اللاجئيناعداد : د. شاهر إسماعيل الشاهر
أستاذ القانون والعلاقات الدولية – في جامعتي دمشق والفرات – مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات
تعد مسألة الهوية من أهمّ القضايا التّي لاقت اهتمام العديد من المفكرين والسياسيين في ظل فشل بعض الدول والنخب السياسية في التوليف بين الهويات وتشكيل ما يعرف بالتعايش الهوياتي، خاصة في دول العالم الثالث[1].
ففي أي إقليم نجد مجموعة من الأفراد يسكنون ويمثلون صفات عددية (العدد، الكثافة، الحركية، النمو الديمغرافي)، وصفات أو ميزات نوعية (اللغة، الدين، الثقافة، مستوى المعيشة) فكلمة فضاء اجتماعي ثقافي تعني خصيصاً الميزات النوعية للشعوب. ولهذا قد نجد في إقليم واحد شعب داخل حدود دولة واحدة. ولكن تفرق بينه حدود اجتماعية وثقافية تعطينا في الأخير عدة شعوب داخل إقليم واحد.
ونشير إلى أن هذه الفضاءات لم يشر إليها راتزل في كتاباته وإنما اهتم فقط بالدولة، لكنها أصبحت اليوم من صميم موضوعات الجغرافية السياسية، خاصة بعد طرح مقاربة صامويل هنتنغتون سنة 1997 في ما يسمى ب”صدام الحضارات.
وأول من تبنى دراسة هذه الفضاءات الاجتماعية الثقافية هو كنافو Cnafouعام 1997 من خلال مقاربة ديمغرافية، في حين نجد معظم الجغرافيين والدراسات البشرية منذ سنين لا تهتم إلا بالصفات العددية لهذه الفضاءات لأنها أكثر استخدام وأسهل، وهذه الفضاءات قد نجدها في شكل مهني كالنقابات واتحادات العمال، الفلاحين …الخ. وقد نجدها في شكل ديني من خلال وجود معتقد واحد كمسلم، مسيحي وبوذي…الخ، وقد نجدها في شكل أيديولوجي كاشتراكي، شيوعي أو رأسمالي…الخ[2]. وحتى في شكل فكري إعلامي، مثل ما يوجد الآن من فضاءات للتواصل الاجتماعي كالفيسبوك، التويتر…الخ[3].
وقد أعد تيفي وسميث فرضيات حول الدولة والأمة تصلح للتحليل والقياس، وهي[4]:
[list="padding-right: 15px; padding-left: 0px; margin-right: 20px; margin-bottom: 20px; margin-left: 0px; list-style: none; border: 0px; outline: none; box-sizing: border-box;"]
[*]يتألف العالم من فسيفساء من الأمم.
[*]يتوقف النظام والاستقرار في المنظومة العالمية على التفاعل الحر لهذه الأمم.
[*]الأمم هي الوحدات الطبيعية للتعبير عن المجتمعات.
[*]تتمتع كل أمة بثقافتها الخاصة القائمة على نسب وتاريخ مشترك.
[*]كل أمة تحتاج إلى دولتها السيادية التي تعبر من خلالها عن ثقافتها.
[*]تتمتع الأمم (وليس الدول) بالحق المطلق في أرضها أو وطنها.
[*]لابد لكل إنسان فرد أن ينتمي إلى أمة.
[*]الولاء الأول لكل إنسان فرد إلى أمته.
[*]لا حرية حقيقية للإنسان الفرد إلا من خلال أمته.
[/list]
[size]
وتعمل الدولة- الأمة في جوهرها على تزويد مواطنيها وقومها بالمتطلبات الأساسية التي تؤكد لهم هويتهم المكانية- الزمانية وتحدد لنا الأبعاد الزمانية والمكانية التي تنتمي إليها.
وقد ترتب على التقدم الكبير في تقنيات الاتصالات، وخاصةً الفضائيات، تحطم الحواجز الجغرافيّة والحدود السياسية أمام الوارد الثقافي من خارج البلاد، ولم يعد أمام الدول التي تحرص على الحفاظ على هويتها الثقافية إلا أن تتقدم في العلم لتقديم بديل ثقافي أرقى، أو لسد منافذ الاقتحام الثقافي والإعلامي الخارجي غير المرغوب فيه
[5].
