم ولكن'
رأي القدس
31/10/2009
نجحت السلطات الايرانية، حتى الآن على الاقل، في خداع الولايات المتحدة والدول الغربية فيما يتعلق ببرنامجها النووي من خلال اتباع اسلوب ناعم يقوم على اساس نظرية 'نعم ولكن'.
الايرانيون مستعدون دائما للمشاركة في اي جولة مفاوضات تدعو اليها واشنطن او الدول الغربية لبحث قضايا تتعلق بتخصيب اليورانيوم، او فتح مراكزها النووية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن دون ان يتنازلوا عن موقفهم السيادي المتعلق في المضي قدما في تخصيب اليورانيوم.
في لقاء فيينا، عرض المفاوضون الغربيون على نظيرهم الايراني مشروعا صاغه الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية، يقضي بارسال ثلاثة ارباع اليورانيوم الايراني ضعيف التخصيب الى روسيا، وبعد ذلك الى فرنسا، لرفع درجة تخصيبه الى حوالي عشرين في المئة، وبما يؤدي الى استخدامه في تشغيل مفاعل ايراني للاستخدامات المدنية، والطبية منها على وجه الخصوص.
المفاوضون الايرانيون رحبوا بالمشروع، ولم يرفضوه، وقالوا انهم سيناقشونه مع حكومتهم في طهران وسيأتون بالرد، وهذا ما حدث، ولكن الرد جاء بعد اسبوع من المهلة المحددة، ويتضمن المزيد من المناقشات لتوضيح بعض النقاط، ومجموعة من المقترحات المضادة في الوقت نفسه، مثل رغبة ايران في شراء يورانيوم مخصب، وتسليم ما في حوزتها من كميات يورانيوم على دفعات وليس مرة واحدة، يتم الاتفاق على حجمها.
الادارة الامريكية تدرك ان السلطات الايرانية تستخدم اساليب المناورة لكسب المزيد من الوقت، ولهذا قالت ان المهلة المطروحة امام ايران للرد على مشروع الدكتور البرادعي ليست مفتوحة، وعلى ايران ان ترد في غضون ايام والا عليها ان تتحمل العواقب.
الرد الايراني جاء 'باردا' على مثل هذه التهديدات، وتلخص في القول بانه، اي الرد الايراني، سيأتي في 'الوقت المناسب' ولا احد يعرف ماهو الوقت المناسب.
لم يتعرض الامريكيون وحلفاؤهم الغربيون الى مثل هذه الاهانات الذكية والمتعمدة من قبل، فقد تعودوا ان يفرضوا شروطهم كاملة، وعلى الطرف الآخر، والعربي خاصة، قبولها دون اي مناقشة، ولهذا لا يعرفون كيف يتعاملون مع صانع السجاد الايراني الصبور والذكي، الذي لا يهتز مطلقاً امام تهديداتهم هذه، سواء بفرض حصار خانق او اللجوء الى الخيار العسكري.
الايرانيون ينظرون باحتقار الى الولايات المتحدة هذه الدولة التي لا تملك ارثاً حضارياً، ولا يزيد عمرها عن اربعة قرون، ويعتقدون ان قوتها هذه زائلة، وانها بحاجة اليهم اكثر مما هم بحاجة اليها.
مسرحية القط الايراني مع الفأر الامريكي ستستمر حتى نهاية هذا العام، وهو الموعد النهائي الذي حددته ادارة اوباما كسقف اعلى للمفاوضات قبل اللجوء الى الخيارات الاخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو عما ستفعله الولايات المتحدة بعد ان تدرك عدم رغبة الايرانيين في التخلي عن طموحاتهم النووية المشروعة.
الحصار الاقتصادي الخانق تهديد اجوف، لان ايران محاطة بدول فاشلة، مما يعني ان ضبط حدودها سيكون شبه مستحيل، مضافاً الى ذلك ان روسيا والصين قد لا تلتزمان باي قرارات بشأن الحصار بسبب العقود الاقتصادية الضخمة التي وقعتها شركاتها مع ايران (حجم العقود الصينية يزيد عن مئة مليار دولار).
اما الخيار العسكري فمكلف للغاية، لان ايران ستدافع عن نفسها وتحاول الانتقام من اي جهة تهاجمها، وتملك صواريخ وخلايا نائمة، وفوق كل هذا 'حزب الله' في جنوب لبنان.
ايران فازت حتى الآن في مسابقة 'عض الاصابع' ونجحت في اذلال الولايات المتحدة ومفاوضتها من خلال القاء الكرة في ملعبها عبر استراتيجية 'نعم ولكن' المستمرة حتى الآن على الأقل.
السبت أكتوبر 31, 2009 7:08 am من طرف لعليليس