|
منطق للاستخدام |
المؤلف: فرديناند سكوت شيلر |
|
تعتبر ترجمة البراغماتية بـ: فلسفة المنفعة ترجمة ناقصة لعجزها عن استيعاب دلالات المصطلح. ولعل ترجمتها بـ: الأدرية هي الأصح والأوفى. فالأدرية تنطوي على معنى أشمل وأوسع من معنى المعرفة. وهذا يذكرنا بقول فرويد لأتباعه عقب زيارتهم لأميركا: إن هؤلاء لا يعرفون أننا حملنا الطاعون إليهم. لكن المطلع على سيرورات التوظيف الأميركية للتحليل يدرك أن الطاعون قد انتقل إلى التحليل وليس إلى أميركا أو نهجها الفكري المعتمد. لقد كانت زيارة فرويد لأميركا في العام 1912 وفي حينه كان ينظر للتحليل على أنه منهج فاقد للعملية. مما عرضه لسخرية الأطباء في حينه. |
إلاّ أن أميركا المهتمة بالدراية فلا مانع لديها من تجربة كل الوسائل الدرائية حتى لو لم تكن علمية. مثال ذلك أن مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي لا يجد حرجاً في اللجوء إلى العرافين والمنجمين لطلب مساعدتهم في القضايا الشائكة. وحسبنا التذكير بأنه كان للرئيس الأميركي ريغان عرافته الخاصة التي كان يستشيرها في جميع أموره. وهذا الانفتاح هو المقدمة للأدرية شرط إيجاد الضوابط الملائمة له. |
بذلك تتحول القضية من إغراق في النظري إلى البحث في العملي. فيتقدم مفهوم الجدوى على مفهوم المبدأ. وتتحول القضية إلى محاولة إيجاد الصيغ المقنعة لدراية متأتية عن خطوات غير معترف بعلميتها. والباحث عن الجدوى لا يتورط عادة في سيرورة العقلنة فحسبه المنفعة التي يحصلها. لذلك نجد أن تجنب التعقيل غالباً ما يجد ترجمته في تحويل الصيغة إلى أرقام أو إحصاءات أو معادلات رياضية. |
إن النجاحات ا لتي حققتها البراغماتية لا تدفعنا فقط للتساؤل عن مظاهر هذا النجاح وديمومته بل هي تدفعنا للتساؤل عن الخلفية الفكرية _ الفلسفية للأدرية؟ |
والبداية تعود إلى مؤسس البراغماتية الفيلسوف ويليام جايمس الذي تراجع في طموحاته الفلسفية من الكون إلى الإنسان فكان أول كتاب له بعنوان:"مبادئ السيكولوجيا" ثم تتابع نتاجه الفكري حتى عبر الأطلسي ليصل إلى بعض الفلاسفة الأوروبيين. وهنا يروي شيللر ردة فعل حضور مؤتمر هيدلبرغ الفلسفي (1908) عندما كلمهمم عن فلسفة جايمس. فقد استنكر هؤلاء فكرة أن تكون أميركا قادرة على الإنتاج الفكري. لكن هذه السخرية لم تمنع شيللر من متابعة آراء جايمس وإعلان إعجابه بها. |
بالرغم من أن جايمس لم يتوصل للارتقاء بها إلى مستوى الفكر الفلسفي بل هو بقي في إطار طرحه لما تمكن تسميته بنظيرة في المعرفة. وبالرغم من كونها كذلك فإنه يسجل لها كونها السباقة إلى الاهتمام بالانسان وسعيها لتحقيق الرضى له عن طريق الكسب والمنفعة. وهي قد نظت بازدراء إلى الفلسفات التقليدية التي تنطلق من موضوع الكون لتعرج على الماورائيات كي تصل إلى التجريد. وكان هذا الازدراء موازياً ومتناسباً مع الاحتقار الذي كانت تظهره هذه الفلسفات تجاه البراغماتية. |