أولاً- اللغة وأثرها على الهوية الوطنية:
تعد اللغة أحد أهم العناصر التي تدرسها الجغرافيا بشكل عام, والجغرافيا السياسية على وجه الخصوص، فهي عنصر من عناصر توحيد الشعوب، وتسهم في نقل الأفكار، ووسيلة للتفاهم بين الشعوب.
والتجانس اللغوي بين سكان الدولة من أهم عوامل توحيدهم. بينما الاختلاف اللغوي غالباً ما يؤدي إلى التفرقة بينهم. ويتحدث سكان العالم اليوم بما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، بعضها يتكلم بها مئات الملايين من البشر كالصينية والانكليزية، وبعضها يتحدث بها جماعات قليلة محدودة كلغات قبائل الأمازون في أمريكا الجنوبية وقبائل نيو غينيا وأجزاء من آسيا
[6].
فاللغة الواحدة تساعد على:
[/size]
- اندماج الشعوب.
- ترابطها ثقافياً وفكرياً واجتماعياً.
[size]
والدولة التي يتحدث شعبها لغة واحدة ينصهر في بوتقة ثقافية واحدة, أما الشعوب التي تتحدث أكثر من لغة في الدولة الواحدة فإن اللغة قد تكون أحد عوامل الانفصال في الدولة.
وتعد اللغة من أهم مقومات الدولة والأمة والقوميات، ووسيلة للتخاطب والتعبير. ويعد تنوع اللغات عبئاً على الدولة، من حيث عدد المتكلمين بها واصرار كل قومية في الدولة الواحدة على اتخاذ لغتها لغة رسمية للدولة، وقد يؤدي اختلاف اللغة إلى انفصال جزء من الدولة عن الدولة الأم.
وتضم قارة أفريقيا مجموعات لغوية تتراوح ما بين 700- 1000 لغة ولهجة، إلا أن توزيع اللغات في قارة أفريقيا يمتاز بالتعقيد الشديد لعدة أسباب، منها
[7]:
أ- تعرضها للاستعمار الغربي الذي فرض عليها لغاته.
ب- التركيب اللغوي المعقد للقبائل الافريقية.
ج- تأخر التعليم في معظم الدول الافريقية.
وينقسم العالم إلى عدة مجموعات لغوية رئيسة، وتنقسم كل مجموعة لغوية رئيسة إلى مجموعات لغوية فرعية، ولكل دولة لغة رسمية خاصة بشعبها, ويمكن أن توجد أكثر من لغة رسمية للدولة الواحدة مثل: سويسرا أو بلجيكا أو كندا.
وتختلف معاناة دول العالم فيما يتعلق باللغة، فالدول التي تتصف بعدد سكان كبير مثل الصين وروسيا والهند وباكستان ونيجيريا واندونيسيا تعاني من مشكلات لغوية معقدة, بينما هناك دول لا تعاني من هذه المشكلات مثل: اليابان وألمانيا وفرنسا واسبانيا.
وفي ضوء ما تقدم يمكن تصنيف لغات العالم إلى أربع مجموعات
[8]:
1– لغات تتكلمها عدة دول: مثل الانكليزية والاسبانية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والعربية.
2– لغات تستخدم في دولة واحدة فقط: مثل البولندية واليابانية والأيسلندية.
3- بعض الدول تسود فيها عدة لغات: مثل الهند وسويسرا وبلجيكا.
4- بعض اللغات توجد في دولتين أو أكثر: مثل الكردية في مناطق الأكراد في سورية والعراق وتركيا وإيران، والباسك في أسبانيا وفرنسا.
ثانياً- الدين وأثره على الهوية الوطنية:
لا تقل أهمية التجانس الديني عن غيرها من عوامل التجانس السكاني للدولة. ويعد الدين عنصراً رئيساً في تكوين الدولة ونشأتها وقوتها السياسية، وهو من العوامل المؤثرة في الجغرافيا السياسية للدولة.
ولم يكن الدين عاملاً موحداً لنشأة الدولة، فالدولة العثمانية كانت تمثل الخلافة الإسلامية، لكنها كانت تحكم رعايا مسيحيين ويهوداً، ولا شك أن بعض الدول حاولت أن تجعل الوحدة الدينية سائدة داخل حدودها كنوع من تدعيم السلطة، لكن ذلك لم يكن تاماً ولا ناجحاً، ففي العصور الوسطى حاولت بعض دول أوروبا أن تكون موحدة دينياً أمام موجة الإصلاح الديني وظهور البروتستانتية، لكن كان على هذه الدول في النهاية أن تتقبل وجود عدة أديان ومذاهب كما هو الحال في سويسرا. وخلاصة القول أن الإمبراطوريات التاريخية الكبرى (الرومانية – العثمانية – العربية – النمسا والمجر) كانت تضم داخل حدودها متجمعات مختلفة سلالية ولغوية ودينية
[9].
