ابو مروان " ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 411
الموقع : الحرية تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | أجنحة | |
لا أدري منذ متى بدأت أنظر إلى السماء,حالما بالسكن في قبابها, والتوحد مع ألوانها, والسيادة في ممالكها. في حصص الرسم المدرسية, لا أحد كان يجرؤ على منافسة ضربات ريشتي السحرية, ورسم لوحات ارتجالية, يكون موضوعها الطبيعة, والسماء, والطيور. كنت مهووسا بتحليقات الطيور, وهي تبدع لوحات تنتمي لكل المدارس الفنية, دون أن تحظى بجوائز تقديرية, أو يقام لها معارض أو تكريم.. دائما في الأعالي, ولا ترضى بما دون القمم .. ذات مساء, ظهر على القناة اليتيمة آنذاك, والتي لم تتسرب إليها أنظمة التلوين بعد, إشهار لمشروب غازي, بطله طفل في عمرنا, يشرب في انتشاء, مباشرة من فم القنينة, وكأنه يرضع من ثدي أمه الحنون. مد ذراعيه إلى الأمام, وباعد ما بين رجليه, وحاول أن يطير.. لحظات.. وحلق في الهواء.. الله أعلم كيف تم له ذلك. ففي زمن البراءة ذلك, كنا نصدق أي شيء نسمعه, أو نراه. في الغد, طلبنا من آباءنا أن يشتروا لنا ذلك المشروب الغازي. اشتروه لنا, وشربناه, وبدأنا نقلد طفل الإشهار.. لكن المحاولة فشلت. كررناها, مرات ومرات, وفي كل مرة, بإصرار وتصميم زائدين.. ودائما بدون نتيجة. انتظرنا الأيام التي تكون فيها الرياح قوية, وخرجنا للضواحي, وتسلقنا المرتفعات, وقمنا بنفس بحركات طفل الإشهار, ولكننا لم نتمكن من التحليق.. بقيت أرجلنا لصيقة بالأرض.. ضاع الحلم قبل أن تكبر له أجنحة.. أحلام الطفولة تلك, كانت أكاذيب, ورؤوسنا قمامة لها.. أكاذيب من قبيل حكاية (الصرار والنملة), وخروجه شتاءا.. خروجه شتاءا كان كذبة أضخم عشر مرات من خرافة الأب نوبل, وعشرين مرة من طفل الإشهار... ثم أردت أن أصبح طيارا, أشق السماء, وأقطف النجوم, لكن أمواج حلمي تحطمت على صخرة عيبي الخلقي: فحص مبكر لعيني, أظهر أنني مصاب بقصر النظر, ولا يمكنني أن أقود طائرة يوما ما.. ضاع الحلم.. ومن هنا تولدت هواية تربية الطيور. ظلت الأعالي تسكنني, وعبر الطيور, أرتقي مدارجها, وأمخر عنان أعاليها, وأعوض بها عن أجنحتي التي بقيت حبيسة الأرض. ووفاءا للحلم القديم, سكنتني هذه الهواية, وأصبحت هوسا كاد يعصف بدراستي, لولا أنني كنت أتدارك الأمور, قبل فوات الأوان. أصبحت الطيور خبزي اليومي, وأصبحت خبيرا في أسماءها, وأصنافها, ومواطنها الأصلية, وطعامها, ومواسم توالدها.. وسطح منزلنا كان يعج بالأقفاص المختلفة التصاميم والأحجام. تاجرت فيها واستطعت أن أحفر إسمي بين مربي وتجار الطيور المحترفين, وأغرقت الأسواق بأصناف نادرة, أملك وحدي أسرار أصالتها ومصادر اقتناءها.. ولكن.. مع مرور الوقت, احتفظت بعدد قليل منها, لأنها أصبحت تزعج الجيران, وبدأ يضيق بها المكان, والاعتناء بها يتطلب مالا وجهدا.. بعتها وربحت من ورائها ثروة صغيرة, واحتفظت وفاءا مني للهواية, بقفص واحد, وطائر وحيد, حرمته من رفيقته.. حتى لا يتوالدا.. | |
|
الخميس أكتوبر 13, 2011 5:32 am من طرف هند