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان بإمكان البراغماتية أن تستمر وأن تصل بنظام القيم الأميركي إلى طموح العولمة؟ وبدون حصولها على دعم نظري يعمق منطلقاتها لتتجاوز إطار النظرية المعرفية؟. الجواب هو أنها تلقت هذا الدعم الذي قربها من النظرية الفلسفية ولكن دون أن تبلغ هذه المرتبة فعلاً. وكان ذلك عن طريق مساهماً شيللر فيها تحت عنوان "الفلسفة الإنسانية" التي انطلقت بصورة فعلية عقب هجرة شيللر إلى الولايات المتحدة. حيث بدأ بتطوير منطلقات جايمس النظرية محولاً إياها إلى مذهب فكري أشمل وأوسع مما حدا بجايمس إلى القول بأن أفكار شيللر هي خميرة صالحة كي تبقى في الوجود. وصح التوقع ، إذ بقيت أفكار شيللر وانتصرت بعد سقوط الأيديولوجيات التي كان ينتقدها ويحكم بلا جدواها. وكان هذا الحكم أكثر وضوحاً في كتابه الصادر عام 1929 والمعنون ب"منطق للاستخدام". وفي مقدمة الآراء الواردة فيه نذكر: |
- إن الإنسان هو الحكم والمرجع في الحكم على منفعته. |
- لا بد ممن استبدال أحكام "الوجود" بأحكام "القيمة". |
- إن الحقيقة هي مجرد إدارة للعمل. وهي ليست تجريدية أو مطلقة لأنها ممكنة التشكيل. |
- إن الواقع لا يصبح كذلك إلاّ عبر فعل الإنسان فيه. |
أما عن ترجمة شيللر العملية لهذه المبادئ فتتمثل في رؤيته القائلة بأن النظرة النسبية للحقيقة من شأنها تحرير الإنسان من التناقض الأزلي القائم بين طموحاته كفرد وبين بطش رأي الجماعة الذي يشكل القوة والسلطان اللذان ينزعان عن الإنسان استقلاله الروحي. ويحاول شيللر دعم الفردانية في مذهبه عن طريق إعطاء الأمثلة على أن الفكر كان دوماً فكراً فردياً. وبذلك يبرر معارضته لكل إطلاقية أو حتمية. وكذلك معارضته للواقعية (لقربها من المثالية المطلقة). ويخلص إلى التأكيد على أن كل نظرية (أو فكرة إنسانية) غير قابلة للتطبيق في الحياة وفي البحوث العلمية غير صحيحة مهما بلغت درجة منطقيتها!. |
ويصل شيللر إلى ما يشبه الإعلانات المعاصرة عن سقوط الأيديولوجيات عندما يصنف الاعتقادات (التي يفترض كونها قيماً أيديولوجية) في خانات هي: |
1- الاعتقادات الضمنية (التي لا نجاهر بها أو نناقشها) |
2- الاعتقادات الجدالية (وهي غير مستقرة لكننا نسلم بها عن بينة) |
3- إنصاف الاعتقادات (وهي غير ثابتة _ غالباً دينية برأيه) |
4- الاعتقادات الخائنة (وهي نتيجة خطأ في نشاط الذات الواعية _ غالباً سياسية) |
5- الاعتقادات الموهمة (وهي إيحائية) |
عبر هذا التصنيف يبين شيللر لا إطلاقية المعتقدات (مقدمة إعلان نهاية الأيديولوجيا) وعدم اضطرارنا للاستسلام لها كأداة بطش اجتماعية أو سلطوية. بالتالي فإننا يجب ألاّ نكون عبيداً لمعتقداتنا. فنحن أحرار في اختيارها وتعديلها. بما يتناسب مع غاياتنا وطموحاتنا الفردية. إلاّ أن حريتنا هذه مرتبطة بأربعة شروط رئيسية هي: البعد عن التشيع وعن المواقف الحزبية وعن العنصرية واعتماد قيم التسامح والشمولية الإنسانية. وفي حال الإلتزام بهذه الشروط يمكن للشخص أن يتحرر من خصوصيته وأن يتحول إلى مواطن عالمي! وبذلك يضيف شيللر نبوؤة "العولمة" إلى نبوؤته السابقة أي "نهاية الأيديولوجيا". |
لا شك أن هذه الطروحات تستثير الكثير من الحوار والمعارضة إلاّ أننا نعرضها بصفتها المؤسسة لما نعيشه اليوم. وللراعبين بمعرفة أفضل عن المؤلف نقول بأنه فرديناند كانغ سكوت شيللر المولود في ألمانيا عام 1964 والمتوفى في انجلترا عام 1937 عن 73 عاماً. ومن كتبه "المثالية الشخصانية" و "منطق للاستخدام" بالإضافة إلى عشرات |
Ho |