والدين عامل هام في بناء المجتمع, إلا أنه في المجتمعات الغربية ليس عاملاً حاسماً في تكوين القومية, بل ربما كانت اللغة أعمق أثراً في التمييز بين الشعوب، وتكوين القوميات من الدين.
ينتثر العديد من الديانات والمعتقدات في جميع أنحاء العالم والتي تختلف من حيث طبيعتها وعدد اتباعها, فهناك بعض الديانات التي تنتشر في جميع أنحاء العالم من حيث تواجد أتباعها في معظم دول العالم ومن هذه الديانات:
[/size]
- المسيحية. ب- الاسلام. ج- البوذية.
[size]
وتنقسم هذه الديانات إلى عدد من المذاهب، فعلى سبيل المثال ينقسم الدين الاسلامي إلى قسمين رئيسين هما: ( السنة والشيعة، واللذين ينقسمان بدورهما إلى عدة مذاهب فرعية أخرى)، والمسيحية تنقسم: إلى البروتستانت والكاثوليك.
وهناك أديان توجد في مجتمع واحد أو دولة واحدة، مثل: الكونفوشيوسية في الصين. والشنتو في اليابان، والهندوسية في الهند.
ويلعب الدين دوراً مهماً في نشأة الدولة، وذلك من خلال العلاقة بين المؤسسات الدينية من جهة والدولة التي تمارس دورها في حماية الدين ورجاله من جهة أخرى. إلا أن هذه العلاقة تعرضت للتغيير في الوقت الراهن فقد اتجهت بعض الدول حديثاً نحو فصل الدين عن الدولة، أو ما يعرف بالدولة العلمانية والتي يقصد بها: إلغاء اعتراف الدولة بالدين أو الأديان على أساس أن هذا الإلغاء يخلق تعاوناً وتسامحاً بين الأديان.
وقد يؤدي ظهور أنظمة دينية جديدة إلى خلق مجتمع جديد أو أقلية قومية جديدة، وقد يؤدي ظهور عوامل غير مواتية في ثقافتين دينيتين إلى حدوث انفصال في الدولة، وقد يتطور الأمر إلى حدوث منازعات، مثال ذلك النزاع في سيريلانكا الذي يرجع في الأساس إلى فروق دينية بين الأكثرية الشنهاليزية والأقلية التاميلية. ومثال ذلك أيضاً انفصال بلجيكا عن هولندا عام 1830 والذي يرجع إلى رغبة سكان بلجيكا الكاثوليك بالانفصال عن هولندا الكالفينية
*.
[10]وقد تختلف دول العالم من حيث تركيبها الديني والعقائدي، فهناك دول أدى اختلاف أديان سكانها إلى انقسام الدولة على نفسها، ومن أمثلة ذلك شبه القارة الهندية التي انقسمت إلى دولتين هما الهند وباكستان، وتضم شبه القارة الهندية حالياً ثلاث دول، هي: ( الهند – باكستان – بنجلادش).
– ايرلندا التي انقسمت إلى دولتين: أحدهما مسيحية كاثوليكية والأخرى مسيحية بروتستانتية.
ومن أمثلة الدول التي تتميز بالتجانس الديني: ( الدول الإسكندنافية البروتستانتية – دول أمريكا الجنوبية الكاثوليكية).
وتأثير الدين كعامل مؤثر في الجغرافيا السياسية بدأ يخف في بعض الدول نتيجة لزيادة النزعة العلمانية في هذه الدول، وظهور العوامل السياسية والاقتصادية الأخرى إلا أنه يمكن اعتبار الدين عامل اساسي في نشأة الدول، ومثال ذلك: ( الجمهورية الاسلامية الايرانية وباكستان) .
وتختلف الدول من حيث توزيع الأديان، فهناك دول يسود فيها دين واحد مثل المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية, ودول تتعدد فيها الاديان والمذاهب، مثل: الولايات المتحدة والعراق, كما يوجد في الدولة الواحدة عدد من العقائد والمذاهب، مثل: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ودول أخرى بها أقليات دينية مثل العراق والكويت.
وكما يعمل الدين على نشأة الدولة فإنه يعمل على تفككها، ومن الامثلة الصارخة على دور الدين كعامل لتفكك الدولة يوغوسلافيا السابقة، حيث أدى انقسام الامبراطورية الرومانية خلال القرن الخامس الميلادي بين الكاثوليك في الغرب والارثوذوكس في الشرق حيث كان خط الحدود الذي يمر بين جزئي الامبراطورية يقسم يوغوسلافيا إلى قسمين، ولا يقتصر الأمر على الدين فقط، بل تعد اللغة عاملاً لتفكك الدولة, ففي يوغوسلافيا السابقة كان الصرب الذين يدينون بالأرثوذوكسية يتكلمون اللغة السيريليكية بينما كان الكروات والسلوفينيين يدينون بالكاثوليكية ويستخدمون اللغة اللاتينية, بينما كان البوسنيون يدينون بالإسلام الذي تحولوا إليه في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين على يد الأتراك العثمانيين.
وخلاصة القول: تنقسم الدول من حيث الدين، إلى:
1- دول يسود فيها دين واحد: مثل معظم الدول العربية والاسلامية, اسبانيا, البرتغال, إيطاليا, فرنسا ( دول مسيحية كاثوليكية), السويد النرويج, فنلندا ( دول مسيحية بروتستانية).
2- دول يهيمن فيها دين على دين آخر مثال ذلك: الولايات المتحدة.
3- دول تتعدد فيها الأديان, ومن أمثلتها: كندا, سويسرا, العراق, الهند.
خريطة الأديان في العالم:
أصدرت مؤسسة «بيو» الأمريكية لأبحادث الأديان والحياة العامة، دراسة بعنوان: “المشهد الديني العالمي: تقرير عن حجم وتوزيع المجموعات الدينية في العالم اعتباراً من سنة 2010”. وقد شملت الدراسة 230 بلداً وإقليماً، وأكدت أن العالم لا يزال ينزع نحو التدين، إذ يعتنق 84 % من سكان المعمور الأديان السماوية، أو ينتسبون إلى الأديان التي ابتكرها البشر على كثرتها، أو يعتقدون بشيء ما، أي حوالي 5.8 مليار شخص من أصل 6.9 يسكنون العالم. بينما يعيش 16.3 % (1.1 مليار شخص) إما ملحدون أو لا قدريون، غير أن الملفت في نتائج الدراسة، أن العالم العربي الأكثر إيماناً، فلا تتجاوز نسبة اللا دينيين سوى 0.2 % من إجمالي عددهم في العالم، ولا يتعدى عددهم مليونين ومائة ألف شخص، ومقارنة مع التعداد السكاني لمجمل الدول العربية فهم يشكلون 0.6 % من السكان التي تبلغ 341 مليون و20 ألف شخص
[11].
وصنف «بيو» العالم إلى ثماني مجموعات دينية؛ تعد المسيحية المجموعة الدينية الأولى نظراً لانتماء 31.5 % إليها، والإسلام ثاني المجموعات يعتنقه 23.2 %، ويعد اليهود أقل المجموعات الدينية على الإطلاق بنسبة لا تتعدى 0.2 %، بينما يشكل الهندوس والبوذيون الذين يتركزون في «مهد» هذه الديانات بدول محددة بآسيا والمحيط الهادئ نسبة 15 و7 %على التوالي. في حين ما يزال حوالي 6 % من سكان المعمور يعتنقون الديانات الشعبية «البائدة»، وتشمل الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء المسيحية والإسلام (مثل السانتريا، أمباندا، فودو، وغيرها)، وأديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين (دين أزتيك، ودين الإنكا والمايا).
وبخلاف باقي الأديان الأخرى، فالإسلام وحده الديانة المتوسعة جغرافيا؛ فالدراسة أبرزت، أن 73 % من المسلمين يعيشون أغلبية، وذلك في 49 بلداً بما فيها 19 من أصل 20 بلداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأزيد من ربع المسلمين يعيشون في باقي دول العالم على شكل «أقلية»، حيث لا تكاد تجد منطقة، كما تظهر البيانات، لا تعرف حضوراً للمسلمين. وبالمقابل، أكدت الدراسة الأمريكية، انحصار «التبشير» خلال السنتين الماضيتين، وعدم وجود المسيحيين على غرار الهندوس والبوذيين إلا كأغلبية.
ومن المعطيات المثيرة التي تكشفها الدراسة، أن متوسط عمر المسلمين لا يتجاوز 23 سنة، وهي الأقل مقارنة مع كل الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية، إذ تعد كل المجموعات الدينية الأخرى باستثناء الهندوس من كبار السن، حيث يبلغ متوسط عمر المسيحيين 30 سنة ويتجاوز متوسط عمر اليهود 36 سنة، كما أن متوسط عمر المسلمين أصغر من متوسط عمر سكان العالم الذي هو 28 سنة؛ وهذا الأمر يؤكد توسع المسلمين بشكل أكبر في المستقبل على اعتبار أن غالبية معتنقيه من الشباب
[12].
«الديانات الشعبية».. ما يزال يعتنقها 6 % من سكان العالم!
405 مليون شخص عبر العالم يعتنق «أدياناً شعبية»، والمقصود بها حسب الدراسة الممارسات المحلية التي يلجأ إليها الناس لإشباع رغباتهم الروحية، وتشمل الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء المسيحية والإسلام (مثل السانتريا، أمباندا، فودو، وغيرها)، وأديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين (دين أزتيك، ودين الإنكا والمايا)، وأوضحت الدراسة، أن 6 % من سكان العالم يعتنق هذه الممارسات «البالية» والضاربة جذورها في أعماق التاريخ. غير أن معتنقي هذه الأديان ينحصرون بنسبة 90 في المائة في دول بعينها بآسيا (حوالي 365 مليون نسمة)، والبقية تتوزع على دول مختلفة بإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 6.6 في المائة وفي الأمريكيتين بنسبة 3 %. وتشير البيانات أن معتنقي هذه الأديان يتركزون أساساً في عشر دول بآسيا وإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 91 %، وفي مقدمتها الصين التي ينتمي إليها 22 % من سكان البلد (حوالي 294 مليون نسمة) ويشكلون لوحدهم نحو 73 % من عددهم الإجمالي في أنحاء العالم، وأيضاً يعتنق هذه الأديان 45 % من سكان الفيتنام والتايوان على التوالي، ونحو 33 % من مواطني دولة جنوب السودان التي استقلت عن الخرطوم، فضلاً عن بضع ملايين متمركزة في كل من بوكينافاسو ونيجريا بإفريقيا والهند وكوريا الشمالية وبرورما ميانمار بآسيا والبرازيل بأمريكا اللاتينية
[13].
ويشكل اللا دينيون (إما ملحدون أو لا أدريون) ثالث أكبر المجموعات في العالم بعد المسيحية والإسلام؛ إذ كشفت الدراسة، عدم انتساب 16.3 % (حوالي مليار و100 ألف شخص) إلى الأديان سواء السماوية أو التي ابتكرها البشر.
بيانات الدراسة، أظهرت أن حوالي 52 % من اللا دينيين في العالم يتركزون في دولة واحدة تعد أهم قلاع الشيوعية؛ وهي الصين التي ينتمي 62 % من مواطنيها إلى هذه المجموعة الدينية، وحكمها ماو تسي تونغ أحد قادة الشيوعية فكراً وممارسة ثلاثين عاماً. وأبرزت أن غير المنتسبين دينياً يشكلون أغلبية في ست دول قاسمها المشترك تاريخها الشيوعي، فإلى جانب الصين لا يعتنق 76 % من مواطني جمهورية التشيك أياً من الأديان، ولا ينتسب71 % من سكان كوريا الشمالية إلى أي مجموعة دينية، ولا ينتمي 59 %من سكان إستونيا بشرق أوروبا إلى الأديان السماوية والوثنية، ولا يؤمن 57 % من مواطني دولتي اليابان وهونغ كونغ بما جاءت به الأديان وتدعو إليه. وعلى المستوى الكمي، يتركز 86 % من إجمالي منتسبي هذه المجموعة الدينية في عشر دول، تبنت غالبيتها الشيوعية باستثناء فرنسا وألمانيا التي لا يدين ربع سكانها بأي دين، والولايات المتحدة الأمريكية التي لا يعتنق 1 من كل 8 مواطنين الأديان.
اللا دينيون لا وجود لهم في العالم العربي إلا بنسبة لا تكاد تذكر، فالدراسة بينت أنهم يشكلون 0.6 % فقط من سكان العالم العربي، ويقدر عددهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمليونين و100 ألف شخص من إجمالي السكان الذي يزيد عن 341 مليون نسمة
[14].
ومن بين المعطيات المثيرة التي تشير إليها الدراسة، أن خريطة الأديان ما يزال يؤثثها وجود الديانتين الهندوسية والبوذية التي ابتكرها البشر بنفس القوة العددية، فمعتنقي الديانتين يقتربون من عدد المسلمين عبر العالم، إذ يشكلون 22 % موزعة بين 15 % من الهندوس و7 % من البوذيون. إلا أن أهم خاصية تميز الديانتين على حد سواء هو تركزها في مهدها بدول آسيا بنسبة 99 %.
ووفقاً للبيانات الحسابية، فإن الغالبية الساحقة من الهندوس (نحو 94 % من عددهم الإجمالي) يعيشون بالهند التي يشكلون بها أزيد من ثلاثة أرباع سكان البلد، فيما تستقر نسبة 6 % الأخرى بدول أخرى مثل النيبال والبنغلادش وإندونيسيا وباكستان وسيريلانكا وماليزيا وبورما، مع وجود أقلية من معتنقي هذه الديانة بالولايات المتحدة الأمريكية (مليون و790 شخص) وبريطانيا (800 ألف شخص).
وعلى غرار ذلك، يعيش غالبية البوذيون بدول آسيا والمحيط الهادئ، حيث يتمركز النصف الأول بدولة الصين لوحدها، والنصف الثاني يتوزعون على التايلاند واليابان وبورما وسيريلانكا والفيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية والهند وماليزيا على التوالي.
ثالثاً- المجموعة السلالية كأساس للدولة
الوحدة الإثنية قد تشجع على ولادة دولة، مثل المجر أو بلغاريا أو تايلاند، لكن دولاً عديدة تتكون من عدة شعوب وسلالات مثل الولايات المتحدة والبرازيل، حيث نجد كافة سلالات العالم متمثلة في مواطني هاتين الدولتين. كذلك لوحظ أن الدولة حينما تنشأ وتنمو تحاول أن توجد لنفسها طابعاً إثنياً أو سلالياً بصورة مصطنعة، وأكبر دليل هو ألمانيا النازية التي ادعت لنفسها سلالة آرية نقية بعد أن كانت ألمانيا قد توحدت في دولة مركزية واحدة منذ ١٨٧٠
[15].
وتنقسم المجموعة السلالية إلى الآتي:
أ- الجنسية: ويقصد بها الشعور بالولاء نحو دولة معينة، أو هي الصفة القانونية لفرد من أفراد أي شعب.
ب- السلالة: السلالة جماعة من البشر يتصفون بصفات جسمانية معينة تميزهم عن غيرهم من المجموعات، ويقصد بها السلالة العرقية التي ينتمي إليها الفرد أو الشعب, وقد تعرضت السلالات البشرية إلى الاختلاط الشديد، بحيث يندر وجود سلالة نقية في العالم.
وينقسم سكان العالم إلى سلالات رئيسة، وهي:
[/size]
- السلالة القوقازية.
- السلالة المغولية.
- السلالة الزنجية.
[size]
وتلعب السلالة دوراً مهما ًفي الجغرافية السياسية، من خلال تحديد قوة الدولة أو ضعفها، وذلك من خلال انسجام السلالات أو تنافرها داخل الدولة الواحدة، ومن أمثلة ذلك مشكلة الزنوج في الولايات المتحدة، أو سياسة الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقاً
[16].
ويؤدي التباين في السلالات في الدولة إلى ظهور التمييز العنصري بين أفراد الشعب, فعلى سبيل المثال: تمنع استراليا هجرة الملونين إليها، باستثناء العنصر الأبيض، والذي يمثله الأوربيون. وجنوب افريقيا التي كانت تتبنى سياسة الفصل العنصري قبل إلغائه، وكذلك اسرائيل التي تنتهج سياسة الفصل العنصري والتي تتكون من خليط من الشعوب وتقدم امتيازات لليهود الغربيين على اليهود الشرقيين، كما تفرق في المعاملة ما بين العرب والإسرائيليين، ويؤدي التباين العرقي والاثنوغرافي في الدولة إلى التفكك وضعف القوة السياسية في الدولة.[/size]
الإثنين أكتوبر 15, 2018 10:07 am من طرف حمادي